أثر المقامات الكاشفة عن المقاصد في محاكمة نوازل القرن 21 العلمية ” “الجينوم” – د.الأخضر الأخضري
[cl-popup title=”ترجمة الكاتب” btn_label=”ترجمة الكاتب” align=”center” size=”s” paddings=”” animation=”fadeIn”]
.الأخضر الأخضري
أستاذ المقاصد ، جامعة وهران 1
كلية العلوم الإسلامية[/cl-popup]
إنّ المعتكف على تحليل الخطاب الشرعي ودرك مراميه ليقف متحيرا عند عتبة المنهج المنتخب والمسلك الأمثل الذي يجاريه ، و المنهل العد الذي يداريه ، للوصول إلى ملامسة القصد على وجه يتربص فيه بمراحل السير وفقه…
وقد تلوح للناظر أمارات الاهتداء في زمن تهافتت فيه موارد الاقتداء ، ليسلك العاني محجة جلب الصلاح ودفع الفساد دون أن تزاحمه استدراكات المتوسمين أو أن تنتقده ، لكونها القدر المشترك للحادي والقاصي والداني ، و لكن سرعان ما يذب النزاع عند تحقيق مناط النفع والضرر ، و تخريجه ، وتنقيح مآخذه ، و يزداد التابع حيرة عند ردود الأفعال والأقوال بين المتبوعين الموقعين عن التشريع فتحرجه الاحتمالات ، وتدحرجه التبعية لقلة ذات اليد وكثرة العد .
وتحرير ذلك تفصيلا : أن الخطاب الشرعي الحاكم تنزل على أمة البيان والسنان ، فاعتبر وهذب وأرسل ، وبسط الادلال فأنفق وعبّد وأذل ، حتى إذا أذعن المكلف واغتبط ، ارتبط بكل قيد وتكليف لكونه مقدورا عليه ، و لا تقاوم منافعه العاجلة والآجلة
لم تجد الأمة في زمن التشريع المنزل حرجا في الفهم والادراك والتفاعل والامتثال ، حيث فقهت علل الأحكام ، وأذعنت تعبدا حيث غابت الحكم لثقتها بمن شرع ، فدفعت عنه العبث وجزمت بالبواعث وإنّ كانت خفية ، ولهجت بألسنة الحال ب”عدم الوجدان لا يقتضي عدم الوجود ”
ثم إنّ الشرع أحال على منظومة العرب العرفية الوضعية متفضلا لتفسير الخطاب وتقييده وتخصيصه وبيان مقاصده .
وارتقى الشرع في البيان الشرعي إلى تهيئة المقامات المحرضة على الاجتهاد ومحاكمة النوازل ، فترك للناظرين مساحة يعملون فيها الميزان المنتخب بمعهود اللسان ، والاستدلال ، وتتبع العلل والأمارات الكاشفة على الصواب..
هذا وقد يجد الحاذق عنتا في تحصيل الفنون و مسالك تحصيل الحقوق لكثرة نوازلها و اتساع رقعتها ، اعتبارا بعدم توقيت الوسائل إلا قليلا ، و إطلاق الحبل عل الغارب تذرعا ، و قد لا يجد الألمعي طريقا معبدا إذا أنعم النظر ، ولو حصرت دونه الجزئيات تحت كليات جامعة ، على وجه كلما ارتقى إلى جنس أجناسها ،لتميّز استدلاله و أحكمت حكمه.
تحرير ذلك : أنّه قد يكون من التعسف و التكلف تكثير طرائق الاستدلال و سبل الوصول لما قد تورثه من تشويش و إعياء في أزمنة التطور العلمي الرهيب حيث المساس بالمنظومة الأخلاقية في القرن 21 ، من أجل ذلك : فإني أتشوف إلى حصر الاستدلال في خمسة معالم استدراكا و تنمية لطرق المدارس الشرعية و الاجتهادية ، و تصويرا لتجديد طرائق الاستدلال.
و هي على الترتيب : الباب الأول : الميزان الشرعي المنتخب في محاكمة النوازل العلمية : يتوزع المعيار الشرعي على خمسة أنحاء ـــ فيما أحسب ــــ :
أولا : المقامات الكاشفة عن القصد : و هي على خمسة أنحاء :
1ـ مقام اللسان العربي : و منه يُقتنص المقصد الظاهري. 2ـ و مقام عوائد العرب : و إليه يرحل القاصد بالنصوص حيث أوعيتها الزمانية و المكانية1.
3ـ مقام التعليل : و من خصائص هذا المقام :
1_ الإرتقاء من التعليل الجزئي إلى التعليل الكلّي.
2_ توظيف منظومة التعليل توظيفًا آخر، حيث الاعتبار بالعلة دليلا على الأحكام لتؤول إلى تخليص الحكم.
و المقام على نحوين: تعليل جزئي و كلي سميته بالميزان.
4ـ مقام المعاشرين : و هو مقام فهم الصحب الكرام.
5ـ مقام التعبد : و هو الملاذ تملقا و تذللا إذا ادلهمت المقامات و غم على أهل النظرات.
و لن تجد ـ فيما أحسب ـ جزئية استدلالية تخرج عن هذه المقامات ، كما أنّ قيمة هذا الحصر تتجلى في كونه يحقق تواترا ، و هم المقصد المنشود لأهل التجديد المقاصدي.
ثانيا :الأوصاف الكلية :2
الوصف لغة : العلامة المعرفة للشيء و إن غاب جوهره ، و منه : بيع المواصفة حيث يباع الشيء من غير رؤية.
و في الاصطلاح : العلامة الظاهرة المنضبطة حيث توجد الحكمة عندها لا بها ، و يشترط أن يشهد لها شاهد بالاعتبار و إن كان مرسلا..
ثم إن هناك قدرا مشترك بين الأوصاف الكلية و الأوصاف الجزئية من حيث كونها علامة ، و من حيث سوقهما لمقصد الإلحاق و القياس ، و من حيث اشتراط الاعتبار في كل منهما..
أما الفرق بينهما ؛ فمن حيث الكلية و الجزئية ، و باعتبار المصدر ؛ فمصدر الوصف الكلي المعاشرة الحقيقية أو الحكمية.
لا يماري أحد في مشروعية تحكيم طائفة من المناهج والقواعد في الاستنباط أو الاجتهاد ، كما أنه لا ضير في معرفة متعلقات منهج سوق الأحكام ، ولا يضر الناظر عدم الوجدان إذا تقرر وجودها من خلال اقتفاء ما يهدي إليها من القرائن والأحوال أو الإذعان لها؛لكونها في مظنة الوجود احتكاماً إلى العوائد ،وإلى انتظام أمر التشريع على نسق لا تتخلف فيه الجزئيات عن كلياتها ،ولا تضطرب الأبواب والفصول ،وهو الشأن في عرف الشرع .
وعليه : فإن الأوصاف صفات بارزة تعلق بها المنهج التشريعي العام في محاكمة الوقائع ،وأذن في الاحتكام إليها حال تعدد الأزمنة والأمكنة والأشخاص؛ لتكون قانونا عاماً في الفتيا والاستدلال ، ولا يتحقق ذلك إلاَّ بالممارسة والملازمة .
ولابد لتلك العلامات أن تعكس مقاصد الشريعة وإن كانت مستفادة من حيث تتبع موارد التشريع ومؤَيِّدة لمسمى الفطرة التي جبل عليها المكلف ، ومراعية لمعهود المخاطبين تقريرا ًمع عدم الالتفات إلى ما يخالف الاستعداد الذي خلقت عليه ، بل تسعى إلى تغييره ليوافق المقصود .ويأتي وصف الفطرة و رعيها في المقام الذي تنعكس منه الأوصاف الأخرى التي راعاها الشارع وحثَّ القاصدين على التعلق بها. تخريج أحكام النوازل على مقتضى الأوصاف الكلية : قد تقررت أهمية التوكأ على منظومة الوصف الكلي في تخريج الأحكام ، و أنها سيقت بدليل الاستقراء لتفيد قطعا ، حيث يقف النظر عندها مترددا بين جهتين ؛ بين العـموم و الخصوص ، و العزائم و الرخص ، و القواعد و الاستثناءات ، و التيسير و الاحـتياط ، و رعي التشريع و حظوظ المكلف على وجه يحقق المصلحة و يدفع المفسدة..
تقوم فلسفة التخريج على مسالك تحصيل الأحكام منها :
ـ الارتقاء من التعصب إلى التجرد
ـ التخريج على أصول التشريع
ـ التخريج على أصول المذهب
ـ التخريج على فروع المذهب
ـ التخريج على الأوصاف الكلية : و قد تـردد هذا المـقام بين الإعـلام و الإعـمال و الإهمال على ثالث مدارس ، و القدر المشترك استدلالا الاحتياط جلبا أو دفعا ، و سدّ المسالك دون دخول الأدعياء .
التخريج على الأوصاف الكلية من أزمنة التشريع: و هي على رتب :
الرتبة الأولى : “افعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم” و هو الشق اللازم عن قول التشريع ” لعل الله اطلع على أهل بدر ..”
و إني لأسخر من دلالة اللفظ عندك ، إذا ادعيت الحاق هذه الأمة بتلك المزية ، و أطلقت الحبل على الغارب..، و لكني لا أجد حرجا في التماس قاعدة تقديم العفو على الإدانة ، و الالتفات إلى خلفية النصوص في الإبانة ، و التذكير بالفضل قبل الإهانة.
الرتبة الثانية : سوق ” أما إنّه من أهل النار ” لمن تحامل على نفسه فقتلها دون رحمة.
و المحصل منها : أن الحكم الشرعي إذا تسبب في إزهاق المهج ، وجب تعديله بما يحفظ النفوس و الكليات.
الرتبة الثالثة : الرحمة التي تجلت في محاكمة الأعرابي الذي واقع أهله في شهر رمضان.
الرتبة الرابعة : تخريج فقه الاستثناء من متون السنة النبوية :
قد ورد في شرعنا استثناء بعض المكلفين من العمومات و القواعد العامة :
ـ كتخصيص الأعرابي الذي واقع ، و القاعدة بخلافه.
ـ تخصيص خزيمة بحكم الإشهاد الفدّ ، و القاعدة بخلافه
ـ تخصيص حبان بن منقذ حيث كان يغبن في البياعات….و أقول : يغبن بالعمومات
بل إن سيد الخلق خص بجملة من الأحكام …” له و ليس لغيره
و عليه : فإن الناظر إلى هذه التقريرات الشرعية يهوي إلى الاحتمالات التالية :
ـ أن كل مذكور يحمل على الخصوصية.
ـ و أن العلة فيه : رفع العنت و دفع النكاية عن أهل التكليف
ـ أما الاحتمال المغيّب عن مناهجنا الدراسية ، هو أن يلتفت النظر إلى المقصد من هذه المخصصات..، و لا يحصل هذا القصد إلا بالنظر إلى القدر المشترك بين المذكورات السابقة.
و ترجمة هذا الاحتمال : أن تخصيص الشارع لبعض المكلفين ، يؤذن بالمشروعية ؛
فكأن الشرع قال بلسان حاله :إذا ألحق العموم مفسدة بخاصة أهل التكليف ، فاعدل عنه ؛تحصيلا للمصلحة التي أنيط بها المنهج التشريعي
نطاق الاستدلال بالأوصاف الكلية :
يتوزع الاستدلال بالأوصاف الكلية على نحوين : العبادات : و الحكم فيها على مقتضى التردد بين التيسير و الاحـتياط ، و الـعزائم و الـرخص ، و الخصوصية و التعدية.. المعاملات : و الحكم فيها على مقتضى العدول من العمومات رعيا لحظوظ المكلفين ، و تعميم الأحكام من حيث سوق منظومة التخصيص ؛ و دونك في البيان حديث النهي عن عسب الفحل.. ثالثا : المناسبات 3: التعليل بالمناسبة هو الإحالة على ميزان المصالح والمفاسد وضابطه التوكؤ على كل وصف تتحقّق عقيبه مصلحة وإن لم يدلّ عليها دليل جزئي. -إذا تعذّرت العلل الشرعية على الباذل، تعلّق بقشّة وارتقى إلى جنس أجناس الأحكام وغايات الاستدلال حرصًا منه على استنطاق التشريع بموافقات التأييد الربّاني. على معنى: أنّ النّاظر حال غياب التعليل الجزئي يتوجه إلى علم الميزان والمكيال المعهود من تصرّفات الشارع، فيرفق بالمصلحة جلبًا،ويعنت بدرء الفساد خشية الوقوع فيه، ليوافق مقصوده مقصود خالقه. إذا تعذّرت العلل الشرعية على القاصد: تعلّق بقشّة ، كأن يرتقي إلى جنس أجناس الأحكام ، ترجمة لعلم الميزان حيث يعدل بين المنافع والمضار ، والغامر والمغمور ترجيحا ، ليندرج الميزان ضمن مقام التعليل حال التشوف إلى معرفة القصد تفسيرا ومحاكمة . رابعا: المعهودات الشرعية : إنّ للتشريع سيرة لا يخلفها أصالة أو عدولا ، و منهجا لا يتهافت ميزانه حلا أو ترحلا ، و مراوحة لا يختل عندها المعيار ركوبا أو ترجلا ، فحيث ألقى القوس بسهام النظر ، ظفر بالحكمة حال التأسيس أو التشاجر.. و دونكم للاعتبار حفظ الأموال و إن بإتلاف الأعضاء حين أرخصها ، على وجه قد يهين فيه المال لصيانة المتلفات حين أغلاها ، و يهريق دم حيوان خسيس صونا لمهجة حيوان نفيس ، يحفظ الأنفس بالأنفس ، و يجبر الكسر عفوا بالمال الوفير ، وعند سكوت المقدرات والحدود يجلب التعزير.. ثم إنّ التشريع جعل لكل باب ميزانا ، ليرفع القاصدُ بنيانه على مقتضاه ، و يستظل الراكبُ بما اعتلاه.. و عليه : فإن مجتهد الأبواب ملزم بأصولها و مقاصدها لئلا يأتي على البنيان بالهدم ، و مقيد بعوائد الشرائع و كلياتها حتى لا يُتبع الحفر بالردم.. ، فإذا انعقد لإزالة النجاسة مقدار معلوم و هيئة مخصوصة ، فإنّ في الأمر بغسلها سبعا إحداهن بالتراب توقفا و تحيّرا ، و حين يحدث التشريع بأن ثمة إبلا يوشك أن تضرب لتحصيل العلوم ، فإنّ في أويس القرني و مشاهد الفتن شاهدا على معهود باعتبار حديث الشرع على ما هو آت ، من أجل ذلك لا يرد حمل الأثر على إمام دار الهجرة ، و لا يستغرب المرتاب فيما آل إليه حال الأمة.
كما أنّ الحمل على المصالح جلبا ،و المفاسد سدا لا يدفع الاجتهاد بفساد الاعتبار حال الإرسال بله الاعتبار ، لأنه جنس معهود و حوض مورود.
ثم إنّ الممعن في السلم الشرعي ليجزم بموافقات فقهية لمقررات الأثار و السنن و القرآن باعتبار قانون الارتقاء من الجزئيات إلى الكلي ، و حيث انتفى التعادل جلب المقتضيات المتواترة لعلة العدول عن الأصول. خامسا :نظرية الارتقاء : و على هذا المنهج يرتقي السالك من المقاصد الجزئية إلى الخاصة فالكليات العامة ثم ينصب خيمة النظر عند الريد دركا و تحقيقا للمناطات..، و التمثيل بفقه البيوع في محله… و سأكتفي ـــ للإفادة في الملتقى ـــ بترجمة علم الميزان في نوازل الجينوم ، على أن أوثق النظر الأخلاقي بالتخريج على الأوصاف الكلية و التي من ذيولها ” رعي الفطرة و المعهودات الشرعية “.
الباب الثاني :
ترجمة المنهج المنتخب في نوازل الننو:{جسيمات الننو في الزراعة ، و في تحسين القدرات البشرية } أتشوف في الترجمة إلى تنزيل علم الميزان أولا ، و ذلك بتقرير المسلمات التالية : ــــ انتفاء مسمى الصلاح المحض و الفساد المحض إلا من حيث تعلق الخطاب الشرعي ، و هجر الجهات المغلوبة باعتبارها كالعدم.. ـــــ رعي الرتب في الصلاح و الفساد حيث تعادلت. ـــــ رعي أحكام الرتب وجوبا أو ندبا أو إباحة أو تحريما أو كراهة. ـــــ رعي تفاوت الغايات و الذرائع في مراتب الصلاح و الفساد : ففي قواعد العز بن عبد السلام ، المصالح الحقيقية ( اللذات والأفراح) و المجازية: الأسباب ، و حال التعارض بينهما: نلتزم الحقيقية . و المفاسد الآلام وأسبابها و الغموم وأسبابها ، و حال التظاهر تلتزم المفاسد الحقيقية تركا.4
_ربما كانت أسباب المفاسد مصالح فينهى عنها. كالسعي في تحصيل اللذات المحرمات والشبهات المكروه
و على هذا التسليم نوجه النازلة الأولى :
استثمار تقنية الننو في تطوير الزراعة “بعلم الميزان” :للميزان كفتان :
الكفة الأولى : المصالح من حيث التوسل :
إن تقنية الننو وسيلة نافعة باعتبار عدم الإسراف في استخدام المواد الكميائية و الأسمدة ، و الدقة المتناهية في المتابعة و المعالجة على وجه يحقق النتائج التالية :
ــــ تقويم بنية الأجسام ، و الزيادة في المناعة : و هذه مصلحة محضة من حيث تعلق الخطاب أخذا بأقل ما قيل تشوفا. و لهذه الحيثيات تشوف شرعي مرسل من حيث تحقيق حاجات الناس..، تخريجا على المناسب المعتبر في جعل البر و الشعير من السلع الربوية حتى يتحاشى الناس الخصومات فيما يجب أن يكون رائجا بينهم ، و قد يكون من أصول الإلحاق نهيه صلى الله عليه و سلم عن بيع ما تمس إليه حاجة الناس قبل قبضه ، و عن الحكرة و بيع الأطعمة في الذمة لدفع الفساد عن الأجسام.. تكثير المنتوج و تحسين نوعيته : و هو ذريعة نافعة في رتبة التحسين و التزيين ، فهي مصلحة حاجية و تحسينية..
الكفة الثانية : المفاسد باعتبار التوسل : ــــ تأثير دخول جسيمات الننو في جسم الإنسان و الحيوان. ــــ تأثيرالجسيمات على البيئة و المياه. و عليه : ـــــ فإن ثمة مفاسد راجحة من حيث التعلق بالإنسان و الحيوان و الكون ـ ــــ و أن دفع الفساد ــــ باعتبار ما له روح ، و ما يؤول إلى هتك كلية التعمير ــــــ مصلحة محضة من حيث الخطاب الشرعي. ــــ وجوب التشوف إلى هذه التكنولوجيا حال دفع الفساد. ـــــ جلب الصلاح و لو كان تزيينا أو حاجة بشرط ضمان دفع المفاسد المذكورة قبل الوقوع احترازا. ـــــ لا يغامر بالكليات السابقة لأجل تحقيق مصالح حاجية أو تحسينية ، لأن المغمور بالفساد لا يعتبر في المشاجرة . استثمار تقنية الننو في تطوير الزراعة تخريجا على الأوصاف الكلية: تقتضي الفطرة ــ باعتبارها وصفا كليا ــ طرد ما جبل عليه الإنسان ظاهرا و باطنا ، بأن يقيم وجهه للدين قصدا و بذلا ، قال الله تعالى:( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر التاس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) ــ الروم : 30 ــ
و عليه : فإن دفع الفساد عن الإنسان و الحيوان و الكون فطرة عقلية تهوي إليها النفوس ، بله تعمير المعمورة بما لا يورث خللا. و إذا تعارض تقويم بنية الإنسان و مناعته مع ما قد يترتب من مفاسد جسيمات الننو ، فإن دفع الضر راجح أخذا بالفطرة الراجحة و دفعا للفطرة المرجوحة ، لأن الفطرة قد تتدافع ذيولها على وجه يرجح أشرفها. قال الإمام ابن عاشور :” إذا تعارضت مقتضيات الفطرة و لم يمكن الجمع بينها في العمل يصار إلى ترجيح أولاها و أبقاها على استقامة الفطرة..”5 و حال الجمع ــ بين تطوير المنتوج الزراعي بالننو و بين تقويم البنية و المناعة ـــ مقدم بالفطرة العقلية. استثمار تقنية الننو في تطوير الزراعة تخريجا على المعهود الشرعي : من المعهودات الشرعية في باب المزارعة و المساقاة رعي الخبرة : ـــ حيث تجويز الشراكة بين صاحب الأرض و العامل الخبير على جزء من الخارج. ـــ و تجويز الشراكة حتى مع غير المسلمين التماسا لخبرتهم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: “لا” فقالوا: تكفونا المئونة، ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا”6. وما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها، على أن يعتملوها من أموالهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها»4 و عليه : فإن تطوير الزارعة متشوف إليه شرعا ، فجاز إدخال تقتية الننو عليها بشرط ضبطها بجملة لا يتحقق معها الفساد ، و هو القدر الذي تمالأت عليه المقامات السابقة ميزانا و معهودات و أوصافا.
النازلة الثانية : استثمار تقنية الننو في تحسين القدرات العصبية عند الإنسان “بعلم الميزان” : يسعى العلم الحديث إلى التصرف في القدرات البشرية من حيث إدخال تقنية الننو لتحسين القدرات العصبية. و الحكم الشرعي على مقتضى تعديل كفتي الميزان على النحو التالي :
كفة المصالح : تتوزع المصالح على ثلاثة أنحاء : ــــ معالجة أمراض الجهاز العصبي ، و هذه مصلحة محضة من حيث تعلق الخطاب الشرع. ـــــ تحسين الشكل الخارجي ، و هذه مصلحة حاجية إذا أثر الشكل في نفسية صاحبه. ـــــ تحسين النشاط العصبي بالأدوية أو المغناطيس أو الكهرباء ، و هذه مصلحة مغمورة بالمعيار الذاتي. كفة المفاسد : و هي على التبع : ـــــ منافسة الخالق في صنعته. ـــــ هدر منظومة سوق التكليف على مقتضى القدرات البشرية العادية و المعهودة. ــــــ هدر منظومة تكافؤ الفرص. ــــــ اتساع الفوارق الاجتماعية بين الفقراء و الأغنياء من حيث استبداد أرباب المال بهذه المزايا. ــــــ معارضة كلية الفطرة. و عليه : فإن الأحكام على أقسام باعتبار الكفتين : ــــــ التجويز حيث التعلق بمعالجة أمراض الجهاز العصبي. ــــــ التجويز حيث التزيين إزالة للآثار النفسية. ــــــ المنع من السعي لتحسين النشاط العصبي دفعا لمفاسد العبث بالحي. حكم استثمار تقنية الننو في تحسين القدرات العصبية تخريجا على الأوصاف الكلية : إن الارتقاء في كل فن محمود شرعا بله التدرج في تنمية الملكات الذهنية من حيث الوجود و العدم ، أي من حيث حفظ الموجود و معالجة كل خلل يعترض الوجود..، و رعي الفطرة العقلية يوجب سلامة مقتضيها تحقيقا لمقصد ظهور آثار ما تولد عن التفكير من إبداعات. قال الإمام ابن عاشور : ” و أنواع المعارف الصالحة من الفطرة ، لأنها من آثار حركة العقل الذي هو من الفطرة ، لأنها نشأت عن تلاقح العقول و تفاوضها. و المخترعات من الفطرة ، لأنها متولدة عن التفكير و في الفطرة حب ظهور ما تولد عن الخلقة “7 . و عليه : فإن الفطرة تقتضي حفظ العقول ، و حفظها يستدعي رعي المراتب ضرورة و حاجة و حسنا ، مع تقديم أشرفها حال التعارض و وصف المساواة بقسمة العدالة يقتضي تكافؤ الفرص بين الجميع. فالاعتناء بالجهاز العصبي بتقنية الننو محمود حسن و لكن بالضوابط السالفة ، لأن الخير لا ينبغي أن يأتي بالشر ، و الغنم شرطه أن يضارع الغرم . حكم استثمار تقنية الننو في تحسين القدرات العصبية تخريجا على المعهودات الشرعية : من عوائد الشرع صيانة العقول من كل دخيل و وارد ، فلمقام الإيجاد رغب في العلوم و مدح أهل الإنعام و بذل الوسع ، و حذر من الجهل و الأوهام و التخيلات ، و لمقام العدم زجر كل عدوان على العقول و المهج ، و حمل الأشياء على مقتضى الإباحة دون غلو أو تفريط . و عليه : فإن الشرع على مقتضى معهوده لا يسد التقنية الحديثة ، بل يفتح الباب دونها من غير إسراف و لا مخيلة موافقة لموازين التشريع و معهوداته. و الحاصل : فإن المسالك اتفقت على التجويز المقيد بموافقات الميزان و الأوصاف و المعهودات . الخاتمة : أحمد الله تعالى على إتمام هذا العمل على الوجه الذي أراد ، و أشكره إذ جعلني ــ تفضلا منه ــ خديما لنثر مقامات ضبط المراد في أزمنة العدول عن المنهج المعتاد ، و أسأله سبحانه أن يقذف في روع الناقد البصير نورا يزيّن بمسباره الخلل و يصلح ما علق بالتدوين من الزلل ، مستصحبا خلق الإنسان من عجل.. ثم أثني بأن الممعن في النوازل العلمية التي عمت بها البلوى ليجزم بضرورة التدرج في السلم الشرعي، بله مجتهد الأبواب لئلا يأتي على البنيان بالهدم ، و يُتبع الحفر بالردم. كما أنّ الحمل على المصالح جلبا ،و المفاسد سدا لا يدفع الاجتهاد بفساد الاعتبار حال الإرسال أو الاعتبار ، لأنه جنس معهود و حوض مورود.
ثم إنّ ترقية فن المقاصد ـــ تربصا بمراتب استقلاله حقيقة و اصطلاحا و استدلالا و منهجا ــــــ محمود الغب ، تلبية لتلميحات الإمام الأندلسي و الهمام التونسي ، حيث ساق الشاطبي للأصول قطعية ، و ترجمها ابن عاشور بإعادة صهر التأصيل في بوتقة جديدة ، و هو الباب الذي يجب فتحه و ضبطه.
ثم الارتقاء بمسالك الإمامين إلى الرّيد حيث تكثير أدلة الكشف عن المقصد..، و كان من وجوه الارتقاء ، العدول عن المسالك إلى المقامات أو من المقاصد الجزئية إلى الخاصة فالعامة ، ثم الاستواء إلى الشماريخ حيث نظريات المقاصد الكبرى ، عندها يستعرض المتأمل كل جزئية من تلكم الربوة في حدود عبارة صاحب الموافقات.
ثم الإلحاح عند عتبات المقامات المقدسة حتى تكَلَّم..، فإن سكتت حين البذل فإنّ سهام الليل تثير كل بارك ليتكلم.
ثم التردد على مواقع التنظير و التنزيل على وجه يشفي العليل..، حيث وّقت لكل مقام مُثُله ، و للمقامات تطبيقات تروي الغليل..
يتشوف القاصد من خلال هذا البحث :
ــ إلى نظرية للمقاصد في حلة جديدة تلازم كل نازلة دون تكلف أو تعسف.
ـــ وإلى تنزيل النظرية بمسالكها لخدمة الفقه و العقيدة و السياسة الشرعية و الاقتصاد و النوازل العلمية المعاصرة ترجمة للنظر المقاصدي على النوازل العلمية ، إذا قد يسكت التخريج الفقهي و الأصولي دون هذه العوارض الحادثة …و الله أسأل أن يكون خالصا لوجهه الكريم ليس قالصا. و الله من وراء القصد
الهوامش :
1ــــ زاد المعاد: ابن قيم الجوزية، ج5، ص817- 819./ أسواق العرب: الأفغاني، 24،23. بلوغ الأرب، ج1، ص264 2 ـــــ أوصاف الشريعة الإسلامية : هي الجزء الثالث الداخل في الهيئة الإجتماعية لمقاصد الشريعة الإسلامية وبه تكتمل الماهية من حيث أحكامها المقصودة ومقاصد أحكامها (المصلحة والمفسدة)و أوصافها المرادة .
وعليه : المكلَّف المجتهد يُلزم بدرك هذه الحقيقة الكاملة لتحصيل مقام الفهم ثم الامتثال على مقتضى المراد وبيان ذلك أنَّ المقصود من الوصف ها هنا الكلي الذي تم تحصيله بالاستقراء والذي يقتضي استحضاراً في فهم الخطاب أو تنزيله أسوة بالوصف الجزئي في إلحاق المسألة بنظائرها .
3 ــــ قواعد الأحكام في مصالح الأنام :
4ـــ مقاصد الشريعة : 58
5ــــ أخرجه البخاري: كتاب الحرث والمزارعة، باب إذا قال أكفني مئونة النخل وغيره وتشركني في الثمر، رح(2325)، ج3، ص104.
6ـــ رواه مسلم كتاب المساقاة، باب المساقاة، والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، رح(1551)، ج3، ص1187. ،
7ــــ مقاصد الشريعة : 58
بارك الله فيك شيخنا الفاضل علمك غزير
بارك الله فيك شيخنا الفاضل علمك غزير
بارك الله فيك شيخنا