البطولة النبوية والإنسان الكوثر-الأخلاق الحية- د.نورة بوحناش – الجزائر-
البطولة النبوية والإنسان الكوثر
الأخلاق الحية
إعداد / نورة بوحناش
مقدمة -السرديات البديلة:ترجمت الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم،الإنشاء الغربي،المهيكل أيديولوجيا حيال العقيدة الإسلامية،وقد بدت لهذا الإنشاء طارئة،مناهضة للمعتقدات اليهودية المسيحية؛إلا أنها في الحين نفسه،تعد قطعة ملفقة من السرد اليهودي المسيحي،أمر قرره الخطاب الاستشراقي،بوصفه مسؤولا عن هذا الإنشاء اتجاه الشرق. لماذا يعد التاريخ الغربي،كناية عن صيرورة سلبية اتجاه هذه العقيدة؟
ما فتئ الغرب منذ اللقاء الأول،بين المسيحية الغربية والإسلام،يحور رؤاه عبر صور تتتالى وتتباين،بينما هي تضمر العداوة نفسها،وصولا إلى زمن تحول فيه هذا الدين إلى صورة قاتمة،هي كناية عن إرهاب يهدد عالم الحداثة؛إذ يخفي هذا الموقف المعولم صور عن إسلام هو الإرهاب،تخطيطا لهدم هذا الدين،بأفكار واستراتيجيات موجهة،إلى حد تفكيكه وطمس معالمه الائتمانية.
من جهة أخرى،قام فضاء الحرية والتقدم،بحشد الجيوش لمهمة التفكيك والاجتثاث،موزعا إياها على خريطة العالم،غايته في ذلك ردع قوى الشر المتربصة بالعالم الحر،منمقا للثقافة مفتعلا لأنموذجين منها،ثقافة للخير وأخرى للشر.ففي نهاية المطاف تعد شخصية محمد،شخصية متحاملة على الإنسانية،مناهضة لحقوق الإنسان.وهنا نسأل عن طبيعة هذه الحقوق التي تتعلق بمفهوم للحرية،يرادف الهدم وأنكى من ذلك هدم القيم؟
يتخيل اللاشعور الغربي العقيدة الإسلامية،محمولة على أسنة الرماح،وعلى حد السيوف القاطعة،فهي ملفوفة بالعنف تنشر الدمار أينما حلت،أما مروجها فهو العربي الفض،الذي وصفته مجمل الكتابات الاستشراقية،بأنه كائن متوحش يسكن الصحاري والفلاة.لقد شحن الاستشراق المخيال الغربي،بصور قاتمة عن الإسلام،نعثر على تحليل هذا السيناريو في كتاب تغطية الإسلام لإدرواد سعيد .
يبدو أن هذه الصورة الكاريكاتورية المتردية والقاتمة عن الإسلام،مافتئت تتردد عبر العصور دون هوادة؛على الرغم من مزاعم القطيعات التي نَظَّرَتْ لها سرديات الحداثة وما بعد الحداثة،فهي تضمر خيطا ناظما،يجلي الموقف العدمي من العقيدة الإسلامية ونبيها.وعليه فلن تتميز الصور المسيئة للرسول عن الكوميديا الإلهية لدانتي،بل هي توضح بكل جلاء الدعاية المروجة عن الرسول صلى الله عليه وسلم،بوصفها مشهدا مترددا في العصور الوسطى،لتمتد إلى مراحل لاحقة تميزت بالثورة على الدين المسيحي،والغريب أن موقفها لا يزال محتفظا،بالمنظور المُرَوَجْ نفسه.فهل غيرت الحداثة الأنموذج الفكري للعصور الوسطى اتجاه الإسلام ورسوله؟الإجابة تقدمها الرسوم المسيئة للرسول،إذ نعرة العداء تتجلى اليوم في الإسلاموفوبيا التي تتكثف وتتقوى دون هوادة.
وإذن بقيت الصورة نفسها،تحرك المخيال وتشحذه كرها،فمحمد هو أمير الظلمات في العصور الوسطى وفي عصر المابعديات،بمقولاتها المعلنة التفكيك ونهاية السرديات،في حين أن الإنشاء السردي،يستمر في وضع خططه التي تمثلت في صورة نمطية عن إسلام يساوي الإرهاب.فما زال” محمد[…] أمير الظلمات[…] ولقد اتهم محمد في العصور الوسطى بالخداع والشهوانية وعدم الوفاء”. فأي سردية بديلة تقدمها ما بعد الحداثة عن الإسلام؟ففي مضمار الموقف من الإسلام،تنتفي القطيعات وتبقى الحداثة وما بعدها،وفية للعصور الوسطى،فلا تغيير لموقفها،إنما تغير قشرتها،عبر التبدل المستمر للمناهج،أما النتيجة فنفسها ماكثة تراوح مكانها!
بهذا يكون الإسلام،وضمن المسار النقدي للحداثة وما بعدها،مقاما لتفكيك إيديولوجي حاسم،ينوي تمثل إستراتيجية الاحتواء التي كررتها الكولونيالية،بينما تنسج اليوم قواعد ما بعد كولونيالية،لهيمنة أخرى على العالم الإسلامي وثقافته.إذ يشهد عالم ما بعد الحرب الباردة،تخطيطا جديدا من قبل الرجل الأبيض،لاستعمار هذا العالم لذلك تؤدي الولايات المتحدة الأمريكية،الدور نفسه الذي أدته فرنسا وبريطانيا ،في زمن سلطتهما الاستعمارية الكبرى.وعلى الرغم من الدواعي الموضوعية لهذا الاستعمار،على رأسها المصلحة الاقتصادية،إلا أن الخيط الناظم لها هي الروح الصليبية،التي نمت وامتدت وتشعبت منذ نزول القرآن.
في هذا الإطار تجري حرب أخرى،من قبل الاستشراق الأمريكي،لتفكيك مقومات الإسلام باعتباره أيديولوجيا مناوئة للنظام العالمي النيوليبرالي،الذي يبتغي تفكيك مقاصد الإسلام،في بنائه للإنسان على حسن الخلق؛بما أن ميكانزم هذا النظام،يدور حول اعتبار المال دولة بين الأغنياء وجوبا،إرغاما للإنسان على تدوير رغبته،وفصل أخلاقه عن حياته،والتحلل من القيم الأخلاقية،بترويج مفهوم للحرية،يعني أن تفعل ما تشاء،انتهاكا للفطرة وترديدا للرغبات،على أنها خيارات الحرية،كحق أول من حقوق الإنسان.
والحق أن شخصية الرسول،بوصفها الشخصية الأنموذجية الحية،التي تجعل حسن الخلق قصد القصود الإنسانية، ستكون حتما مناوأة كلية للظرف النيوليبرالي،وظروف أخرى،يخرج فيها الإنسان عن فطرته،هادما للغاية التي وجد من أجلها،نصا قرآنيا فاصلا،تختصر في عبادة لله حملا للأمانة تكليفا بالقيم،إذ عرضت هذه الأمانة على الخلق،فأبت ظواهر الكون حملها،وحملها الإنسان بوصفه موصوفا بالكرامة والتكريم.
في فصوص الحكم،اعتبر ابن عربي الشخصية النبوية حقيقة كاملة،وتجلي لحب الله للإنسان،ذلك أن محمد صلى الله عليه وسلم،هو من تمثل الإنسان الكامل ،تحققت في أقواله وأفعاله الأسماء الحسنى،أيكون ذلك لأنه جسد الغائية الإلهية من خلق الإنسان؟ بمعنى أن الرسول هو بيان إجرائي للفطرة الإنسانية؟وتجسيد للكيفية التي يتمثل بها الإنسان الشاهد والساجد قولا وفعلا؛وأنموذجا تمثليا لما يجب أن يكون عليه الإنسان جملة.فإلى أي مدى يمكن أن يتفق هذا الأنموذج،مع مفهوم مركزية الإنسان المتأله؟
تعد السنة بوصفها،ثاني مصدر من مصادر التشريع،لحظة فارقة في المتن الأصولي،وذكاء خارق يميز التشريع الإسلامي،فلن ينال التبليغ الرباني التجلي الحي المنشود،إلا في حالة تمثله الحي،واعتباره حقيقة تاريخية أنموذجية، وفوقية تربوية موجهة للإنسان،إذ انكفاء القرآن على السنة،هو انكفاء العلم على العمل وبيان تربوي موجه.ولعل تصدير الشافعي بمصدرية السنة،دلالة وجودية مدركة،فهي بيان عن الفعل وتمكين للاقتداء.
هكذا تكون السنة النبوية،دربة اقتدائية تمد الإنسان،بكيفية الفعل ليس في العبادات فقط،بل في الممارسات الأخلاقية باعتبارها قصد القصود من التنزيل،إجلاء لتتميم النبي لمكارم الأخلاق.كما وتتجسد عظمة الخُلُقْ الذي كان عليه،حتى استحق ثناء رب العالمين،في بيان مقاصد السنة أقوالا وأفعالا.ففي زمان الموتين الأكبرين،موت الإله وموت الإنسان،تكون السنة والسيرة،صيدلية البرء من داء الفناء،الذي خطه الإنسان الإله مستكبرا في الأرض منازعا لحقوق الآخرين في الوجود،فكان صلفه إفناء للحرث والنسل.
يعتبر طه عبد الرحمن،الإنسان المعاصر إنسانا ميتا ،موت هو كناية عن تحلل الإنسان من القيم،وسده لمنافذ الروح،عبر سردية المابعديات والنهايات،كتجلي للعدمية.مقابل هذا الموت المحيط،يختصر نبي الإسلام غاية بعثته،في حديث يبين قصد التنزيل؛فالبعثة النبوية كانت تتميما لمكارم الأخلاق،والنبي تجسيدا كاملا للإنسان الحي،حياة تعني إجلاء القيم الأخلاقية في القول والفعل،وتختصر في الحياة الطيبة،المنقطعة للعمل الصالح.فكيف تجمل السنة قصود الحياة الإنسانية؟
في زمن حديث هيمنت عليه المركزية الغربية-المصادرة لكل حقيقة بالريبة والشك-تلقى السنة كل أنواع القدح والتفكيك،دون اعتبار لقيمتها البنائية،المنشئة لأنموذج أخلاقي حي يجمل القيمة،المعيار والغاية.فكيف يمكن قراءة الخطاب السلوكي للسنة –الأقوال والأفعال،قراءة ترتد نقدا على واقع الحداثة؟هي قراءة تستخلص الأنموذج الفطري،الذي يعيد توجيه الإنسان الحديث الموصوف بالميت،صوب فطرته،بيانا للمعايير الموجهة نحو الصلاح،ففي زمن النهايات الكبرى،بقي الإنسان عاريا من الخلق فأحاط به الموت من كل الجهات.
عموما ففي زمن الموتين الأكبرين،موت الإله وموت الإنسان،لم تعد المواقف المعيارية ولا الوصفية مجدية،دفاعا عن الرسول،سواء فيما يخص حجية السنة أو السيرة،فما من جدوى في زمن العلم والتكنولوجيا،إلا التفكير تفعيلا للأجرأة والفاعلية.في هذا الزمن العدمي يكمن ملمح الأجرأة،فيما يخص الرسول،في ذلك البحث الذي تجريه البشرية حول المعنى،إذ هيمن سؤال الأخلاق على مجالات البحث،تحصيلا لما يجب فعله،في إطار أزمة إنسانية وبيئية،تهدد بقاء الإنسان في الكون.
يوحي الأنموذج البطولي المرسوم،في أفق الفعل النبوي،بالوسيلة القمينة بإخراج الإنسان الميت من ضيق التقرب الدنيوي،إلى فساحة القرب الإلهي،هي الغاية التي غمت على الإنسان الحديث،إذ يحي في صحاري عدمية،كيفت مسعاه مع مطلب الاستهلاك،فكانت موتته محققة،إذ غدى ترسا في آلة الاستهلاك العظمى،التي مكن منها ميكانزم النظام الأداتي الحديث،فلا غاية لديه إلا أن يحي حياة كل حي،يسعى سعي ميوله الحيوية.فهل هناك من فائدة ترجى من السنة في عصر الحداثة،عصر يضاهي العدمية ونهاية الأخلاق؟فهل تشكل الأنموذج الأمثل للحياة؟
أولا- الحداثة والموت المزدوج-موت الإله وموت الإنسان-:خضعت دراسة الإسلام ونبيه في زمن الحداثة،للبراديغم العقلاني بوصفه الأنموذج العلمي الفذ،حيث تسلم طرق التحليل بالريبة والشك،وتفصل بين القيمة والواقع ؛كما يعتبر الأخلاق ظاهرة،تدرس بواسطة المنهج الوضعي ،ومناهج أخرى تنسل من البراديغم نفسه.نحن بصدد امتحان علمي،ينفي عن الظواهر الدينية والأخلاقية روحها الروحانية،معتبرا إياها مجرد ظواهر تاريخية .فماذا عن السنة النبوية؟
اتسمت النتائج العلمية،فيما يخص دراسة السنة النبوية،بالاقتضاب،الريبة والشك.ولعل أهم الخلاصات الرائجة،عن متون الأحاديث النبوية،هو الطابع التاريخي التي تختص به،منهيا للحقيقة الفوقية.الأرجح أن كل ما يجري في الزمان والمكان،هو خلاصة لتفاعل الحوادث الإنسانية،بهذا يفقد المقدس المصداقية والمشروعية،ليتحول إلى حدث بشري صرف،انطلاقا من هكذا التصور،يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الفاعلين التاريخيين كالاسكندر أو بطلا أسطوريا،وربما شخصية نسجت ضمن الأطر العامة لجماعة بشرية،تبحث لها عن أنموذج.أما السنة فقد كتبت بحيث تؤدي وظيفة أيديولوجية للدولة الإسلامية.الأمر الذي جعل تاريخ جمع الأحاديث،دليلا على تاريخية السنة ومن ثم فقدان لحجيتها.
تتبين نتائج الدرس الغربي للسنة على ضوء الخلاصات،التي وصل إليها الوعي الغربي،فيما يخص موت الإله ونهاية المقدس،والإيمان بضرب من الحرية الفائقة،في إطار التفكير داخل النسق العقلاني.سيرجح الموت الأنطولوجي للإله،الذي صلب ومات حقا في الوعي الغربي،موته في كل الأديان؛وسيعمم هذا السرد البديل على أديان التوحيد أو مجتمعات الكتاب ،كمصطلح مؤسس لغاية محددة،هي ترسيم النهايات لكل هذه الأديان،اليهودية،المسيحية والإسلام.والحق أن هذا المصطلح له غاياته،في تجميع لا مبرر بين اليهودية،المسيحية والإسلام،ومن ثمة قتل جماعي للإله،كنتيجة استوفت في كتاب فرويد الطوطم والطابو،أي تحييد المعتقد،كمبرر ضروري للتيسير الهيمنة على الإنسان.
وبما أن الإله قد مات،وانتهى السرد المقدس،كخاتمة للتطبيقات العقلانية،فمن المرجح أن كل أديان الوحي،تصنف مع ديانة الإله المقتول.ففي إطار كوني خرج فيه المسلم من التاريخ،وهيمنت الكولونيالية بثقافتها،تركز المركزية الغربية على الإسلام،لترسم تاريخيته منطقا منتجا للحقيقة؛فغدى الرسول هو منشأ الديانة الإسلامية،وكاتب مفوه للقرآن،أو قام علماء مفوهون،بتغيير المتن القرآني،حتى في عهود قريبة.يحدث هذا اقتضاء لنفي حجية القرآن واعتباره كتابة تاريخية،يتجلى مثلا في العمل الدؤوب الذي تقوم به المستشرقة الفرنسية جاكلين شابي،التي تلتقى في طرحها مع محمد أركون في دعوته إلى القراءة التاريخية للقرآن .
في هذا الإطار المرجعي والمنهجي،يهيمن المنظور التاريخي على السيرة والسنة،فيتم تفكيك كلي لبنيتها داخل ثقافة موت الإله وموت الإنسان.ولا ريب أن الصبغة الريبية بوصفها منطلق الحداثة،ترجح هذه النتيجة وتوضحها بكل جلاء.هكذا لم تكن الرسوم المسيئة للرسول،سوى خلاصة للمعالجات التاريخية،التي تتالت منذ معرفة أوروبا بالإسلام،وتتابع لسريدتها منذ القرون الوسطى .
وعموما لم تكن الصور المسيئة للرسول،تعبيرا عن التفكيك المابعدي للحداثة،بل استمرارا للموقف عينه،إنما يتكيف مع تقنيات الصورة كمعطى تكنولوجي مستجد.أما المخيال الذي يمارس التفكيك،فهو المخيال الغربي نفسه الممتد منذ لقائه بالعقيدة الإسلامية،ففي اللحظة المحمدية،تتناقض الحداثة مع ذاتها،وتنتفي فيها القطيعات،لتتواصل مع ما قبلها. ولأن العقلانية،هي مرجحة الحقيقة وكفيلتها،والمنتجة للخلاصات النقدية المتجاوزة،تكون كل المتون الدينية ممارسة للأسطرة .
يقتضي النظر في هذه الخلاصة العقلانية،حوصلة كاملة للإخفاقات التي حصلتها الحداثة على صعيد الإنسان والطبيعة،والانتقال إلى مقاربة إجرائية،تبين التفاوت بين النوعين من الإنسان،فمن جهة هناك الإنسان الميت الذي يدور في رحى الاستهلاك،هدف الأيادي الخفية .وهناك الإنسان الحي الذي يتجاوز حدود المنفعة الآنية،إلى آفاق رحيبة،تنفتح بها و فيها الرؤى الرحيمة.فما هي حدود الحضور الأنموذجي،المرسوم في الصورة الإنسية للرسول صلى الله عليه وسلم في زمن العدمية والتفاهة؟
لعل هذا السؤال يختصر المشهد العام،للعوامل الثاوية خلف الرسوم المسيئة للرسول،والمروجة لكراهية الإسلام ونبيه تعبيرا عن نزعة عنصرية،يختصرها مصطلح الإسلاموفوبيا؛وهي ظاهرة ما فتئت تتسلل من المخيال الغربي بديمومة ثابتة،منذ أن فند القرآن إلوهية عيسى عليه السلام،وأثبت البراءة الأصلية من الخطيئة،ونفى الوساطة بين العبد وربه.
الحاصل أنه في التاريخ الغربي،يصور الرسول كشخصية شرقية،تتزي بالخصائص الطبائعية للعربي من شهوة ،عنف وبداوة،وقد كُتب القرآن من مصادر دينية يهودية مسيحية ومجوسية،هو دين يروج له العربي الفض،فأي دين هذا الذي بشر به مدعي نبوة تزوج من نساء كثريات شبقا،و دفع بأصحابه إلى نشر دينه بالسيف.
هي صورة مستنسخة متكررة،يحملها المخيال الغربي طوال تاريخه الممتد،ولكنه في زمن الصورة التي تحتل الساحات،سيرددها لتمثل أنموذجا لعداء مترسخ في الذهنية الغربية اتجاه محمد وديانته المحمدية،في زمان تساوت فيه هذه الديانة مع الإرهاب،كإستراتيجية أخرى ارتضاها الغرب سبيلا للهيمنة على العالم الإسلامي؛بهذا ستؤلف الرسوم المسيئة أبرز مظاهر السردية المستحدثة زمن سلطة الصورة الرقمية.
تشكل الرسوم المسيئة للرسول صراعا بين النماذج،الأنموذج العقلاني الذي يعتبر،أن الواقع هو الذي يفرز القيم ويشكلها حسب واقع الحال؛والأنموذج الإسلامي الذي يرتكز قبلا على أولوية الأخلاق،بوصفها محرك الحياة الإنسانية وماهيتها الأصلية وعليه ف” بإتباع هذه الروح يصبح الإنسان،إماما كبيرا لهذا المعبد الأكبر الكون،جاريا على قواعد الخالق تابعا لقوانينه،لا محالة عبثا أن يقاومه و يدافعه ” .
كان نتشه الداعية الأكبر لموت الإله ونبي العدمية بامتياز،لكنه في الوقت نفسه،سيستثني نبي الإسلام من الترسيم القدحي،الذي وضع فيه أنبياء بني إسرائيل كمبشرين بالضعف؛فمحمد يختلف عن المسيح بكونه إنسانا قويا،دخل التاريخ واستجاب لإرادة القوة .من جهة أخرى وفي سبيل مداواة مرض العدمية،الذي أصاب الروح الغربية في مقتل،عمل هنري برغسون فيلسوف الروحانية،على استعادة كنه الروح الرسولية للمسيح ابنا للإله،ثم أنبياء بني إسرائيل من خلفه ؛إذ أدرك فيلسوف الديمومة،أن زوال القدوة الروحية،سيؤدي إلى انهيار القيم جملة. فتباشير الموت تلف الحضارة الغربية من كل جانب،لذلك تكون عودة المسيح أمرا ضروريا،لإنقاذ هذه الحضارة من المادية والعدمية،عبر ثنائية الآلة والتصوف.
انطلاقا من مفهوم الأخلاق المفتوحة،التي يجانبها الدين المتحرك،سيكون المسيح قدوة الأخلاق الأمثل،إلا أن برغسون المبشر بالمسيحية الكاثوليكية كدين للمحبة،سيعتبر أن نبي الإسلام فاقد لمقام التجلي،لأنه لم يرق البتة إلى منزلة الروح،يبقى حاملا لصفة الإنسان،وليس لصفة الإلوهية،لذلك حذف برغسون عن الرسول صفة الاقتداء الأخلاقي ،هي نتيجة يفسرها المنظور الغربي عامة،والمنظور البرغسوني المؤسس على ثقافة يهودية مسيحية،تنطلق من مركزية غربية تكون فيها الثقافة اليهودية المسيحية رافدا كونيا مؤسسا.
بين نتشه وبرغسون تكمن المفارقة،فهما من جهة أولى يختلفان حول فلسفة العدمية،فإذا كان نتشه المروج الأول للعدمية بوصفها صيرورة حتمية للحداثة؛فإن برغسون يقدم قراءة أخرى،للدور الذي يؤديه الأبطال،إذ يختص الأنبياء بالتمكين من الأنموذج الأخلاقي الروحاني، مسار للإقتداء الإنساني؛لكن نتشه فيلسوف الإنسان القوي،سيركز على الأقوياء أبطلا إنسانيين،ويكون محمد أحد مظاهر البطولة المثلى مجسدا للقوة،في حين يؤلف المسيح أنموذجا للضعف،يجب محوه من التاريخ الإنساني.فهل كان محمد بالنسبة لنتشه هو من حطم الأصنام فعلا،وقدم تجربة الانخراط في العود الأبدي؟
ثانيا -عصر التفاهة وتفكك الأنموذج الأخلاقي-موت الإنسان الكوثر-:حيرة المعنى حيرة ملحاحة،تأخذ بكلية الوجود البشري،فسؤال الجدوى،يواكب الإنسانية،إلا أن نهاية المقدس التي صرحت بموت الإله،معوضا بذلك طلب المعنى بموته وتواريه من التاريخ؛قد فتح ثقبا أسودا في الذات ممكنا لانهيارات شاملة،لم يعد هناك من معنى سوى تكرار اللاجدوى والعبث،فتجلى في المحنة السزيفية لدى الإنسان اللامجدي ،فلا قيمة في حياة تكرر نفسها،دون النفاذ إلى المعنى،ولكن عندما يُغَمُ المعنى،فما هي حينئذ مقاصد الحياة؟
كانت نهاية المقدس والسقوط في اللامعنى،إيذانا ببروز التفاهة كقيمة سلبية تلف الحياة،لم يعد هناك من جدوى إلا تدوير الأشياء وإنتاجها،ليعوض الاستهلاك سؤال المعنى،لم يعد في هذا الزمن من قيمة،إلا قيمة الحيازة بشتى الوسائل وأخصها الحرب.فهل تعثر الشخصية النبوية-أنموذج الإنسان الكوثر-على مكان لها في الظرف التافه؟
حسب المواضعة الفلسفية لزيجمونت باومان،يعد الزمن السائل زمن فناء القيم،انفرطت فيه عقدة الأخلاق،سائرة نحو اندثارها،والحق أن هذا الاندثار وذاك الفناء،ليعدا صيرورة حتمية عن موت الإله،وانكفاء الإنسان في منظومة استهلاكية تطوع الرغبة في سبيل سعادة عظمى هنا .فإلى أي مدى،يستقيم أمر الإنسان الكوثر،الذي يعتبر أن الله حي لا يموت،في زمن فقدان الجدوى؟ الإنسان الذي يعتبر الغاية من وجوده،هي تجسيد الأمانة مستخلفا في كون يعمل دائما على صلاحه؟هل تتطابق معاني الصلاح مع عصر السيولة والتفاهة؟أيعثر الرسول صلى الله عليه وسلم على مقام له،في هذا الزمن؟سؤال تكون الإجابة عنه تبريرا محكما،للتعنيف الذي يجده الإسلام في الزمن المعولم،وعاملا حاسما في بيان طبيعة الرسوم المسيئة للرسول.
إذن نحن بصدد إنسانين:الإنسان الأبتر والإنسان الكوثر،وبينهما المسافة لا تطوى،فلن يحظ التمثل الحي للمستخلف الممثل في الرسول بسنته وسيرته،البتة بمنزلة في زمن موت الأنموذج الحي،كتجلي محقق للانصهار بين الروحاني والزمني،بين التاريخي واللاتاريخي،إذ سينتهي عند تخوم الحداثي وما بعد الحداثي،بينما يؤلف الإنسان مركزية ينزاح منها المقدس توجيها؛لكن بأي معنى يكون الإنسان إنسانا؟
فيما يخص فيلسوف القيمة لوي لافيل،يكون الإنسان السفسطائي،هو عيان الإنسان الحديث،باعتباره مقياس الأشياء جميعا ،لتكون الرغبة معيارا للقيم،توجهها حسب مشيئتها.انطلاقا من هذا التعريف الماهوي،فإن الإنسان هو كل من كان ابترا،يقيس القيم بوسيلة الهوى،هو ذلك الذي مرر الغاية من الوجود،في مجرد الإشباع،لذلك”تبوأ التافهون موقع السلطة” .إذ تغدو التفاهة في فضاء السيولة،المعيار الذي يجب أن تخضع له الأشياء،من ثم يُرفض الإنسان الكوثر من قبل الإنسان الأبتر ،ليُسَيِرَ الأبتر الرسوم المسيئة للرسول،معتبرا إياها تعبيرا عن الحق في حرية التعبير،في زمن لرسكلة الديمقراطية نظاما سياسيا،يمنح المشروعية لكل الأفعال المتجاوزة للفطرة الإنسانية.وإذن فهل يفقه الإنسان الميت طبيعة الإنسان الحي؟هل يفقه الإنسان الأبتر،طبيعة الإنسان الكوثر؟
انتهى في عصر التفاهة المتساوق مع العدمية الأنموذج الأخلاقي،والبطولة الأخلاقية،لينتقل الوعي بحثا عن أنموذج وبطولة تكرس فلسفة النهايات.ويبدو أن عصر نهاية المعيار وموت القيمة،سيجد للصورة التي حلت في موقع الاقتداء،بديلا مهما في التقفي السلوكي؛لذلك سيكون الفنانون،عارضات الأزياء والرياضيون وغيرهم من مشاهير الترويج الإعلامي،هم بناة الشخصية الأخلاقية،والأنموذج الأمثل للإنسان الأبتر،وقد أحاط به الموت من كل جانب.
من بين ما تعنيه الشخصية النبوية،هو تمثلها للقيم الإسلامية تمثلا فعليا،جامعا بين القول والفعل،لن يحيد عن السبيل من جعلها قيمة في قبلة ارتضاها،تسيره نحو المقاصد المرجوة من الحياة الإنسانية الطيبة؛لذلك يكتسب هذا القصد الصدقية والمصداقية،في عصر التبعثر الأخلاقي،الذي يلف عالم اليوم،عالم تموت فيه القيم وتفتقد حدودها،وتنتشر فلسفات الإنسان العابد للإيروس المنزوي عن عبادة الله.
ثالثا-الرسول-من المتخيل إلى التاريخي-:تعدى البراديغم التاريخي حدود المتن الاستشراقي الغربي،ليتم تمثله في التصورات داخل الفكر النقدي العربي الحديث والمعاصر،يتبين ذلك مثلا في كتابة طه حسين للسيرة النبوية، وبعده هشام جعيط،فقد تحولت السيرة عند طه حسين إلى رواية أدبية،يجري عليها الأسلوب الأدبي الذي كيف الشخصية النبوية مع المشهد الإنساني لبطل الرواية ،كما ويعيد هشام جعيط قراءة السيرة على ضوء المناهج الوضعية للمدرسة الاستشراقية الفرنسية،متحققا بتاريخيتها التي تعتبر أن المقدس جزء من التاريخ،وتفاعل إنساني لن يرتق البتة إلى مصاف التعالي.
تعرضت مصادر السنة،البخاري والمسلم،إلى هجمة عنيفة تفكيكا للسنة كآلية تطبيقية للقرآن،ومرجعية تشريعية أخلاقية بيانا لانصهار الروحاني في الزمني؛لتمثل أحد محطات تفنيد حجية السنة،كمصدر من مصادر التشريع ،فتكون النبوة مفهوم أسطوري والوحي،شكلا من أشكال الجنون.والحق أن الترويج للمتن الاستشراقي في الفكر العربي المعاصر،قد لقي إقبالا من طرف المقلدة،ممن انساقوا إلى الخلاصة الأنوارية الحداثية،دون إعمال النظر في المرجعيات والآليات،بمفاهيمها التكوينية ومناهجها التحليلية،وبالضبط مرجعيتها التاريخية.
هكذا تخلص القراءة الحداثية في الفكر العربي المعاصر،إلى أن الشخصية النبوية لست إلا تجلي لمخيال أسطوري،مؤسس لعصر تدشيني،يعد مرتكز العقيدة والشريعة،أما في حالة القراءة التاريخية للسنة فستؤدي إلى عقلانية،يتناسق فيها الإسلام مع الحداثة متكيفا مع مبادئها مطواعا لها؛ستنفتح القراءة الحداثية على إعادة هيكلة الشخصية النبوية،وفق البراديغم الحداثي،الذي يعني اعتلاء الإنسان الأبتر قيادة الإنسان الكوثر.
في تقصي هذا الانقلاب الواجب أداءه من قبل الحداثة،نلفاه قديما يجدد نفسه،داخل منظومة أخرى،لكنه يستوحي نمطيته من براديغم الدعاية التي كانت سائدة في العصور الوسطى،وقد عملت على الإقرار بفكرة العدو الأكبر الذي مثله محمد بوصفه،مناقضا لشخصية المسيح؛إنه الاتهام نفسه الذي تمركز في العصور الوسطى،يتردد في عصر النهايات وموت السرديات،محمد المخادع الشهواني عديم الوفاء،مقابل المسيح إله المحبة المخلص؛محمد كتجلي لصورة ظلامية،لن تتفق البتة مع الإنسان الحديث،الذي كسر قيد المقدس في سبيل استزادة السيطرة والسلطة على الكون.
طبقا للعقلانية،بوصفها محيط التفكير الموسوم بالصدقية العلمية،سيكون الإسلام ونبيه،حجر عثرة في طريق التقدم الذي قد تنوي الثقافة الإسلامية القيام به،وأول الخطوات التي على هذه الثقافة إجراؤها،هي تفكيك متون المقدس؛بدأ من القرآن انتقالا إلى الأحاديث التي تمثل بيانا وتوضيحا لها،لذلك يتكفل الجهد المنهجي لدى دارسي السنة النبوية انطلاقا من الريبية الحداثية،بالانكباب عليها بوسيلة الأداة التاريخية،لتكون السنة مجرد سردية مجموعة من قبل فاعلين تاريخيين،هم الصحابة أو التابعين وتابعي التابعين،كما أنها تؤدي مهمة التسويغ الأيديولوجي للسلط السياسية،المتلاحقة في ديار الإسلام ،فيثار سؤال الشرعية في حالة الاندثار العدمي للسنة،بمعنى الانفكاك عن الأنموذج وتفكيكه،فما البديل؟هل ستكون سردية النهايات والمابعديات هو ذلك البديل المأمول؟
في نزعته إلى القراءة التاريخية للقرآن مثلا،يكون للاستشراق تأثيرا كبيرا في العقل المسلم ،ولنا في ذلك كثرة من المفكرين المعاصرين،الذين اتجهوا إلى تفكيك الأنموذج الإسلامي،بواسطة المناهج الغربية التي كثيرا ما تعتمد إيديولوجيا مبطنة،ومنهم مثلا محمد أركون،نصر حامد أبوزيد ومحمد شحرور،وتطول القائمة.إذ تكمن خلاصة العمل الدؤوب الذي يقوم به العقل المقلد،في إحكام السيطرة على الذات،من قبل المركزية الغربية،ومد لما بعد الكولونيالية في الوعي تيسرا لمدها على الأرض.
وعموما ترتبط الخلاصة التي حصلها هؤلاء المفكرون الحداثيون،بالمقدمات التي أقروا بها،إذ تنطلق من نفي الغيب إذعانا للعقلانية،التي تؤدي بداهة إلى فصل بين الشخصية النبوية والأخلاق،يؤدي في الحق إلى انهدام كلي لها،بما أن ماهيتها هي الأخلاقية،وقصد قصودها هي تتميم مكارم الأخلاق.فهل يستطيع المنهج العقلاني،الذي يفصل بين القيمة والواقع وعي كنه هذه الشخصية؟ثم أن هؤلاء المقلدة من الحداثيين،قد تبنوا المنظومة العلمانية،التي تفرض نهاية المقدس مقدمة بديهية،وعليه يصور محمد أركون الحياة النبوية،على أنها تجلي للأسطورة،وعملية إنشاء لعصر تدشيني وأسطرة بناء لإيديولوجيا الدولة الإسلامية .
يواكب المنظور التفكيكي للقرآن والسنة،من قبل المركزية الغربية،أنموذجا من الدعاية المغرضة في العالم العربي المعاصر،نتلمسها في كثير من الأحيان،عبر صفقات إعلامية تنوي الشهرة،مثل كتاب المغربي رشيد إيلال،الموسوم ب” صحيح البخاري نهاية أسطورة”،حيث ينهج الكتاب سطحية،تكرر الهجمة الاستشراقية وتتشبث بها ،لينتحل الكاتب أقاويل المقلدة من الحداثيين العدميين،الذين اعتبروا مقولة التقدم -بمضمونها الغربي المبشرة، بسيطرة الإنسان على الطبيعة،وتمثله الربوبي بوصفه مركزا للكون غاية قصوى من وجود الإنسان،لذلك تكون السنة بأسفارها المعروفة البخاري وصحيح مسلم،عاملا مسيئا للتقدم المأمول،وعلى الوعي العربي الإسلامي تفكيكها ،وتجاوزها نحو آفاق تؤذن بالتفوق الإنساني.فما جدوى تفكيك السنة؟هل تمنح العالم العربي حداثة يتفوق بها؟ماذا بعد تفكيك المقدس؟
كما نعثر على دعاية أخرى تروجها،الكاتبة التونسية هالة وردي،في كتابها الأيام الأخيرة من حياة محمد،منذ الصفحات الأولى للكتاب تخط الكاتبة،تاريخا آخر للإسلام يختلف كليا عن الإسلام المبكر،الذي يمثل مرجعية ثابتة في المخيال الإسلامي،باعتباره الرواية الصحيحة والرسمية.تقوم الدعوى التي تتبناها هالة وردي على تجميع فسيفسائي لقطع من روايات،تؤكد أنها متناثرة في مصادر سنية وشيعية،لتؤلف بينها في شكل قصصي جديد،هيكلة لرواية تاريخية تدحض الرواية الرسمية الماثلة في الشعور الإسلامي؛وعلى خطى المنظومة الفرنسية تدعي هالة وردي،وجود روايات منسية ومهمشة سقطت من المفكر فيه الإسلامي،ليقع في اللامفكر فيه اعتبارا لعوامل عدة.
تعتبر هالة وردي كتابها عرضا تاريخيا آخر،يتجاوز الأسطورة،التأثير الأيديولوجي المحمول في اللاشعور الجمعي الإسلامي،كل انتماء السياسي،في سبيل كتابة أخرى لتاريخ المسلمين تاريخ صحيح تندمج فيه كل الأطراف،وتركيب جديد لأجزاء لامفكر فيها تهدف إلى إخراج تاريخي مغاير.
أثار كتاب هالة وردي،نقاشا فكريا ودينيا صاخبا،فقد اعتبر هشام جعيط،كتاب الأيام الأخيرة من حياة محمد نوع من أنواع التاريخ المزيف وهو كناية عن الكلمة الفرنسية”Escroquerie “ونفى عبر الصحافة التونسية علمية الكتاب،إذ تقدم هالة وردي كتابها باعتباره تاريخ موثق بمصادر تاريخية،في حين كما أردف إلى ذلك هشام جعيط هو رواية تاريخية خيالية ذات غاية إيديولوجية،وهنا تكمن الدعاية ويروج التزوير،إذ تبدي غاية علمية في حين تؤلف خرافات وخيالات وكأنها مأخوذة من أمهات المصادر،من كتب التاريخ الحديث والسير.وينتقص جعيط من قيمة الكتاب العلمية،هي تلك الأخطاء الملاحظة في هوامش الكتاب،والأدهى ان الكاتبة تعود إلى المصادر في حين هي تجهلها .
تدعى هالة وردي تسليط الضوء على جوانب خفية في حياة الرسول،وتراجع سلطته في أيامه الأخيرة، قائلة أن النبي امتحن في آخر أيامه امتحانات صعبة،فقد ابنه الوحيد،وفشل عسكريا في مواجهة الإمبراطورية الرومانية،بل زادت في حدة دعايتها،عندما صرحت بأنه واجه العصيان من قبل الصحابة خاصة عمر بن الخطاب،كما شرب في مرضه أدوية،لم يكن يعلم شيئا عنها،لتردف مدعية أن جثمان الرسول ترك دون دفن لثلاثة أيام،بالإضافة إلى كثير من الأحداث الأخرى الصادمة،استعادت خلالها الكثير من الإدعاءات الاستشراقية،مقدمة بذلك صورة مشوهة عن الرسول لا تقل غرابة،وزيفا عن الصور المسيئة للرسول،وستتوغل الكاتبة في دعاويها عند قولها أن فاطمة بنت الرسول،عنفت لتموت على إثر ذلك،وحرمت من الميراث،كما تتحدث هالة وردي عن تعرضه صلى الله عليه وسلم لمحاولات اغتيال،وخلافا لما عرف في السيرة والسنة،فقد النبي ثقته في محيطه.
مقابل هذه القراءة الحداثية المتجهة،نحو تفكيك سلطة المقدس،هناك القراءة المعيارية،المنزوية في الماضي،التي مكنت وتمكن من أسطرة حقيقية للشخصية النبوية،حيادة لها عن التاريخ،وبقاء في مستوى الترميز الشكلاني القابع في التبني المظهري للسنة النبوية.والحق أن هذا الخطاب ينزع عنها قصودها،فمن الواجب بيان لاجدوى الاستثارة المعيارية والقراءة الوصفية التي ينجزها المخيال الإسلامي الغارق في أيديولوجيته،فهو خطاب يكرر نفسه ضمن المنظور الكلاسيكي،إذ العصر عصر الإجرائية والفعالية يستصوب الدليل،الذي يفسحه العمل العقلي الموسوم بالأجرأة،وهكذا فإن كل دفاع عن السنة فاقد للدليل المتحقق سيكون عديم الفائدة والجدوى .
رابعا- القول والفعل في السنة النبوية-الأجرأة وانبعاث البراديغم النبوي في عصر الموت الأكبر-: تمثل الشخصية النبوية الأنموذج الفذ لعلاقة الإنسان بالله،فإذا كانت المسيحية تعتبر أن الله قد حل في الإنسان،فإن الإسلام يعتبر أن الإنسان خاضع لله.ويبدو أن نتيجة حلول الإله في الإنسان قد خلصت بموت هذا الإله وتواريه من التاريخ،ثم انفكاك الإنسان من كل دين،ليهيمن الإنسان الأبتر على الإنسان الكوثر؛بيد أن خضوع الإنسان لله يجري على تعظيم الخُلق الذي كان عليه نبيه،فكان تبليغه صلى الله عليه وسلم ،تبليغا قوليا وفعليا،وهو ركيزة السنة النبوية.إذن بين النبي الإنسان وابن الإله يختل المنظور الإنساني،ويسقط في الموت المزدوج موت الإله وموت الإنسان،أما النبي الإنسان المندمج في الفعل التاريخي،فستمثل حياته أسلوبا للحياة الإنسانية،التي تعمل طبقا للفطرة،عبر التزكية لذلك تكون السنة تجلي لأسلوب هذه التزكية.
يجري المنظور الحداثي وما بعده،على تفكيك متواصل للقيم التقليدية،ليكون الحداثي هو كل من سار ناقدا ومتجاوزا للأطر الوجودية والأخلاقية المحيطة،فلا يمكن أن يؤمن إلا إذا محص وفق عقلانية تؤسس ذاتها على الحسي؛وهي معضلة كبرى فيما يخص الميتافيزيقا،إذ تختصر العقلانية ذاتها في فك السحر على العالم،بمعنى زوال التراتب الإلهي،الذي يجعل الكون كله آية يرتد البصر حسيرا،عند جولانه في أرجائه،ومع كل ما لا يتوافق مع الفطر الكونية والإنسانية.
هكذا تخلى إنسان الحداثة،عن الغايات التي رسمت في أفق التجلي الرحماني،ليكون مركزا للكون في فضاء اللايقين مما أدى إلى اختصار القصد من الوجود في المقولة الأم”الإنسان سيد للطبيعة مالك لها”بمعنى أن الغاية من الوجود تختصر في التقدم المادي،فكرة حددتها البرجوازية التي أدت الدور المفصلي في الثورة على المقدس،لينطلق التقدم المادي المهول دون رجعة.
والحق أن اختصار الوجود الإنساني في مجرد التقدم المادي،يعاكس الدعوة المكرمية التي سُقِفَ بها التبليغ النبوي،هي القصود التي يجب أن يحصلها الإنسان،أثناء مكوثه القصير في هذه الأرض،وقد اختصرت في العبادة قصد القصود.أما عن تحديد كنه هذه العبادة في السنة ،فإن الحديث الشمولي المثبت للغاية من الخلق الإنساني ومن البعثة ،فيكون مفسرا لماهية العبادة”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” بيانا لماهية الإنسان وكمالا له.
سينحصر التقدم الروحاني والأخلاقي في الحداثة،وما تلاها من بعديات ونهايات إلى حد الموت،ومن ثمة سينبري الإنسان إلى خلق وجهته،مختارا ما يشاء من الوجهات انطلاقا من الحرية كمفهوم ضبابي مائع،فحل عصر السيولة ليفقد بذلك النبراس الذي يقوده في ظلمات البر والبحر.ولأن الإنسان كائن قيمة،فقد احتاج لمن يوجهه،لذلك انتقل المقدس إلى الدولة،فكانت عبادة الأشخاص من سياسيين ورياضيين وفنانين وهلم جرا،ممن رأى فيهم الإنسان الأبتر أنموذجا للاحتذاء،هم قدوة الزمن السائل،رافعي راية الخلاص وصورته.فهل تخلص الإنسان الذي قتل الإله من السلطة الفوقية؟
العكس هو الصحيح لقد تقدم صوب ترسيم الذوات التي تمده بما يجب أن يكون،فكان بحاجة ماسة إلى أقوال وأفعال من يقودونه في معركة التقدم،ففي الجمهورية الفرنسية تنبثق قيم الأخوة والحرية والمساواة،دينا جديدا وستكون الجمهورية هي هذا الإله الذي يعوض الإله المقتول،أما التشريع فسيؤول إلى ذوات أخرى تحيط بالإنسان كما يريد أن يكون وعلى رأسها البرلمان.
في خضم هذه الصيرورة،التي تعلي من شأن الوجود “هنا” إلى حد القداسة،ينتهي الإنسان إلى اللعب ويبحث له عن اهتمامات للتقدم فلا يجد شيئا،إلا خيالات أسطورية من قبيل الإنسان المحسن،المتحول ،ليرسم الشذوذ كحق من حقوق الإنسان؛في هذا السياق تشرع البرلمانات الأوروبية الشذوذ الجنسي والانتحار،فيما يصطلح عليه بالموت الرحيم ،في حين “لن يجد المرء السبيل إلى العلم حتى يجده أولا إلى العبادة،أعني أنه لا علم إلا لمن عبد وإلا العلم شقشقة كاذبة وبقلة -كما قلت –ذابلة” ،وهو اعتراف من قلب المركزية الغربية،التي فصلت بين العبادة والعلم،في حين تنصهر العبادة في العلم،ليكون التدبر في القرآن هو أداء لمهمة العلم عبادة.
تكون الشخصية النبوية،تجسيدا للحياة الطيبة الموعودة،هي الحياة التي ينصهر فيها الفاني بالباقي،رافعا إياها إلى مستوى الإنسانية المؤتمنة،بما تؤديه التزكية دربة أخلاقية،تستخدم في ذلك تقنيات الذات،مثلهاالرسول صلى الله عليه وسلم تطبيقا عبر السنة،وذلك في السياق العام لتتميم مكارم الأخلاق،وعليه تكون السنة الأنموذج التطبيقي،لهذه التقنيات بغية تتميم مكارم الأخلاق.في الأخير ماذا تعلمنا السيرة والسنة؟
خامسا -الإنسان الحي والأنموذج الاقتدائي:يكون الرسول صلى الله عليه وسلم موصوفا بالفوقية الأخلاقية،في النص القرآني بشهادة الله تعالى،بكونه على خلق عظيم،سيعقب هذه الشهادة،البيان الذي قدمته عائشة،بأن الرسول كان قرآنا يمشي على الأرض،بمعنى أن السنة النبوية،تبين الجانب الإجرائي التطبيقي للقرآن الكريم،ليتجلى في التزكي.
إذن نحن بصدد منظومة ميتافيزيقية،تجعل قرينتها الماهوية هي الأخلاق،ستكلل السنة المساعي الكبرى للإسلام،بتصريح يختصر القصد الكلي للبعثة،في حديثه عليه الصلاة والسلام”إنما بعثت لأتم مكارم الأخلاق”.فهل تتمكن العقلانية الحداثية من فقه طبيعة الإسلام؟وقد حيدت الأخلاق من بنيتها،معتبرة أن الغاية من المعرفة،هي سيطرة الإنسان وتسلطه على الطبيعة،أما عن الحياة فالسعادة على الأرض،هي غايتها الأخيرة.
في المقاربة بين أنموذجين من الإنسان،الإنسان الذي تزكى وصلى،فكان قاب قوسين أو أدنى،هو البيان الذي مثلته الشخصية النبوية.من جهة أخرى الإنسان الذي فصل ذاته تكبرا،وهو ما ترومه الحداثة وما بعدها،معتليا منازل التكب،فظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.مع الرسول نكون في ضيافة الإنسان الكوثر،الذي يُحاربه الإنسان الأبتر،عبر الحرب الكبرى على الإرهاب تكبرا في الأرض،فقتل الإنسان،وطارده بسبب جنسه، دينه،ثقافته.
إن الإنسان الكوثر هو الإنسان الحي،الذي يمارس الحرية من باب سلطته على ذاته،بمعنى فوقية القانون الأخلاقي على الهوى،فوقية تعني علو همته في العيش وفقا للفطرة.أما عن القانون الأخلاقي الذي هو تضمين لهذه الفطرة فله ركيزتين:
الأولى: هي التمثل الصفاتي،الذي يتجسد في عقيدة تعرف الله عبر أسمائه الحسنى،بوصفها عين القيم الأخلاقية.
الثانية: هي آليات الإجرائية،التي تمثلها الشريعة،بوصفها محيطة بالإنسان من جانبه الأنطولوجي،الذي يتمثل في علاقة الإنسان بالله،و من جانبها الأخلاقي الذي يعني أداء الأمانة،بوسيلة التطبيق الأداتي للشريعة،لذلك يعتبر الإسلام صيدلية الكون،والرسول هو الأنموذج التطبيقي للفطرة التي تعمل طبقا للقانون؛ويصف توماس كارليل الشخصية المسلمة قائلا :” كل من كان فاضلا شريف الخلق فهو مسلم” ،ولن يكون سند هذه الصفة سوى الشخصية النبوية،باعتبارها التمثل التطبيقي للمسلم.
أما الإنسان الأبتر،فهو إنسان ميت،اعتبر حريته ممارسة للهوى،والعيش تحت سلطة الذات،وفقا للطبيعة البشرية،لينتهي إلى عبادة ذاته،يجسده الإنسان الحديث الذي فقد القبلة الأخلاقية،انبنى عقده الاجتماعي والسياسي على ما يصطلح عليه المرحلة الطبيعية،المحملة بثقل الغرائز.
عند المقابلة بين المبادئية والنتائجية في فلسفة الأخلاق،يكمن المنظور الكلي لمصداقية الأخلاق،فهل المبادئ هي التي تبين الجدوى من الفعل الأخلاقي؟أم النتائج هي التي تبينها وتحقق مضامينها؟ انقسم تاريخ الأخلاق منذ الجدل السقراطي السفسطائي،إلى حد النقاش الكانطي النفعي،إلى اعتبار أن المخالفة المعيارية،تكمن في إعلاء طرف على الآخر؛فتحير فلاسفة الأخلاق في أخلاقية الفعل،هل يكون انطلاقا من المبادئ أم من النتائج؟وتبدو هذه الحيرة ظاهرة في النقاش البيوإتيقي الراهن،الذي خلص إلى تغليب النتائجية على المبادئية،بما أن معهود الحضارة الغربية يركز على المنظور البراغماتي النفعي،لتكون النتائجية أكثر جدوى من احترام المبادئ،ويتبين هذا الملمح مثلا في نظرية بتير سينغر،حيث يصر على ضرورة تكييف المبادئ الأخلاقية،مع النتائج المرجوة من التطبيقات التقنية والبيوتقنية.
حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته في تتميم مكارم الأخلاق،ليشهد شاهد من خارج النسق،شهادة كونية في قوله ” وكذلك أرى محمد من دلائل شاعرية كبيرة وآيات أشرف المحامد وأكرم الخصال،واتبين فيه عقلا راجحا عظيما وعينا بصيرة،وفؤادا صادقا ورجلا قويا عبقريا” ،فهو الإنسان الكامل،دخل التاريخ فعلا وغير مصير أمة،فمثل أنموذج اايقتداء لكل زمن إنساني،”إنما كانت حكمة فردية،لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني،ولهذا بدئ به الأمر وحتم” .لماذا كان هذا البدء وهذا الختام؟
تتبين مشروعية الاجتهاد في التاريخ الإسلامي،واضحة في زمن النهايات والمابعديات،حيث ستعتلي الحرية كبنية سائلة قيادة القيم،فافتقدت المعايير،المحددات السلوكية والمقاصد الأخلاقية،التي لها حواف ضبابية يخلط فيها الصالح بالطالح،أما المعيار الأقدر،على تحديد ما ينبغي أن يكون،فهي الرغبة المحيلة إلى السعادة.
قديما اعتمد الشافعي السنة مصدرا ثانيا للتشريع،إنها بيان للبيان ،وأنموذجا متحققا في التاريخ للشخصية الأخلاقية التي تعمل وفق الفطرة،عبر تقنيات الذات التي تمثلها العبادة،أما الإمام مالك فقد جعل من عمل أهل المدينة مصدرا من مصادر التشريع،بما أن أهل المدينة قد عايشوا التجربة النبوية وتمثلوها في السلوك،وانطبق الأنموذج النبوي قولا وفعلا في سلوك هؤلاء.فماذا تَعْتَبِرُ الشريعة الإسلامية في حكمها المعياري،أهي المبادئ أم النتائج؟
يوجد اتساق الدقيق،بين طبيعة الإنسان والشريعة الإسلامية،يظهر ذلك في انطلاق التشريع معترفا بالملكات الإنسانية،متعاملا معها حسب التكليف بالوسع،فشرع التيسير والضرورة مثلا،لكنها في نهاية المطاف تنتهي إلى إعلاء قيمة الصلاح بوصفها قصد القصود.إن تمكن الشريعة من الإحاطة بالطبيعة البشرية،يكون عبر تقنيات تتدخل في إعادة هيكلتها،ممكنة إياها سيرا نحو الصلاح،هناك مقدمات ونتائج،تنتظم بوسيلة الأحكام الشرعية؛أما في النهاية ترتبط المبادئية بالنتائجية،عبر التقنيات التدخلية،وتؤدي مقاصد تتفق كليا مع المبادئ التي انطلقت منها،يتبين هذا في قول الشاطبي” أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا” ،مصلحة لا تخل بالمبادئ العقدية،وتحقق المصلحة الإنسانية في إطار المقدرة البشرية.
خاتمة -السنة والتتميم المكرمي للفطرة الإنسانية-:لا محالة أنه سيفرز الإيمان بالثوابت في زمن الموتين الأكبرين،عنتا وقلقا عميقين،إذ السيولة هي محيط الإنسان،تجرف المعنى لينتهي إلى العدم.ولا ريب أن المابعد قرين السيولة، يحذف الثابت ويحوله،فلا يقرر له قرار،فما فتئ يتزي بألوان شتى،حسبما تفرضه خطط التقدم.
والحق أن اعتماد الثوابت الإسلامية في زمن الإفراط،قد أحدث جدلا عارما؛يفرض إعادة تجديد آليات فهم وتأويل الخطاب الديني في الثقافة الإسلامية الراهنة،فكيف يكون ذلك؟تلقى السنة النبوية،تفكيكا متتاليا،بدعوة تاريخيتها، لذلك يكون إخراجها من السرد إلى الإجرائية والفعالية،فهما لقصودها لحظة فارقة في البرهنة على مصداقيتها،فما هي الآليات التي تمكن من ذلك؟
في زمن اقتضاب المعنى،تكون الشخصية النبوية،سلوكا طبقا للمعنى ووفقا له،لتتميز بخاصية متفردة تدلل على وجود أنموذج آخر للإنسانة يتجاوز الإنسانية المتألهة؛فبين الإنسانيتين تتموضع القسوة والرحمة،ولعل التفكير في ثقافة إنسانية مجاوزة للإنسانية المتألهة،التي أهلكت الحرث والنسل تكبرا،يكون في الاستثارة الإجرائية للسنة،كمجال تطبيقي للأخلاق القرآنية،وحاجة الإنسانية الراهنة إلى هذا الأنموذج،حاجة ملحة خاصة وأن النهايات تركز على الأخلاق هدما وحيرة بحثا عن البديل.
تتحدد المنطلقات العامة،للشخصية النبوية عبر لحظات ثلاث:
1. اللحظة الوجودية:تتجلى في شهادة رب العالمين،على الأخلاقية الفذة للرسول صلى الله عليه وسلم،فعظمة الخُلق،هي التي ميزته عن غيره،وهي منطلق ماهوي واقتدائي.
2. اللحظة المقصدية:في تحديد الرسول للغائية الكلية للتنزيل،في قوله إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق،المكرمة كرامة إنسانية بها يفعل الإنسان بموجب ماهيته الأصلية،صعودا إلى الإحسان.
3. اللحظة التطبيقية:في قول عائشة رضي الله عنها،كان قرآنا يمشي على الأرض،لذلك سيجسد الاقتداء ويكون بطلا يعلم الإنسانية الأخلاق.