النقد بين القبول و الاعتراض- الأستاذة سمية رحيم

النقد بين القبول و الاعتراض
الأستاذة سمية رحيم
نجد كثيرا من العامة و الخاصة، مفكرين و أدباء و سياسيين وغيرهم ممن يشار إليهم بالبنان، ومن أتباعهم، يتعاملون مع النقد تعاملا نابعا من العاطفة لا من الواقعية و الموضوعية،فلا يفرقون بين نقد الفكرة ونقد الشخص،ففي حالة ما أبدى أحدهم رأيا في فكرة ما،راح صاحب تلك الفكرة و أتباعه يهاجمون صاحب الرأي المخالف،و فجأة يصبح عدوا لدودا،وقد يوصف في بعض الأحيان بالخيانة والعمالة والجهل وقد يصل الأمر إلى التكفير إن كان الخلاف في مسألة دينية،و نجد أن هؤلاء أنفسهم ينتقدون غيرهم ويصفونهم بما وصفوا به من خالفهم و هكذا،وهذا ليس من الإنصاف في شيء،فالله سبحانه و تعالى فرّق بين أهل الكتاب وأنصفهم،فقد قال سبحانه “لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ” (1)،
و التعامل مع الآخر على أساس الاعتراض مردّه إلى سوء الفهم والجهل بثقافة النقد،واعتقاد كمال النفس ونقص الآخر،و الخلط بين الفكرة و قائلها،مما أدّى إلى فجوة عميقة بين مختلف الفئات،و التعصب للرأي الواحد،وعدم الاستفادة من الآخر وتجاربه لمجرد مخالفته أو نقده لما يؤمن به هذا الطرف و بالتالي الركود و التقاعس.
و الواجب علينا التعامل بالمعايير التالية مع الخصم:
1-التحرر من حظ النفس والتحلّي بالموضوعية في جميع الشؤون والاعتراف بنقص الذات قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( كل بني آدم خطاء, وخير الخطّائين التوابون) (2)
2-عدم الخلط بين النقد البنّاء و بين الشتم و السب و الصراخ و العويل يقول المزني:” سَمِعني الشافعي يومًا وأنا أقول: فلان كذاب، فقال لي: يا إبراهيم، اكسُ ألفاظك أحسنَها، ولا تقل: كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء”(3)
3-تجنّب العاطفة في عرض الأفكار والنتائج،وعليه أن يَعي أن الإنسان الناجح يستفيد من تجارب الآخر، لا من ينحصر في بوتقة نفسه و في زمان و مكان معينين و يخضع لسلطة أفكار لا يستطيع الانفكاك عنها لمجرد أنه لم يكتشف غيرها أو لا يريد ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها) (4)
5-التعصب للرأي و ان كان حقا و الانتصار للنفس من الأمراض الخفية و الأهواء الذميمة قال أبو حامد الغزالي:( من آفات علماء السوء، فإنهم يبالغون في التعصب للحق، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار) (5)
6-نهي الخاصة أتباعهم عن التعصب لهم و الولاء و البراء لمذاهبهم و استعمال السب و الشتم في سبيل ذلك و محاولة تجنيبهم الصراعات و الخلافات يقول الإمام أبو حامد الغزالي : (لَمَّا كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع، ولا يستميل الأتباع مثل التعصب واللعن والشتم للخصوم اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم، وسموه ذبًّا عن الدين، ونضالاً عن المسلمين، وفيه على التحقيق هلاك الخلق، ورسوخ البدعة)(6)
ومنه علينا تكثيف الجهود أفرادا و جماعات و مؤسسات في السعي إلى غرس ثقافة الوعي وقبول النقد ومعرفة أساليب هذا الفن وكيفية إبداءها وتقبلها،و ترسيخ هذا المفهوم لدى الأجيال القادمة،ونختم بأبيات للإمام الشافعي رحمة الله عليه:
تعمَّدْني النَّصيحةَ في انفرادي وجنِّبْنِي النَّصيحةَ في جماعهْ
فإن النصحَ بين الناس نوعٌ مِن التوبيخِ لا أرضى استماعَهْ
فإِنْ خالَفْتَني وعَصَيتَ قولي (7)فلا تغضَبْ إذا لم تُعْطَ طاعه
المراجع:
1-آل عمران 113
2-رواه ابن ماجة
3-الردود لبكر أبو زيد
4-رواه ابن ماجة والترمذي
5-إحياء علوم الدين
6-إحياء علوم الدين
7-ديوان الشافعي