الدولة والإنسان في سورة قريش – أ.المختار العروسي البوعبدلي الجزائري
[cl-popup title=”ترجمة الكاتب” btn_label=”ترجمة الكاتب” align=”center” size=”s” paddings=”” animation=”fadeIn”]مراقب عام بالثانوية كاتب و باحث[/cl-popup]
حينما نتناول قضية التمكين “النهضة” وكأننا نتناول موضوعا هو أصل اجتماعنا من خلال علاقتنا بالأشياء، وذلك بمقتضى الحاجات والضرورات التي تقوم على أساس مجموع معاملات وتفاعلات تأخذ نمط الحتمية والإلزامية جُبلنا عليها من مُتعلق البقاء والاستمرار والانتشار تحمل حالين : حال مُخضع مُتبَع أو هي حال خاضع مُتبِع. وقولنا هذا مستمد من أننا لو رجعنا إلى التأريخ وحاولنا قراءة الكيف من حركة التاريخ لخلصنا إلى أنه مرَّ بمرحلتين لا ثالثة لهما. مرحلة ما قبل الإسلام ومرحلة ما بعد الإسلام فيما كان من وظيفة الوجود. فمرحلة ما قبل الإسلام تميزت بعملية الهدم والبناء. ثم هي مرحلة ما بعد الإسلام والتي تميزت بالتمكين “النهضة” أو الوهن “الضعف” أي ما بين بسط السلطان بالعلم والحكمة والتؤدة أو فقد سيادة القرار. حيث أن التمكين أو الوهن خاضع كل منهما ومؤسس على طبيعة صراع القيم … و اليوم انتقلنا من نمطية العولمة إلى ممارسة فوضى المفاهيم بخلاف ما كنّا عليه في تاريخنا الإسلامي منذ البعثة إلى ما قبل سقوط الخلافة بفترة … وقلنا بهذا لما هو حاصل واقعا من ثبات الدين الإسلامي في صراعه وتأويله مع مجموع تبدلات وتحولات الأفهام الفاعلة والعاملة بمقتضى الظروف الموضوعية والتاريخية. ومن هذا التقديم البسيط سنحاول الخوض في مقصدنا من العنوان المطروح المتمثل في : الدولة والإنسان في سورة قريش.
فأول السورة تتناول ظاهرة الإيلاف كمركب من مركبات الاجتماع ،والذي يُعبِّر عن حقل شعوري أهم عناصره التركيبية: الوقت الطبيعي و”الزمن الثقافي” حيث خلالهما يتم ترسب وبناء مجموع السلوكات والممارسات في إطار التبادل البيني أفرادا وجماعات ودولا. فالإيلاف يُشبه ذلك العقد الذي يربط شريكين أو أكثر لتحقيق الحاجات والضرورات وما بعدهما، سياسة واقتصادا وثقافة واجتماعا… مثل ما هو معمول به من معاهدات واتفاقيات و…
ثم إن اللفظ قريش وكأنه لا يعني طبيعة الانتماء العرقي ( النسب ) إنما يوحي إلى الفضاء المكاني كواقع للحدود الجغرافية، وهذا الفضاء المكاني له خاصية تميزه عن غيره من جغرافيا المعمورة بما له من قدسية دينية. فاللفظ هاهنا يرسم صورة لذلك الفضاء الذي تصب فيه كل الثقافات الكونية والتي أهم قواعدها تتمثل في مظهر الحج. فهو تعبير عن ظاهرة ثقافية حضارية متعددة ومتنوعة المشارب والمدارك، مما أعطى لها ميزة خاصة من خلال تزاوج وتشابك ثقافي مستمر. أي أن اللفظ هو دلالة ظاهرة جمعت الفكر الإنساني باختلافاته وتناقضاته وتوافقاته، وكأن مُتعلقه الفضاء المكاني ذو القدسية الدينية المستمر إلى حين والذي اَحدثَ ظاهرة ثقافية حضارية متجددة بتجدد الأديان واجتماع الأعراق والنحل و…
ثم إن القول حول حقيقة وطبيعة الرحلة والمتعلقة بالفصول مناخا له بُعد تبادلي بيني تركيبه من مجموع عناصر متشابكة أهمها:
01- طبيعة التوزيع الجغرافي الرباني للثروات.
02- طبيعة الإنتاج والـمُنتج.
03- الإنسان وحاجاته وضروراته.
مما يحتم السعي لبناء وتكوين الإنسان المنتج. فهذه الرحلة الشتوية الصيفية تصب في كل الأحوال حول قضية الانتفاع. والانتفاع يفعله ويحركه حقل التجارة وفق مجموع اتفاقات ومعاهدات أمنية اقتصادية سياسية. ومن هذا نخلص إلى هذه الثلاثة أصول التكوينية البنائية:
01- الفضاء الشعوري العام.
02- الفضاء الثقافي.
03- الإنسان المنتج.
فالفضاء الشعوري العام هو ما يعطي صورة لما لطبيعة أثر الالتزام الأخلاقي العام، إذ أننا نجده مِفصلا من أهم المفاصل التي تتحكم في الكيف من حركة الظاهرة الحضارية بمكوناتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية . وأما الفضاء الثقافي فهو الذي يُحدد ويضبط واقع الالتزام الأخلاقي العام وذلك من خلال التزاوج والتلاقح وتجديد الأفهام. وبالنسبة للإنسان المنتج فهو الحاصل من ترسبات الفضاء الشعوري العام والفضاء الثقافي ، والذي من خلالهما تبنى علاقة الإنسان بالإنسان والأشياء تسخيرا وانتفاعا.
ثم إن سؤال الله عز وجل الإنسانَ أن يعبدَه يمثل إرادة الله فيما اختاره للناس طريق عقيدة وشريعة، حيث أن الخطاب الرباني هنا لا إرغام فيه ولا قهر بل هو ذلك البلاغ والبيان من رب العباد ليختار العباد بحرية شعورية مطلقة ما يكون من شأن علاقتهم بالواجد والموجود. وكأن العبادة تمثل ذلك الالتزام الحاصل من حرية الاختيار بمجموع الأوامر والنواهي التي بطبيعتها تنظم وتضبط وتحدد وتبين كل العلاقات التي يحتاجها الإنسان فيما يقضيه من عمره أفرادا وجماعات ودول.
ونلاحظ هنا أن السؤال العبادة من بابها الاختياري تحمل الضدين والنقيضين بين من اتبع ومن خالف أي المسلم وغير المسلم. حيث أن طبيعة الاجتماع تدور حول التعايش السلمي الإيجابي يبعدنا عن فوضى التصادم يبنى على أساس أسبقية توفير الأمن الغذائي وتوفير الاستقرار الأمني قبل الأداء العبادي. أي وكأنه لا تكون العبادة السليمة السديدة إلاّ مع تحقيق الأمنين معا. إذ توحي إلى تلك الشراكة الحياتية تحت ظل فضاء حضاري متعدد المرجعيات بما يتناسب والطلب الرباني لتحقيق الأمنين “غذاء واستقرار أمن” من خلال بناء الإنسان المنتج .
ومن هذا الطرح المتواضع نجد أن التمكين لا يكون إلاّ بمقتضى ما ذُكر سابقا من الأصول التي استنبطناها من سورة قريش تعطي أصول التمكين من بعد الوهن. بعكس ما جاء من قوله عز وجل: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة. والتي تمثل مراحل سقوط الدولة وانتقالها من مرحلة التمكين إلى مرحلة الوهن.