التدیُّن بالغرب والتَّشكُّل الكاذب إلى أین؟
التدیُّن بالغرب والتَّشكُّل الكاذب إلى أین؟ د. منیر بوحوت. المغرب
بعد أن استعار ظاهرة” التشكل الكاذب” من علم التعدین، تحدث الفیلسوف الألماني في كتابه “تدهور الحضارة الغربیة”، عن نظریة “التشكل الحضاري الكاذب” والتي تعني أن بعض الحضارات الفتیة الناشئة تتشكل على تخوم وتحت ضغط حضارات قویة متواضعة، فلا تنمو هویتها بشكل طبیعي. ولا یبدو أن هذا “التشكل الكاذب” الذي تحدث عنه أوزوالد شبنغلر بعیداً أو غیر مناسب لتفسیر ظاهرة التدین بالغرب، لاسیما وأن تدینا جدیدا، بل تدینات جدیدة أصبحت تتشكل” تشكلا كاذبا” على تخوم المجتمعات الغربیة تحت مسمى -Ghetto-Islam سمتها الانعزال والانغلاق Segregation بعیدا عن تأثیرات مجتمع (الكفر)، المتغلبة وما یشكله ، ذلك على حد زعمهم من تحدٍّ أمام الهویة الإسلامیة، وسندهم في ذلك رصید من الأفكار المتناهیة الصلاحیة في الزمان والمكان، في تراثنا الفقهي الكلاسیكي، التي تعتبر “أفكارا مرهقة”. وفي محضن العولمة وتحت ضغط الثقافة الرقمیة، تتشكل تدینات جدیدة تشكلا كاذبا، بنیتها الأساسیة “اللاسیاق” یثور فیه شباب الجیل الثالث على نماذج التدینات المرتبطة بالسیاقات الثقافیة والوطنیة المحلیة التي یصر آباء الجیل الأول وبعض من آباء الجیل الثاني على إعادة إنتاجها. وفق هذا المنظور لم یعد “الإسلام المغربي” و لا “الإسلام الباكستاني” ولا “الإسلام المشرقي” مستساغا لدى كلا الفریقین، هؤلاء الذین تخلوا عن الهویات التقلیدیة (العرقیة والثقافیة) لیكتسبوا هویة عرقیة وثقافیة جدیدة مشتركة قوامها الدین فقط لا الثقافة، وهكذا یصبح مصطلح “المسلم” حسب Olivier Roy بمعنى “الانتماء لإثنیة دینیة جدیدة New ethnicity “ویصبح هذا الجیل الجدید تبعا لذلك منتوجا هویاتیا جدیدا منزوعا عن سیاقه الثقافي ،Deculturalization A Product of یتحدث لغة دینیة عالمیة عابرة للأوطان لا یشم فیها رائحة تدین بلد آبائه Diasporic Islam (المغرب مثلا ) فضلا عن تدین أهل البلد الذي ولد ونشأ فیه وهاجر إلیه أبوه (الدنمارك مثلا). إن الحدیث عن التشكل الكاذب لتدینات مسلمي الجیل الثالث بالغرب، یجعلنا نستحضر أثر الثقافة الرقمیة والعولمة في هذا التشكل. فإذا كانت المقولة التالیة لصاحبها إدوارد سعیدTraveling Islam becomes Travel within Islam: تلخص تجدید الإسلام بالغرب لخطابه باستمرار وأن فهم المسلمین للإسلام یتعرض لتحولات لیس فحسب نتیجة هجرتهم وانتقالهم انتقالا مادیا جسدیا، محسوسا، وإنما أهم من ذلك، التحولات التي تحدث للإسلام كخطاب في ظل العولمة والتفاعلات عبر المحلیة (ولیس فقط عبر القومیة)، فمن المؤكد أن هذا التجدید یحمل بین ثنایاه تشكلات كاذبة على مستوى التدین، وبناءات عشوائیة في الحقل الدیني. إننا أصبحنا بحق أمام ظاهرة تدین فریدة بالغرب، روادها الجیل الثالث ومن بعدهم، لعل من أبرزها سماتها فردنة/ تفرید التعامل مع النص الدیني Individualization وخصخصته، Privatization مما یعني رفع الاحتكار المؤسساتي لفهم وإنتاج الخطاب الدیني. وفي هذا السیاق تؤكد الباحثة السسیلوجیة الفرنسیة Amel Boubakeur أنه قد وجد ابتداء ثمة ” خطاب دیني” بالغرب كان من وراءه مؤسسة العلماء، هذا الخطاب تحول مع ظهور الجیل الثاني إلى “تقلید”، وبتعبیر Royإلى “إسلام مبتذل” Banalized Islam ، وهكذا وبعد مؤسسة العلماء، تصدّر الساحة الدینیة بالغرب، وبكثافة الإسلامیون الذین تبنوا خطاب هویة الأقلیات المسلمة بالغرب، وضمنه إنتاج خطاب فقهي یستهدف هذه الفئة. وبدورها دخلت الإسلامویة الكلاسیكیة مرحلة الإبتذال، فأصبحت في حد ذاتها “تقلیدا”، مما جعل من خطاب فقه الأقلیات المسلمة خطابا محدودا یفقد عنصر المواكبة في كثیر من القضایا ویحتاج إلى عملیة تحدیثیة أو إلى تجاوز. بدل الإسلامیین الكلاسیكیین الذین قل نشاطهم أمام تحدي العولمة والثقافة الرقمیة، سیختطف المشعل من بین أیدیهم إتجاهین: اتجاه إسلامي لیبیرالي فرداني تحت مسمى “إعادة الأسلمة ” یمثله شباب یحوِّل محور اهتمامه من المجال السیاسي إلى المجال الإقتصادي الثقافي. هؤلاء الشباب بدل أن یتجهوا وجهة سیاسیة، ویتبنوا برنامجا إسلامیا، بحثوا عن التمیز في أن یصبحوا رجال أعمال ناجحین، بدخول عالم الراپ، والإستهلاك الإسلامي Mecca Cola. .Halal-Takeaway,Islamic Street Wear الإسلامیون الأوروبیون وتبعا لذلك لم یعد اهتمامهم انتزاع اعتراف الدولة بهم، بل انصب اهتمامهم وجهة أخرى نحو تسجیل أسمائهم في اقتصاد معولم، حیث المنافسة على قدم وساق وبنفس الشروط. أما الإتجاه الثاني فهو “الإسلامویة الجدیدة Neo-Fundamentalisme ” وتعرف باستمرار حالة من التشظي تحت ضغط العولمة والثقافة الرقمیة، بنیتها الأساسیة اللاسیاق، وعلى عكس الإسلامویة الكلاسیكیة التي تتبنى اتجاها وسطیا وتسعى إلى الإندماج والمواطنة والتوفیق بین الإسلام والنظام العلماني الغربي، تتبنى الإسلامویة الجدیدة خطابا متطرفا جعلت من الغرب مسرحا لعملیاتها كالتي حدثت 11 شتنبر بالولایات المتحدة الأمریكیة. أمام هذا الزخم من التدینات، وأمام هذه التشكلات الكاذبة في الحقل الدینيالإسلامي، یثور التساؤل عمن یملك آلیات التشكیل الصحیح للتدینات الإسلامیة بالغرب؟
إنهاء الدردشة
اكتب رسالة…