من العربيّ القديم: بابا وبِيبِي
من العربيّ القديم: بابا وبِيبِي
بقلم الدكتور محمد جمعة الدِّربيّ
الباحث المعجميّ والمحقِّق اللغويّ وعضو اتحاد كتاب مصر والاتحاد الدَّوليّ للغة العربيَّة
الاقتراض بين اللغات أحد عوامل ثرائها؛ ولهذا توصَف اللغة النقيّة- إن وُجدت- بأنها لغة فقيرة ،كما يقال: a pure language is a poor language ؛ ومقدرة لغةٍ ما على تمثُّل الكلام الأجنبيّ تُعَدّ مزيّة وخصيصة لها إذا هي صاغته على أوزانها وأنزلته على أحكامها وجعلته جزءًا لا يتجزَّأ من عناصر التعبير فيها. وتبادل التأثير والتأثر بين اللغات قانون اجتماعيّ إنسانيّ، واقتراض بعض اللغات من بعض ظاهرة إنسانية أقام عليها فقهاء اللغة المحْدثون أدلة لا تُحصَى. وما يصدق على العربية من تبادل التأثير بين لهجاتها لا بدَّ أن يصدُق عليها فيما اضطُرَّت إلى إدخاله في ثروتها من لغات الأمم المجاورة لها أو التي كان لها معها ضرب من الاتصال، ولم يكن ما أدخلتْه من هذه الألفاظ الأجنبية قليلًا؛ لأنها عرَّبت منه الكثير قبل الإسلام حتى رأيناه في لغة الشعر الجاهليّ، وقرأناه في سور القرآن، واستخرجناه من بعض الحديث النبويّ([1]).
وفي اللهجات العربيّة المعاصرة يشيع لفظ (بابا) في نداء الوالِد أو الولَد، ويشيع أيضًا – لا سيَّما على ألسنة سيدات وفتيات الطبقات الثريَّة – تقليدًا لاستعمالات أجنبيَّة التعبير بلفظ: (بِيبِي) في سياق الملاطفة والتودُّد والدَّلال! فهل لهذين اللفظين أصول قديمة في العربية الفصحى؟
في خاتمة القصيدة السادسة عشرة من ديوان العباس بن الأحنف (ت192هـ) جاءت الأبيات الآتية من بحر الهزج:
جويريةٌ كلِينِ المخِّ (م) إن حرَّكتـــــــــــــــــــــــــــه ذابا
ولو تَتْفُل في البحر لألفي البحرُ قد طابا
ولو أبصرَها طِفــــــــــــــلٌ صغير السِّنِّ ما شابا
وكانتْ جارةً للحُورِ (م) في الفردوس أحقابا
فأمسَتْ وهْيَ في الدُّنيا وما تألــــــــــــــــــــــــفُ أترابا
لهـــــــــــــا لُعَبٌ مصفَّفَةٌ تُلقِّبُـــــــــــــــــــــــــــهُنَّ ألقابا
تنادي كلَّما رِيـــــــــــــــعتْ مِن العِــــــــــــــــــــــزَّةِ يا بابا
ولم يعلِّق الأستاذ عبد المجيد الملّا على كلمة (بابا)! واكتفى بالتعليق على البيتين الأخيرين بقوله: ” بلغ ابن الأحنف نهاية الحُسْن في تصوير صغر سِنِّ حبيبته، والحسن كلَّ الحُسن في قوله: (يا بابا)، وكما أنه صوَّر صغر سنها صوَّر عزَّتها ونعيمها الذي ترفُل فيه؛ فإنها لم تقُم بشئون البيت، بل لها لُعَب مصفَّفة، وأنَّ لها من يكفيها ويسدُّ حاجتها”([2]).
وفي معاني القرآن للفراء(ت207ه): ” ولا تنكرنَّ أن يُجعل الكلمتان كالواحدة إذا كثُر بهما الكلام؛ ومن ذلك قول العرب : بِأَبا ؛ إنما هو (بأبِي)، الياء من المتكلم ليست من الأب؛ فلما كثُر بهما الكلام توهَّموا أنهما حرف واحد فصيَّروها ألفًا ليكون على مثال: حُبْلَى وسَكْرَى، وما أشبهه من كلام العرب”([3])، ثم قال الفراء: وأنشدني أبو ثَرْوان([4]):
قال الجواري ما ذهبتَ مَذْهَبا وعِبْنَــــــــــــــــنِي ولم أكنْ مُعَيَّبا
هل أنتَ إلّا ذاهبٌ لِتَلْعَبــــــــا أَرَيْتَ إن أُعطِيـــــــــــــتَ نهْدًا كَعْثَبا
أذاكَ أم نُعطيك هَيْدًا هَيْدَبا أَبْرَدَ فى الظَّلْماء مِن مَسِّ الصَّبا
فقلتُ: لا بل ذاكما يا بِيَبا أجـــــــــــــــــــــــــدرُ ألَّا تَفْضَحا وتَحْرَبا
وفي نوادر أبي زيد(ت215ه): ” وقالت امرأة من بني سعد جاهليّةٌ ولم أسمعها من المفضَّل([5]):
وقد زَعموا أنّي جَزِعتُ عليهمـــــــــــــــــا وهل جَزَعٌ أنْ قلتُ يا بِأَبا هما
هما أخوَا في الحرب مَن لا أخا له إذا خاف يومًا نَبْوةً فَدَعــــــــــاهما
قال: يقال: بِأَبِي أنتَ وأمِّي([6])؛ فاستثقلوا الياءَ مع الكسرة قبلها ففتحوها… … وقال آخر:
ألستَ من رَهْطٍ حَبيبٍ بِأَبا إنَّ حبيبًا قد شفانا واشْتفَا “([7]).
وفي الباب الأخير من النوادر – وهو الباب الذي يضيفه بعض العلماء إلى الكتاب ومنهم من يفرده باسم كتاب مسائيَة([8])– نجد ” وقال العَنْبَريُّون: بأبأ الصبيُّ أباه وبأبأه أبوه: إذا قال له: يا بابا، ومأمأ الصبيُّ أمَّه فهو يُمأمئها ]ويُبأبئُ[ أباه بأْبأة ومأْمأة. ويقال: دأْدأتُ الصبيَّ دَأْدأة: إذا سكَّنتُه تسكينًا”([9]). ونقل السرقسطيّ(ت444ه) بعضَ كلام أبي زيد بلفظ: ” قال أبو عثمان: قال أبو زيد: بأبأ الصبيُّ أباه وبأبأه أبوه: إذا قال له: بابا “([10]).
وفي البيان والتبيين للجاحظ(ت255ه): ” والميم والباء أول ما يتهيَّأ في أفواه الأطفال، كقولهم:ماما، وبابا؛ لأنهما خارجان من عمل اللسان، وإنما يظهران بالتقاء الشفتين”([11]).
وفي صحيح البخاري(ت256ه) من حديث أمِّ المؤمنين حفصة رضي الله عنها: ” فلمّا قدمتْ أم عطية سألتُها: أسمعتِ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم؟ قالتْ: بأبي، نعم، وكانت لا تذكُره إلا قالتْ: بأبي “. وشرحه الحافظ ابن حجر (ت852ه)؛ فقال: ” أي: هو مفدًّى بأبي، وفي رواية عبدوس (بيَبِي) بياء تحتانيَّة([12]) بدل الهمزة في الموضعين. وللأصيلي بفتح الموحَّدة الثانية مع قلب الهمزة ياء- كعبدوس- لكن فتحَ ما بعدها كأنه جعله لكثرة الاستعمال واحدًا. ونُقِل عن الأصيلي أيضًا كالأصل لكن فتحَ الثانية أيضًا”([13]). وذكر القاضي عياض(ت 544ه) رواية خامسة بلفظ: (بابا)، وعلَّق عليها بقوله : ” وعلى هذا تخرَّج رواية من رواه (بابا) بفتحهما؛ لمّا جعله اسمًا واحدًا نقَل فتحة الياء على الباء قبلها؛ لاستثقال الخروج من كسرتها إلى الياء، وسكَّن الياء لتوالي الحركات؛ فنطق بالكلمة مثل: سكْرى”([14]).
وفي رسالة الاشتقاق لابن السرّاج(316هـ): ” وقد يجيء منه شيء على سبيل التفاؤل نحو: سَلِيم ، للديغ… … ومنه أن تجيء اللفظة يراد بها الحكاية؛ فهذا الضرب لا يجوز أن يكون مشتقًّا، وذلك نحو: بأبأ الصبيَّ، إذا قال له: يا بابا، وكذلك غاقِ وما أشبهه”([15]).
وفي كتاب الزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر بن الأنباري(ت328ه): ” وقولهم: يا بِيَبي لمَ فعلتَ كذا وكذا؟ قال أبو بكر: معناه يا بأبي أنت، أفديك بأبي؛ فحذف المرفوع لدلالة المعنى عليه مع كثرة الاستعمال. وفيه ثلاث لغات: بأبي، وبِيَبِي، وبِيَبَا؛ فمن قال: بأبي، أخرجه على أصله. ومن قال: بِيَبِي، ليَّن الهمزة وأبدل منها ياء…. … وقول العامة: بِيبِي- بتسكين الياء- خطأ بإجماع”([16])، ثم ذكر ابن الأنباري شواهد ختمها بقول الشاعر([17]):
أيا بِيَبا مَنْ لستُ أعرفُ مثلَهــــــــــا ولو دُرتُ أبغي ذلك الشرقَ والغَربا
وفي كتاب المجروحين من المحدِّثين والضعفاء والمتروكين للحافظ ابن حبّان(ت354ه): ” حدَّثنى ابن زهير بِتُسْتَر، حدَّثنا عيسى بن شاذان، حدَّثنا مسلم بن إبراهيم قال: كان صِبيانُ الحيّ وفقراء الحيّ يسمون شعبة (بابا، بابا) من كثرة ما كان يعطيهم”([18]).
وفي سر صناعة الإعراب لابن جني(ت392ه): ” وقد اشتقَّت العرب أفعالًا ومصادر من الحروف؛ أخبرني أبو عليّ أن بعضهم قال: سألتك حاجة [فلاليْتَ] لي، وسألتك حاجة [فلوليْتَ] لي؛ أي: قلتَ لي في الأول: لا، وفي الثاني: لولا. وقد اشتقُّوهما أيضًا من الأصوات؛ قالوا: بأبأ الصبيَّ أبوه، إذا قال له: بأبي، وبأبأه الصبيُّ، إذا قال له: بابا. وقال الفراء: بأبأتُ بالصبيِّ بئباء، إذا قلت له: بِئَبا. وقالوا: صَهْصَهتُ بالرجل، إذا قلت له: صَهْ صَهْ”([19]).
وفي مُعيد النِّعَم ومُبيد النِّقَم لتاج الدين السبكي(ت771ه): ” البابا: ومِن حقِّه أن يحرص على إزالة نجاسة الثياب عند غسلها؛ فيحترز من البول والغائط والمَذْي والدَّم ونحو ذلك؛ فإنه متى لاقى شيءٌ منها بدن الإنسان أو ثوبه لم تصحَّ معه صلاته. فإن علِمه البابا في ثوب شخص ولم يُزِله بقي ذلك في ذمَّته؛ فعليه إفاضة الماء في محلِّ النجاسة؛ بحيث تضمحلّ ويذهب طعمها، وكذلك لونها وريحها، إلَّا أن يعلَق اللوْن بالمحلّ كالدم، فيُعفَى عنه. وأمَّا بول الغلام الرضيع فيكفي فيه رش الماء. وأمَّا دم البراغيث والجراحات البدنية والدمامل واليسير من طين الشوارع فمعفوٌّ عنه. وإذا غسل البابا ذلك كلَّه فهو أوْلى وأحرى”([20]).
وفي صبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي(ت821ه): ” البابا: وهو لقب عامّ لجميع رجال الطَّسْت خاناه ممَّن يتعاطى الغَسْل والصَّقْل وغير ذلك. وهو لفظ رُوميّ، ومعناه أبو الآباء على ما سيأتي بيانه في لقب البابِ في الكلام على ألقاب أهل الكفر؛ وكأنه لقِّب بذلك لأنه لمّا تعاطى ما فيه ترفيهُ مَخدومِه من تنظيف قُماشه وتحسين هيئته أشبهَ الأبَ الشفيق؛ فلقِّب بذلك… … الباب بباءين مُوحَّدتين مفخَّمتين في اللفظ: وهو لقب على القائم بأمور دين النصارى المَلِكانية بمدينة رُومِيَة. وما ذكره في (التثقيف) من أنه عندهم [بمثابة] القانِ عند التتار فخطأ ظاهر؛ لأن الباب قائم في النصارى مقام الخليفة، بل به عندهم يُناط التحليل والتحريم، وإليه مرجعهم في أمر دياناتهم بخلاف القان فإن أمره [قاصر] على أمر المُلك، وأصله البابا بزيادة ألف في آخره، والكُتّاب يُثبتونها في بعض المواضع ويحذفونها في بعض، وربما قيل فيه: البابه بإبدال الألف هاء. وهي لفظة روميَّة معناها أبو الآباء. وأول ما وُضع هذا اللقب عندهم على بَطْرك الإسكندرية الآتي ذكره فيما بعد؛ وذلك أن صاحب كل وظيفة من وظائفهم الآتي ذكرها كان يخاطِب من فوقه منهم بالأب؛ فالتبس ذلك عليهم فاخترعوا لبطرك الإسكندرية البابا دفعًا للاشتراك في اسم الباب، وجعلوه أبًا للكلِّ، ثم رأوا أن بَطْرك رُوميَة أحقُّ بهذا اللقب؛ لأنه صاحب كرسي بطرس كبير الحواريِّين ورسول المسيح -عليه السلام- إلى رُوميَة، وبَطْرك الإسكندرية صاحب كرسي مُرقُص الإنجيلي تلميذ بطرس الحواريّ المقدَّم ذكره؛ فنقلوا اسم البابا إلى بَطْرك رُوميَة، وأبقَوا اسم البطرك على بطرك الإسكندرية “([21]).
وفي خزانة الأدب وغاية الأرب أنشد ابن حِجَّةَ الحمويّ (ت837ه) لصلاح الدين الصفديّ من بحر السريع([22]):
أحببتُ بابا حُسْــــــــــنُه بارعٌ يَسْبي من النُّسَّاك ألبابا
أغلقَ في وجهيَ باب الرِّضى فهل تراني أفتـــــــــحُ البابا
وفي شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل للخفاجي(ت1069ه): ” بابا بمعنى مزيِّن عاميَّة قبيحة”([23])، وفي قصد السبيل فيما في اللغة العربيّة من الدخيل للمحبي(ت1111ه): ” بابا بمعنى مزيِّن عامية قبيحة، وكذلك البابا لرئيس الدَّبّاغِين”([24]).
وفي تاج العروس للزَّبيديّ (ت1205ه): ” وبابا : مُولًى للعباس بن عبد المطلب الهاشميّ، وبابا أيضًا مُولًى لعائشة الصديقة رضي الله عنهما. وعبد الرحمن بن بابا أو بَأْباه بزيادة الهاء، وعبد الله بن بابا – أو بابَى بإمالة الباء إلى الياء أو هو بابَيْهِ بالهاء- تابعيُّون… … وأمُّ الفضل بِيبَى – كضيزى- بنتُ عبد الصمد بن عليّ بن محمد الهَرْثميَّة صاحبة الجُزء المشهور”([25]).
ومن النصوص السابقة المتنوِّعة في الزمان والتخصُّص، وممّا يماثلها في التراث اللغويّ والعربيّ نستنتج أن (بابا)- في الاستعمال العربيّ القديم- كلمة ينادَى بها الوالِد أو الولَد؛ ولم يفطن إلى هذا المرحوم أحمد تيمور؛ حيث قال: “بابا : للأب عند الأطفال، واستعملها الخراسانيُّون بمعنى التكريم. وأما بابا المستعمل قديمًا بمعنى الغاسل فقد ذكرناه في (زين) في حرف الزاي”([26])! وعبارته تدلُّ على أن الكلمة ينادَى بها الوالد فقط! وإغفاله لشواهد الكلمة يوحي بأنها عاميَّة محدثة لا أصل لها! في حين استشهد هشام النحاس ببيت العباس بن الأحنف، وعلَّق عليه فقال: ” ومثل العباس بن الأحنف من الذين كانوا بُعيْدَ عصر الاحتجاج يُستأنَس بشواهدهم في كل معجم، ولا يُستغنَى عن ذكرها، وإن لم يقطعوا بالاحتجاج بأقوالهم”([27])، ولو اطَّلع النحاس على النصوص الأخرى لا سيما نصّ القاضي عياض لعلِم أن الكلمة رُويتْ في عصر الاحتجاج.
ومجيء الكلمة في نصوصنا السابقة مسبوقة بأداة النداء (يا) دليل على اسميَّتها؛ ويُفهَم من نصِّ ابن السراج أن كلمة(بابا) جامدة غير مشتقَّة وأن الفعل(بأبأ) حكاية للفظ(بابا) مثل الفعل(دعدعَ) حكاية لقول:(دَعْ)، والفعل(هلَّل) حكاية لقول: (لا إله إلا الله)، وهذا هو المفهوم أيضًا من نص ابن جني([28])، وقول الراغب الأصفهانيّ (ت502ه): ” وقولهم: بأبأ الصبيُّ؛ فهو حكايةُ صوت الصبيِّ إذا قال: بابا”([29])؛ ونستأنس بقول سيبويه (ت180ه): ” وأما قولهم: سبَّح ولبَّى وأفَّف، فإنما أراد أن يُخبرك أنه قد لفظ بسُبحان الله وبلبَّيك وبأفّ؛ فصار هذا بمنزلة قوله: قد دَعْدَعَ وقد بأْبأَ، إذا سمعته يلفظ بدعْ وبقوله: بأبي؛ ويدلك على ذلك قولُهم: هلَّل، إذا قال: لا إله إلا الله “([30])؛ ويصعب الاتفاق مع الدكتور محمد حسان الطيان الذي خلط بين الفعل (بأبأ) والاسم (بابا)؛ فزعم أن (بابا):” اسم من أسماء الأصوات يُروَى على سبيل الحكاية”([31])! ولو صحَّ كلام الدكتور الطيّان لكان (بأبي)- حسب نصّ سيبويه- اسمًا من أسماء الأصوات! وقد حكَى الأصمعيُّ أيضًا: “بأبأتُ الصبيَّ، قلت له: بأبي “([32])، بل ربط القاضي عياض- كما سبق في النصوص التي قدَّمناها- بين(بابا) و(بِيَبا). ومن الطريف أن بعض المصادر أضافت الأمَّ بلفظ: ” بأبأتُ الصبيَّ، إذا قلت له: بأبي أنت وأمِّي”([33])؛ فهل يزعم الدكتور الطيّان أن (أمِّي) اسم من أسماء الأصوات يُروَى على سبيل الحكاية؟! وهل يمنع المتشددون- في ضوء تخريج القاضي عياض- قول الزوج لزوجته أو الزوجة لزوجها: بابا؟
ونستنتج كذلك من نص ابن جني أن الفعل(بأبأ) يُسنَد إلى(الصبيّ) بمعنى: قال: يا بابا، ويتعدَّى إليه؛ فيقال: بأبأ الصبيَّ وبأبأ به؛ ويكون حينئذ بمعنيين؛ الأول: قال له: يا بابا، والثاني: قال له: بأبي؛ لأن الإنسان يستطيع أن يقول لولده: أفديك بأبي، ولكن لا يستطيع أن يقولها لوالده.
وقد قصَّر المعجم الوسيط أشهر معجمات مجمع اللغة المصريّ([34])؛ حيث اكتفى بقوله: ” البابا: الرئيس الأعلى للكنيسة الرومانيَّة الكاثوليكيَّة، وأُطلِق أخيرًا على رئيس الكنيسة الأرثوذكسيَّة أيضًا… … بأبأ بأْبأة وبِئباءً: ردَّد الباءَ في نطقه. و- الصبيُّ: قال: بابا. و- الأبَ الصبيُّ وبه: قال: له: بابا([35]). و- فلانًا وبه: قال له: بأبي أنت. و-لاطفه “([36])! ولا يخفى تقصير المعجم الوسيط في سياقات الفعل (بأبأ) وما يرتبط من هذه السياقات بكلمة(بابا)، وإغفال الوسيط (بابويُّون) أو (بابوات) أو (باباوات) ([37]) جمعًا لكلمة (بابا) لقبًا([38])، وعدم تحلية الوسيط الكلمة بأيِّ رمز من رموزه للدلالة التقريبيَّة على تاريخ استعمال الكلمة([39])، وبجانب هذا التقصير لم يفتح الوسيط مدخلًا لكلمة (بِيبي)، بل لم يتعرَّض لها في مادة (أ ب و) ولا في غيرها!!
ومن النصوص السابقة أيضًا نستدرك على المعجم الوسيط الاستعمال العربيّ القديم: ” مأمأ الصبيُّ أمَّه يمأمئها مأمأةً ” بمعنى: قال لها: يا ماما، والاستعمال ” دَأْدَأْتُ الصَّبيَّ دَأْدَأَة “([40])؛ حيث اكتفى المعجم الوسيط بقوله:” دأدأَ دأدأةً ودِئداءً: أسرع. و- عدا أشدَّ العَدْو. و- في أثَره: تبِعه مُقتفيًا له. و- القومُ: تزاحموا، وأحدثوا جَلَبة. و- الشيءَ: حرَّكه ودَحْرجَه. و- غطّاه… … مأمأتِ الشاةُ أو الظَّبيةُ: واصلتْ صوتها فقالت: مِئْ مِئْ “([41])! ويجب فتح مدخل للفظ(ماما)؛ حتى يتحقَّق زَعْمُ المجمع بأن معجمه الوسيط يحقِّق غرضين ” أحدهما: أن يرجع إليه القارئ المثقَّف ليسعفه بما يسدّ الحاجة إلى تحرير الدلالة للفظٍ شائع أو مصطلح متعارف عليه. والغرض الآخر: أن يرجع إليه الباحث والدارس لإسعافهما بما تمسُّ الحاجة إليه من فَهم نص قديم من المنثور أو المنظوم”([42])، فضلًا عن وصف الوسيط بأنه ” لا سبيل إلى مقارنته بأيِّ معجم من معاجم القرن العشرين العربية… … وهو فوق كل هذا مجدِّد ومعاصِر”([43])!
وقد جاء تعريف (البابا) في المعجم الوجيز – وهو مختصر عن الطبعتين الأولى والثانية للوسيط([44])– شبيهًا بالتعريف المذكور في الطبعة الثالثة للوسيط([45])، في حين جاء المدخل (بأبأ) مختصرًا فيه بلفظ: ” بأبأ بأبأة وبئباء: ردَّد الباء في نطقه “([46])! ولا يخفى الخطأ في حذف السياقات المرتبطة بكلمة (بابا)، وكأنَّ بئباء أهمُّ للطالب المدرسيّ من بابا!!
وعلى الرغم من صدور حرف الباء من المعجم الكبير- وهو أكبر معاجم مجمع اللغة المصريّ([47])– قبل الطبعة الثالثة من المعجم الوسيط نجد في الكبير معاني لكلمة (بابا) أخلَّ بها الوسيط؛ وهذه المعاني تلقي ظلالًا من الضعف والتوهين على معاجم المجمع؛ لافتقارها إلى روح العمل الجماعيّ؛ إذ تعكف كل لجنة على معجم محدَّد بمعزل عن المعاجم الأخرى؛ وتظهر آثار هذه الأثَرَة في المعجم الكبير الذي أعدَّته لجان مجمعيَّة مختلفة الزمان والتخصص([48])!! ويكفي للتمثيل على اضطراب المعجم الكبير وافتقار المعايير الملزمة للجان العاملة فيه مجيء كلمة (بابا) تحت عنوان (الباء الممدودة)؛ وقد وقع هذا الوصف لصوامت أخرى في المعجم الكبير مثل:(الهمزة الممدودة، والحاء الممدودة، والخاء الممدودة)! ولا أدري كيف يوصف الصامت بأنه ممدود، فبم توصف الألف التي بعده([49])؟! ويبدو أن بعض اللجان بالمجمع فطنتْ إلى هذا الخطأ حيث سلم منه الجزء الثالث الخاص بحرفي التاء والثاء، والجزء الثامن الخاص بحرف الذال!
يقول المعجم الكبير:” بابا: (! (pappa(لفظة يونانيَّة الأصل(!) من pappos أو papaps معناها أب) لقِّب به(!) رئيس أساقِفة الإسكندريَّة (بطاركة الكنيسة المصريَّة) منذ أوائل القرن الثالث(!)، ولا يزال لقبهم(!) حتى اليوم، ويسمَّى أُسْقُف الإسكندريَّة: بَطْرِيَرْك الإسكندريَّة والنُّوبة وأَثْيوبيا والمدن الخمس الغربيَّة، وبابا الكَرازَة المُرْقُسِيَّة (خليفة القدِّيس مُرْقُس!)، ولُقِّب به أيضًا أساقفة الغَرب، ثم اختُصَّ(!) به أسقُف رُوما منذ أواخر القرن الحادي عشر(!)، وهو(!)خليفة القِدِّيس بطرس. والنسبة إليه بابويّ. و-: لقَبٌ كان يُطلق على من يتعاطى الغَسْلَ والصَّقْل للثياب وغيرِ ذلك في العصور الوسطى الإسلاميَّة. و-: اسمٌ لعدد من الموالي، منهم: مولى العبّاس بن عبد المطلب الهاشميّ”، ثم تحدَّث الكبير عن (البابويَّة)، وفتح مدخلًا للعالم الدينيّ ” بابا السودانيّ: أحمد بابا التُمْبُكْتِيّ”.
وليس في المعجم الكبير إضافةٌ ذات بال، بل فاته من معاني كلمة (بابا) ما فاته؛ ولو وسَّع الكبير من مصادره لأفاد من النصوص المتنوِّعة التي قدَّمناها، والعجيب أن المعجم الكبير- وهو صادر عن مؤسَّسة لغويَّة- لم يُفِد من المعاني التي ذكرها أحمد تيمور في معجمه([50])، ولا رينهارت دوزي في تكملة المعاجم العربيَّة([51])! ويؤخذ على الكبير اقتصاره على صيغة ((pappa ([52])، وجرأتُه في جعْل الكلمة يونانيَّة الأصل([53])! ولو قال: إن الكلمة من التوافقات اللغويَّة أو الألفاظ المشتركة بين اللغة العربيَّة ولغاتٍ أخرى، لكان أسلم.
ويلفت النظر في نص المعجم الكبير الإحالة بالضمير المذكَّر(به) إلى المؤنَّث (لفظة) وبضمير الجمع في (لقبهم) إلى المفرد(رئيس)! ويلفت النظر كذلك عبارة (خليفة القدِّيس مُرْقُس)! ولو أضاف الكبير عقبها عبارة (وفق العقائد الأرثوذكسيَّة) لكان أكثر احترازًا. ولا يخفى التناقض بين عبارة (ولا يزال لقبهم حتى اليوم) مع عبارة (ثم اختُصَّ به أسقف روما) ([54])! ولا يخفى التطويل في استعمال الضمير (وهو)، وكان الأسلم التعبير بلفظ: ( أسقُف روما- خليفة القديس بطرس وَفق العقائد الكاثوليكيَّة- منذ أواخر القرن الحادي عشر…). وفي مقابل التطويل نلاحظ الاختصار المعيب بإطلاق التاريخ دون تقييد بالتقويم الهجريّ والميلاديّ!
ويلفت النظر أيضًا عجز المعجم الكبير عن الاستشهاد بشاهد نثريّ أو شعريّ من الشواهد التي وردت فيها كلمة(بابا) حتى شواهد الشعراء المحدثين مثل أمير الشعراء شوقي الذي استشهد بشعره المعجم الكبير في غير موضع ([55])! ومن العجيب كذلك اكتفاء الكبير في مدخل (بابا السودانيّ) بالشهرة (التمبكتي) دون إشارة إلى (الطمبقتي) أو (التنبكتي) ([56])! وضبطُه (مُراكش) بضم الميم، وكأنه يعتمد في الضبط على أفواه العامَّة([57])! بل أهمل الكبير بعض المداخل الأكثر شهرة وارتباطًا بكلمة(بابا) مثل: بابا غنُّوج([58])، وبابا نويل([59])، وعلي بابا([60])، ويونس بن بابا([61])!
وفي مادة (ب أ ب أ) فطن المعجم الكبير إلى أن الفعل(بأبأ) لا يُسنَد إلى(الصبيّ) فقط؛ بل يتعدَّى إليه؛ فقال: ” بأبأ بالصبيِّ: قال له: بابا… … و- الصبيُّ أباه: قال له: بابا. و- الأبُ طِفْلَه: قال له: بابا”([62])، وإن كنتُ لا أرى مدعاة إلى استبدال الطفل بالصبيّ؛ فهذا الاستبدال يوهم اختصاص الصبيّ بالفاعليَّة والطفل بالمفعوليَّة؛ وقد سبق النقل عن نوادر أبي زيد بلفظ: ” بأبأ الصَّبيُّ أباه وبأبأه أبوه: إذا قال له: يا بابا”([63])، بل ورد عن العرب: بأبأتُ الصبيَّ وبأبأتُ به، قلتُ له: بأبي أنت وأمي([64])، وقد غفل المعجم الكبير عن هذا المعنى! ومن التقييد المعيب كذلك إجمال المعجم الكبير في مفتتح مادة(ب أ ب أ) معاني المادة في معنيين فقط هما ترديد صوت الباء، والسرعة! فأين معانى الملاطفة والنداء والأبوَّة التي ذكرها الكبير نفسه داخل المادة؟!
وأمّا كلمة (بِيبي) فلم يفتح لها المعجم الكبير مدخلًا، ولم يذكر شيئًا من شواهدها التي قدَّمناها على الرغم من مجيء بعض هذه الشواهد في المعاجم التي يستقي منها المجمع أو يجترُّ([65])! واكتفى الكبير- ويبدو أنه كبير في سقطاته- بقوله: “ويقولون: بأبي أنت، أي فداؤك أبي، قال أبو تمام … … ويقال: بِيَبي أنت، بإبدال الهمزة ياء”! ولا يخفى عليك سوء علامات الترقيم قبل (أي) وبعدها، ولكن قد يخفى عليك- أعزَّك الله ورزقك الإنصاف- أن المعجم الكبير وضع هذا الكلام وكل ما يتعلَّق بمادة (أ ب و) تحت (أ و ب)! فكن على حذر- نجَّاك الله- من المعجم الكبير- لا سيَّما الأجزاء التي يصنعها المجمع الآن (2020م) على عَجَل كي ينتهي المعجم في عهد رئيس المجمع الدكتور حسن الشافعيّ الذي بلغ من العمر تسعين عامًا، ولكي يبدأ المجمع- أو يتورَّط- في المعجم التاريخيّ اعتمادًا على وعود بالتمويل من حاكم إمارة الشارقة!!
وإذا كانت كلمة (بابا) قد حظيتْ بالتوسيع الدلاليّ من سياق النداء للولَد أو الوالد إلى سياق الدلالة المطلقة على الوالد وإن لم يكن ثمة نداء، وإلى سياق اللقب لإحدى المهن أو الدلالة على اسم شخص([66]). وحظيتْ كذلك في اللهجات المعاصرة بالرقيّ الدِّلاليّ في مقابل مرادفاتها اللغويَّة، فقد تطوَّرتْ صوتيًّا أيضًا بتفخيم الباءين(papa) في معظم اللهجات المعاصرة – تقليدًا أو تأثُّرًا بلهجات أجنبيَّة أو باللقب المسيحيّ الذي فُخِّمت الباءان فيه منذ قرون([67])– واكتفتْ بعض اللهجات المعاصرة بالمقطع الأول (با)([68]).
ولكنَّ كلمة(بِيبي) مرَّت بأكثر من تطوُّر صوتيّ؛ فأصلها في كلام العرب الفصحاء (بأبي أنت)؛ ثم استثقلتْ بعض اللهجات ياء المتكلِّم بعد الكسرة مع كثرة الاستعمال- فنطقتْ الكلمة(بِأبا)، وكأنَّ ياء المتكلِّم من أصل الكلمة مثل(حُبلى)، أو لعل هذا التطور نظير: يا لَهْفا، ويا وَيْلتا، ويا حَسْرتا، ويا أبتا([69]). واستثقلتْ بعض اللهجات الهمزة في (بأبي)؛ فليَّنتْها؛ لتصير (بِيَبي)، وجمعتْ بعض اللهجات بين التطوُّريْن؛ لتصير الكلمة (بِيَبا). وقد حدثت التطوُّرات الثلاثة على ألسنة الفصحاء دون تأثير على الكمّ المقطعيّ والشكل المقطعيّ للكلمة (بِ/ أَ / بِي) = (بِ/ أَ / با) = (بِ/ يَ / بِي) = (بِ/ يَ / با)، ولكنَّ بعض الفصحاء- حسب ما سبق نقله عن القاضي عياض تعليقًا على حديث أم المؤمنين حفصة- قالوا: (بابا)؛ وهذا التطوُّر جعل الكلمة ثنائيَّة المقطع Disyllabic، وأثَّر على الشكل المقطعيّ للكلمة (با/ با).
وفي أواخر القرن الثالث الهجريّ وأوائل القرن الرابع الهجريّ قالت العامَّة:(بِيبِي)([70])، وقد يكون هذا النطق تخلُّصًا من فتحة الياء في (بِيَبي) الفصيحة؛ لتصبح (بِي/ بِي).ومن المعلوم أن التخلُّص من الحركات القصيرة(short vowels) نوع من الاقتصاد في النطق وفقًا لقانون السهولة والتيسير، ونظائره كثيرة في العربيَّة الفصحى وفي تراث لحن العامة مثل(مرَض)، و(مرْض)([71])، وقد يكون نطق العامة قياسًا على (بابا) الفصيحة من أجل تخفيف عدد مقاطع الكلمة إلا أن العامة اختارت الكسرتين الطويلتين في مقابل الفتحتين الطويلتين. وربما ظنَّت العامة أن الكلمة أصلها (حَبيبي) = (حَ/ بِي/ بِي)؛ فلجأت إلى التخلُّص من المقطع الأول ذي الصوت الحلقيّ مثل التخلُّص من الصوت الحنجريّ في: (حَدُّوثة وأُحْدُوثة)، و(سِنان وأَسنان)، و(حِراح وأَحْراح)([72])، ونستأنس باللهجات العربيَّة المعاصرة؛ حيث تُنادَى الجَدَّة في بغداد والمدن الكبرى مثل الموصل بلفظ: (بِيبِي)، وتُنادَى في جنوب العراق بلفظ:(حَبُّوبتي)، وتُنادَى في غرب العراق بلفظ:(حَبّابة)، ومن الطريف أن أهل بغداد يضيفون تاء وياء في غير النداء فيقولون: (هذه بِيبيتي)، بل أصبح (بِيبِي) في بعض مناطق دولة الكويت عَلَمًا لبعض الإناث شائعًا معتمدًا في شهادات الميلاد والسجلَّات الرسميَّة([73])، ومن الطريف كذلك أن كلمة(بيِ بيِ) تعني في اللغة الفارسيَّة سيدة، وجَدَّة، وورقة الملكة في أوراق اللعِب([74])؛ وأيًّا ما كان فإنَّ نطق العامَّة(بِيبِي) الذي وصفه أبو بكر بن الأنباريّ بأنه ” خطأ بإجماع ” جزءٌ من تراث لحن العامَّة الذي يراه علماء اللغة المُحدَثون مظهرًا من مظاهر تطوُّر اللغة وثرائها، وموردًا من موارد معجمها التاريخيّ([75]).
وبعد؛ فما الصلات التاريخية بين(papa ) في الإنجليزية والفرنسيَّة وبين قول العرب قديمًا للوالد: بابا، وهل ثمَّة اقتراض بين (baby) أو (babe) أو (bébé) في اللغتين بمعنى طفل أو وليد أو رضيع وبين قول العرب قديمًا للولَد: بابا ([76])؟ لستُ ممَّن يدَّعون أن اللغة العربيَّة أمّ اللغات الحيَّة أو أصل اللغات كلِّها أو أن كل اللغات الآريَّة والساميَّة والحاميَّة كان أصلها لهجات عربيَّة تولَّدتْ عنها وتطوَّرت فيما بعد بحسب البيئات والحاجيات ثم تعمَّقتْ كلغات مستقلَّة على مرِّ العصور ([77])! ولستُ ممَّن ينكرون الاقتراض بين اللغة العربيّة واللغة اللاتينية التي عبَّر عنها اللغويُّون القدماء باللغة الروميَّة([78])، ولكنِّي ممَّن يرون أن البحث التاريخيّ للألفاظ لا يستطيع الجزم ببداية استعمال لفظ معيَّن في لغة معيَّنة، ولا بكون المتأخِّر مردودًا على الأول؛ فربما كان اللفظ الأعجميُّ عربيًّا في عصور مُوغِلة في القِدَم ثم حدث الاقتراض بحكم المجاورة والاتصال، ثم عاد إلى العربية في ثوب أعجميّ نطقًا وكتابة ودلالة.
وفي ضوء البحث المعجميّ التاريخيّ نستطيع القول بأن نداء الوالد والولَد بلفظ(بابا) عربيّ قديم، وأن اللفظ أُطلق أيضًا في العربيّة قديمًا على الوالد في غير نداء، وعلى بعض الألقاب والمِهَن، ولكنَّ الجهل بالتراث اللغويّ العربيّ أدَّى إلى نطق الكلمة بالباء المفخَّمة تقليدًا لنطقها في اللغات الأجنبيَّة! ونستأنس- بجانب النصوص التي قدَّمناها دليلًا على قِدَم اللفظ في العربيَّة- ببقايا النطق العربيّ الفصيح في بعض اللهجات العربيَّة الحديثة؛ ففي دولة الجزائر الشقيقة ينطق كثير من أهل العاصمة وضواحيها كلمة (بابا) بالباء العربيَّة المرقَّقة ((baba، وإن نطق بعضهم- لا سيَّما طبقة الشُّبّان والأثرياء– بالباء الأجنبيَّة المفخَّمة papa)) تقليدًا للغة الفرنسية أو تأثُّرًا بها([79]).
ونقول أيضًا: إن لفظ(بِيبِي) ذو أصول عربيّة قديمة في سياق الأبوَّة والتودُّد والملاطفة، ولكنَّ إحساس العربيّ المعاصر بالدُّونيَّة تجاه لغته العربيَّة الباسلة ساقه سَوْقًا إلى تقليد الاستعمال الأجنبيّ الدارج في بعض الأعمال السينمائية الأجنبيَّة، وكأنَّ العربيَّة عقيمة في مفردات التودُّد والحبّ، ولم يكتفِ العربيُّ المعاصر بتقليد الاستعمال الدارج بإمالة الياء الأولى، بل وظَّفه في محظور لغويّ taboo مثل:(بيبي دول)([80])!! إننا في حاجة إلى تعريب العقول والقلوب قبل تعريب الألسنة والسطور.
([1]) دراسات في فقه اللغة- د.صبحي الصالح – دار العلم للملايين- بيروت- لبنان ط8/1980م.ص314: 315 (بتصرُّف).
([2]) شرح ديوان العباس بن الأحنف شاعر الحب والفتنة والجمال- شرحه وحقَّقه وعلَّق عليه الأستاذ عبد المجيد الملّا- مطبعة عبد الحميد أحمد حنفي- مصر ط1/1947م.ص26، وراجع ديوان العباس بن الأحنف- مطبعة الجوائب- قسطنطينية ط1/1298ه. ص11، 12. وفي طبعة دار صادر- بيروت- لبنان ط/1965م.ص32 وقع البيت الأخير بلفظ (الغِرَّة) بدلًا من (العِزَّة)!
([3]) معاني القرآن للفراء- عالم الكتب- بيروت- لبنان ط3/1983م. جـ1/4.
([4]) من بحر الرجز، والكعثب من نعوت النساء، وراجع الأبيات بترتيب مضطرب في: الزاهر في معاني كلمات الناس لأبي بكر بن الأنباري- تحقيق د.حاتم صالح الضامن- اعتنى به عز الدين البدوي النجار- مؤسسة الرسالة- بيروت- لبنان ط1/1992م. جـ1/162.
([5]) من بحر الطويل، وفيهما جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وجاء البيتان- مع خلاف يسير في بعض الألفاظ – مفصوليْن ببيت بينهما بلفظ: (وا بأبا هما) منسوبيْن إلى دَرْنا بنت سيار في أشعار النساء للمرزباني(ت384ه)- تحقيق سامي العاني وهلال ناجي- دار الرسالة للطباعة- بغداد- العراق ط1/1976م.ص175. وفي مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض (ت544ه)- المكتبة العتيقة- تونس، ودار التراث- القاهرة ط1/1333ه. جـ1/13 بلفظ: (يا بِيَبا هما). وفي لسان العرب لابن منظور (ت711ه)- دار صادر- بيروت- لبنان ط1/2000م.(أ ب و) جـ1/45 وقع البيت الثاني قبل الأول بلفظ:(وا بِيَبا هما)، وفيه أيضًا نسبة الشعر إلى ” دُرْنَى(!) بنت سيّار بن ضَبْرة ترثي أخويها، ويقال: هو لعَمْرة الخَثْعمية”.
([6]) في المطبوع: ” بأبا أنت وأمي”! والسياق يقتضي (بأبي أنت وأمي).
([7]) النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري- تحقيق ودراسة د.محمد عبد القادر أحمد- دار الشروق- بيروت ط/1980م.ص365، 395 والبيت الأخير من الرجز.
([8]) من باب تسمية الشيء باسم أوّله؛ حيث بدأه أبو زيد بقوله: ” سُؤتُه مَساءةً ومَسائيَةً وسَوائيَةً”.
([9]) النوادر ص597، وأشار محقِّقه إلى مجيء الكلمتين الأخيرتين في إحدى النسخ بلفظ: ” سَكَّتُّه تسكيتًا ” بالتاء. وما بين المعقوفين وقع بلفظ: “ويبأبيء “! و كلمة (مأمأة) مرتبطة بالفعل (مامأ)؛ ففي الكلام شيء من التبديل!
([10]) كذا بإسقاط أداة النداء (يا)! راجع الأفعال للسرقسطيّ– تحقيق د.حسين محمد شرف- مطبوعات مجمع اللغة العربية- القاهرة- مصر ط1/75- 1980م. جـ4/133.
([11]) البيان والتبيين – تحقيق وشرح عبد السلام هارون- مكتبة الخانجي- القاهرة- مصر ط5/1985م. جـ1/62، وسبب بدء الطفل بهذين الصوتين موضع نقاش بين علماء الأصوات المحدثين؛ حيث رأى بعضهم أن الطفل يقلِّد حركة الشفتين التي يراها عند سماعه هذين الصوتين! ورأى آخرون أن عضلات النطق بهذين الصوتين هي نفسها العضلات التي يستخدمها الطفل في الرضاعة؛ راجع: الأصوات اللغوية- د.إبراهيم أنيس- مكتبة الأنجلو المصريَّة- القاهرة- مصر ط5/1979م. ص 216 – 217.
([12]) في المطبوع: (بباء تحتانيّة)!! والسياق يؤكِّد ما أثبتناه، وراجع: شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لابن مالك(ت672ه)- تحقيق د.طه محسن- إحياء التراث الإسلاميّ(66) – وزارة الأوقاف والشئون الدينية- – العراق ط1/1985م.ص257.
([13]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري- دار المعرفة- بيروت- لبنان ط1/1379ه-كتاب الحيض- باب شهود الحائض العيدين ودعوةَ المسلمين، ويعتزلن المصلَّى- حديث 324- جـ1/424.
([14]) مشارق الأنوار للقاضي عياض ص13. وقوله: ” وسكَّن الياء ” معناه: قلَب الياء ألفًا. وهناك خطأ مطبعيّ فاحش يوهم وجود رواية سادسة بلفظ: (بأبأ)؛ راجع هذا الخطأ في: شرح صحيح البخاري لابن بطّال(ت449ه)- ضبط نصَّه وعلَّق عليه أبو تمام ياسر بن إبراهيم- مكتبة الرشد- الرياض- السعودية ط1/2000م. جـ1/451، والتوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقِّن (ت804ه)- تحقيق دار الفلاح للبحث العلميّ وتحقيق التراث- وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية- قطر ط1/2008م. جـ5/117.
([15]) رسالة الاشتقاق – تحقيق محمد علي الدرويش ومصطفى الحدري-(د.ن)- دمشق ط/1972م.ص31، وقرأ المحققان (الصبيّ) بالضم؛ وعلَّقا فقالا: ” أي: إذا قال لوالده “؛ وكأن الفعل لا يتعدَّى إلى الصبيّ؛ ولكن ماذا أنتظر ممَّن ترجما لابن السراج ص13 اعتمادًا على كتاب المدارس النحوية لشوقي ضيف!!
([16]) راجع الزاهر جـ1/162، وسيأتي تعليقي على قوله: ” خطأ بإجماع” ! ولا يزال كثير من الباحثين يضعون على صوت المدِّ سكونًا تأثرًا بوصْف القدماء لأصوات المدّ بأنها سواكن!! ولكنَّ علم الأصوات الحديث يرى أن أصوات المدِّ حركات، راجع مقالي: الحرف الممدود بين المجاز والوهم – عدد المحرم- مجلة الأزهر- مجمع البحوث الإسلاميَّة- القاهرة- مصر ط/1438ه.ص150.
([17]) ووقع في بعض المصادر بلفظ: (ألا بِيَبا)؛ راجع: مشارق الأنوار للقاضي عياض ص 13، والمجموع المغيث في غريبَي القرآن والحديث للمديني(ت581ه)- تحقيق عبد الكريم العزباوي- مركز البحث العلميّ وإحياء التراث الإسلاميّ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، ودار المدني- جدة- السعودية ط1/86- 1988م. جـ1/25.
([18]) كتاب المجروحين- تحقيق محمد إبراهيم زايد- دار الوعي- حلب- سوريا ط2/1402م.جـ1/48.
([19]) سر صناعة الإعراب- دراسة وتحقيق د.حسن هنداوي- دار القلم- دمشق- سوريا ط1/1985م. جـ1/233، وما بين المعقوفين وقع بلفظ: [فلا لَيْتَ]، و[فلَوْ لَيْتَ]!! وراجع جـ2/745.
([20]) مُعيد النِّعَم ومُبيد النِّقَم – حقَّقه وضبطه وعلَّق عليه محمد علي النجار وأبو زيد شلبي ومحمد أبو العيون- مكتبة الخانجي- القاهرة، ومكتبة المثنى- بغداد ط1/1948م. ص138.
([21]) صبح الأعشى- مصوَّرة عن الطبعة الأميرية- المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر- وزارة الثقافة والإرشاد القوميّ- القاهرة- مصر ط/ 1963م.جـ5/470: 472 وما بين المعقوفين ينكره كثير من المعاصرين؛ حيث يرون أن الأفصح استعمال (بمنزلة) بدلًا من (بمثابة)، واستعمال( مقصور على) بدلًا من (قاصر على)! وسيأتي – عند انتقادنا للمعجم الكبير أكبر إصدارات مجمع اللغة المصريّ أن (باب)، و(بابا) في الفارسيّة بمعنى أب؛ فيجب الربط بنص القلقشندي.
([22]) خزانة الأدب- تحقيق عصام شعيتو- دار ومكتبة الهلال- بيروت- لبنان ط1/1987م. جـ2/163 بلفظ: (بابًا)! و(سبَى)! والصواب(بابا) كما في شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل- المطبعة الوهبية- مصر ط1/1282ه. ص48؛ حيث أنشد الخفاجي البيتين شاهدًا على مجيء (بابا) بمعنى مزيِّن أو الذي يغسل الثياب، وراجع البيتين في قصد السبيل للمحبي- تحقيق وشرح د.عثمان محمود الصيني- مكتبة التوبة- الرياض- السعودية ط1/1994م. ص233.
([25]) تاج العروس– تحقيق مجموعة من الأساتذة – التراث العربيّ(16) – سلسلة تصدرها وزارة الإعلام(الإرشاد والأنباء) – مطبعة حكومة الكويت – الكويت ط/1965-2001م. (ب و ب)، (ب ي ب)جـ ـ2/52، 54، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي(ت1374هـ) – تحقيق شعيب الأرنؤوط وزملائه – مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان ط3/1986م.جـ18/403 (بِيْبَى) بسكون على الياء بعد كسرة الباء! وهذا السكون خطأ في نظر علم الأصوات الحديث. ولكنَّ الفريوائي ضبطَ الاسم بلفظ (بيْبي) بياءين الأولى منهما ساكنة ولم يعبأ بضبط الزَّبيديّ!! راجع: جزء بيْبي(!) بنت عبد الصمد الهرويّة الهرثمية عن ابن أبيْ(!) شريح عن شيوخه- حققه وخرَّج أحاديثه عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي- دار الخلفاء للكتاب الاسلامي(!)- ط1/1986م. ص8، ويُربَط هذا بمقالي: قيمة الغلاف في التأليف العربيّ- العدد 15 – مجلة الربيئة- نادي الرقيم العلميّ- جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريِّين- الجزائر ط/2019م.
([26]) معجم تيمور الكبير في الألفاظ العاميَّة- إعداد وتحقيق د.حسين نصار- مركز تحقيق التراث- دار الكتب والوثائق القوميَّة- القاهرة – مصر ط/2002م. (حرف الباء) جـ2/93، وراجع (حرف الزاي) جـ4/62: 63.
([27]) معجم فصاح العامية- مكتبة لبنان ناشرون- بيروت- لبنان ط1/1997م. ص93، 149: 150.
([28]) مع الاعتراف بأن (غاقِ) في نص ابن السراج، و(الحروف) و(الأصوات) في نص ابن جني ممّا يوهم أن (بابا) مثل(غاقِ)!
([29]) المفردات في غريب القرآن- مكتبة نزار مصطفى الباز- مكة المكرمة- السعودية ط1/1997م. (أبا) ص7.
([30])كتاب سيبويه- تحقيق وشرح عبد السلام هارون- مكتبة الخانجي- القاهرة- مصر ط3/1988م. جـ1/354.
([31]) كتابه: تحت راية العربية، بحوث ومقالات في العربية ورجالاتها – دار الثقافة والتراث- دمشق- سورية ط1/2008م.ص386، ويصعب الاتفاق معه في قوله ص387 إن العرب ” حاكَوا صوت الغراب فقالوا: غاقِ… … وزجروا البغل فقالوا: عَدَسْ… … بل لقد تعدَّوا ذلك إلى تسمية صاحب الصوت باسم صوته المنسوب إليه؛ فسمَّوا الغراب غاقِ، والبغل عدَسْ “!! وليس (عَدَسْ) صوتًا للبغل؛ ولكنه يُزجَر به أو يُصوَّتُ له به؛ راجع: شرح المفصل لابن يعيش(ت643هـ)– عالم الكتب- بيروت، ومكتبة المتنبى– القاهرة– مصر(د.ت). جـ 4/79، وجامع الدروس العربية- مصطفى الغلاييني- منشورات المكتبة العصرية- صيدا- بيروت- لبنان ط26/1992م. جـ1/159.
([32]) الأفعال للسرقسطيّ جـ4/133، وراجع جمهرة اللغة لابن دريد(ت321ه)- تحقيق د.رمزي منير بعلبكي- دار العلم للملايين- بيروت- لبنان ط1/1987م. (ب أ ب أ ) جـ1/226 بلفظ: ” بأبأتُ بالصبيِّ، إذا قلت له: بأبي”، وراجع المحكم لابن سيده (ت 458هـ) – تحقيق د. عبد الحميد هنداوى – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ط1/2000م جـ10/ 553 بلفظ:” بأبأتُ الرَّجلَ وبأبأتُ به: قلتُ له: بأبي، أو بأَبا”.
([33]) الصحاح للجوهريّ(ت بعد 393 هـ)- تحقيق أحمد عبد الغفور عطار- دار العلم للملايين- بيروت- لبنان ط3/1984م. (ب أ ب أ) جـ1/34، وستأتي مصادر أخرى عند انتقادي لمادة (ب أ ب أ) من المعجم الكبير الصادر عن مجمع اللغة المصريّ.
([34]) لا أزال أحذِّر الباحثين والمحقِّقين من الرجوع إلى الطبعات المدلَّسة للمعجم الوسيط مثل الطبعة الصادرة باسم(الطبعة الرابعة 2004 – 2005م) عن مكتبة الشروق الدَّوليَّة بعلم المجمع المصريّ ومباركته وتصدير رئيسه الأسبق الدكتور شوقي ضيف، ومثلها الطبعة المدلَّسة الصادرة عن دار الدعوة ونقلتْها عنها المكتبة الإلكترونية الشاملة، ومثلهما في التدليس الطبعة الصادرة عن المكتبة الإسلامية بإستانبول بدون تاريخ! وأقول: إن هذه الطبعات صورة من الطبعة الثانية للمعجم الوسيط؛ ولا يصح الاعتماد عليها لوجود أخطاء فاحشة لا يقع فيها الشداة والمبتدئون؛ وقد أصلح المجمع كثيرًا من هذه الأخطاء والسقطات في الطبعة المجمعيّة الثالثة. وإنه ليحزنني رجوع بعض المتخصصين إلى هذه الطبعات المدلَّسة؛ راجع أسماءهم تحت عنوان (خامسًا: تاريخ النشر) في مقالي: قيمة الغلاف في التأليف العربيّ- العدد 15- مجلة الربيئة- نادي الرقيم العلميّ- جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين- الجزائر ط/2019م، وراجع كتابي: من المعجم الخليليّ إلى المعجم التاريخيّ نظرات في المعجم العربيّ- الحضارة للنشر- القاهرة- مصر ط1/2017م.ص89.
([35]) لا قيمة للنقطتين الرأسيَّتين بعد الفعل قال؛ إذ تكفي النقطتان قبل المفعول؛ ولعل المجمع يصلح هذا الخطأ في الطبعة القادمة التي يعكف عليها منذ خمسة عشر عامَا!
([36]) المعجم الوسيط- مطبوعات مجمع اللغة العربية- القاهرة- مصر ط3/ 1985م.(ب ا ب ا)، و(ب أ ب أ) جـ1/37.
([37]) ذكر الجمع الأول بطرس البستاني في محيط المحيط – مكتبة لبنان ناشرون- بيروت- لبنان ط/1998م.ص25. وجاء الجمعان الثاني والثالث في معجم اللغة العربية المعاصرة للدكتور أحمد مختار عمر بمساعدة فريق عمل كنتُ واحدًا منهم – عالم الكتب- القاهرة- مصر ط1/2008م.(ب ا ب ا) جـ1/153،
([38]) قد يدافع المجمع عن نفسه بأنَّ معاجمه تذكر جموع التكسير فقط لقياسيَّة الجمع السالم وقدرة مستخدِم المعجم على معرفته! ولكنَّ هذا الدفاع مردود على المجمع لسببين؛ أولًا: أن المعجم- أيَّ معجم- مطالب بذكر الجمع السالم في حالة فِقدان جمع التكسير أو غرابته، أو اختلاف صورة الجمع السالم عن القاعدة المحفوظة؛ وقد تحقَّقت الحالتان الأولى والثالثة في كلمة (بابا)؛ فكان منطق الأمور يقتضي من المعجم الوسيط ذكر الجمعين السالمين. ثانيًا: جمعَ المعجم الوسيط كثيرًا من الكلمات جمع مؤنث سالمًا مثل: أداة، وجَمْرة، والحَرّاقة، والمحطَّة، وحكاية (لم يجمعها في مادتها وجمعها على حكايات في تعريف السَّمَر: س م ر ص465!)، والخطوة، والغزوة( لم يجمعها في مادتها وجمعها على غزوات في تعريف السِّيرة: س ي ر ص458!) بل جمع المعجم الوسيط بعض الكلمات جمع مذكَّر سالمًا مثل: الحَواريّ، وجعل بعض مداخله بصيغة الجمع السالم دون ذكر المفرد مثل مدخل(الإرهابيّون)! وناقض نفسه فجعل مدخل (المتشرِّد) بصيغة المفرد دون ذكر الجمع! وخلَت الطبعة الثالثة للوسيط من كلمة (المشرَّد) بدعوى القياسيَّة!!
([39]) زعم الوسيط في مقدِّمته أنه استعمل الرمز(مو) للمولَّد، والرمز(مع) للمعرَّب، والرمز(د) للدخيل، والرمز(مج) للفظ الذي أقرَّه مجمع اللغة العربيّة، والرمز(محدثة!) للفظ الذي استعمله المحْدثون في العصر الحديث وشاع في لغة الحياة العامّة!
([40]) ونستدرك هذا الاستعمال أيضًا على حرف الدال الذي صدر من المعجم الكبير أكبر معجمات المجمع المصريّ؛ حيث جاء في (د أ د أ) ص20: ” دادأَ الشيءَ: حرَّكه ليسكُن(!)… … تدأدأَ الشيءُ: مطاوع دأدأ. يقال: دأدأه فتدأدأ. أي: حرَّكه فتحرَّك، وسكَّنه فسكَن”؛ فانظر- نصرك على من ظلمَك- إلى التناقض بين الفعل ومطاوعه، ولا يخفى عليك سوء علامات الترقيم! ولا يخفى عليك أيضًا أن (dad) و (dada) و(daddy) تعني في الإنجليزيَّة (بابا، والد).
([41]) المعجم الوسيط(د أ د أ) جـ1/277، (م أ م أ) جـ2/ 886.
([42]) مقدمة المعجم الوسيط ط2/5، ط3/ 7، وراجع المقدمة ط1/10، ط3/12 حيث افتخر المجمع بفتح باب الوضع للمحدَثين، وإطلاق القياس، وتحرير السماع من قيود الزمان والمكان، والاعتداد بالألفاظ المولَّدة وتسويتها بالألفاظ المأثورة عن القدماء.
([43]) تصدير المعجم الوسيط ط1/ 8 ، ط3/11.
([44]) صدرت الطبعة الأولى عام 60-1961م، والطبعة الثانية عام 1972م، والطبعة الثالثة عام 1985م. وليس صحيحًا قول الدكتور عمرو محمد فرج مدكور إن الطبعة الثانية ظهرت عام 1980م؛ ويبدو أنه لم يفرِّق بين تاريخ صدور الطبعة وبين النُّسَخ الأخرى التي يعاد طبعها من الطبعة نفسها؛ ولا شك أن المجمع مسئول عن هذا اللبس! وقد بنى عمرو مدكور على هذا الخطأ خطأ آخر؛ حيث زعم أن المعجم الوجيز مختصر عن الطبعة الأولى للوسيط! ونحن نرى تقييد الاختصار بالأولى تضييقًا؛ فالوجيز صدر عام 1980م؛ أى بعد بضعة أعوام من الطبعة الثانية للوسيط، ونستأنس بكلمة المسطرين؛ حيث رُسِمتْ في الطبعة الثالثة للمعجم الوسيط صورتان تحت الكلمة توهمان أنها مثنى، وكأن الواحد مسطر! في حين اكتُفي في الطبعتين الأولى والثانية للوسيط، وكذلك في المعجم الوجيز بصورة واحدة؛ لتتفق الصورة مع المعنى الذي فوقها! راجع بحث عمرو مدكور للدكتوراه: معاجم مجمع اللغة العربية، دراسة لغوية في المادة والمنهج – دار العلوم- جامعة القاهرة – مصر ط/1998م. ص 15: 16، وراجع كتابه: المعجم العربيّ المعاصر – دار البصائر- القاهرة- مصر ط1/2008م. ص55: 56، وراجع تصدير الدكتور إبراهيم مدكور للمعجم الوسيط ص3، 6.
([45]) ليس في تعريف الوجيز كلمة (الرومانيَّة)!
([46]) المعجم الوجيز- مجمع اللغة العربيَّة- طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم- القاهرة- مصر ط/1990م.(ب ا ب ا)، و(ب أ ب أ) ص33.
([47]) فى عام 1956م نشر المجمع جزءًا من هذا المعجم عدَّه مجرَّد تجربة دعا المتخصِّصين فى اللغة من عرب ومُستعربين إلى قراءتها وتسجيل ما يمكن أن يلاحظوه عليها، وفى عام 1970م صدر الجزء الأول الذى يضم مداخل حرف الهمزة، وتلته حروف أخرى (حرف الباء) ط1/1981م،و(حرفا التاء والثاء) ط1/1992م،و(حرف الجيم) ط1/2000م،و(حرف الحاء) ط1/2000م،و(حرف الخاء) ط1/2004م،و(حرف الدال) ط1/2006م،و(حرف الذال) ط1/2008م،و(حرف الراء- ق1) ط1/2012م،و(حرف الراء- ق2) ط1/2015م، و(حرف الزاي) ط1/2019م! مع ملاحظة أن الحرف قد يُكتَب عليه- لأسباب إداريَّة غير علميَّة- تاريخ سابق على تاريخ صدوره إلى القراء، فضلًا عن إعادة طبع بعض الأجزاء(الحروف) بتاريخ جديد، وقد أعيد طبع حرف الباء عام 2006م.
([48]) أشار الدكتور أحمد مختار عمر– وهو يومئذ عضو بالمجمع- في نهاية كتابه صناعة المعجم الحديث إلى بعض عيوب المجمع، وقدَّم بعض الاقتراحات والحلول؛ ولكنَّ المجمع لم يأخذ برأيه!!
([49]) والأسلم وصف القاف في (قال) بأنها قاف متبوعة بمدّ، ووصف الألف بأنها حرف مدّ أو ممدود؛ راجع مقالي: الحرف الممدود بين المجاز والوهم ص151.
([50]) معجم تيمور الكبير في الألفاظ العاميَّة (حرف الباء) جـ2/93،(حرف الزاي) جـ4/62: 63، (حرف الكاف) جـ5/269.
([51]) تكملة المعاجم العربية- رينهارت دوزى- نقله إلى العربية د. محمد سليم النعيمىّ وجمال الخياط- مطبوعات وزارة الثقافة – بغداد- العراق ط/78- 2001م.(بابا) جـ1/225: 226.
([52]) المورد، قاموس إنكليزيّ عربيّ- منير البعلبكي- دار العلم للملايين- بيروت- لبنان ط38/2004م. ص655 بلفظ: ” papa أب بلغة الأطفال “، وفي المنهل قاموس فرنسيّ عربيّ- د.سُهيل إدريس- دار الآداب- بيروت ط29/2001م. ص867: ” papa بابا (أب في لغة الأطفال) “؛ فلماذا لم يذكر المعجم الكبير هذا المقابل أو المقابل ( pope)؟ ولماذا لم يذكر (papacy) أو ( popery) مقابلًا للبابويَّة؟! وراجع: The Concise Oxford Dictionary of English Etymology, Date: 1996.
([53]) قد يرى البعض أن الكلمة قبطيَّة الأصل؛ لارتباطها بلقب دينيّ مسيحيّ، وفي تكملة المعاجم العربية لدوزي (بابا) جـ1/225:” وبابا بالبربرية والتركية: الأب… … وكذلك هي في لغة الفوله(!) أو الفولان أو فلانه(!)… …وكذلك في العربية”، وفي الدخيل في اللغة العربية الحديثة ولهجاتها- فانيا مبادي عبد الرحيم ط/1975م.(د.ط). ص22: ” بابا: رئيس الطائفة الكاثوليكيّة. ويطلَق أيضًا على رئيس الأقباط. وجمعه باباوات والنسبة إليه بابويّ، لاتينيّ: papa بمعنى الأب”، ويُفهَم من كلام الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا أن اللغة الفارسية تستعمل (بابا) و(باب) بمعنى الأب؛ حيث قال في المعجم الفارسيّ الكبير- مكتبة مدبولي- القاهرة- مصر ط1/1992م. جـ1/240:” باب: أب… … بابا: أب، جد، آدم، معًا: يخاطَب بها العجوز، معًا: يخاطَب بها المؤنَّث والمذكر والعفير(!) والكبير عند رفع الكلفة أو الإستهانة(!)… … لقب من ألقاب الدراويش والعارفين”، وفي موجز دائرة المعارف الإسلامية – مركز الشارقة للإبداع الفكري- الإمارات ط1/1998م. جـ4/997 أن ” علي بابا ” من الأسماء التركيَّة في قصة (ألف ليلة وليلة)! ويُفهَم من كلام F.Steingass أن (باب = bab) في الفارسيَّة = father، وهو يؤيِّد كلام الدكتور شتا، ويجب ربطه بما سبق عن القلقشندي؛ راجع ص135 من: Persian English Dictionary, London ,1947 ، وراجع: The Concise Oxford Dictionary of English Etymology, Date: 1996
([54]) في حين آثر المعجم الوسيط والمعجم الوجيز عبارة ” وأُطلِق أخيرًا على رئيس الكنيسة الأرثوذكسيَّة أيضًا”.
([55]) راجع قصيدة الأنانيَّة في: الشوقيّات، شعر المرحوم أحمد شوقي- دار الكتاب العربيّ- بيروت- لبنان- مصوَّرة عن طبعة المكتبة التجاريَّة الكبرى(د.ت) جـ4/101، وديوان شوقي- توثيق وتبويب وشرح وتعقيب د. أحمد الحوفي- دار نهضة مصر – القاهرة – مصر ط1/80- 1981م. جـ2/240، وراجع شواهد أخرى في: تحت راية العربية، بحوث ومقالات في العربية ورجالاتها ص388.
([56]) راجع: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي(ت1111هـ)– دار صادر– بيروت(د.ت)- مصورة عن طبعة المطبعة الوهبية– القاهرة – مصر ط/1284هـ.(ترجمة محمد بن محمود بن أبي بكر الوطري التنبكتي) جـ1/211، وأعلام الإسلام في أفريقيا، أحمد بابا التنبكتي، دراسة بيبليوجرافيَّة- فراج عطا سالم- العدد 4 – مجلة البحث العلميّ والتراث الإسلاميّ- كلية الشريعة والدراسات الإسلاميَّة- جامعة الملك عبد العزيز- السعودية ط1/ 1981م.ص642، والأثر الصوفيّ في كتابات المؤرِّخ أحمد بابا التنبكتي- د. عبد الواحد عبد السلام شعيب- العدد 22- مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميّة – قسنطينة- الجزائرط/2006م.ص165.
([57]) الكلمة (مَرّاكُش) بفتح الميم وتشديد الراء وضم الكاف، نصَّ على الضبط معجم البلدان- ياقوت الحموي(ت626ه)- تحقيق فريد عبد العزيز الجُندي- دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان(د.ت). جـ5/111، ومراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع- صفيّ الدين البغداديّ(ت739ه)- تحقيق وتعليق علي محمد البجاوي- دار الجيل- بيروت- لبنان ط1/1992م. جـ3/1251، وكذا وقع الضبط في المنجد في الأعلام- دار المشرق- بيروت- لبنان ط8/1976م.(مراكش) ص649. وإذا كان المعجم الكبير قد أساء الضبط؛ فإن الوسيط الصادر بعده قد أهمل ضبط الكلمة حين تعرَّض لها في (غ ر ب) جـ2/671!
([58]) أكلة تصنع من الباذنجان في بعض البلدان، راجع: المعجم العربيّ الأساسيّ- تأليف وإعداد جماعة من كبار اللغويِّين العرب- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- لاروس- تونس ط/2003م.(بابا) ص127، ومعجم اللغة العربية المعاصرة (ب ا ب ا) جـ1/153.
([59]) تجسيد- في الاعتقاد المسيحيِّ- لروح عيد الميلاد، ويكون على شكل رجل مرحٍ بدينٍ،كبير السن ذي لحية بيضاء وبدلة حمراء، يُعتقَد أنه يحضر الهدايا للأطفال الطيِّبين عشية عيد الميلاد، انظر: معجم اللغة العربيَّة المعاصرة (ب ا ب ا) جـ1/153.
([60]) علَم لأشخاص كثيرين منهم علي بابا ملك البُجَة عندما أغارت على حرَس من أهل مصر سنة 241ه، ومنهم علي أفندي الرومي الإزميتي العثماني المعروف بآق علي بابا أو آق بابا ( ت بعد 1168ه- 1754م، ومنهم بطل القصة الخياليَّة الشعبيَّة المرتبطة في: ألف ليلة وليلة بأربعين لصًّا، تلك القصة التي نتجتْ عنها أعمال سينمائيَّة، بل تعبيرات كنائيَّة مثل:(مخبَّأ كنوز علي بابا)، و(مغارة علي بابا)، وراجع: تاريخ الطبريّ(ت310ه)- تقديم ومراجعة صدقي جميل العطار- دار الفكر – بيروت- لبنان ط1/1998م.جـ11/174، ونهاية الأرب في فنون الأدب للنويري(ت733ه)- تحقيق مجموعة من الباحثين- دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان ط1/2004م. جـ22/ 209 بلفظ (البجاة)، ومعجم تاريخ التراث الإسلاميّ في مكتبات العالم (المخطوطات والمطبوعات)- إعداد علي بلوط وأحمد بلوط- دار العقبة، قيصري – تركيا ط1/2001م. جـ3/2224، والمستشرقون- نجيب العقيقي- دار المعارف- القاهرة – مصر ط3/ 1964م. جـ2/740، جـ3/1002، 1004،
([61]) خازن سيف الدولة الحَمْداني (ت356) أو خادمه؛ راجع: الفرج بعد الشدة للتنوخي(ت384ه)- تحقيق عبّود الشالجي- دار صادر- بيروت- لبنان ط/1978م. جـ3/ 39، ومرآة الزمان في تواريخ الأعيان لسبط ابن الجوزي(ت654ه)- تحقيق مجموعة من الباحثين- دار الرسالة العالمية- دمشق- سوريا ط1/2013م. جـ17/387، وراجع تاج العروس للزَّبيديّ (أ ن ن) جـ34/215 ففيه علَم آخر باسم ” أبو الحسن علي بن موسى بن بابا”. وهناك أعلام أخرى قد يكون لها صلة بكلمة (بابا) مثل: ” عبد الله بن بابيه من أهل مكة… … وقال البخاريّ: عبد الله بن باباه. ويقال: ابن بابي”، راجع: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزى(ت742ه)- حققه وضبط نصه وعلَّق عليه د.بشار عواد معروف- مؤسسة الرسالة- بيروت- لبنان ط1/80- 1992م.جـ14/321.
([62]) المعجم الكبير (ب أ ب أ) جـ2/32، في حين اكتفى معجم اللغة العربية المعاصرة(ب أ ب أ) جـ1/151 بلفظ: ” بأبأ الطفل: قال: بابا “، (ب ا ب ا) جـ1/153: ” كلمة ينادي بها الولد والده “!!
([63]) وراجع : لسان العرب لابن منظور (ب أ ب أ) جـ2/7، وتاج العروس للزَّبيدي (ب أ ب أ) جـ1/136.
([64]) في مفتتح تعليقي على النصوص سبق النقل عن سيبويه وابن دريد والسرقسطيّ،وراجع أيضًا: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (ت606هـ)- تحقيق الطاهر أحمد الزاوى ومحمود الطناحى- المكتبة العلمية – بيروت – لبنان ط/1965م. (أ ب و) جـ1/19، ولسان العرب(ب أ ب أ) جـ2/7. وفي معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا- منشورات دار مكتبة الحياة- بيروت- لبنان ط1/58- 1960م.(ب أ ب أ) جـ1/232: ” بابأه(!) بأبأةً وبِئباباً(!): قال له: بأبي انت(!) وأمي”!!
([65]) اتكأتْ معاجم المجمع على معجم لسان العرب ومعجم تاج العروس، ومن آثار هذا الاتكاء استشهاد المعجم الكبير على الفعل (بأبأ) بثلاثة أشطر من بحر الرجز، وهي في العباب للصغاني(ب أ ب أ) أربعة أشطر متتابعة! ولو رجعتْ لجنة المعجم الكبير إلى مادة (ز ج و) من اللسان جـ7/17، والتاج جـ38/211 لفطنتْ إلى الشطر الرابع، بل لو رجعتْ إلى بعض مطبوعات المجمع نفسه لعرفتْ أن الأشطُر أربعة؛ فقد جاءت الأشطر الأربعة في الأفعال للسرقسطي الصادر بتحقيق الدكتور حسين شرف عن المجمع ط1/75- 1980م.جـ3/456، وفي التكملة للصغاني(ت650) الصادرة بتحقيق مجموعة من رجال المجمع نفسه عام70- 1979م. (ب أ ب أ) جـ1/7 ، وكان في إمكان لجنة المعجم الكبير الاكتفاء بالشطر موضع الشاهد، ولكنه الاجترار من اللسان! وفي الأعوام العشرة الأخيرة اعتمد المجمع على معجم اللغة العربيَّة المعاصرة للدكتور أحمد مختار عمر؛ فهل يقوم المجمع بتوسيع مصادره واستثمار الحواسيب والمدوَّنات اللغويَّة؟
([66]) ولا يخفى المعنى العامّ للأبوَّة في (بابا) الوالد، و(بابا) اللقب المسيحيّ الذي يعني الوالد الكبير أو أبا الآباء. ولم يفطن معجم اللغة العربية المعاصرة إلى هذه السياقات؛ لأنه- وكنتُ أحد العاملين فيه- اعتمد على المعجم الوسيط وعلى المعجم العربيّ الأساسيّ!!
([67]) وهو المفهوم من نص القلقشندي السابق ذكره ضمن النصوص التي قدَّمناها.
([68]) أخبرني صديقي الجزائريّ أبو سُلوان الأستاذ بن جدو بلخير أن بعض مناطق دولة الجزائر يقولون: (با )، و(ما) بدلًا من (بابا) و(ماما)؛ وهذا الاقتصاد النطقيّ شبيه بما رُوي عن لهجة طيِّئ بلفظ: (يا أبا الحَكا) بدلًا من : (يا أبا الحكم).
([69]) وعليه وُجِّهت قراءة: (يا أبتَ إنِّي رأيْتُ) (يوسف: 4): أراد: يا أبتا: والأصل: يا أبتي، ثم حذف الألف.
([70]) يصعب تحديد تاريخ نطق العامة، ولكنَّ أول نص في النصوص التي قدَّمناها يشير إلى العامَّة هو نص ابن الأنباريّ(ت328ه).
([71]) وقرئ بهما في القرآن الكريم، راجع رسالتنا للدكتوراه: الجهود اللغويَّة لأبي حاتم السجستاني، دراسة في ضوء علم اللغة الحديث- كلية دار العلوم- جامعة الفيوم- مصر ط/2014م. ص120: 142.
([72]) ويمكن التمثيل أيضًا بقول باعة الروبابكيا في القاهرة: (بِكْيا)، وفي الإنجليزية يقال: ( bye) و ( good bye) ، وراجع رسالتنا للدكتوراه ص171: 176.
([73]) هذه المعلومات من بعض أصدقائي منهم العراقيّ الدكتور الشيخ بلال البحر، والكويتيّ سلطان المشعل الباحث بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. .
([74]) المعجم الفارسيّ الكبير- د.إبراهيم الدسوقي شتا جـ1/429.
([75]) راجع مقالي: وحوي إيّاحا في المعجم التاريخيّ العربيّ- العدد العاشر- مجلة الربيئة- نادي الرقيم العلميّ- جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريِّين- الجزائر ط/2018م.
([76]) معجم أكسفورد ص83، 867، والمنهل ص139، 867.
([77]) اللغة العربية أصل اللغات كلها- عبد الرحمن أحمد البوريني- دار الحسن للنشر والتوزيع- عمّان- الأردن ط1/1998م. ص14: 15، ولم يتعرَّض البوريني لكلمة (بابا) ولا (بِيبي)!
([78]) أطلق اللغويّون كلمة(الروميّة) على الكلمات المأخوذة من اليونانية البيزنطية أو اللاتينية، وقد يريدون السريانية، راجع: المعرب للجواليقيّ(ت540ه) – حقَّق كلماته بإرجاعها إلى أصولها وذكْر معانيها الأصلية وتتبّع التغيّرات التي طرأت عليها الدكتور فانيا مبادي عبد الرحيم – دار القلم- دمشق- سوريا ط1/1990م. ص54.
([79]) أخبرني بذلك صديقي الجزائريّ الأستاذ بن جدو بلخير، والعجيب- والعهدة عليه- أن أهل العاصمة وضواحيها ينطقون (ماما) بتفخيم الميم تقليدًا للنطق الفرنسيّ، وينطقها البعض(يِمّا)؛ فانظر إلى حظوظ الألفاظ!!
([80])baby doll يُترجَم حرفيًّا إلى دُمية طفل. وفي الاستعمال العربيّ المعاصر يُطلَق على زِيٍّ نسائيٍّ قصير شفَّاف.