أبو مدين الغوث-أ.ليلى جوادي-الجزائر-
إن علاقة الجزائر بفلسطين ليست جديدة ولم تبدأ منذ مدة قريبة، فهي ليست علاقة أخوة ولا لمشاعر إنسانية فقط، بل وليست حتى لأسباب دينية فحسب؛ بل علاقة الجزائر بفلسطين إضافة لكل ما قيل هي علاقة تاريخية تمتد لأيام سيدنا الغوث؛ نعم: أبو مدين الغوث.
المعروف عن أبي مدين أنه من مواليد إشبيلية؛ ومن سكان بجاية التي قضى فيها أغلب عمره ونفق فيها من علمه وعاشر سكانها وكان له فيها أتباع، وكذلك هو دفين تلمسان، ولا يخفى على أحد أنه بين إشبيلية وبجاية وتلمسان حلّ وارتحل بين المشرق والمغرب إلا أنه استقر في بجاية ودفن في تلمسان فهو جزائري بامتياز رضي الله عنه.
ومما يرويه أهل بجاية إلى يوم الناس هذا أن أبا مدين بعد عودته من الحج ومروره بأرض فلسطين كان إذا جلس حدّث عنها وعن أحوالها وأهوالها.
أبو مدين شعيب الغوث من مواليد 509هـ الموافق ل 1115 م توفي 594 هـ الموافق ل 1198 م ومن المعلوم من التاريخ بالضرورة أن معركة حطين وقعت في يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187 أي في حياة أبي مدين الغوث رضي الله عنه؛ ومعركة حطين كانت بين المسلمين والصليبيين وكانت معركة فاصلة بقيادة صلاح الدين الأيوبي الذي استغاث بالسلطان أبو يعقوب المنصور ثالث خلفاء الموحدين ببلاد المغرب، فكان الغوث من الأوائل الذين لبوا النداء رفقة جمع من تلاميذه الذين شكلوا 20 الى 25 بالمئة من جيش صلاح الدين الأيوبي حسب ما خلده لنا التاريخ، حيث ساروا إلى فلسطين وقاتلوا إلى أن فقد أبو مدين ذراعه، ومما خلده لنا التاريخ أيضا أن صلاح الدين الأيوبي أعجبه ما قام به المغاربة رفقة أبي مدين فقال: ” أسكنت هناك من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة”.
لا يزال باب المغاربة في القدس الشريف موجودا إلى يومنا هذا تعبيرا لما قام به المغاربة لفلسطين أيام صلاح الدين الأيوبي؛ غير أن المتأمل في الصورة والكتابة التي على الباب يجد أنه مكتوب باللغة الإنجليزية Morocco Gate إلا أن الترجمة غير صحيحة وكان من المفروض أن تكون Moroccans Gate لأن المقصود المغاربة كأشخاص وليس المساحة المعبرة عن بلد معين.
والدليل على ذلك أن ابن صلاح الدين الملك الصالح نور الدين أبو الحسن علي الأيوبي أوقف حارة المغاربة على مصالح طائفة المغاربة المقيمين في القدس إبَّان سلطنته على دمشق 589هـ الموافق ل 1193م – 592هـ الموافق ل 1195م حين كانت القدس تابعةً له، بُغيةَ تشجيع أهل المغرب العربي على القدوم إلى القدس والإقامة فيها، ومساعدة سكَّانها المغاربة الذين فضّلوا الاستقرار ومجاورة المسجد الأقصى المبارك، ومنذ ذلك التاريخ أخذ هذا المكان من مدينة القدس يُعرف باسم “حارة المغاربة”.
استمر وجود المغاربة بعد ذلك في القدس الشريف حيث أقاموا في حارتهم المخصصة لهم، فكان يقصدهم الحجاج وطلاب العلم حتى أصبح الحي نابضا بهم وبنشاطهم وثقافتهم وظهرت لهم أوقاف بأسمائهم مثل وقف الشيخ أبي مدين الغوث ووقف الشيخ عمر مصمودي ووقف السلطان علي بن عثمان المريني وغيرها كثير، وهذا ما جعل فلسطين موطنا ثانيا لسكان شمال إفريقيا عامة والجزائر خاصة حيث أن الغوث يعتبر جزائريا وطلابه الذين جاهدوا معه من الجزائر وأغلب الذين فضّلوا البقاء في حارة المغاربة من دم جزائري حتى اختلطت الأنساب والدماء بين دم جزائري وفلسطيني ولعل هذا ما جعل الأمير عبد القادر يختار فلسطين منفى له باعتباره الوطن الثاني حتى لا يحس بالغربة غير أن العدو آنذاك فهم طلب الأمير ولم يقبل به، ذلك أنّ النفي إلى فلسطين لا يعتبر نفيا بل يعتبر زيارة إلى البلد الثاني وإلى الأهل والأحباب.
وحول ذلك ورد على موقع مجلة سلا على لسان الكاتب والدبلوماسي الفلسطيني حسن البلعاوي في لقاء له مع “مجلة سلا” أنه قال أن كتابه الجديد “غزة الحركة الوطنية الفلسطينية” يبرز أهمية قطاع غزة في النضال الفلسطيني سياسيا واقتصاديا، وتحدث في اللقاء عن العلاقة القديمة التي تجمع بين الجزائر وفلسطين على المستوى التاريخي، ثم أردف متحدثا عن الأمير عبد القادر واختياره أن يكون منفاه فلسطين أنه قال: “…وعندما سُئل لماذا كان خياره مدينه عكة بالتحديد قال: عكة هي التي هزمت الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت عندما غزا المنطقة العربية وبالتالي اختار الأمير أن يكون منفاه عكة، لكن فرنسا أدركت رمزية عكة وقامت بنفيه إلى دمشق، فطلب الأمير عبد القادر من أقربائه الذهاب إلى فلسطين فذهبوا؛ وهناك قرى وعائلات ما تزال موجودة حتى الآن “عائلات فلسطينية من أصل جزائري” لذلك العلاقة قديمة جدا، وثانيا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي شاركت في سنوات العشرينيات في المؤتمر الدولي الفلسطيني وكان دعما قويا من العلماء الجزائريين لقضية فلسطين واعتبروها قضية مقدسة، وأيضا للجزائر أوقاف وأراضي في القدس، وأضيف أنه عندما استقلت الجزائر بقي دعمها ثابت لفلسطين؛ فالرئيس الراحل بومدين استقبل بدايات الستينيات حركة فتح، والجزائر دربت أول مجموعة عسكرية في مدرسة شرشال لذلك كان دعم الجزائر لفلسطين عسكريا وسياسيا وتعليميا وفي كافة المجالات.
الحديث عن العلاقة التاريخية بين البلدين: الجزائر وفلسطين كالحديث عن الجسد الواحد إذا أصاب عضو وجع سهر له سائر الجسد بالألم والحمى، وهذا ما شهدناه طوال سنون مضت، وهذا ما خلده لنا التاريخ منذ أيام سيدنا الغوث مرورا بجمعية علماء المسلمين وصولا لما يحدث هذه الأيام وتعاطف الشعب الجزائري كله وبشتى الطرق مع فلسطين قلبا وقالبا.