أدب التراجم في التراث العربي-د.عزلاوي محمد
أدب التراجم في التراث العربي
الدكتور محمد عزلاوي .دكتور الأدب العربي-جامعة الجلفة
التراجم هي إحدى الفنون النثرية التي تأخذ مادتها من التاريخ والمواقف الإنسانية، وتجارب الحياة المتعلقة بالبشر وقد عرفت الأمم القديمة هذا اللون من الأدب لأنها حفلت بتسجيل ذكريات أبطالها وأعيانها و نبلائها ومشهوريها وكان هذا التسجيل في صور مختلفة كتابيا في المعابد وعلى الصخور والحجارة و المعادن المختلفة وشفويا توارثه الرواة وعامة الناس ورددوه في مجالهم و أحاديثهم ولهجوا بذكريات أشخاص عاشوا بينهم وخلفوا مآثر تُذكر وأخبارا تُروى
وقد عرف الرومان والإغريق فن التراجم وكتبوا عن عظمائهم وأبطالهم
وأما التراث الإسلامي فقد حفل بهذا الأدب أيّما احتفال وترجم للأعلام على مختلف الفئات والبيئات و الأعصار في وقت متقدم من عهد التدوين والحق أن العرب والمسلمين قد عنوا أشدّ العناية بتراجم رجالهم وطبقات علمائهم وتوفروا على ذلك الفن وافتنوا في تبويبه وترتيبه حتى بلغت العناية والتحفّي أن ألفوا في تواريخ البلدان
و قد كانت الحاجة إلى العناية بالأعلام ماسة في صدر الدعوة الإسلامية وكان أكثرها أهمية سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم ثم أعلام الصحابة والتابعين و رجال الحديث و الرواة ووضعت لذلك كنب في السيرة و الطبقات ، أهمها :
-سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم لابن هشام الكلبي تـ 231هـ
تاريخ البخاري ت 256 هـ
طبقات الصحابة لابن سعد 230هـ
فتوح الشام للواقدي 207 هـ
طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجُمحي ت 231 هـ
ثم أفاض الكتاب في تراجم الأعلام من الصحابة والتابعين و العلماء والأدباء و لم يتركوا أهل فنّ أو علم إلا ترجموا لهم و عرّفوا بهم وربما قيّدوهم في مجموعات عرفت فيما بعد بالطبقات حتى شملت التراجم خاصة الناس وعامتهم و الرجال و النساء بل هناك من كتب في أنساب الخيل .
و اتخذت التراجم طرائق متعددة فاتجه بعض المترجمين فوضع أسماء الأعلام وفق نسق عام يلتقي فيه أعلام المترجمين على اختلاف مشاربهم و منازلهم و قد عرف ذلك بالتراجم العامة وهناك من وضع الأعلام وفق ما اشتركوا فيه من علم أو تخصص أو طبقة واحدة كالقضاة و النحاة و الأطباء وهي كما يقول مصطفى الشكعة : فكان أن نشأت أنماط من الكتب تتولى الترجمة لأعيان العلماء وعظماء الشخصيات و كان أهمّ تلك جميعا كتب الطبقات و كتب التراجم .
و التراجم العامة هي التي لا تخص فئة معينة و انما تترجم لكل الأعيان و يجتمع فيها الملوك و السلاطين و الوزراء و القادة و العلماء و الفقهاء و النحاة و الشعراء و الخطباء و المتصوفة و الأطباء وكل شخصية يمكن إطلاق صفة “عين” عليها
.
بينما كتب الطبقات ، فهي تنظم الأعلام في طبقات وفق علم واحد ، تخصصوا فيه أو طبقة اشتركوا بها ، أو مذهب اعتنقوه ، فنجد من ذلك طبقات الصحابة ، والمحدثين و الفقهاء و الحفاظ والنحاة و الشعراء والمقرئين وغير هذه الأصناف .
وفي التراث العربي أنماط أخرى من التراجم ، و مظان أخرى لمعرفة الأعلام ، وحفظ الأسماء، من ذلك كتب تراجم البلدان،و فيها يتناول كاتبها البلد ، و تاريخ نشأته و عمرانه و تخطيطه ، و تنظيمه السياسي و الإداري ، و طبيعة سكانه و صولا الى ترجمة أعلامه و أعيانه ، على اختلاف منازلهم من البلد ، وقد نجد تراجم الأعلام في الكتب التاريخ العام، وكتب الشروح اللغوية و الأدبية، وهناك من يُفرد الكتاب الواحد للترجمة للشخصية الواحدة مما قد يصح إطلاق الترجمة الفردية على ذلك النوع (1)
طرائق المترجمين في ترتيب الأعلام :
اختلف كتّاب التراجم و المؤرخون في ترتيب أسماء المترجَم لهم، ولكنهم لا يكادون يخرجون عن الطرائق التالية :
1 الترتيب على القرون و العصور : وذلك بالحديث عن الوفيات و أعيان كل قرن و التعرّض لجوانب من سيرهم وآثارهم مثل البدر الطّالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني ت1250هـ
-الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لإبن حجر العسقلاني ت 902هـ
-الكواكب السّائرة في أعيان المائة العاشرة لنجم الدين الغزّي ت 1061 هـ
2 الترتيب على السنوات : وهذا اللون يُرتّب الأعلام حسب سنيّ الوفيات، ثم يخوض في الحديث عن أعمال هؤلاء، و يذكر نُتفا من تراجمهم و أخبارهم،مثل :عيون التواريخ لابن شاكر الكتبي ت764 هـ
شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ت1089 هـ
البداية و النهاية لابن كثير
3 الترتيب على الأسماء : من الكتّاب من لم يهتم بترتيب الأعلام ، لا على القرون و لا على السنين، وإنما يرتبهم على حسب حروف المعجم، وهذا النوع لا يُراعي الترتيب الزّمني، وإنما يجعل الأسبقية لأول الحرف من الأسماء، مثل : وفيّات الأعيان لابن خلِّكان ت681هـ
فوات الوفيّات لابن شاكر الكتبي ت764 هـ
4 تواريخ البلدان : و هذا اللون من الكتب من جهة ترتيب أعلامهم لا يخرج عن كتب التراجم العامة ، لكونه يجمع شخصيات البلد الواحد، على اختلاف وظائفهم واهتماماتهم و تخصصاتهم ، ولكنه من جهة ثانية يختلف على التراجم العامة، في عنايته بالجانب الطبيعي و الجغرافي،والسياسي، و الإداري للبلد، قبل أن ينتقل إلى الى أعلامه ومشاهيره،وقد يُرتب هؤلاء على حسب منازله وأدواره في هذا البلد، ابتداءً بأولى الأمر من السلاطين، والملوك والوزراء و الحجاّب، ومرورا بالقضاة و العلوم و الفقهاء و المحدثين والادباء و الشعراء و انتهاء بالجواري و الخدم .
التراجم في كتب التاريخ العام وكتب الشروح الأدبية واللغوية
ثمةّ تراجم لأعلام ليسوا مقصودين في حدّ ذواتهم لكن الكاتب قد يتعرّض لهم أثناء عرض الحوادث التاريخية ، أو أثناء الشرح لقاعدة نحوية أو بلاغية، أو شاهد شعري و بالتالي هذا النّمَط من الأعلام لا يُرتب بطريقة معينة، و إنما يتمّ الحديث عنه عند الحاجة إلى تفسير موقف أو شرح قضية، و نذكر على سبيل المثال في ذلك :
كتاب تاريخ الإسلام للذهبي ت 854 هـ و حسن المحاضرة للسيوطي ت 911 هـ و سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ت لابن نباتة ت768 هـ
تراجم الأعلام في كتب المغاربة الأندلسيين :
كان لأهل الغرب الإسلامي عناية فائقة بحياة الأعلام و الشخصيات من الأعيان و العلماء فتناولوا أعيان المذاهب والمحدثين والأدباء والمتصوفة والأشراف والأولياء وعامة الأعلام فنذكر في بلاد المغرب و الجزائر خاصة :
أخبار الأئمة الرستميين ابن الصغير
سير مشايخ المغرب لأبي الربيع الوساني
سير الأئمة وأخبارهم لأبي زكريا الورجلاني ت 471 هـ
طبقات المشايخ في المغرب لأبي العباس الدرجيني ت 670 هـ
وهذه المؤلفات كلها في رجال المذهب الإباضي، ومن كتب المذهب المالكي ترتيب المدارك و تقريب المسالك لمعرفة مذهب الإمام مالك للقاضي عياض ت 544 هـ .
– و أما في تراجم المحدثين، فنجد الوفيات لابن قنفذ القسنطيني ت 810 هـ، وعنوان الدراية لأبي العباس الغبريني ت 714 هـ،
– الفهرسة المباركة، لابن غازي المكناسي ت 704 هـ
– البستان في ذكر العلماء والأولياء بتلمسان لابن مريم في التصوف
– وفي تراجم الأدباء نجد : نثير فرائد الجمان، لابن الأحمر ت 807 هـ
وأما أهل الأندلس فلهم بالمصنفات في التراجم ما يضاهي ما كتب في هذا الفن في الأدب المشرقي، فكانت لهم سلسة كاملة تترجم للأعلام يستدرك فيها بعض على بعض، و يضيف إليها المتأخر ما أغفله المتقدّم، وعرف عندهم ما يُسمّى الإستدراك ، و التذييل، والإضافات ما يجعل تعدد كتابة التراجم مدرسة رائدة منسجمة حتى نهاية الوجود العربي في الأندلس، ومن هذه السلسلة نذكر :
تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي ت 403 هـ
جذوة المقتبس للحميدي ت 488 هـ
الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام 542 هـ
بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس للضبّي ت599 هـ
الصلة لابن بشكوال ت 578 هـ
التكملة لكتاب الصلة لابن الأبّار ت 657 هـ
الذيل و التكملة لكتابي الموصول والصلة لعبد الملك المراكشي ت 703 هـ
المطرب في أشعار أهل المغرب لابن دحية ت 633 هـ
و هكذا لا تكاد تحفُل أمة بتاريخ رجالها و نسائها و ترجمة أعلامها كالأمة العربية الإسلامية التي امتلأت مكتباتها، بمئات المصنفات و المعاجم التي تترجم للأعلام في مختلف الأقاليم الإسلامية في المشرق و المغرب و لا يسع المجال في هذا العرض إلى الإحاطة بأسماء هذه المصنفات و ما ذكرناه كان للإشارة و التمثيل و التدليل على عناية المؤلفين القدامى بهذا اللون من الكتابة مما يجعل آلاف الأعلام تحت الضوء في مختلف ألوان المعرفة الإنسانية
الهوامش والإحالات
(1) من التراجم التي تختص بالترجمة الفردية مثلما كتبه أبو الوليد بن الأحمر عن ابن زمرك وأبي الحسن النباهي وما كتبه ابن مرزوق عن أبي الحسن المريني وهو كثير في التراث