التفسير الإشاري بين الغزالي وابن تيمية. دراسة مقارنة
التفسير الإشاري
بين الغزالي وابن تيمية.
دراسة مقارنة.
تأليف : محمد يحيى جادو
عفا الله عنه وعن والديه.
مقدمة
حمدا لك اللهم عدد كلماتك التي لا تنفد، وجزاء نعمك التي لا تعد، وحمدا لك على تيسير الحمد، لا نحصى ثناء عليك ربنا أنت كما أثنيت على ذاتك من قبل أن يثني عليك أحد، تمت ربوبيتك على خلقك فكل بها قائم سعى أو جمد، وحقت أولوهيتك على الخلق من آمن ومن جحد، لك اللهم الصفات المثلى، والأسماء الحسنى، وأحسن الحسن وصفك لنفسك بنفسك (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد).
ثم أتم الصلوات، وأكمل التسليمات على الحبيب النسيب الموصف بكل جميل في القرآن والتوراة والإنجيل ، الأمين ولد آمنة محمد، بنعله نعلوا، وبسيماه نسموا، وبذكره نزكوا، وبوصفه نصفوا…..
يا أم معبد كرري أوصافه فالضرع جف وشاتنا عجفاء
وعلى آله الشرفاء، وصحابته الأجلاء، وأتباعه النجباء، أتم التحيات والطيبات، ضراعة أن ندخل فيهم برحمة رب البريات، أما بعد؛
فإن القلم يقف على حافة القرطاس مشدوها خائرا ، واللسان يتلجلج في الفم مذهولا حائرا، لا يدري المرء ما يأتي وما يذر ، وقد أوشكت أن أخوض غمار بحرين خضمين، الخائض فيهما مفقود ، والعائد منهما مولود، فهل أتاك نبأ علم الأعلام ، وزينة حملة الأقلام، وحجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي (505 هـ)، ذاك الذي تفاخر به أمتنا سائر الأمم أن يكون في غير أمتنا نظيره ، أو هل قرع أذنك ذكر شيخ الإسلام ، ومفتى الأنام ، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقيّ الحنبلي، أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية، (ت 728 هـ) هذا الذي أصغى له الزمان بسمعه وبصره، وخلده الدهر آية من آيات الله العظمى، حفظا وفهما وعلما وولاية ، فبالله قل لي أيدري الخائض لجج هذين البحرين العظيمين أيرجع سالما غانما بمقصده من درر جواهر هذين البحرين، أم لعل قواه الخائرة لا تثبت لهذه الأمواج المتلاطمة فتهوي به في مكان سحيق، بالله قل لي بأي الأمرين أقرب أن يعود؟
لعلك -الآن- أدركت بعض ما المرء مقدم عليه من الأهوال ، والأمور الثقال ، أن يخوض امرؤ أعزل هذه اللجج التي بعضها فوق بعض، لا مركب للمرء يستوطئه أملا في الفوز بمراده إلا الطمع في فضل رب الكريم ، يجبر مكسورا، ويعطي محروما، ويمن بفضله على السائلين المخلصين.
ولما كانت العلوم منحا إلهية ، ومواهب اختصاصية ، ولم يكن بمستغرب على الله أن يفتح لبعض المتأخرين ما استغلق على كثير من المتقدمين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فقد أخذ الله بيد الضعيف فحررت –ببركة يد الله – ما استشكل على الناس من قضية (التفسير الإشاري) ، وبعد أن ذهب الخلق فيها كل مذهب، وركب كل منهم مركب، سلك الله بنا طريق أوليائه ، فألقت إلي هذه القضية بأفلاذ أكبادها، وأتتني طائعة منقادة بسلسالها ، ليس لي في ذلك إلا الضعف والعجز، وإن هو إلا فضل الكريم المنان، سبحانه وبحمده، وحررت هذه القضية في كتابي الموسوم ب (الاستنباط الإشاري في القرآن الكريم، دراسة تأصيلية وتطبيقية)، ولما كان على كل متكلم في علم أن يصل أمره بأكابر هذا العلم وإلا ارتد إليه أمره خائبا وهو حسير، عرضت ما حررت على قواعد أهل النظر في هذا الشأن ، كالإمام الشاطبي (ت 790 هـ) ، وكالإمام ابن القيم (ت 751 هـ)، فما زادونا إلا بصيرة على بصيرتنا –ولله الحمد وحده ، وما كنت –وما ينبغي لي- أن أدعي التحقيق والتدقيق وأنا والسلف الصالح في هذا الأمر ضدان ، إنه لا تثبت لأحد قدم في فن من فنون العلم ، حتى يشهد لسبيله الأولون ، وأما من عارضت سبيله سبيلهم فهو إلى الخطأ أقرب ، وعن الصواب أجنب، ويا ليت الأمر انتهى بي إلى هذا المطاف ، بل إن أس الإشكال في هذه القضية، كونها أرض نزاع بين طائفة من طوائف الأمة -اعتنت بهذا الضرب من القول في كتاب الله على طريقتها- وسائر طوائف الأمة، فلما أرجعت القضية إلى أمرها الأول ، وضربن صفحا عن ما ألصق بها من الشرع المبدل ، ثارت ثائرة رؤس العوام من الصوفية، وراحوا يرمونني بكل ما قذر، غير أنه لن يضرني كيدهم شيئا ، وإن الله لمع المحسنين، ثم إن من يبتغى العقل عنده منهم ، نبل فسلك مسلكا ظاهره الطرح العلمي، والنقل الاستدلالالي ، فراح يحتج ببعض تطبيقات لحجة الإسلام الغزالي في كتابه( إحياء علوم الدين) يظنها داخلة في مسمى بحثنا،وهذه النقولات التي نقلوها –على ما هى عليه من ضعف ظاهر ، وخطأ بين- إلا أنه يبقى مسلكا ظاهره فيه العلم والحجة والبرهان، وظنوا أن لا جواب لدي على هذه النقولات، والحق أقول لك ، إنه على ما حمدته لهؤلاء من سلوك ما يحسبونه علميا، غير أن قلبي كان مفعما بالشفقة عليهم، وبدوا لي كالطير خر من السماء ، أو هوت به الريح في مكان سحيق، وذهب بي الفكر حينها كل مذهب، وصارت تتوارد على خاطري علامات التعجب ذرافات ووحدانا ، ألم يبصر هؤلاء ما زبره حجة الإسلام في مستصفاه من تحرير تقعيدي يرد ما يجتزؤنه من متشابه قوله؟ بل إن تعجب فعجب أن يسطر الغزالي في بداية (الإحياء) ما يأتي على بناينهم من القواعد، هنا غاض قلبي بالشفقة لهم، ورحمة ضعفهم، فرأيت أن المنهج العلمي يقتضي أن إذا ذهبت أستنبط رأيا لعالم في مسألة من المسائل ، فإنه يجب أن أنظر كلامه كاملاـ، تنظيرا وتطبيقا ، لا أن أجتزئ بعض كلامه هنا ، وكليمات هناك، ثم أبني على هذا الوهن قصرا من الخيال، ألا إن أخطر ما يعانيه العلم من مشتغليه هذا الزمان ، القراءة المجتزأة للقضايا والمسائل والنظريات والمناهج، فغفل أصحابنا عن كثير من محكمات كلام الإمام ، وتمسكوا ببعض متشابهه ابتغاء الفتنة والفرقة والخلاف، فتوجب علي –وأنا أدعي التزام المنهجية العلمية في البحث والنظر- أن أجمع كلام الإمام بعضه إلى بعض ، حتى يتبين لي منه خيطه الأبيض من خيطه الأسود، ويظهر لي محكمه من متشابهه، فيتسنى لي أن أحكم حكما كليا منضبطا ناشئا عن قراءة كاملة هادئة لأطروحته الفكرية في هذا الباب ، وهو الذي سأعالجه في قسمنا الأول في هذا البحث، كان هذا -ولا يزال – هو الشأن على العدوة الصوفية القصوى، فماذا عن أمر أهل العدوة السلفية الأثرية الدنيا؟
لقد دب داء العداء لكل ما يمت بصلة لفرقة مناوئة ولو كان فيه من الحق ما لم علم به أحد رجالات السلف لضرب إليه أكباد الإبل طلبا له، لكنها أكلة المخالفة تنخر في عظام الحق حتى لا تبقي منه شيئا ، فنشئ نشء ينكر هذا الباب رأسا ، لا يفرق بين غثه وثمينه ، ولا شماله من يمينه ، وهكذا الغفلة فأهون ما تورده صاحبها مورد التناقض، ونسوا أن أعظم ما يفاصلون به خصومهم، التمسك بآثار السلف ، والقص على آثار من غبر، وأن منهج السلف مبتدأهم وإليه الخبر، فما عساهم يصنعون بما صح عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس إذ يقول : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ» قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ عُمَرُ: «مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ[1]
فما هم صانعون بهذا الأثر؟!، ونعم المطية للفتى الآثار، ومما يظهر لي وجها يجلي مأخذهم في رد هذا الضرب من الاستنباطـ، وذاك أن الاستنباط الإشاري،لا يستقيم إلا لذكي، فعجزت عقول أكثرهم عن وعيه ، ومن جهل شيئا عاداه، ومن توفيق الباري لابن حجر في فتحه أن عقب على هذا بما يدعم ما انتحيته مذهبا تعليلي بقوله : وَفِيهِ جَوَازُ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ بِمَا يُفْهَمُ مِنَ الْإِشَارَاتِ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ رَسَخَتْ قَدَمُهُ فِي الْعِلْمِ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوْ فَهْمًا يؤتيه الله رجلا فِي الْقُرْآن[2]
فرسوخ القدم شرط في ولوج هذا الباب على طريقة مرضية، ومنهجية سلفية، وأبعد في النجعة من راح يعبث ببعض كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ونقل بعض كليمات له يظن بادي الرأي أن الشيخ ينكر هذا النوع من الاستنباط والتدبر، ولولا طول ملازمتي للشيخ في كتبه لذهبت بي الظنون ما يذهبون، ولكن كيف وملازمتي لكتب الشيخ ملازمة الخل خليله بعد أن استبدت بهما الأشواق، وباعدت بينهما الأسواق ، هناك تبدت في سماء ذاكرتي نجوم تفصيلات الشيخ في هذا الباب في رسالته المفردة في أصول التفسير، ولاحت أعلامه البيض في فتاواه حول الإشارات وذكر ما يقبل وما يرد، وأنل في هذا غريب عن الخلان من كل طائفة ، فلا أنا لإفراط هؤلاء وللتفريط أولئك ، فحدا بي عزم محبة العلم أن أخوض غمار هذين البحرين أنقب عن الدرر واللآلي وأنظمها في عقد بديع وأرسمها قلادة عز وشرف في عقل كل منصف، ولا شك أن من ورد البحار لاقي الصدف والجيف ، كما يلاقي من الدرر التحف، وما خطر ببال حي أن يرى البحر منتقعا إذ لاقي في راكدة من رواكده ما يستقذر، بل قد تقرر عند كل متشرع أن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، فهذا مثلي في غمار هذين البحرين، أكثر ما أحمله إليك درر لا تقدر بثمن، فإذا ما نقلت شيئا لا يحتمله قانون النظر، بادرت إلى رده بما يمليه قانون الأدب ، وأنا على ذكر من أنني فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال، فإذا انتهض عزمك ، وطاوعتك سفن الهمة في صحبتي هذا التطواف، فأعدد للخروج عدته من خالص النية، وصادق التوكل، واحمل نفسك على مركب الإنصاف، وهاك خطتي بين يديك فتأملها فمن عرف سبيله هان عليه البذل فيه
المبحث الأول : قانون التفسير الإشاري.
المبحث الثاني : التفسير الإشاري عند الإمام الغزالي نظرية وتطبيقا
المبحث الثالث: التفسير الإشاري عند ابن تيمية نظرية وتطبيقا
نتائج البحث وخاتمته
وربنا المستعان وعليه التكلان والحمد لله رب العالمين
كتبه /محمد يحيى جادو
الجمعة الموافق 21/2/2020
المبحث الأول
قانون التفسير الإشاري.
*الإشارة لغة: أَشار الرَّجُلُ يُشِيرُ إِشارَةً إِذا أَوْمَأَ بيديْه. وَيُقَالُ: شَوَّرْت إِليه بِيَدِي وأَشرت إِليه أَي لَوَّحْت إِليه وأَلَحْتُ أَيضاً. وأَشارَ إِليه باليَدِ: أَوْمأَ[3]
فأصل الإشارة في اللغة يدور على معنى التلميح لا التصريح، ومن هنا مأخذ أهل التعاريف للإشارة ، فتجد الجرجاني يعرفها بقوله : الإشارة: هو الثابت بنفس الصيغة من غير أن يسبق له الكلام.[4]
أي هو الذي ثبت من ذات الكلام تلميحا من غير أن يصرح به الكلام. ثم يكمل كلامه الموفق بقوله :وإشارة النص: هو العمل بما ثبت بنظم الكلام لغة، لكنه غير مقصود، ولا سيق له النص، كقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} سيق؛ لإثبات النفقة، وفيه إشارة إلى أن النسب إلى الآباء.[5]
وهو الذي اعتمده أهل الأصول تعريفا للإشارة كما قرره الإمام الغزالي في (المستصفى من علم الأصول)، واستقر هذا الأمر عندهم تنظيرا ، وإن اختلف في النظر إليه تطبيقا، لكن الذي يلفت النظر هو الانحراف الدلالي الذي مني به هذا الاصطلاح حينما نقل إلى علم التفسير، ولاشك أن استخدام الاصطلاحات له ضوابطه وأصوله عن أهل المصطلح ، وهذا الانحراف المصطلحي للإشارة، قد أثر سلبا على علوم القرآن فأضحى يمثل جانبا مشكلا من علم التفسير، كما قال الدكتور مساعد الطيار[6] ، وأول ما يصك سمعك أن تجد كثيرا من المصنفين في علوم القرآن ينسبون الإشارة إلى البيان التصريحي الذي هو التفسير ، فيقولون (التفسير الإشاري) ، فجعلوا الإشارة ضربا من أضراب التفسير ، ومن علم حد التفسير جزم بخروج الإشارة عن حد التفسير ، وذا يظهر بأن تعلم أن التفسير : هو الكشف والبيان عن صريح معاني آي القرآن[7]
فانحصر التفسير في الكشف الصريح عن المعاني، فكيف يكون من أقسامه الكشف بالتلويح عن المعاني !
ولذا تنبه كثير من أهل التحقيق كالحافظ ابن حجر لهذا فعدل عن جعله من التفسير بقوله : والإشارات من تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ ….[8]
والفقير إلى الله وإن لم يظهر لي وجه صحة إلحاق الحافظ للإشارات بالتأويل ، فإنه مشكور أن عدل عن جعلها من التفسير متلافيا ذلك الخطأ الشائع ، ورحم الله الحافظ ابن حجر فإنما أنا عالة على علمه ، وليتني أُحسن فهمه.
ولذا وقع تناقض كبير من المعرفيين للإشارة في القرآن فتجد بعضهم ينسبها للتفسير ثم يعرفها بأنها من التأويل كما صنع الشيخ الزرقاني -رحمه الله –حينما قال : ( التفسير الإشاري : هو تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضا[9] ) اه
وتابعه الشيخ الذهبي بقوله : التفسير الفيضى أو الإشارى.. هو تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظاهر المراد.[10]
وتابعها الشيخ الصابوني بقوله : التفسير الإشاري : هو تأويل القرآن على خلاف ظاهره، لإشارات خفية تظهر لبعض أولي العلم، أو تظهر للعارفين بالله من أرباب السلوك والمجاهدة للنفس، ممن نور الله بصائرهم فأدركوا أسرار القرآن العظيم ، أو انقدحت في أذهانهم بعض المعاني الدقيقة ، بواسطة الإلهام الإلهي أو الفتح الرباني ، مع إمكان الجمع بينهما وبين الظاهر المراد من الآيات الكريمة[11] ) اه
ولا شك أن هذا تناقض واضح فهو حد لغير المحدود ، لوقوع الاختلاف في المعنى بين التفسير والتأويل ، فإذا أرادوا المعنى الفارق بطل تعريفهم، وإن أرادوا المعنى المشترك عدنا إلى ما أبطلته من كون الإشارة غير داخلة في حد التفسير، ولذا يظهر لك حيطة ابن تيمية ودقته في هذا الباب فلا تجده يطلق اصطلاح (التفسير الإشاري) ، ولا تجده يسميه ب(التأويل الإشاري) على أنه قد سبق ابن تيمية في الزمن قوم قالوا بهذا كالشاطبي –رحمه الله- بل تجد ابن تيمية دقيقا فتارة يتوقف على تسميتها بالإشارة ، فيقول :ومتى كان المعنى صحيحا والدلالة ليست مرادة فقد يسمى ذلك إشارة[12] ، وتجده تارة ينسبها لمن اشتهروا بها من مشايخ الصوفية ، فيقول: وإشارات المشايخ الصوفية على أقسام[13]
فإن قيل : إن اصطلاح القوم بتسميته (التفسير الإشاري) هو اصطلاح مجازي ، قلنا: إن الاصطلاحات مما يصان عن المجاز كما قرره الإمام ابن نجيم ، والعلامة البناني في حاشيته على شرح المحلي على جمع الجوامع، وكذا الشيخ عليش في حاشيته على الرسالة البيانية للصبان، وكذا تقرر عند أرباب العلوم ، والصواب الذي لاح لي في أفق التحقيق والتدقيق هو أن الإشارات من باب الاستنباطات ، وقد سبقني إلى ذلك الدكتور مساعد الطيار حيث يقول: وتعودُ كثيرٌ من التَّفاسيرِ الإشاريَّةِ إلى الاستنباطِ، ومن ثَمَّ، فإنَّ حُكْمَها حُكْمُ ما سبقَ من الاستنباطات [14]
وإنما عنونت للبحث ب(التفسير الإشاري) ليقبل على البحث من يعرفه حتى إذا قرأ عرف الصواب، واستخدام الشائع في هذا مهم حتى يتسنى لي بيان الحق في هذا الباب، وأما الذي ارتضيته تعريفا جامعا مانعا سالما من الإيردات والاعتراضات لهذا المستصطلح (الاستنباط الإشاري) ، هو أن يقال : هو استنباط من الآية الكريمة غير مراد أصالة ، له إسناد إلى الآية ، وشاهد من الشرع يؤيده.
وبيان ذلك أن قولي(استنباط) ليخرج عن ذلك التفسير .
(من الآية الكريمة ) ليخرج بذلك ما سواها ، وذلك لأن محل البحث هو القرآن الكريم
(له إسناد إلى الآية ) ليفارق بذلك ما يسميه الإمام الغزالي بالطامات ، أو الشطحات، وهو ضرب من الشائع على ألسنة كثير من مشايخ الصوفية، وذلك أن يعمدوا إلى ما في ذهنهم من المعاني الصوفية ، ويلصقوها بالآيات من غير رابط أو علاقة بين هذ ا المعنى والآية.
(وشاهد من الشرع يؤيده) ليفارق بذلك تفسيرات الروافض والباطنية الذين يلصقون بالآيات من المعاني الباطلة في نفسها ما يكر على أصول الشرع بالبطلان .
ومما يؤيد هذا التأصيل من تقريرات العلماء وضوابطهم ما قرره ابن القيم بقوله :والذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم وهذا لا بأس به بأربعة شرائط :
1- أن لا يناقض معنى الآية
2- وأن يكون معنى صحيحا في نفسه
3- وأن يكون في اللفظ إشعار به
4- وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم
– فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطا حسنا ) اه
وكل ما اشترطه ابن القيم فهو عائد إلى ما ذكرته , فأما شرطه الأول فهو عائد إلى ما ذكرته من اشتراط الإسناد فلا يمكن أن يوجد إسناد ينسب إلى القرآن ما يناقضه، وكذا ما اشترطه من توفر الشاهد الشرعي، والشواهد الشرعية لا تناقض بعضها ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) ، وأما شرطه الثاني، فعائد إلى اشتراطته (الشاهد الشرعي) فكل ما لا شاهد له فباطل في نفسه ، وأما شرطه الثالث: فعائد إلى ما اشترطته من الإسناد برابط يصل المعنى بلفظ الآية ، وكذا شرطه الرابع أيضا.
وقريب منه ما اشترطه العلامة الزرقاني بقوله: مما تقدم يعلم أن التفسير الإشاري لا يكون مقبولا إلا بشروط خمسة وهي :
1- ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم الكريم
2- ألا يدعى أنه المراد وحده دون الظاهر
3- ألا يكون تأويلا بعيدا سخيفا كتفسير بعضهم قوله تعالى : ( وإن الله لمع المحسنين ) بجعل كلمة لمع فعلا ماضيا وكلمة المحسنين مفعوله
4- ألا يكون له معارض شرعي أو عقلي
5- أن يكون له شاهد شرعي يؤيده ,كذلك اشترطوا
بيد أن هذه الشروط متداخلة فيمكن الاستغناء بالأول عن الثالث وبالخامس عن الرابع ويحسن ملاحظة شرطين بدلهما :
– أحدهما : بيان المعنى الموضوع له اللفظ الكريم أولا
– ثانيهما : ألا يكون من وراء هذا التفسير الإشاري تشويش على المفسَّر له
ثم إن هذه شروط لقبوله بمعنى عدم رفضه فحسب وليست شروطا لوجوب اتباعه والأخذ به , ذلك لأنه لا يتنافى وظاهر القرآن ثم إن له شاهدا يعضده من الشرع وكل ما كان كذلك لا يرفض , وإنما لم يجب الأخذ به لأن النظم الكريم لم يوضع للدلالة عليه بل هو من قبيل الإلهامات التي تلوح لأصحابها غير منضبطة بلغة ولا مقيدة بقوانين[15]
المبحث الثاني
التفسير الإشاري عن الإمام الغزالي نظيرية وتطبيقا
*الجانب التنظيري للإشارات عند الإمام
وقبل الشروع في ذلك يجدر أن أنبه إلى عدة أمور تجلي لك بعض حقائق ما وراء المعرفة حول هذا الإمام ، وإليك هذا النص النفيس الذي له أشباهه عند الإمام في كثير من كتبه ، يقول: وَلِأَجْلِ شَرَفِ عِلْمِ الْفِقْهِ وَسَبَبِهِ وَفَّرَ اللَّهُ دَوَاعِيَ الْخَلْقِ عَلَى طَلَبِهِ وَكَانَ الْعُلَمَاءُ بِهِ أَرْفَعَ الْعُلَمَاءِ مَكَانًا وَأَجَلَّهُمْ شَأْنًا وَأَكْثَرَهُمْ أَتْبَاعًا وَأَعْوَانًا؛ فَتَقَاضَانِي فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِي اخْتِصَاصُ هَذَا الْعِلْمِ بِفَوَائِدِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ أَصْرِفَ إلَيْهِ مِنْ مُهْلَةِ الْعُمُرِ صَدْرًا وَأَنْ أَخُصَّ بِهِ مِنْ مُتَنَفَّسِ الْحَيَاةِ قَدْرًا، فَصَنَّفْتُ كُتُبًا كَثِيرَةً فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ[16]
وهذا القدر يكشف لك حال الغزالي شرخ الشباب، وترى انصباب اهتمامه بعلم الفروع الفقهية، وترى صدق الإمام في أن يصف نفسه بأن طلبه قد داخله حظ نفس ، وطلب للدنيا، وما لنا في ذلك إلا أن نخضع لتجرده ، ونقول هذا من تواضعه ونبله وليس اللفظ على ظاهره.
ثم ينتقل لوصف طور آخر من حياته بقوله : ثُمَّ أَقْبَلْتُ بَعْدَهُ عَلَى عِلْمِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ وَمَعْرِفَةِ أَسْرَارِ الدِّينِ الْبَاطِنَةِ فَصَنَّفْتُ فِيهِ كُتُبًا بَسِيطَةً كَكِتَابِ ” إحْيَاءُ عُلُومِ الدِّينِ ” وَوَجِيزَةً كَكِتَابِ جَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَوَسِيطَةً كَكِتَابِ كِيمْيَاءُ السَّعَادَةِ.[17]
وهذه الفترة انقطع الإمام الغزالي عن الدنيا وأهلها ، وأقبل على طلب برد اليقين في غير ما قضى فيه شرخ شبابه ، وترى الإمام يعبر عن بعض ما لاقاه في هذه الفترة بقوله : فيها قاسيت في استخلاص الحق من بين اضطراب الفرق مع تباين المسالك والطرقِ[18] ويقول : وكثرة الفرق، وتباين الطرق، بحر عميق غرق فيه الأكثرون، وما نجا منه إلا الأقلون، وكل فريق يزعم أنه الناجي[19]
ويقول: ولا زلت أقتحم لجة هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل في كل مظلمة، وأتهجّم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة، لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع لا أغادر باطنياً إلا وأحب أن أطلع على باطنيته، ولا ظاهرياً إلا وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته، ولا فلسفياً إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته ، ولا متكلماً إلا وأجتهد في الإطلاع على غاية كلامه ومجادلته ولا صوفياً إلا وأحرص على العثور على سر صفوته، ولا متعبداً إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقاً معطلاً إلا وأتحسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته, وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديني [20]
وهذا القدر من النصوص يشي لك بأنها كانت فترة بحث وقلق وطلب وتمحيص وتحقيق ، يسودها اختلاط الأفكار وتتدافعها وتنوعها ، من فلسفة وباطنية ، ومذاهب كلامية ،وفي كل هذا ينظر الإمام ويفحص ويحلل ويدلل ويقبل ويرفض ، لذا تعد هذه المرحلة موطن عثرات الإمام في بعض تقريراته – ومن ذا الذي ما أساء قط- فبعض ما يشكل على التحقيق من كلام الإمام إنما محله هذه المرحلة من البحث والنظر، ومما بدا لي في هذا الأمر –وهو نفيس فتأمله- أن الإمام كان إذا كتب في هذه الفترة ، استطرد في أمور ثم يتراجع مسرعا متعلالا بأن هذه الأمور مما يقصر عنه الخلق ، وخذ مثالا في (الإحياء) استطرد في كلام ثم قال: فاعلم أن هذا السؤال يحرك خطباً عظيماً وينجر إلى علوم المكاشفة ويخرج عن المقصود…[21] وفي موضع آخر يقول: هذه الأمور داخلة في علم المكاشفة والقول فيه يطول فلا نخوض فيه[22]
ومن أنفس النصوص في ذلك قوله : لكنى أراك مشروح الصدر بالله بالنور، منزه السر عن ظلمات الغرور ، فلا أشح عليك في هذا الفن بالإشارة إلى لوامع ولوائح؛ والرمز إلى حقائق ودقائق ، فليس الخوف في كف العلم عن أهله بأقل منه في بثه إلى غير أهله.
فمن مَنَحَ الجّهال علماً أضاعه … ومن مَنَع المستوجبين فقد ظلم
فاقنع بإشارات مختصرة وتلويحات موجزة؛ فإن تحقيق القول فيه يستدعى تمهيد أصول وشرح فصول ليس يتسع الآن لها وقتى[23]
ثم تأتي مرحلة الكمال والتمام عند الإمام ، فيها استقرت علومه ، ورسخت بحوثه ، ولاحت له أعلام الانتهاء في التحقيق والتدقيق وفي هذا يقول الإمام : ثُمَّ سَاقَنِي قَدَرُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى مُعَاوَدَةِ التَّدْرِيسِ وَالْإِفَادَةِ، فَاقْتَرَحَ عَلَيَّ طَائِفَةٌ مِنْ مُحَصِّلِي عِلْمِ الْفِقْهِ تَصْنِيفًا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَصْرِفُ الْعِنَايَةَ فِيهِ إلَى التَّلْفِيقِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَالتَّحْقِيقِ وَإِلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْإِخْلَالِ وَالْإِمْلَالِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ فِي الْفَهْمِ دُونَ كِتَابِ ” تَهْذِيبِ الْأُصُولِ ” لِمَيْلِهِ إلَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالِاسْتِكْثَارِ، وَفَوْقَ كِتَابِ ” الْمَنْخُولِ ” لِمَيْلِهِ إلَى الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ، فَأَجَبْتُهُمْ إلَى ذَلِكَ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ، وَجَمَعْتُ فِيهِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَالتَّحْقِيقِ لِفَهْمِ الْمَعَانِي فَلَا مَنْدُوحَةَ لِأَحَدِهِمَا عَنْ الثَّانِي، فَصَنَّفْتُهُ وَأَتَيْتُ فِيهِ بِتَرْتِيبٍ لَطِيفٍ عَجِيبٍ يَطَّلِعُ النَّاظِرُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى جَمِيعِ مَقَاصِدِ هَذَا الْعِلْمِ وَيُفِيدُهُ الِاحْتِوَاءُ عَلَى جَمِيعِ مَسَارِحِ النَّظَرِ فِيهِ، فَكُلُّ عِلْمٍ لَا يَسْتَوْلِي الطَّالِبُ فِي ابْتِدَاءِ نَظَرِهِ عَلَى مَجَامِعِهِ وَلَا مَبَانِيهِ فَلَا مَطْمَعَ لَهُ فِي الظَّفَرِ بِأَسْرَارِهِ وَمَبَاغِيهِ؛ وَقَدْ سَمَّيْتُهُ كِتَابَ ” الْمُسْتَصْفَى مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَسْئُولُ لِيُنْعِمَ بِالتَّوْفِيقِ وَيَهْدِي إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ وَهُوَ بِإِجَابَةِ السَّائِلِينَ حَقِيقٌ[24]
فوجب أن يرد متشابه كلام الإمام في فترة بحثه واختلاط أفكاره إلى منتهى تحقيقه وتدقيقه ، لذا فإن ما قرره الإمام في (المستصفى) حول الإشارات فهو عمدة الكلام ومحكمه للإمام –رحمه الله- لذا فهو الذي أعتمد عليه في تقرير قوله في هذا الباب.
-الأصول العلمية التي بنى عليها الغزالي قوله في الإشارات
قال الغزالي –رحمه الله-مَا يُؤْخَذُ مِنْ إشَارَةِ اللَّفْظِ لَا مِنْ اللَّفْظِ، وَنَعْنِي بِهِ: مَا يَتَّسِعُ اللَّفْظُ مِنْ غَيْرِ تَجْرِيدٍ قَصَدَ إلَيْهِ، فَكَمَا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يُفْهِمُ بِإِشَارَتِهِ، وَحَرَكَتِهِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَفْسُ اللَّفْظِ فَيُسَمَّى إشَارَةً، فَكَذَلِكَ قَدْ يُتْبَعُ اللَّفْظُ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ، وَيُبْنَى عَلَيْهِ.
ومن هذا النص نستفيد ما يلي:
1-أن الإشارة بخلاف الظاهر ، إذ تستفاد عرضا لا غرضا
2-أنها ليست مقصودة أصالة، وهو ما أوافق فيه الإمام رحمه الله
3-أنه يشترط وجود علاقة بين المعنى المشار إليه وبين اللفظ الظاهر.
ثم ضرب الإمام الغزالي بعض الأمثلة التطبيقية على ذلك فقال: وَمِثَالُهُ الْمَصِيرُ إلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ جُنُبًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ} [البقرة: 187] ، وَقَالَ: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] ثُمَّ مَدَّ الرُّخْصَةَ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ، فَتُشْعِرُ الْآيَةُ بِجَوَازِ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْجِمَاعِ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي آخِرَ اللَّيْلِ اسْتَأْخَرَ غُسْلُهُ إلَى النَّهَارِ، وَإِلَّا وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ الْوَطْءُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بِمِقْدَارِ مَا يَتَّسِعُ لِلْغُسْلِ. فَهَذَا، وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَكْثُرُ، وَيُسَمَّى إشَارَةَ اللَّفْظِ.[25]
ومن هذا التطبيق نستفيد ما يلي
1-أن الإشارات لا تقتصر على الإشارات التربوية بل هذه الإشارة فقهية لا تصوفية ، فدل على خطأ من قصرها على المعاني الصوفية
2-أن هذه الإشارت ليست حكرا على أرباب السلوك والمجاهدة كما يشيع في تعريفه ، وهذا المثال نموذجا
3-يدلك على خطأ ما ذهب إليه بعض الأصوليين من اعتبار هذه الإشارة مفهوما (تأويلا) لا إشارة كما قرره الشيخ محمد أبو النور زهير في حاشيته على نهاية السول .
ومن لطيف ما تدبرته مما ساقه الإمام من أمثلة على الإشارة قوله : وَمِثَالُهُ تَقْدِيرُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ، وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14][26]
وإشارة لطيفة ، إذ أخذ الإمام المعنى الإشاري من مجموع آيتين، وقد سميتها بالإشارة المركبة ، ومثلت لها بأخذهم أهمية الأخ في الحياة ما يؤخذ من قوله تعالى (وقالت لأخته قصيه ) وهذا في صغره ، وحينما كبر واشتد عوده واستوى قال (وأخي هارون) فأخذ العلماء الإشارة المركبة بأهمية الأخ في الصغر والكبر.
ومما يحسن النظر فيه موقف الإمام الغزالي من التوسع الصوفي في استخدام (التفسير الإشاري) في عصره وقبله ، وهو من جنس ما يدافع عنه كثير من المتصدرين الأزاهرة في هذا الزمان ، وبعض رؤس العوام على صفحات التواصل والمنتديات، وإن العجب لا يفارقني حينما أرى اشتداد الإمام جدا في هذا الباب على من يتوسع في هذا المصطلح ويدخل فيه ما لا يراه الإمام داخلا، وله تقريرات مطولة نفيسة أسوقها بعضها على وجه الإيجاز، يقول: وأما الطامات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح وأمر آخر يخصها وهو صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام فائدة كدأب الباطنية في التأويلات فهذا أيضاً حرام وضرره عظيم فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى وهذا أيضاً من البدع الشائعة العظيمة الضرر وإنما قصد أصحابها الإغراب لأن النفوس مائلة إلى الغريب ومستلذة له وبهذا الطريق توصل الباطنية إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم كما حكيناه من مذاهبهم في كتاب المستظهر المصنف في الرد على الباطنية[27]
فيؤكدد ويكرر على أهمية جانب الإسناد في الإشارة، وأكثر الخلط والخطأ في هذا الباب إنما دخل عليهم من إهمال هذا الركن، فما خرج مخرج الإشارة من صاحبه مفتقدا ركن الإسناد إلى اللفظ فهو شطح وطامة لا إشارة.
ثم ضرب الإمام لنا مثلا يوضح مقصوده وبيان جنس ما ينكره فيقول: ومثال تأويل أهل الطامات قول بعضهم في تأويل قوله تعالى {اذهب إلى فرعون إنه طغى} أنه إشارة إلى قلبه ونفسه وقال هو المراد بفرعون وهو الطاغي على كل إنسان[28]
على أن هذا المثال لو ضربته لأكثر الصوفية المعاصرين لطاروا به كل مطار، وعدوه مثار فخار، ونتاج تفكر واعتبار، ولو أنكرته لرموك بالحشو، والجمود ، والانحطاط عن درجة المتدبرين ، ولله الأمر
فنجد الإمام الغزالي يقرر أن من جعل من إشارات لفظ (فرعون) إرادة القلب أو النفس ، فقد وقع في الطامات والشطحات، ويقرر أن هذا ميل وإلحاد، ورفع للثقة بألفاظ الشارع، ويطيل النفس جدا في ذم هذا المسلك، فإن قلت إنه لا ينفي المعنى الظاهر؟ قلنا: وهل خفي عن الإمام ذلك ، بل إنه محل نقده أن يكون هذا وجها من الوجوه أصلا، فدعوى أن هذا معنى زائد على المعنى الأصلي ، دعوى صلعاء عن الحجة والبرهان، إذ لا إسناد لهذا المعنى باللفظ الظاهر، وهذا هو الركن الأول في صحة الإشارة، وكما أنه لم يرد في الشرع ما يعقد الصلة بين (فرعون ) وبين (القلب والنفس) ، فسقط الركن الثاني، وهو شاهد الشرع المؤيد والمعضد، ولكن… إليك العجب العجاب، والأمر المنكر الغراب…
إنك لتجد أن من مشى على طريقة يظنها طريق الإشارات من مشايخ الصوفية ، قد وقعوا في عين ما حذر من الغزالي، بل في نفس الموضوع ، كلمة بكلمة ، يقول الشيخ ابن عجيبة : فاذهب إلى فرعون نفسك ووجود حسك، إنه طغى عليك، حيث حجبك عن شهود ربك، فلا حجاب بينك وبين ربك، إلا حِجاب نفسك، ووقوفك مع شهود حسك، فهو أكبر الفراعين في حقك، فاهدم وجوده، وأَغْرِقْ في بحر الحقيقة شهودَه، وذلك بالغيبة عنه في شهود مولاه[29]
بل إن من مشايخ الصوفية ممن جاء بعد ابن عجيبة قد وافق الغزالي على نقده ، فتجد الألوسي صاحب (روح المعاني ) يقول : وقد تأول بعض أهل التأويل هذه القصة والآيات على ما في الأنفس وهو مشرب قد تركناه إلا قليلا. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل[30]
مع أن الشيخ الألوسي قد وقع في أشياء هى من جنس ما حذر منه ، سيكون لي معها وقفات، وسبحان مانح العصم.
وهذا الذي بينته لك-أيها القارئ الكريم- لتعلم أن نقدي لهذا المسلك ليس بدعا من الرأي ، بل سلك بعضه قوم من أهل هذه الطريقة أنفسهم.
وأما محل النظر عند الإمام –رحمه الله- وهو الذي لم يظهر لي الصواب في بعض تقريراته ، وبدا الخطأ في بعضه الآخر ، فأما ما هو محل نظر ، ولم أر الحق فيه عند الإمام فبعض كليمات هنا، وكلمات هناك، لكنها لا تعكر صفو هذا التأصيل الكبير إلا عند من تتبع المتشابه ابتغاء الهوى والفتنة والفرقة، ومن الأمانة أن أناقش هذه النصوص ، يقول الإمام في كتابه (مشكاة الأنوار):
لا تظنن من هذا الأنموذج(قوله تعالى لموسى:فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى) وطريق ضرب المثال رخصة منى في رفع الظواهر واعتقاداً في إبطالها حتى أقول مثلاً لم يكن مع موسى نعلان، ولم يسمع الخطاب بقوله {فاخلع نَعْلَيْكَ} . حاش لله! فإن إبطال الظواهر رأى الباطنية الذين نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين ولم يعرفوا الموازنة بين العالمين، ولم يفهموا وجهه. كما أن إبطال الأسرار مذهب الحشوية. فالذى يجرد الظاهر حشوى، والذى يجرد الباطن باطنى. والذى يجمع بينهما كامل. ولذلك قال عليه السلام: “للقرآن ظاهر وباطن وحدٌّ ومطلع” وربما نقل هذا عن علىّ موقوفاً عليه.[31]
ولي هنا عدة ملاحظات
1-تنبيه الإمام على أن القول بالقدر الزائد من الإشارة للكونين بالنعلين ، أمرر متقرر، لكن الإمام يؤكده ليفارق بوضوح مسالك الباطنية.
2- من أبطل الظواهر فهو باطني، هذا حق مجمع عليه إذ الله يخاطب خلقه بظواهر الأمور، لأن شريعتنا شريعة أمية سهلة يسيرة، لا تكلف فيها ولا غموض، وأما قوله (من أبطل الأسرار فهو حشوي) فهو قول مجمل يحتاج لتفصيل ، فأقول: إن أراد الإمام أن من أنكر أن يكون القرآن حمال أوجه ، أو أنكر أن القرآن لا تنتهي معانيه ، ولا تنفد، ولا تخلق على كثرة الرد، واكتفى بما يعلمه هو بقاصر علمه ، ونفى أن يكون للراسخين في العلم فيه فهما وتأويلا ، كما جائت بذلك الأخبار ، فهو حشوي مكذب بالآثار، غافل عن حقائق القرآن ، على غير طريقة السلف، وهذا وجه لتصحيح كلام الإمام ، وأما إذا قُصد بنفي (الأسرار) نفي أن يكون في القرآن أسرار لا تعلم من الألفاظ الظاهرة، أو له طريق غير النص الظاهر، أو يختص بها شخص بذاته ، أو طائفة بعينها ، فإنكار ذلك حق لا ريب فيه، وبهذا نطق الكتاب، وهو اعتقاد الصحابة ، والتابعين، وتابعيهم ، وطريقة الأئمة الأربعة، وكبار أصحابهم ، لم يخالف في ذلك إلا غلاة الباطنية، وعتاة الروافض، ومن زعم خلاف ذلك ، فأعلمناه أن هذا ليس من شرع الله ولا من سنة رسوله، ولا من مذهب أحد ممن ينتحل الإسلام ، فأصر على ذلك فإنه يكون مرتدا بإجماع المسلمين.
ثم يكمل الإمام الغزالي بقوله : …بل أقول فهم موسى من الأمر بخلع النعلين اطِّراح الكونين فامتثل الأمر ظاهراً بخلع نعليه، وباطناً باطراح العالمين. وهذا هو “الاعتبار” أى العبور من الشىء إلى غيره، ومن الظاهر إلى السر[32].
فأقول أولا: ما الدليل على أن موسى فهم من الأمر بخلع النعلين خلع الكونين؟ ليس ثم إلا خيارين وعقمت أم اللغات أن تلد ثالثا لهما ، وهو أن يكون في اللفظ ما يدل على الكونين ، وليس ثم إشعار به في اللفظ ، أو يكون في الشرع ما يربط الكونين بالنعلين ، كأن يتشابها في علة، أو يجمع بينهما باقتران أو حكم ، يعطي صفة جامعية لهما ، وهو ما أدعي عدمه ، فلا يصار إلى هذا ما لم يوجد أحدهما
ومن أقوى حججي في هذا الباب –وتأمل هذا الموضع فإنه مضلة لكثير من الأفهام، وحيرة لعقول أكثر الأنام، وهنا محل النزاع الحقيقي بيني وبين أكثر المتكلمين في هذا الباب،أنه لا يربط بين الآية وبين المعنى الإشاري المعين إلا من خلال جسر ارتباط إما يدل عليه اللفظ أو يدل عليه الشرع ، ويفيدنا في حجتنا ما كبا فيه عقل الإمام الغزالي-ولكل جواد كبوة- إذ أكمل بقوله: وفرق بين من يسمع قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا يدخل الملائكة بيتاً فيه كلب” فيقتنى الكلب من البيت ويقول ليس الظاهر مراداً، بل المراد تخلية بيت القلب عن كلب الغضب لأنه يمنع المعرفة التى هى من أنوار الملائكة: إذ الغضب غول العقل، وبين من يمتثل الأمر في الظاهر ثم يقول: الكلب ليس كلباً لصورته بل لمعناه – وهو السبعية والضراوة – وإذا كان حفظ البيت الذى هو مقر الشخص والبدن واجباً عن صورة الكلب، فبأن يجب حفظ بيت القلب – وهو مقر الجوهر الحقيقى الخاص – عن شر الكلبية أولى. فأنا أجمع بين الظاهر والسر جميعاً، فهذا هو الكامل[33]
وهذا الذي ذكره الإمام أعظم حجة لي ، إذ ذكر حديث عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ” لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ “[34]
ويرى الإمام أن الأمر في قوله (اخلع نعليك) كالقول في هذا الحديث ، وهو قياس مع الفارق، بل فارق جوهري ، وهو أن الإمام لما أخذ منذ لك أن الملائكة لا تدخل قلبا فيه الحرص والحسد وسائر الأخلاق الذميمة، وأرى أن هذا القول في الحديث صحيح ، والقول في الآية فاسد ، وذلك لأمر جوهري مهم غاية الأهمية، وهو أن المتدبر حينما يسمع حديث النبي (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلبا….) فإنه يتجاوز هذا إلى حديث آخر وهو حديث كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الرجل على المال والشرف لدينه”[35]
فيعلم منه أن الحرص وسائر الأخلاق الذميمة ذئاب ، والذئاب من جنس الكلاب ، لها غالب أحكامها ، فبمجموع الحديثين يصح أن يقال بدليل شرعي (إن الأخلاق الذميمة كلاب ) ، وبدون هذا النص الأخير ما كنا لنقبل كلام الإمام في هذا ، وهذا الذي غفل عنه أكثر أهل زماننا ، فصاروا يرون كل بيضاء شحمة، وكل حمراء لحمة، وكل مدور رغيفا، والذي منعني من قبول كلام الإمام في الآية أعني (النعلين) أنه لم يرد في الشرع ما يدل على الربط بين النعلين والكونين ،فإذا وعيت ذلك فلا خوف عليك بعد الآن في هذا الباب، والله أعلم.
وأما الذي يظهر بطلانه من كل الإمام بكلامه في هذا الباب قوله: قال {فلما جن عليه الليل} أي أظلم عليه الأمر {رأى كوكباً} أي وصل إلى حجاب من حجب النور فعبر عنه بالكوكب وما أريد به هذه الأجسام المضيئة فإن آحاد العوام لا يخفى عليهم أن الربوبية لا تليق بالأجسام بل يدركون ذلك بأوائل نظرهم فما لا يضلل العوام لا يضلل الخليل عليه السلام والحجب المسماة أنواراً ما أريد بها الضوء المحسوس بالبصر بل أريد بها ما أريد بقوله تعالى الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الآية ولنتجاوز هذه المعاني فإنها خارجة عن علم المعاملة ولا يوصل إلى حقائقها إلا الكشف التابع للفكر الصافي وقل من ينفتح له بابه والمتيسر على جماهير الخلائق الفكر فيما يفيد في علم المعاملة وذلك أيضاً مما تغزر فائدته ويعظم نفعه[36]
وهنا ثمة أمور أولها : أن الإمام فسر الليل بالأمر ، وهذا تفسير لا إشارة بمعنى أنه يفسر اللفظ الظاهر، وهو مخالف للإجماع في تفسير هذه الآية
الثاني: أنه يفسر الكواكب الحجب، وهذا أيضا تفسير خلاف الإجماع
الثالث: أن الإمام يرى أن هذه مقامات علوية، وأحوال مصطفوية، لا يصل إليها عامة الخلق، والحمد لله على ذلك ، فقد أبعد في النجعة،وأخطأ في الوهدة، ومن عجب أن يستدل بعض متعاطي العلم في زماننا على شطحاتهم وشيعتهم بهذا الكلام ، متجاهلين كل تأصيلات الإمام ، بل غفلوا عن أن هذا تفسير لا إشارة، وهو تسير خلاف الإجماع، بل تناسوا انتقادات الأئمة للإمام الغزالي في هذا المقام، بل أغلظ بعض كبار المفسرين كابن الجوزي على الإمام في هذا الشأن بقوله: وجاء أَبُو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب الأحياء عَلَى طريقة القوم وتكلم فِي علم المكاشفة وخرج عَنْ قانون الفقه وقال أن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إِبْرَاهِيم صلوات اللَّه عَلَيْهِ أنوار هي حجب اللَّه عز وجل ولم يرد هذه المعروفات وهذا من جنس كلام الباطنية[37]
ورفع ابن الجوزي عنا الحرج فأنكر على الغزالي قوله في موضع آخر بكلام من جنس كلام الباطنية أيضا بقوله :
وَقَدْ ذكر أَبُو حامد الطوسي فِي كتاب ذم المال في قوله عزوجل: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} قَالَ [إنما عنى الذهب والفضة إذ رتبة النبوة أجل من أن يخشى عليها أن تعبد الآلهة والأصنام وإنما عنى بعبادته حبه والاغترار به].، وهذا شيء لم يقله أحد من المفسرين وَقَدْ قَالَ شعيب وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء اللَّه ربنا ومعلوم أن ميل الأنبياء إِلَى الشرك أمر ممتنع لأجل العصمة لا أنه مستحيل ثم قد ذكر مَعَ نفسه من يتصور فِي حقه الإشراك والكفر فجاز أن يدخل نفسه معهم فَقَالَ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ} ومعلوم أن العرب أولاده وَقَدْ عَبْد أكثرهم الأصنام[38].
وبهذا أكون قد بينت محكم كلام الإمام من متشابهه، وبيت أن ما قاله من صواب بين واضح محكم ، وما أخطأ الإمام فيه ، قد أنكره عيله العلماء، وأنا في ذلك لهم تبع .
المبحث الثالث
التفسير الإشاري عند ابن تيمية نظرية وتطبيقا.
وأبتدء مع شيخ الإسلام بنقل له نفيس يظهر فيه براعة هذا الرجل في هذا الباب ، وفيه فوائد وفرائد أكتفي بذكر بعضها، وفي هذا النص يناقش الشيخ بعض مقالات الصوفية في القرآن فيقول: وَإِنَّمَا كَثِيرٌ مِنْ غَالِطِي الْمُتَصَوِّفَةِ لَهُمْ مِثْلُ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِلَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّة. وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي يَعْنُونَهُ صَحِيحًا؛ لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ وَلَيْسَ هُوَ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ لَا يَكُونُ صَحِيحًا. فَيَقَعَ الْغَلَطُ ” تَارَةً ” فِي الْحُكْمِ و ” تَارَةً ” فِي الدَّلِيلِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} أَيْ: أَنْ رَأَى رَبَّهُ اسْتَغْنَى وَالْمَعْنَى إنَّهُ لَيَطْغَى أَنْ رَأَى نَفْسَهُ اسْتَغْنَى، وَكَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: ” فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ “: يَعْنِي فَإِنْ فَنِيَتْ عَنْك رَأَيْت رَبَّك. وَلَيْسَ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا لَقِيلَ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَهُ. وَقَدْ قِيلَ: ” تَرَاهُ ” ثُمَّ كَيْفَ يَصْنَعُ بِجَوَابِ الشَّرْطِ؟ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَرَاك؛ ثُمَّ إنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ الْبَاطِلِ تَكُونُ كَانَ تَامَّةً. فَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ: أَيْ لَمْ تَقَعْ وَلَمْ تَحْصُلْ. وَهَذَا تَقْدِيرٌ مُحَالٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ كَائِنٌ مَوْجُودٌ لَيْسَ بِمَعْدُومِ. وَلَوْ أُرِيدُ فَنَاؤُهُ عَنْ هَوَاهُ أَوْ فَنَاءِ شُهُودِهِ لِلْأَغْيَارِ لَمْ يُعَبِّرْ بِنَفْيِ كَوْنِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِحَالٌ. وَمَتَى كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً فَقَدْ يُسَمَّى ذَلِكَ ” إشَارَةً [39]
وهذه بعض الفوائد من هذا النص
1-يقرر أولا أنه لا يكفي لكون المعنى صحيحا في ذاته أن يعد إشارة ، ومفهوم هذا أنه يشترط وجود (إسناد) وعلاقة لهذا المعنى باللفظ والسياق ، وهو في هذا متفق مع الإمام الغزالي في التأصيل، وهذا هو الذي اعتمدتهه في تعريفي.
2-يبين أنه يكون المعنى الذي يقولونه خطأ في نفسه، ومفهوم هذا أنه يشترط الشاهد الشرعي ، وهو في ذلك موافق لإمام الغزالي في هذا وأكثر العلماء أيضا.
3- مثل لبعض مثارات الغلط في المعنى ، من كونه خطأ لغويا أو خطأ باعتبار السياق، وهذه الأمثلة توضح مراده وتؤكده .
4-ثم بعد أن أبطل الباطل، وبين مثارات الغلط فيه ، لم يكتف بذلك ، بل بين الصواب في الباب بقوله ، والمعنى الصحيح غير المراد أصالة هو الإشارة، وهذا غاية في البيان فنص نصا واضحا على حدود الإشارة، وهى كونها معنى غير مراد أصالة وله إسناد وعلاقة بالنص الظاهر، وصحيح في نفسه.
ثم إن أنفس ما حرره شيخ الإسلام –وهى محل النزاع ومثار الخلاف بيننا وبين كل المخالفين في هذه المسألة- في ذكر المناسبات النفسية والقلبية عند الآية ، واعتبارها منها ، كما قال الإمام الغزالي في قوله تعالى (اخلع نعليك) ، فقد حرر الشيخ كلاما لا مزيد عليه في إبطال هذا ، وأنه لابد من علاقة لفظية أو سياقية بين اللفظ والمعنى بخلاف الخواطر النفسية والروحية التي تكثر عند الصوفية ، فيقول-قدس الله روحه- فَإِنَّ الْمَعَانِيَ: تَنْقَسِمُ إلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ. فَالْبَاطِلُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ. وَالْحَقُّ: إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فُسِّرَ بِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ كُلُّ مَعْنًى صَحِيحٍ يُفَسَّرُ بِهِ اللَّفْظُ لِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَةٍ كَالْمُنَاسِبَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّؤْيَا وَالتَّعْبِيرِ؛ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ وُجُوهِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ كَمَا تَفْعَلُهُ الْقَرَامِطَةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ إذْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى سَمْعِيَّةٌ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بِحَيْثُ قَدْ دَلَّ عَلَى الْمَعْنَى بِهِ لَا يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَصْلُحَ وَضْعُ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى. إذْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَصْلُحُ وَضْعُهَا لِلْمَعَانِي وَلَمْ تُوضَعْ لَهَا: لَا يُحْصِي عَدَدَهَا إلَّا اللَّهُ. وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْبَيَانِ وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ الْمُنَاسَبَةَ: فَكُلُّ لَفْظٍ يَصْلُحُ وَضْعُهُ لِكُلِّ مَعْنًى؛ لَا سِيَّمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِمَعْنَى هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ؛ فَحَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا فَهُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِنْ جُهَّالِ الْوُعَّاظِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِإِشَارَاتِ لَا يَدُلُّ اللَّفْظُ،عَلَيْهَا نَصًّا وَلَا قِيَاسًا [40]
وهذا الكلام فاتني في كتابي أن أستشهد به فلما وقفت عليه كاد قلبي أن يفارق صدري فرحا بهذا النص، فموافقة الشيخ مما يفرح به.
وهنا أعر شيخ الإسلام عقلك وسمعك وبصرك وقلبك وكلك ، وهلم أنا وأنت نجثو بركب عقولنا ونفوسنا تحت قدمي شيخ الإسلام وهو يؤصل لفتوى جائته حول الإشارات والمعاني الباطنة وما إلى ذلك ، فأجاب العارف الرباني والحبر الصمداني شيخ الإسلام بجواب نفيس كل حرف منه يشترى بماء العيون الباكية من خشية الله ونص الفتوى : وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ – قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -:
عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَفَقِّرَةِ يَدَّعُونَ أَنَّ لِلْقُرْآنِ بَاطِنًا وَأَنَّ لِذَلِكَ الْبَاطِنِ بَاطِنًا إلَى سَبْعَةِ أَبْطُنٍ وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {لِلْقُرْآنِ بَاطِنٌ وَلِلْبَاطِنِ بَاطِنٌ إلَى سَبْعَةِ أَبْطُنٍ} وَيُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: لَوْ شِئْت لأوقرت مِنْ تَفْسِيرِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ كَذَا وَكَذَا حِمْلَ جَمَلٍ وَيَقُولُونَ: إنَّمَا هُوَ مِنْ عِلْمِنَا إذْ هُوَ اللدني. وَيَقُولُونَ كَلَامًا مَعْنَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَصْلُحُ لَهُمْ فَإِنَّهُ أَمَرَ قَوْمًا بِالْإِمْسَاكِ وَقَوْمًا بِالْإِنْفَاقِ وَقَوْمًا بِالْكَسْبِ وَقَوْمًا بِتَرْكِ الْكَسْبِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ هَذَا ذَكَرَتْهُ أَشْيَاخُنَا فِي ” الْعَوَارِفِ ” وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْمُحَقِّقِينَ وَرُبَّمَا ذَكَرُوا أَنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ يَعْلَمُ أَسْمَاءَ الْمُنَافِقِينَ خَصَّهُ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {حَفِظْت جِرَابَيْنِ} . وَيَرْوُونَ كَلَامًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخَرَّازِ أَنَّهُ قَالَ: لِلْعَارِفِينَ خَزَائِنُ أَوْدَعُوهَا عُلُومًا غَرِيبَةً يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا بِلِسَانِ الْأَبَدِيَّةِ يُخْبِرُونَ عَنْهَا بِلِسَانِ الْأَزَلِيَّةِ وَيَقُولُونَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّ مِنْ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَخْزُونِ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْعُلَمَاءُ بِاَللَّهِ فَإِذَا نَطَقُوا بِهِ لَمْ يُنْكِرْهُ إلَّا أَهِلُ الْغِرَّةِ بِاَللَّهِ} . فَهَلْ مَا ادَّعَوْهُ صَحِيحًا أَمْ لَا؟ . فَسَيِّدِي يُبَيِّنُ لَنَا مَقَالَاتِهِمْ؛ فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ وَقَفَ عَلَى كَلَامٍ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْوَاحِدِيَّ قَالَ: أَلَّفَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي كِتَابًا سَمَّاهُ ” حَقَائِقُ التَّفْسِيرِ ” إنْ صَحَّ عَنْهُ فَقَدْ كَفَرَ وَوَقَفْت عَلَى هَذَا الْكِتَابِ فَوَجَدْت كَلَامَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ مِنْهُ أَوْ مَا شَابَهَهُ فَمَا رَأْيُ سَيِّدِي فِي ذَلِكَ؟ وَهَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لِلْقُرْآنِ بَاطِنٌ} الْحَدِيثُ يُفَسِّرُونَهُ عَلَى مَا يَرَوْنَهُ مِنْ أَذْوَاقِهِمْ وَمَوَاجِيدِهِمْ الْمَرْدُودَةِ شَرْعًا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
فَأَجَابَ الشَّيْخُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَمِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلَقَةِ الَّتِي لَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ من أهل العلم ولا يوجد في شيء من كتب الحديث؛ ولكن يروى عن الحسن البصري موقوفا أو مرسلا {إن لكل آية ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا} وقد شاع في كلام كثير من الناس: ” علم الظاهر وعلم الباطن ” و ” أهل الظاهر وأهل الباطن “. ودخل في هذه العبارات حق وباطل. وقد بسط هذا في غير هذا الموضع؛ لكن نذكر هنا جملا من ذلك فنقول: قول الرجل: ” الباطن ” إما أن يريد علم الأمور الباطنة مثل العلم بما في القلوب من المعارف والأحوال والعلم بالغيوب التي أخبرت بها الرسل وإما أن يريد به العلم الباطن أي الذي يبطن عن فهم أكثر الناس أو عن فهم من وقف مع الظاهر ونحو ذلك. فأما الأول فلا ريب أن العلم منه ما يتعلق بالظاهر كأعمال الجوارح ومنه ما يتعلق بالباطن كأعمال القلوب ومنه ما هو علم بالشهادة وهو ما يشهده الناس بحواسهم ومنه ما يتعلق بالغيب وهو ما غاب عن إحساسهم. وأصل الإيمان هو الإيمان بالغيب كما قال تعالى: {الم} {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} {الذين يؤمنون بالغيب} والغيب الذي يؤمن به ما أخبرت به الرسل من الأمور العامة ويدخل في ذلك الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وملائكته والجنة والنار فالإيمان بالله وبرسله وباليوم الآخر يتضمن الإيمان بالغيب؛ فإن وصف الرسالة هو من الغيب وتفصيل ذلك هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كما ذكر الله تعالى ذلك في قوله: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} وقال: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا} . والعلم بأحوال القلوب. – كالعلم بالاعتقادات الصحيحة والفاسدة والإرادات الصحيحة والفاسدة والعلم بمعرفة الله ومحبته والإخلاص له وخشيته والتوكل عليه والرجاء له والحب فيه والبغض فيه والرضا بحكمه والإنابة إليه والعلم بما يحمد ويذم من أخلاق النفوس كالسخاء والحياء والتواضع والكبر والعجب والفخر والخيلاء وأمثال ذلك من العلوم المتعلقة بأمور باطنة في القلوب ونحوه – قد يقال: له: ” علم الباطن ” أي علم بالأمر الباطن فالمعلوم هو الباطن وأما العلم الظاهر فهو ظاهر يتكلم به ويكتب وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وكلام السلف وأتباعهم بل غالب آي القرآن هو من هذا
العلم؛ فإن الله أنزل القرآن {وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} . بل هذا العلم هو العلم بأصول الدين؛ فإن اعتقاد القلب أصل لقول اللسان وعمل القلب أصل لعمل الجوارح والقلب هو ملك البدن كما قال أبو هريرة – رضي الله عنه – القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبثت جنوده وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب} . ومن لم يكن له علم بما يصلح باطنه ويفسده ولم يقصد صلاح قلبه بالإيمان ودفع النفاق كان منافقا إن أظهر الإسلام؛ فإن الإسلام يظهره المؤمن والمنافق وهو علانية والإيمان في القلب كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الإسلام علانية والإيمان في القلب} وكلام الصحابة والتابعين والأحاديث والآثار في هذا أكثر منها في الإجارة والشفعة والحيض والطهارة بكثير كثير؛ ولكن هذا العلم ظاهر موجود مقول باللسان مكتوب في الكتب؛ ولكن من كان بأمور القلب أعلم كان أعلم به وأعلم بمعاني القرآن والحديث. وعامة الناس يجدون هذه الأمور في أنفسهم ذوقا ووجدا فتكون محسوسة لهم بالحس الباطن؛ لكن الناس في حقائق الإيمان متفاضلون تفاضلا عظيما فأهل الطبقة العليا يعلمون حال أهل السفلى من غير عكس كما أن أهل الجنة في الجنة ينزل الأعلى إلى الأسفل ولا يصعد الأسفل إلى الأعلى والعالم يعرف الجاهل؛ لأنه كان جاهلا والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما؛ فلهذا كان في حقائق الإيمان الباطنة وحقائق أنباء الغيب التي أخبرت بها الرسل ما لا يعرفه إلا خواص الناس فيكون هذا العلم باطنا من جهتين: من جهة كون المعلوم باطنا ومن جهة كون العلم باطنا لا يعرفه أكثر الناس. ثم إن هذا الكلام في هذا العلم يدخل فيه من الحق والباطل ما لا يدخل في غيره فما وافق الكتاب والسنة فهو حق وما خالف ذلك فهو باطل كالكلام في الأمور الظاهرة.وأما إذا أريد بالعلم الباطن العلم الذي يبطن عن أكثر الناس أو عن بعضهم فهذا على نوعين: ” أحدهما ” باطن يخالف العلم الظاهر. و ” الثاني ” لا يخالفه. فأما الأول فباطل؛ فمن ادعى علما باطنا أو علما بباطن وذلك يخالف العلم الظاهر كان مخطئا إما ملحدا زنديقا وإما جاهلا ضالا. وأما الثاني فهو بمنزلة الكلام في العلم الظاهر قد يكون حقا وقد يكون باطلا فإن الباطن إذا لم يخالف الظاهر لم يعلم بطلانه من جهة مخالفته للظاهر المعلوم فإن علم أنه حق قبل وإن علم أنه باطل رد وإلا أمسك عنه وأما الباطن المخالف للظاهر المعلوم فمثل ما يدعيه الباطنية القرامطة من الإسماعيلية والنصيرية وأمثالهم ممن وافقهم من الفلاسفة وغلاة المتصوفة والمتكلمين. وشر هؤلاء القرامطة فإنهم يدعون أن للقرآن والإسلام باطنا يخالف الظاهر؛ فيقولون: ” الصلاة ” المأمور بها ليست هذه الصلاة أو هذه الصلاة إنما يؤمر بها العامة وأما الخاصة فالصلاة في حقهم معرفة أسرارنا و ” الصيام ” كتمان أسرارنا و ” الحج ” السفر إلى زيارة شيوخنا المقدسين ويقولون: إن ” الجنة ” للخاصة: هي التمتع في الدنيا باللذات و ” النار ” هي التزام الشرائع والدخول تحت أثقالها ويقولون: إن ” الدابة ” التي يخرجها الله للناس هي العالم الناطق بالعلم في كل وقت وإن ” إسرافيل ” الذي ينفخ في الصور هو العالم الذي ينفخ بعلمه في القلوب حتى تحيا و ” جبريل ” هو العقل الفعال الذي تفيض عنه الموجودات و ” القلم ” هو العقل الأول الذي تزعم الفلاسفة أنه المبدع الأول وأن الكواكب والقمر والشمس التي رآها إبراهيم هي النفس والعقل وواجب الوجود وأن الأنهار الأربعة التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج هي العناصر الأربعة وأن الأنبياء التي رآها في السماء هي الكواكب. فآدم هو القمر ويوسف هو الزهرة وإدريس هو الشمس وأمثال هذه الأمور. وقد دخل في كثير من أقوال هؤلاء كثير من المتكلمين والمتصوفين؛ لكن أولئك القرامطة ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض وعامة الصوفية والمتكلمين ليسوا رافضة يفسقون الصحابة ولا يكفرونهم؛ لكن فيهم من هو كالزيدية الذين يفضلون عليا على أبي بكر وفيهم من يفضل عليا في العلم الباطن كطريقة الحربي وأمثاله ويدعون أن عليا كان أعلم بالباطن وأن هذا العلم أفضل من جهته وأبو بكر كان أعلم بالظاهر. وهؤلاء عكس محققي الصوفية وأئمتهم فإنهم متفقون على أن أعلم الخلق بالعلم الباطن هو أبو بكر الصديق. وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أبا بكر أعلم الأمة بالباطن والظاهر وحكى الإجماع على ذلك غير واحد. وهؤلاء الباطنية قد يفسرون: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} أنه علي ويفسرون قوله تعالى {تبت يدا أبي لهب وتب} بأنهما أبو بكر وعمر وقوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} أنهم طلحة والزبير {والشجرة الملعونة في القرآن} بأنها بنو أمية. وأما باطنية الصوفية فيقولون في قوله تعالى {اذهب إلى فرعون} إنه القلب و {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} إنها النفس ويقول أولئك هي عائشة ويفسرون هم والفلاسفة تكليم موسى بما يفيض عليه من العقل الفعال أو غيره ويجعلون (خلع النعلين ترك الدنيا والآخرة ويفسرون (الشجرة التي كلم منها موسى و (الوادي المقدس ونحو ذلك بأحوال تعرض للقلب عند حصول المعارف له وممن سلك ذلك صاحب ” مشكاة الأنوار ” وأمثاله وهي مما أعظم المسلمون إنكاره عليه وقالوا أمرضه ” الشفاء ” وقالوا: دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج فما قدر ومن الناس من يطعن في هذه الكتب ويقول: إنها مكذوبة عليه وآخرون يقولون: بل رجع عنها وهذا أقرب الأقوال؛ فإنه قد صرح بكفر الفلاسفة في مسائل وتضليلهم في مسائل أكثر منها وصرح بأن طريقتهم لا توصل إلى المطلوب. وباطنية الفلاسفة يفسرون الملائكة والشياطين بقوى النفس وما وعد الناس به في الآخرة بأمثال مضروبة لتفهيم ما يقوم بالنفس بعد الموت من اللذة والألم لا بإثبات حقائق منفصلة يتنعم بها ويتألم بها وقد وقع في هذا الباب في كلام كثير من متأخري الصوفية ما لم يوجد مثله عن أئمتهم ومتقدميهم كما وقع في كلام كثير من متأخري أهل الكلام والنظر من ذلك ما لا يوجد عن أئمتهم ومتقدميهم. وهؤلاء المتأخرون – مع ضلالهم وجهلهم – يدعون أنهم أعلم وأعرف من سلف الأمة ومتقدميها حتى آل الأمر بهم إلى أن جعلوا الوجود واحدا كما فعل ابن عربي صاحب الفصوص وأمثاله فإنهم دخلوا من هذا الباب حتى خرجوا من كل عقل ودين وهم يدعون مع ذلك أن الشيوخ المتقدمين: كالجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وإبراهيم الخواص وغيرهم ماتوا وما عرفوا التوحيد وينكرون على الجنيد وأمثاله إذا ميزوا بين الرب والعبد كقوله: ” التوحيد ” إفراد الحدوث عن القدم. ولعمري إن توحيدهم الذي جعلوا فيه وجود المخلوق وجود الخالق هو من أعظم الإلحاد الذي أنكره المشايخ المهتدون وهم عرفوا أنه باطل فأنكروه وحذروا الناس منه وأمروهم بالتمييز بين الرب والعبد والخالق والمخلوق والقديم والمحدث وأن التوحيد أن يعلم مباينة الرب لمخلوقاته وامتيازه عنها وأنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. ثم إنهم يدعون أنهم أعلم بالله من المرسلين وأن الرسل إنما تستفيد معرفة الله من مشكاتهم ويفسرون القرآن بما يوافق باطنهم الباطل كقوله: {مما خطيئاتهم} فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله وقولهم إن العذاب مشتق من العذوبة ويقولون: إن كلام نوح في حق قومه ثناء عليهم بلسان الذم ويفسرون قوله تعالى {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} بعلم الظاهر بل {ختم الله على قلوبهم} فلا يعلمون غيره {وعلى سمعهم وعلى أبصارهم} فلا يسمعون من غيره ولا يرون غيره فإنه لا غير له فلا يرون غيره. ويقولون في قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} أن معناه قدر ذلك لأنه ليس ثم موجود سواه فلا يتصور أن يعبد غيره فكل من عبد الأصنام والعجل ما عبد غيره لأنه ما ثم غير وأمثال هذه التأويلات والتفسيرات التي يعلم كل مؤمن وكل يهودي ونصراني علما ضروريا أنها مخالفة لما جاءت به الرسل كموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين. وجماع القول في ذلك أن هذا الباب نوعان: ” أحدهما ” أن يكون المعنى المذكور باطلا؛ لكونه مخالفا لما علم فهذا هو في نفسه باطل فلا يكون الدليل عليه إلا باطلا؛ لأن الباطل لا يكون عليه دليل يقتضي أنه حق. و ” الثاني ” ما كان في نفسه حقا لكن يستدلون عليه من القرآن والحديث بألفاظ لم يرد بها ذلك فهذا الذي يسمونه ” إشارات ” و ” حقائق التفسير ” لأبي عبد الرحمن فيه من هذا الباب شيء كثير[41]. انتهى
وهذه الفتوى النفيسة –لعل الله يوفقني –فأفردها برسالة خاصة أبرز مقاصدها، وأعضدد مراميها، وأدلل على تفصيلاتها، لما حوته من تعليقات نفيسة ، وتحقيقات عالية فريدة، والذي يسعه المقام هنا منها عدة أمور
1-أن ابن تيمية يؤكد على وجوب التفصيل في معنى (أن للقرآن ظاهرا وباطنا)
2- أن ابن تيمية حرر هنا معنى الظاهر والباطن بخلاف الإمام الغزالي بل خلاف كثير من مشايخ الصوفية وغيرهم ، وكلام الشيخ عال غال لا مزيد عليه
3- أن ابن تيمية يفرق بين التفسير الباطني ، وهو ما كان في نفسه معنى فاسدا ، وبين الشطحات، وهى ما كانت صحيحة في نفسها لكنها لا ترتبط بالآية بعلاقة سمعية .
4- أن ابن تيمية يخالف الإمام الغزالي في بعض تطبيقاته الخاطئة في هذا الباب، وينقل إنكار العلماء عليه
5-أن ابن تيمية يرى أن الغزالي تراجع عن هذه الأقوال ، ومنشأ ذلك اختلاطه بالفلاسفة.
وفي الكلام درر لا يسعها جرابي الآن ، وللبسط فيها موضع آخر غير هنا بإذن الله.
وعند النظر في تطبيقات شيخ الإسلام ابن تيمبة نجد أكثرها متطابقا مع تأصيلاته ، ومن ذلك ما قاله ابن القيم: ( وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول في قول النبي : ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ) إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب والصورة عن دخول البيت , فكيف تلج معرفة الله ، ومحبته وحلاوة ذكره ، والأنس بقربه في قلب ممتلئ بكلاب الشهوات وصورها ؟ )[42] اه
وهذا المثال ذكره الغزالي وقال به ، وهو من نقاط الاتفاق بين الشيخين ، فهما قائلان بوقوع الإشارة المركبة ، وقائلان باعتبارها.
وأما نخالف فيه شيخ الإسلام ، فهو بعض نصوص له أنقلها ، ثم أبين وجهتي فيها ، ومن ذلك : وَأَمَّا أَرْبَابُ الْإِشَارَاتِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُونَ الْمَعْنَى الْمُشَارَ إلَيْهِ مَفْهُومًا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ فَحَالُهُمْ كَحَالِ الْفُقَهَاءِ الْعَالِمِينَ بِالْقِيَاسِ؛ وَالِاعْتِبَارِ وَهَذَا حَقٌّ إذَا كَانَ قِيَاسًا صَحِيحًا لَا فَاسِدًا وَاعْتِبَارًا مُسْتَقِيمًا لَا مُنْحَرِفًا[43]
وقال نحو هذا في أكثر من موضع، وهذا جانب دقيق فتأمله، فإن أكثر الناس عن حقائق هذا الأمر غافلون ، إن الشيخ هنا كأنه يرى أن ما يقوله بعض مشايخ الصوفية من معاني صحيحة يمكن أن تدخل تحت عباءة النص وليس بمنصوص عليها قياسا، وهنا نقول إذا كانت غير منصوص عليها فليست تمثلا للنص بأي علاقة إلا قياسا ، فلا يصح أن تكون إشارة ، إذ القياس يصير مرادا رأسا إذا ما صار قياسا صحيحا خاليا عن القوادح ، فإذا ما تحقق ذلك بطل أن يلحق بالإشارات ، فقد سبق وقرر شيخ الإسلام أن الإشارة لا يساق الكلام لها بل تؤخذ باللزوم لا بالاعتبار والقياس، فإذا صح القياس والاعتبار في هذه المعاني فإنها تلحق بالنص تأويلا بقياس الأولى لا إشارة، وأضرب لذلك مثلا من عند شيخ الإسلام بما حكاه الإمام ابن القيم عنه فقال : وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قوله ( لا صلاة بغير طهور ) فالحديث في عدم صحة الصلاة بغير طهارة الظاهر لكن أهل السلوك يرون فيه إشارة إلى أن عدم طهارة الباطن مانعة من قبول الصلاة من باب أولى[44]
فالشيخ هنا يقول : إذا كانت الصلاة لا تصح إلا بطهارة الظاهر، فطهارة الباطن من باب أولى ، وبيان ذلك أن الذي فات الشيخ هنا أن قوله عليه الصلاة والسلام (لا صلاة إلا بطهور) فلفظ الطهور يشمل كل طهارة ، فإيقاعه على الظاهر تمثيل لهذ ا المعنى بأحد أفراده ، وإيقاعه على الباطن تمثيل لهذا بأحد أفراده ، فعاد اللفظ يدل على الظاهر والباطن في أصل وضعه ، فإذا سيق هذا اللفظ شمل كل أفراده حقيقة وتصريحا ، وقد قرر الشيخ أن الإشارة بخلاف هذا، وأما هذا فهو من التأويل بالمفهوم ، ولاشك أن الشيخ كغيره من أهل الأصول يفرق بين المفهوم والإشارة ، فتنبه لهذا وتأمله فهو نفيس دقيق.
وهذا الأمر تكرر عند الشيخ في أكثر من موضع ، فلهذا نبهنا عليه والله أعلم.
خاتمة ونتائج
وبعد هذه الرحلة ، وهذا التطواف في هذين العقلين الكبيرين ، وقد بلغ بي الجهد مبلغه ، وجمعت ما استطعت من الدرر والجواهر ، هانذا جئت ألقيها بين يديك على طبق من ذهب ، مهديك أثمن ما استخرجه عقلي ، واستنبطه فكري، لا راجيا منك إلا الدعاء بحسن القبول، وصالح العلم والعمل، وأن يكفيني الله ما أهمني من أمر دنياي وأمر آخرتي، فلولا الله ما اهتديت، ولا قدمت ولا أخرت ، وهو سبحانه ولي التوفيق، وأما أبرز النتائج التي استخلصتها بعد هذا الجهد الجهيد ،ما يلي
1-أن حجة الإسلام الغزالي، وشيخ الإسلام ابن تيمية متفقان على أهم التأصيلات في هذا الباب، وهو اشتراط صحة الإسناد إلى اللفظ، ووجود الشاهد الشرعي المؤيد، وان اختلافا في تطبيقات ذلك
2-أن الإمام الغزالي خالفت تطبيقاته تأصيلاته في اعتبار صحة الإسناد، فيقول بأمور لا يصح إسنادها إلى اللفظ أو السياق، كما اضطربت تطبيقاته فيما بينها ، فينكر أشد النكير على أمور هو يقول بأشياء من جنسها
3-تأصيلات الإمام الغزالي المحكمة جائت بعد تطبيقاتها المتشابهة، فالحق أنها كالناسخة لها
4- أنه لا يظهر في تأصيلات الغزالي ولا ابن تيمية ما يربط بين الإشارة والغموض والخفاء كما شاع عند المتأخرين كالزرقاني والحسين الذهبي
5- أن ابن تيمية من أفضل من حرر معنى (أن القرآن فيه ظاهر وباطن) وكلام الغزالي لا يقوم مقامه في هذه المسألة
6- تأصيلات ابن تيمية تكاد تكون دليلا على تطبيقاته ، لما حصل له من انضباط في هذا الباب
7- ابن تيمية اطلع على كل كلام الإمام الغزالي في هذا الباب، بل اطلع على مناقشات العلماء له ، وقبل منه ورد
8- يرى ابن تيمية أن الغزالي تراجعه عن هفواته الكبار في هذا الباب
9-ابن تيمية يرى أن ليس كل المتكلمين في الإشارات من باب واحد ، بل أقوال متقدمي الصوفية ليست كمتقدميهم، والمتأخرون قالوا بأشياء باطلة لم يقلها المتقدمون.
10- نخالف ابن تيمية في إدخاله لكلام بعض الصوفية في باب الإشارات بالقياس ، بل نرى أنها من باب التأويل لا من باب الإشارة
والحمد لله وحده
كتبه /محمد يحيى جادو.
[1] صحيح البخاري برقم 4294
[2] فتح الباري لابن حجر 8/736
[3] لسان العرب 4/437
[4] التعريفات للجرجاني ص 27
[5] التعريفات للجرجاني ص 27
[6] انظر مفهوم التفسير والتأويل للطيار ص 53
[7] انظر مفهوم التفسير والتأويل للطيار ص 54
[8] انظر فتح الباري لابن حجر 8/736
[9] مناهل العرفان للزرقاني 2/56
[10] التفسير والمفسرون 2/261
[11] انظر التبيان في علوم القرآن للصابوني ص191
[12] انظر مجموع الفتاوى 10/560
[13] انظر مجموع الفتاوي 6/376
[14] مفهوم التفسير والتأويل للطيار ص 177
[15] مناهل العرفان 2/58
[16] المستصفى 1/4
[17] المستصفى 1/4
[18] انظر المنقذ من الضلال ص 107
[19] المنقذ من الضلال ص 108
[20] المنقذ من الضلال ص 109
[21] إحياء علوم الدين 1/100
[22] الإحياء 1/104
[23] مشكاة الأنوار 1/40
[24] المستصفى 1/4
[25] المستصفى 1/264
[26] المستصفى 1/264
[27] إحياء علوم الدين 1/37
[28] (الإحياء 1/37)
[29] (البحر المديد 3/385).
[30] (روح المعاني 3/389)
[31] مشكاة الأنوار 73-74
[32] مشكاة الأنوار 73-74
[33] مشكاة الأنوار 73-74
[34] أخرجه أحمد وغيره بإسناد حسن
[35] صحيح ابن حبان برقم 3228، وإسناده على شرط مسلم
[36] إحياء علوم الدين 1/337
[37] تلبيس إبليس ص 149
[38] تلبيس إبليس ص 295
[39] مجموع الفتاوى 10/560
[40] مجموع الفتاوى 2/27
[41] مجموع الفتاوى 13-235-240
[42] مدارج السالكين 2/406
[43] ( مجموع الفتاوى 2/471)
[44] مدارج السالكين 2/406
كلام أكثير من رائع ودراسة وبحث من اجمل ما قرات للغزالي الطوسي وفي إبن تيمية الحراني
وكم تمنيت ان انسخه هذا المحضر والمقالة لتداوله فلم اقدر فهل ترسله لي على الإيميل إذا أمكن
ودمتم