حصريا

الوسطية بين الإتباع والابتداع الدكتور محمد زيدان

0 259

الوسطية بين الاتباع والابتداع

التشريع الإسلامي يحث على الوسطية بين الاتباع والابتداع ؛ فالمسلم مطالب بالاتباع في دينه؛ لما ورد في النصوص من وجوب اتِّباع الشرع، وطاعة الله ورسوله، فقد قال الله تعالى: ((وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) سورة الأنعام: 153.

وقال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)) سورة المائدة 3.

والإكمال نوعي، والإتمام عددي، أي أن القضايا التي عالجها الدين تامة عدداً، كاملة نوعاً، فأية إضافة على الدين تعني ضمناً اتهامه بالنقص، وأي حذف من الدين يعني ضمناً اتهامه بالزيادة، فالدين توقيفي من عند الله، لا يجوز أن نحذف منه، ولا أن نزيد عليه؛ ويكون الاتِّباع بالأخذ بالكتاب والسنة جملةً وتفصيلاً، والعمل بهما والدعوة إليهما، وفهم النصوص على ما جاءت به السنة، وعلى ما فهمه الصحابة، وعمل به الخلفاء الراشدون، وأجمع عليه العلماء الربَّانِيّون؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدَث في أَمرِنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ”)[1]؛ وقال أيضاً: (فعليكم بسنتي، وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، تمسكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدَثات الأمور، فإن كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة)[2] ؛ وعليه فإن الاتباع والاقتصار على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الإجماع المبني على الكتاب والسنة، هو منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من المؤمنين؛ هو من أسباب حفظ هذا الدين.

أما الابتداع فهو كما قال الإمام الشاطبي- رحمه الله-:(طريقةٌ في الدِّين مخترَعة، تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه)[3]؛ فالابتداع إنما يكون في الدِّين، أما ما أُحدث من الأمور الدنيوية كالصناعات ونحوها فلا يدخل تحت البدعة الشرعية؛ فكل ما لم يتعبَّدنا الله بشيء منه، وإنما فوَّض لنا الأمر فيه باختيار ما نراه موافقًا لمصلحتنا، ومُحققًا لخيرنا بحسب العصور والبيئات، فإن التصرُّف فيه بالتنظيم أو التغيير لا يكون من الابتداع الذي يؤثِّر على تديُّن الإنسان وعلاقته بربه، بلإن الابتداع فيه من مُقتضيات التطور الزمني الذي لا يَسمح بالوقوف عند حد الموروث من وسائل الحياة عن الآباء والأجداد.[4] ؛ فالوسطية تكون بين الاتباع للأمور الشرعية القطعية التي لا تقبل الاجتهاد؛ وبين الابتداع في أمور الدنيا التي تقبل الاجتهاد؛ فللمسلم أن يبدع في أمور حياته فيها وأن يطلق العنان لخياله في التغيير والنقد والبناء،وأما الدعوة إلى الهُدى أو استنان سنة الخير، أو إيجاد السنة الحسنة ، فكل ذلك لابد أن يكون مضبوطاً بالضوابط الشرعية الثابتة؛ فقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من سن سنة حسنة ” لا يمكن حمله على الاختراع والإحداث والابتداء من غير أصل مشروع معتبر، لأن كون العمل حسناً أو سيئاً قبيحاً لا يُعرف إلا بالشرع ؛فالحَسن ما حَسّنه الشرع، والقبح ما قبّحه الشرع .

والقاعدة الواجب اتباعها هنا ما قاله بن تيمية-رحمه الله-:أن أعمال الخلق تنقسم إلي: عبادات يتخذونها ديناً، ينتفعون بها في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة، وإلي عادات ينتفعون بها في معايشهم .

فالأصل في العبادات ألا يشرع فيها إلا ما شرعه الله؛ والأصل في العادات ألا يحظر منها إلا ما حظره الله[5] ؛ يتضح من هذا أنه “لا ابتداع في العادات ولا في الصناعات ولا في وسائل الحياة العامة ” ؛ كما قال الشيخ محمود شلتوت  “إذ هذه الأمور لا شأن لها في حقيقة العبادات إنما ينظر إليها من كونها تخالف الأحكام الشرعية من حيث أصولها، أم هي مندرجة تحتها .[6]

إذاً ليس كل ما لم يكن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم؛  ولا في عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم نسميه بدعة؛ لأن كل علم مستحدث ينفع المسلمين يجب تعلمه علي بعض أفراد المسلمين؛  ليكون قوة لهم ترقي بها الأمة الإسلامية؛ وإنما البدعة ما يستحدثه الناس في أنواع العبادات فقط، أما ما كان في غير العبادات، ولم يخالف قواعد الشريعة، فليس بدعة أصلاً “[7].؛قال الشيخ يوسف القرضاوي :… وأما العادات أو المعاملات فليس الشارع منشئاً لها ، بل الناس هم اللذين أنشئوها، وتعاملوا بها، والشارع جاء مصححاً ومعدلاً لها ومهذباً ومقراً في بعض الأحيان ما خلا عن الفساد والضرر منها [8].

-البخاري،كتاب الصلح، (ص 514 رقم 2697)،ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، (3/ 1343 رقم 1718)،[1]

2- أبوداود في سننه، كتاب السنة، (4/200 رقم 4607) بلفظ مقارب، والترمذي في جامعه، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (5/44 رقم 2676)،وقال: هذا حديث حسن صحيح.

[3]– الاعتصام؛ الشاطبي 1/50

-) البدعة أسبابها ومضارُّها ؛ محمود شلتوت ص:12.[4]

[5]-الاقتضاء – ابن تيمية (2/582).

[6]–  البدعة أسبابها ومضارُّها ؛ محمود شلتوت ص 13

[7]-من تعليق الشيخ أحمد شاكر علي الروضة الندية (1/72) بتصرف .

[8]-الحلال والحرام في الإسلام ؛ يوسف القرضاوي ص21.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.