حصريا

القاضي:أصول الفقه – د.خالد العروسي

0 1٬088

[cl-popup title=”ترجمة الكاتب” btn_label=”ترجمة الكاتب” align=”center” size=”s” paddings=”” animation=”fadeIn”]أستاذ الدراسات العليا-جامعة أم القرى-كلية الشريعة-[/cl-popup]

 ليس في العنوان خطأ أو تصحيف أو تحريف, بل هو لقب نحتّه من كلمة ابن دقيق العيد الخالدة-نقلها الزركشي في البحر المحيط-: (أصول الفقه هو الذي يقضي ولا يُقضى عليه), فصحّ عندي أنْ أسميه: القاضي: أصول الفقه.
وربّ قائلٍ يقول: شهد شاهد من أهلها, فهلاّ أتيت بشهادةٍ من غير أهلها؟
والجواب: أن ابن دقيق العيد لا يمكن تصنيفه على أنه أصوليٌّ فقط؛ فهو محدث؛ وأقواله معتبرة عند أهل الحديث, وهو أيضا فقيه؛ يتسابق الشافعية والمالكية في نقل تحريراته الفقهية, لذا كانت شهادته: شهادة خبير.
وكلمته التي سطّرها ليست مبالغة, بل هي حقيقة, فإن علم أصول الفقه هو العلم الذي أخذ من شتى العلوم بطرف, ثم صاغها في (قوالب) قواعد, توزن بها العلوم؛ فلا مجال لفهم نصوص الوحيين إلا بمعرفة وإتقان هذه القواعد.
والأصل في أصول الفقه أنه من علوم الوحيين, وأن تطبيقه يكون على استنباط مسائل الشريعة وضبط الاجتهاد به؛ لكن يعرف كل من مارس هذا الفن أن فائدته تعدت ذلك, فهو يضبط الذهن والفهم, حتى لقد أخبرني أحد القانونيين أنه استفاد من علم أصول الفقه في ضبط القوانين وصياغتها وفهمها؛ وأزعم أنه نافع كل النفع للمحاميين أيضا في ترتيب قواعد الجدل الذي تقوم المحاماة عليها
وقطب الرحى في هذا الفن هو دلالات الألفاظ المستقاة من اللغة العربية؛ يقول إمام الحرمين في “البرهان”: (” اعلم أن معظم الكلام في الأصول يتعلق بالألفاظ-أما المعاني فستأتي في كتاب القياس- أما الألفاظ فلا بد من الاعتناء بها فإن الشريعة عربية ولن يستكمل المرء خلال الاستقلال بالنظر في الشرع ما لم يكن ريانا من النحو واللغة)
بل كان للأصوليين مزيد فضل على مباحث اللغة واستدركوا على أهلها أشياء ليست من صنعتهم؛ يقول تقي الدين السبكي في “الإبهاج”: (إن الأصوليين دققوا في فهم أشياء من كلام العرب لم يصل إليها النحاة ولا اللغويون، فإن كلام العرب متسع جدا والنظر فيه متشعب فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصولي واستقراء زائد على استقراء اللغوي )
ولأهمية اللغة فتح الأصوليون الباب للنحويين في الإدلاء بدلوهم في علوم الشريعة, لذا صرّح غير واحد من الأصوليين منهم الطوفي في “شرح مختصر الروضة” : (أنه يعتبر قول النحوي في مسائل الاجتهاد لتمكنه من درك الأحكام) ثم نقل أمثلة على فتاوى بعض النحويين منهم أبو عمر الجرمي حيث قال: (لي كذا وكذا من السنين وأنا أُفتي من كتاب سيبويه).
لذا كان لزاما على أهل العلم العناية باللغة العربية وتعاهدها تدريسا وبحثا ونشرا؛ وتأصيل طلابه منذ نعومة أظفارهم على العبّ من هذا الفن عموما ومن اللغة العربية خصوصا..
ولا أنس الشبهات التي لحقت هذا العلم فجعلت طائفة من طلابه ينفرون عنه؛ وما ذلك إلا لتقاعس أهله عن البيان والتبيين.
ولعلّ هذه المقالة تكون حافزا لي ولزملائي الباحثين في إعادة الوهج لهذا العلم حتى يعود القاضي: أصول الفقه حقا..!

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.