عيوب منهجية في نقد الحداثين للصحيحين كتابات جمال البنا نموذجا-د. فتيحة محمد بوشعالة-
مقدمة:
الحمد لله الذي على إحسانه والشكر له على امتنانه، والصلاة والسلام على خير البرية محمد بن عبد الله ذي الطلعة البهية، والسيرة الزكية، الذي تركنا على المحجة البيضاء والطريقة الواضحة الغراء، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، أما بعد.
ظهر في هذه السنوات الأخيرة هجوم غير مسبوق على مصادر الإسلام،خاصة الصحيحين: صحيح البخاري وصحيح مسلم. مرة بدعوى تعارضهما مع القرآن، ومرة بدعوى غير صلاحيتهما لهذا الزمان، ومرة ثالثة بدعوى أن معظم ما فيهما مكذوب، إلى غير ذلك من الدعاوي.
فما الغاية من هذه الهجمة؟ وما أسلوب هؤلاء في نقد الصحيحين؟ وما هي المرتكزات التي اعتمدوا عليها في نقدهم؟
هذا ما سنحاول الوقوف عليه في هذا البحث، الموسوم ب: ” عيوب منهجية في نقد الصحيحين عند الحداثيين، كتابات جمال البنا نموذجا”، وأقصد بكتاباته الكتب الثلاثة التي ألفها حول السنة النبوية، وهي: (تجريد صحيح البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تُلزِم)، (جناية قبيلة حدثنا) و (السنة ودورها في الفقه الجديد).
وأنا هنا لست في معرض نقد كتاباته، فهي في الحقيقة تحتاج إلى نقضها سطرا فسطرا وليس لنقدها،وإنما أنا في معرض بيان أخطاء منهجية فادحة ارتكبها الكاتب في حق البحث العلمي وفي حق السنة عموما، والصحيحين خصوصا. ولاستعراض الأساليب التي استخدمها الكاتب لنقد الصحيحين، وبيان مدى مصداقيتها من عدمها.
ولا أخفيكم سرا أنا كنت متهيبة من الكتابة حول هذا الموضوع. قلت في نفسي: من أنا حتى أنقد الكاتب جمال البنا صاحب ال150 مؤلفا في الفكر والأدب والدراسات الإسلامية.
غير أني لما بدأت قراءة الكتاب الأول وهو (تجريد البخاري ومسلم مما لا يلزم) ثم الثاني (جناية قبيلة حدثنا) فالثالث (السنة ودورها فيفقه جديد) حتى قلت: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله.
لأني وجدت الرجل في كتاباته بعيدا كل البعد عن التخصص، لا ناقة له فيه ولا جمل، ووقفت على جملة من الملاحظات، بعضها عاموبعضها خاص بمنهجه في التعامل مع السنة عموما ورواتها، ومع الصحيحين خصوصا،
الملاحظات العامة:
1/ الرجل ليس من أهل التخصص، فهو أصلا لم يدخل جامعة، توقف تعليمه في الثانية ثانوي ، ولم يجلس يوما إلى شيخ عدا ما كان يسمعه من والده، الشيخ عبد الرحمن البنا، المعروف بالساعاتي صاحب كتاب (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني )، كما لم تكن له ميولات لدراسة العلوم الشرعية، بل كان اهتمامه بأمور النقابات، والحركات العمالية
في العالم، خاصة في أمريكا. غير أنه كان كثير المطالعة يحب قراءة الكتب، فتوفرت له ثروة معرفية غزيرة.
2/ كتاباته الثلاثة عبارة عن أفكار مكررة، لم تخرج عن المواضيع نفسها، مثل انتقاده قصة الغرانيق، مسألة النسخ في القرآن، قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، أحاديث أسباب النزول، الإسرائيليات، الوضع في الحديث، أحاديث الغيبيات، وغيرها كلها مكررة.
3/ معظمه صفحات كتبه منقولة من عند كتاب آخرين، فمثلا له فصل كامل في كتابه (التجريد) ليس له فيه 20 صفحة من ص 53 إلى ص73، ولا يكلف نفسه التعريف بصاحب البحث ، وله أيضا مبحث آخر في 10 صفحات للصحفي إسلام البحيري من ص74 حتى ص84 ، وله فصل كامل نقلا عن الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله في تدوين السنة من ص 16 حتى ص 30.
والكتاب فيه 341ص، من ص 85 إلى ص 341، أي آخر الكتاب عبارة عن أحاديث للبخاري ومسلم لم يعلق عليها بكلمة واحدة، فثلث أرباع الكتاب هو جزء من صحيحي البخاري ومسلم. كلام الكاتب من محض قلمه لا يزيد على 14 ص.
وفي كتابه (جناية قبيلة حدثنا) والذي فيه 106ص، الفصل الأول والثاني ليسا له من ص 11 حتى ص 38، الفصل الأول مأخوذ من كتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي لمصطفى السباعي رحمه الله مع بعض الاختصار والتصرف، ولا يهمش أي صفحة، وفي نهاية الفصل يقول: “كل الشواهد السابقة موثقة وتعود إلى المراجع التالية” ويذكر مجموعة من عناوين الكتب دون أدنى توثيق لها، وكأنه خائف من الاتهام.
والفصل الثاني أخذه من كتابات الشيخ رشيد رضا رحمه الله في مجلة المنار حول قضية تدوين السنة، وقد صرح بالنقل من بداية الفصل، وبقي ينقل عنه حتى ص 37.
4/ لا يعترف بشيء اسمه التوثيق العلمي، وهذا تهربا من الأمانة العلمية، من جهة، وحتى لا ينكشف في عدم رجوعه إلى المصادر الأصلية من جهة أخرى، فجل نقولاته لكلام الأئمة المتقدمين من كتب معاصرة.
فيقول مثلا في هامش كتابه (السنة ودرها في فقه جديد) في ص 4: “إن مذهبنا في المراجع والمصادر هو نقيض المذهب الأكاديمي المقرر، فإذا وردت فقرة من فقرات أحد المراجع الرئيسية في كتاب لكاتب معاصر، فإننا بعد التثبت منها، نؤثر الاستشهاد بها نقلا عن الكاتب المعاصر، لا لأن المراجع ليست لدينا..” وهو بكلامه هذا يبرهن على عدم رجوعه إلى كتب التراث للنقل منها لعدم معرفته التعامل معها، فكلامه كلام العوام بقوله: “لا لأن هذه المراجع ليست لدينا، فهي لدينا في طبعاتها الأصلية والكثير منها طبع بالهند أو حتى بيترسبورج (تهكما، وهو يشير إلى مكتبة والده القديمة التي لشدة إهماله لها أتلفتها الرطوبة)، ثم يردف قائلا بأسلوب العامة: “ولكننا لا نريد إظهار الفتاكة والمعرفة أو أن نبهر أنظار القارئ، أو أن نثبت له صدف ما ذهبنا إليه، فهذا كله لا يعنينا..”
5/ يجهل كتب الحديث والتعامل معها، ولذا يعتمد على ما ينقله عن المعاصرين كالشيخ السباعي رحمه الله، وأبي رية، ولذا تكررت عنده بعض الأخطاء مما يدل على عدم درايته بأسماء العلماء، فيقول مثلا:”كتاب الكفاية لابن الخطيب” و”كتاب تاريخ بغداد لابن الخطيب” بدل الخطيب البغدادي، كما يقول: “أحمد بن حنبل الشيشاني” أكثر من مرة. مثل ص 265 من كتاب (السنة ودرها في فقه جديد).
ويقول في وصف طريقة البخاري في صحيحه كلاما ينم عن جهله بالكتاب وبأسلوب المحدثين في التبويب، وأغراضهم في تكرار الحديث وتقطيعه، حيث وجد ذلك مملا ولا فائدة منه، فقال في ص 15:”وهو يضع كل واحد من هذه الأحاديث المكررة تحت عنوان مستقل، وفي موضع بعيد عن موضع الأول، وفي بعض الحالات لا يكون هناك علاقة بين العنوان وبين الحديث…ناقلين ما ذهب إليه من تكرار…ويؤدي لتضخم الكتاب دون أي داع بالمرة…ولو أن البخاري لم يعمد إلى هذا التكرار فلربما صدر كتابه في نصف حجمه المطبوع ولاستراح وأراح.”
6/ التهكم والتهجم على السلف، بدءا من مجتمع المدينة المنورة في عصر النبوة، إلى الصحابة، إلى أهل الحديث عامة، فيقول في وصف مجتمع المدينة: “وقد يسهل تصور الأمر إذا قارنا عهد المدينة الساذج بالتطور المذهل الذي انتهت إليه الإمبراطورية الإسلامية”، ص49 من كتاب (التجريد)، ويقول تهكما على الصحابة وطعنا فيهم في كتاب (جناية قبيلة حدثنا) ص 46: “وفي موقعة اليرموك ضم المحدث الدقيق والذي يعد من أوثق الرواة في الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص حمل زاملتين ( ناقتين)، من أحاديث أهل الكتاب، ولسنا نعلم على وجه التحقيق هل اختلطت هذه الأحاديث بأحاديث صحيفته القديمة التي كان يسميها الصادقة أم لا ..ولكن السيدة عائشة لما علمت بذلك تطرق إليها الشك، ولم تعد تأخذ حديثه مأخذ التسليم” الكاتب خياله واسع ويستنتج دون دليل، بمجرد التخمين.
ويصف البخاري ومسلم ومن قبلهم من المحدثين بالغفلة والخضوع والتواطؤ، حيث قال في الإهداء في كتاب (التجريد): “إليك يا سيدي يا رسول الله أهدي هذه الصفحات، التي أردت بها أن أبرء صفحتك وأطهر ساحتك مما نسبه إليك رجال غلبت عليهم الغفلة وتحكمت فيهم عوامل عصرهم، فلم يستبينوا ما بها من إساءة..”
ويختم تهكمه بوصف السنة بالعجز فيقول في كتاب (جناية قبيلة حدثنا) ص 40: “والأساس الشرعي هو القرآن، ولكن القرآن لا يعالج التفاصيل، ولكن الكليات ولم يكن المناخ يسمح باستخلاص الأحكام الفرعية من القرآن نفسه، فهذا ما تولته السنة عندما عهد إليها ببيان ما أنزله القرآن ويدخل فيه تفاصيل ما أجمله، ولكن السنة أيضا كانت عاجزة ، لأنها كانت سنة مجتمع المدينة الساذج الذي لا يعرف قضايا مجتمع العواصم الكبرى بملايينها من مختلف الجنسيات والمستويات…”
الأخطاء المنهجية في نقد الصحيحين( الملاحظات الخاصة)
1- التناقض في النقد:
• يصدر حكما في موضع ويناقضه في موضع آخر، وهذا مناف للمنهج العلمي الذي يفترض أن يكون مطردا في كل البحث، فهو يصف المحدثين بالوضع وأنه لا منهج لهم يستحق أن نعترف به، فيقول في كتاب (التجريد) ص10: “وكانت هناك عوامل خارجية تضغط على المحدثين وتتطلب منهم تقديم أحاديث، فتضخم القضايا كان يتطلب سندا تشريعيا لها لا مصدر له بعد انغلاق القرآن إلا السنة…فكانت عملية وضع الحديث تتم بصورة منهجية ودون حياء أو خجل أو تردد.”
ثم يقول في ص 11 مناقضا نفسه: “نحن لا نبخس الدور الكبير للمحدثين في تمحيص الأحاديث، وحسبهم أنهم نزلوا بها من المليون إلى بضعة آلاف، وهذا عمل عظيم ولا شك” ثم بعض سطرين يناقض قوله فيقول: “لأننا لن ندخل في صراع معهم، فهذا يعني أننا نسلم بسلامة منهجهم”.
ثم يعود إلى تقرير قضية الوضع فيقول في ص47: “يتأكد لدينا أن النهي عن الكتابة والأمر بالإقلال من الرواية كان هو المبدأ المقرر، فإذا كان المحدثون قد توصلوا إلى مئات الألوف من الأحاديث، فإن التفسير الوحيد لذلك هو أنها موضوعة، وأن الذي أدى إلى وضعها هي مقتضيات الدولة الإمبراطورية الإسلامية، وما تطلبته من قوانين لا بد لها من شرعية…”ففي نظره الكل متواطئ على الوضع الدولة والعلماء.
ويعاود نقضه لنفسه في كتاب ( السنة ودورها..) فيمتدح منهج المحدثين قائلا في ص 232: “وحقا إن المحدثين وضعوا القواعد والمراتب، الدرجات والمعايير ووصلوا في هذا إلى درجة كبيرة من التمييز، كما توضح تقسيماتهم الأحاديث إلى: المتصل، المرفوع، المرسل…” وهو في الحقيقة ذاهل عما يقول هنا لأنه ينقل من عند غيره الصفحات دون أن يتحرى في محتواها.
• من التناقض أيضا أنه، لا يعترف بالاعتماد على الإسناد أصلا في قبول الأحاديث وردها، فيقول في التجريد في ص 8: “لاستخدام هذه الطريقة، فإنها لا تغير طبيعتها، وهي إن الاعتماد شفاها أو عنعنة على السند لتقدير حالة الحديث وصحته من عدمه، لا يمكن أن تقبل وإنها دون شك سمحت بدخول الكثير من الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة أو الركيكة.”
وقال في ص 92: “من أجل هذا جعلنا أول ما نبدا هو ما يُدعى من أحاديث عن الغيب، ونحن لا يعنينا ما نقرأ من أسانيد قوية، ومن تكرار للمضمون…”
وفي حين نجده يعتمد على روايات (وهي واهية،ورد أصح أسانيد السنة في الصحيحين) للتدليل على رأيه في مسألة تدوين السنة، وهذا عين التناقض والكيل بمكيالين، فحشد مجموعة من الروايات وهو في الحقيقة ليس من جمعها بل اعتمد على غيره في ذلك، كرشيد رضا في المنار، والمعلمي في الأنوار الكاشفة، فذكر في ص 39: “ولم يقف الأمر عند عدم التدوين، بل امتد إلى كراهة الإكثار من الرواية، فعن أبي بكر الصديق أنه جمع الناس بعد وفاة النبي ﷺ فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله ﷺ أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله ﷺ شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.”
وهذا الحديث ذكره المعلمي في الأنوار الكاشفة ، وقال: “ثم ذكر الذهبي هذا الخبر -ولا ندري ما سنده إلى ابن أبي مليلكة، وبين الذهبي أنه مرسل أي منقطع، لأن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر ولا كاد، ومثل ذلك ليس بحجة، إذ لا يدري ممن سمعه، ومع ذلك قال الذهبي «مراد الصديق التثبت في الأخبار والتحري، لا سد باب الرواية … ولم يقل حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج».
وذكر أثرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ص 39: “كما روي عن عمر بن الخطاب أنه منع الإكثار من الرواية خشية الانشغال بغير القرآن، أو لعلة الخوف من الكذب على النبي، ومن ذلك أنه حبس كلا من ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي مسعود الأنصاري لكونهم أكثروا الحديث عن رسول الله ﷺ…”وحديث عمر أخرجه الطبراني في الأوسط، وقال: لم يحدث به إلا إسحاق بن موسى الأنصاري، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: منقطع، وأخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء، وابن حبان في المجروحين.
وأورد رواية أيضا عن قرظة بن كعب في ص 39: “وجاء عن قرظة بن كعب أنه قال: “خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر إلى صرار، فتوضأ فغسل اثنتين ثم قال: أتدرون لمَ مشيت معكم؟ قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول الله مشيت معنا، فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جودوا القرآن وأقلوا الرواية…فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا، قال: نهانا عمر بن الخطاب.”وهذه الرواية ذكرها ابن عبد البر في جامع بيان العلم، وقال: الآثار الصحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف هذا، وإنما يدور على بيان عن الشعبي وليس مثله حجة في هذا الباب”.
فهذا تناقض صارخ في المنهج، لا تعترف بالإسناد في أصح الأحاديث وتعتمد على أوهى الأسانيد في الروايات التي توافق هواك؟
2- الاضطراب في قبول أحاديث الصحيحين وردها:
حيث نجده أحيانا يقول نردها جملة، وأحيانا يقول نقبل منا العملية ونرد القولية، وأحيانا نقبل بعض القولية، فلم يثبت على حكم، وهذا ينم عن فقدانه لمنهج علمي يتبعه في كل بحوثه, وذلك راجع لعدم وضوح الفكرة جيدا في ذهنه، كونه ليس له باع في علم الحديث، وليس له دراية بهذا العلم، فهو يخبط خبط عشواء، فنجده يرد أحاديث في قمة الصحة في حين يحتج بأحاديث ضعيفة وواهية.
فيقول مثلا في كتاب (التجريد) معرفا السنة من منظوره، وأنه يقبل السنة التي هي العملية عنده فقط، أما القولية فليست سنة، فكيف قبلت العملية؟ من الذي نقلها إليك؟ أليس الذي نقل العملية هو الذي نقل القولية، وهو نفسه الذي نقل القرآن؟
ثم يتراجع فيقول : ونقبل حديثه، (ويقصد السنة القولية،) إن كان قاله حقا، ثم ينكص على عقبيه فيرد كل ذلك بحجة أنه مشكوك في ثبوتها، لأسباب في ذهنه.
فيقول في ص 7: “إننا في كتابنا هذا لا نتعرض للسنة، لأن السنة هي الدأب والمنهج والطريقة، أي أنها عمل الرسول وليس قوله، بل ولا نتعرض لحديثه لو كان هو الذي قاله حقا…ولكن أنى لنا أن نستبين ذلك وبيننا وبينه ألف عام…كانت الأحاديث تتناقل شفاها قبل أن يأتي وقت التدوين.
فلو قال أحد: إن هذه الأحاديث لا يعتد بها أصلا، لما كان متعسفا، لأن الله تعالى أوجب الكتابة في دين بضعة دراهم مؤجلة بصورة مؤكدة ومفصلة….فكيف بأحاديث تتناقل شفاها متحدث عن متحدث طوال 150 عاما بعد قولها الأول المنسوب للرسول دون وسيلة إثبات.”
ثم يقول في ص 10: “ولهذا يكون علينا أيضا أنلا تأخذنا بهذه الأحاديث رحمة أو أقل فكرة عن نسبتها إلى الرسول، ويجب أن نستبعدها بلا تردد، ويجب أن لا نسمح بالشك أو العجب في هذا”.
وفي خضم حديثه عن الوضع يبدأ في غمز أحاديث صحيح البخاري، فيقول في كتاب (التجريد) ص11: “ولكن الخرق قد اتسق على الراتق، فضلا عن وجود عوامل أخرى أدت إلى أن يتضمن البخاري، وهو أصح كتب الحديث العديد من الأحاديث التي قلنا (لا تلزم)”.
وهو بطعنه في صحيح البخاري يهدف إلى الطعن في كتب السنة كلها، وقد صرح بذلك حين قال في ص13 :” وكان عزاؤنا أن استبعاد أي حديث في البخاري يعني استبعاد عشرة أحاديث موضوعة ومثبتة في كتب السنة الأخرى، وبعضها أسوء بكثير مما جاء في البخاري وأكثر انتشارا، إن استبعادنا لأحاديث أقوى منها يستتبع بالتبعية استبعادها، وسيمهد عملنا هذا الطريق لأن يأتي بعدنا من يتقصى كتب السنة الأخرى ويجهز على البقية الباقية، وبهذا يتطهر الإسلام مما ألصق به وأساء إليه.”
ثم يصل إلى نتيجة حاسمة مفادها أن هذه الأحاديث هي عائق أمام تطور الأمة، فلا بد من التخلص منها، فقال في ص 12: “وآن الأوان للتخلص منها (أي الأحاديث) بعد أن أثقلت كاهل المجتمع الإسلامي قرونا، بل إن دواعي العصر كانت تقضي بالإجهاز عليها لينفسح الطريق للتقدم”.
وفي الأخير يعلن إعلانا خطيرا هو أنه ليست الأحاديث وحدها التي حرفت ، بل الإسلام كله، بمعنى القرآن أيضا، حيث قال في ص11: “وعلى كل حال، فإن ما حدث للإسلام هو ما حدث لليهودية والمسيحية، فما تحدث المسيح بكل ما في الأناجيل أو أعمال الرسل أو غيرها من مراجع المسيحية، وما تحدث موسى بكل ما جاء في التوراة والتلمود والمشنا، إن الأغلبية العظمى في مراجع كل دين هي من إضافات الأكليروس أو المؤسسة الدينية”. فهو لم يثبت على فكرة في قبول السنة أو ردها أو قبول الأحاديث أو ردها، أو قبول الإسلام أم الشك فيه كله؟
3- معايير ذاتية في قبول ورد أحاديث الصحيحين:
المعايير التي استعملها في قبول ورد أحاديث الصحيحين بعيدة كل البعد عن المعايير العلمية التي اعتمدها أهل الحديث والعلماء عموما، فنجده تارة يعتمد على الإحساس والحدس، ومرة على المزاج، وأخرى على ما يمليه عليه عقله، وتارة بحجة مخالفتها للقرآن،
• يقول في ص 8: “لهذا تقبلنا أحاديث عديدة، إما لأن عبق النبوة يفوح منها، أو لأنها لا تخالف القرآن”، لست أدري كيف نقيس عبق النبوة؟ وما المعيار لمعرفته؟
• ومن أمثلة ما لم يقبله عقله كون الأحاديث تتحدث عن غيوب، والرسول ﷺ لا يعلم الغيب، ومن ثم فهي كلها لا تصح نسبتها إليه ولو كانت في الصحيحين، فيقول في ص9: “ومن غير المعقول أن يكون الرسول ﷺ قد نطق بها، ومعظمها عن مستجدات العهد الذي جاء بعده..” ، وهذا يخالف الواقع فليست معظم الأحاديث في الغيبيات بل حيزها قليل مقارنة بباقي الأحاديث.
• وأحيانا يقول نحاكمها إلى القرآن ما وافقته قبلها وما خالفته استبعدها، مثل ما جاء في ص 11: “إن ما أهمنا هو اتفاق أو عدم اتفاق حديث ما مع القرآن الكريم، فما اتفق جاز أن ينسب إلى الرسول ، وما اختلف فإننا لا نراه ملزما، لأن التزامنا به، يعني عدم الالتزام بالقرآن، وهذا أمر لا يقبله أي مسلم”.
ثم أفصح عن جملة من المعايير عددها 12 معيارا هي الفيصل في قبوله لأحاديث البخاري ومسلم ، ذكرها في كتابه (السنة ودورها في فقه جديد) وأعادها في كتاب (تجريد البخاري ومسلم مما لا يلزم)، في بعضها يحاكم الأحاديث إلى القرآن، وفي بعضها يحاكمها إلى عقله دون منهج واضح وإنما حسب ما يراه مناسبا هو، وهذا نموذج من تلك المعايير:
” قد حددنا اثني عشر معيارا قرآنيا يفترض أن لا يخالف أي حديث معيارا منها، وهذه المعايير هي:
1/ التوقف أمام الأحاديث التي جاءت عن المغيبات بدءا من الموت حتى يوم القيامة والجنة والنار، فهذه ما استأثر الله تعالى بعلمها.
4/ نحن نتوقف أمام كثير من الأحاديث التي جاءت عن المرأة بدءا من خلقها من ضلع أعوج حتى حجابها، حتى لا تظهر إلا عينا واحدة….” ونسي أن الحجاب ذكر في القرآن لا في السنة.
وضع هذه المعايير دون أن يبين لنا على أي أساس علمي وضعها، نحن نتوقف، نحن نستبعد، وحتى التي قال فيها ما خالفت القرآن جانبه الصواب فيها. لأنها تخالف القرآن حسب رأيه هو لا تخالف القرآن حقيقة. والرد عليه فيها واضح، ليس هذا مجاله.
• فردّ من صحيح البخاري وصحيح مسلم كل الأحاديث التي فيها إخبار بغيب، وحجته في ذلك أنها مخالفة للقرآن، كيف ذلك حسب رأيه، أن القرآن قرر أنه لا يعلم الغيب إلا الله، فقال في (التجريد) ص 88، بعد أن أورد جملة من الآيات تتحدث عن الغيب وأنه من علم الله تعالى: ”
هكذا اتضح الموقف، فالله تعالى يقول مرارا وأنه استأثر بالغيب وأنه لا يطلع عليه أحدا، والرسول نفسه يعترف بهذا…”
ثم يفسح المجال لعقله ليحلل ويناقش سبب رفض أحاديث الصحيحين التي تتحدث عن الغيب، ويخلص إلى نتيجة يقينية أن أحاديث الغيب هي سبب انتشار الخرافة بين المسلمين: “وقد يقول قائل: لماذا تشددون في هذه النقطة؟ نقول” لأنها الفارق بين الإيمان بالغيب والإيمان بالخرافة، لأن أي مصدر آخر غير القرآن لا يمكن الوثوق به، وما ينسب عن الرسول هو محل شك، بل المؤكد أنه من وضع الوضاعين…إن النتيجة المؤكدة للأخذ بهذه الأحاديث المدسوسة هي تكوين عقلية تتقبل الخرافة، وهذا أمر لا يجوز مطلقا التسامح فيه، ولو بسن إبرة، لأنه يعني السماح باستبعاد العقل، وإذا استبعد العقل فأي فرق بين الإنسان والأنعام؟”
وأنا هنا لست في معرض الرد عليه، ولكن أقول فقط، لقد ساق آية استدل بها وبترها عن سياقها ترد عليه دعواه هذه التي رد بها 228 حديث من غير المكرر من الصحيحين، وهي آية سورة الجن في قوله تعالى:( عَٰلِمُ ٱلغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَىٰ غَيبِهِۦٓ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ٱرتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِۦ رَصَدٗا ) الجن: ٢٦ – ٢٧
فلو أتم الآية لبان عوار ما ذهب إليه، فالله سبحانه قد أطلع بعض رسله عليهم السلام على بعض الغيب سواء كانوا بشرا أو ملائكة. والغيب غيبان مطلق ونسبي.
ومنهجه في رد بعض أحاديث الغيب مضحك، لا يمت إلى المنهج العلمي بأي صلة، بل يعتمد على الحدس والمزاج والنظر، فيقول في حديث متفق عليه وهو يقول أخرجه مسلم (إنّ في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.) وحديث متفق عليه : ( تحاجت النار، والجنة، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين ، والمتجبرين ، وقالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس ، وسقطهم ، وعجزهم ، فقال الله للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكم ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ ، فيضع قدمه عليها ، فتقول : قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض) ، حيث لم يستوعب عقله ذلك، فقال في ص 90: “إن علامات الوضع تكاد تنطق في الحديث الأول، وإن دلالات الوضع في الثاني مما لا يحتاج إلى إيضاح…”
ما أسهل النقد بهذا الأسلوب، (تكاد علامات الوضع تنطق من الحديث الأول)، والثاني (أن دلالات الوضع مما لا يحتاج إلى إيضاح).
• ويقول برد كل الأحاديث الواردة في بني إسرائيل عند البخاري ومسلم، وحجته في ذلك هي:
أولا أنها من الغيبيات وهو يردها ، ثانيا: أنها عبارة عن خرافات، ثالثا: لا مبرر لرواية الرسول صلى الله عليه وسلم لها، فقال في التجريد ص 175: “ولا تحدد هذه الأقوال لمن تنسب من بني إسرائيل، ففيها من هذه الناحية صفة “الغيبيات”، ثم أنها في مضمونها مجموعة خرافات أو مزاعم لا قيمة لها، وأهم من هذا كله ما الذي يدفع رسول الإسلام ﷺ لروايتها، كأنما هو أحد بني إسرائيل، أو كأنه عاصرهم، فبطلان نسبتها إلى الرسول ﷺ واضح.”
حجج واهية كبيت العنكبوت في رد أحاديث صحاح متفق عليها. على أي أساس اعتبرها خرافة؟ ألم يقص علينا القرآن أخبار بني إسرائيل؟ لما قبلتها هناك ورفضتها هنا؟
* ومن ثم رد أيضا كل الأحاديث الواردة في الصحيحين التي تتحدث عن الذات الإلهية بحجة أنها من الغيب، حيث صارت لفظة (غيب) العصا السحرية التي يسقط بها كل الأحاديث التي لا تعجبه.
* كما رد الأحاديث التي تفسر القرآن، بحجة أن القرآن يفسر بعضه بعضا، وأنه ليس عسير الفهم، فحسب رأيه أي إنسان مهما كان مستواه وفهمه يستطيع أن يفسر القرآن كما يشاء، ونسي أو تناسى قوله تعالى: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)الأنبياء: ٧
فلو كان القرآن سهلا كما يزعم لما أمرنا الحق بسؤال أهل الذكر، ولما أمر نبيه ﷺ بشرحه للناس في قوله عز وجل : (و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم و لعلهم يتفكرون) النحل: ٤٤
ولكنه الهوى يجعل صاحبه يميل عن الحق وهو يراه.
ويناقض نفسه بقبول أحاديث حين يقول: “الرسول نفسه لم يفسر إلا آيات معدودة” فكيف عرفت أنه لم يفسر أن لم يكن من الأحاديث التي تردها؟ لا يوجد معيار نرجع إليه في قبول حديث أو رده.
* كما رد كل الأحاديث الواردة في الصحيحين التي تتحدث عن أسباب النزول، وحجته “أن القرآن لا يصدر الأحكام لأسباب خاصة، وإنما لحكمة عامة” ولو قرأ القرآن لوجد الرد عليه، ألا يوجد في القرآن: يستفتونك، يسألونك، ولو درس علم أسباب النزول لما احتج بما احتج به.
* كما رد الأحاديث القدسية بحجة واهية، مفادها أنها تروي عن الله وما جاء عن الله بطريق قطعي هو القرآن فقط.
* وأسقط أيضا كل ما جاء في الصحيحين عن المعجزات الحسية، وحجته أوهى من بيت العنكبوت، حيث قال في ص254 من التجريد: “وهذه الأحاديث عن المعجزات مما لا تكسب الرسول ﷺ فخرا، لأنها تجعله رسولا كبقية الرسل، أما القرآن الكريم –معجزته الحقيقية والوحيدة – فهو ما يجعله رسول الفكر والعقل”.
ولو قرأ القرآن لأدرك أنه هو نفسه أشار إلى بعض المعجزات الحسية، كالإسراء والمعراج، وانشقاق القمر.
• عنده معيار غريب لرد الأحاديث: هو فطنة القارئ، حيث يقول في رد بعض الأحاديث التي بدت له مشكلة، ص 311: ” أحاديث مشكلة: تحت هذا العنوان سنضع عددا من الأحاديث التي لا تدخل في الأبواب السابقة لأن متونها لا يمكن أن يؤخذ بها، إذ أن فيها نوعا من الإشكال، كأن تكون مخالفة للمنطق أو الواقع، أو لطبائع الأشياء، أو لروح الإسلام…بينما نترك الأخرى لفطنة القارئ.”
وأول ما أسقطه من الأحاديث، حديث هرقل المتفق عليه، وأقصى ما علق عليه قوله : “واضح أنه حديث موضوع”.
وساق حديث استسقاء سيدنا عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه فأسقطه بقوله في ص 314: “هذا بعيد، فعمر بن الخطاب ما كان يستشفع بأحد خلاف الرسول، دع عنك العباس الذي لم تذكر له سابقة أو نصرة، وكان تاجرا ومرابيا، ومع أنه عم الرسول، فإن أبا لهب كان عمه، ولا جدال أن الحديث من وضع أحد عملاء الخلافة العباسية.” يصف الصحابي الجليل سيدنا العباس بالمرابي ويضعه في منزلة أبي لهب الكافر.
4- مخالفة الحقائق التارخية:
ومن العيوب المنهجية التي وقع فيها الكاتب، في خضم استدلاله على عدم إجماع علماء أهل السنة على صحة كل ما في البخاري ، مغالطات تاريخية، فذكر أحاديث ردها أبو حنيفة، وهي في صحيح البخاري، وذكر أحاديث ردها مالك وهي في الصحيح، وذكر أحاديث ردها الشافعي وهي في الصحيح، وذكر أحاديث ردها أحمد بن حنبل وهي في الصحيح، وكأن هؤلاء اعترضوا على البخاري، في حين أن هؤلاء جميعا رحمهم الله تعالى كانوا قبل البخاري، فأبو حنيفة ومالك رحمهما الله توفيا قبل أن يولد البخاري، والشافعي رحمه الله توفي والبخاري في عمره عشرة سنوات، والقريب منه أحمد رحمه الله، فهو أكبر منه ب30 سنة.
أبو حنيفة (83/150ه)، مالك (93/179ه)، الشافعي (150/204ه)، أحمد (164/241ه)
البخاري(194/256ه)
فكيف يعقل أن يخرق هؤلاء الإجماع وهم سابقون له، ولم يشتهر كتابه بعد.؟
5- بتر النصوص:
من العيوب العلمية أيضا بتره للنصوص ليدلل على صحة ما ذهب إليه، ويكون ذلك أحيانا للتحايل، وأحيانا للنقل الأعمى عن المعاصرين دون الرجوع إلى المصادر الأصلية.
فمثال بتره للنصوص، الآية التي استدل بها على رد كل الأحاديث التي تتناول الغيب، أخذ نصفها
وترك النصف الآخر الذي يرد دعواه وهي قوله تعالى:( عَٰلِمُ ٱلغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَىٰ غَيبِهِۦٓ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ٱرتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِۦ رَصَدٗا ) الجن: ٢٦ – ٢٧
فذكر الآية الأولى وأهمل الثانية.
6- الانتقائية:
كونه يختار أحاديث يقول بإسقاطها من الصحيحين، ويترك أخرى ثم يقول ولو شئت لأسقطتها. فلا يوجد عنده منهج موحد يتبعه، بل يخبط خبط عشواء وفق ما يمليه عليه هواه ومزاجه.
فنجده ترك أحاديث كثيرة تتحدث عن غيوب ولم يسقطها، وهي في الأبواب نفسها التي أشار إليها.
فلم يتطرق إلى الأحاديث التي تتحدث عن الملائكة، فعندنا مثلا الحديث المتفق عليه، في وصف جبريل عليه السلام: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ)
ولم يتطرق لأحاديث مشاهد القيامة وهي من صميم الغيب، كأحاديث وصف الصراط، وصف الحساب ، وصف وقوف الناس تحت الشمس وغيرها من الأحاديث الصحيحة، كحديث: (إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] الآيَةَ، وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي..)
وانتقى من أحاديث بني إسرائيل بعضها وترك منها الكثير في الصحيحين، لا ندري على أي أساس،
وانتقى من أحاديث تفسير القرآن بعض الأحاديث، وترك منها الكثير فهي كتاب كامل في كل من الصحيحين.وقس على ذلك أحاديث الترغيب والترهيب والثواب والعقاب المترتب عليهما، انتقى منها البعض وترك الآخر.
فهذه الانتقائية تنافي المنهج العلمي الذي يقتضي الاستقصاء والتتبع والاطراد.
مع أنه يقول أنه استقصى صحيح البخاري، حيث جاء في ص 15 من التجريد قوله: ” وأخيرا…فإننا في عملية استقصاء أحاديث البخاري اعتمدنا على الطبعة التي أصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مركز السيرة..” فهو بهذا ناقض نفسه بادعاء التقصي.
الخاتمة:
وفي الأخر نقول إن الذي يريد أن ينقد عملا علميا منهجيا لا بد أن يكون سبر أغواره، وعرف خباياه، ومارسه ووقف على كل صغيرة وكبيرة فيه، حتى يتسنى له النقد، فأهل مكة أدرى بشعابها،
أما أن يكون الإنسان بعيد كل البعد عن التخصص ثم يقحم نفسه فيه، فسيكون كحاطب ليل، أو أعمى يخبط خبط العشواء،
فيا باري القوس بريا ليس يحسنه لا تظلم القوس أعط القوس باريها
ولهذه الأسباب كانت دراسات جمال البنا حول السنة النبوية وحول الصحيحين، تفتقد للعلمية والمنهجية، وظهر ذلك في جملة من العيوب المنهجية، نجملها فيما يلي:
1- مجانبة التوثيق العلمي المنهجي، وغياب الأمانة العلمية
2- الاضطراب في إثبات الحقائق والتململ في الأفكار
3- الاعتماد على معايير ذاتية في النقد، كالحس والحدس وعقل الكاتب، لا العقل الصريح
وعلى مغالطات تاريخية
4- الانتقائية في رد أحاديث الصحيحين
5- بتر النصوص، إما عمدا وإما جهلا، للنقل من غير المصدر