مرثـــيـةٌ ليوسفَ الغَزِّي -البتول محجوبي-المغرب
مرثـــيـةٌ ليوسفَ الغَزِّي
البتول محجوبي
يا قلب أمكَ
“شعره كيرلي وابيضاني”
حلو” [1]كنفح الطيبِ
رفَّ على الجَنانِ
يا قلب أمكَ
والمنايا حائماتٌ
أرقيك باسم الله
والسبعِ المثاني
في قلبه سبع من البسْماتِ
ربّتْ حسنها امرأة بناصية الشمالِ
تهدهد الحلم القديمَ
وكان صاروخ يحوم على المكانِ
ومثلَ نفخ الصورِ
أرسل رعبه فوق الرؤوسِ
لتهدأ السبعُ الحسانُ ليوسفٍ
تحت المباني
يا يوسفُ المنسي في بئر العروبةِ
موحشٌ هذا المدى الساديُّ
لا سيارةٌ تهوي إليكَ
ولا يدٌ يدنو بها حبلُ الأماني
ألقيتَ في وجه الوجودِ قميصك الدامي..
ولكن.. كَلَّ من طول المذلة ناظرهْ
وزرعت من قمح الرجولة كل شبرٍ في بلادكَ
فانتظرْ مطرَ البطولةِ
إنها بدأت تَهِلُّ بشائرهْ
يا أُمَّهُ..
قُدي قميص الغاصبينْ
قُدّيهِ من قُبُلٍ
وعرّي سوأة الخوف
الذي سكن الكيان الخاوي المهزومَ
ألقي الرعبَ في القلب الجبانِ
يا أُمَّهُ..
قدي قميص الساكتينْ
قُدّيهِ من دُبرٍ
أديري كالمجن ظهورهمْ
تَجِدي الوجوه الشُّعث شاهَتْ
يا لَذُلِّ الصمتِ.. !
يا ما أصبر القلب الذَّليلَ على الهوانِ.. !
في غزةِ الأبرار يصطفّ البنونُ مع البناتِ
والله تكتب أمّة أسماءها فوق الأَكُفِّ الناعماتِ
ما أنبل الإيمانَ.. !
يصطفون جمعًا للشهادة أو فرادى
حبا وتصديقًا لوعدِ الله
يحمون البلادا
من سَوْرَةِ الغاراتِ ها همْ هؤلاء نَجَوْا
وإنهمُ تباعًا يصْعدون إلى الجِنانِ
***
العُذرَ يا يعقوبُ
هذا الحزنُ أبيضَ ما يزال
وليس يأتي يوسفٌ لتراه عينُكَ
فالتمس من ريحهِ صَوْبَ السماءِ
هناك تبصرْ زُمرة الشهداءِ
تبني غزةً أخرى
بلا حربٍ
ولا تعبٍ
ولا سيفِ الدقائقِ والثَّواني
في غزةَ الطغيانُ يشحذُ جُبْنَهُ ليلًا
لتَخْرُجَ أُمةٌ عزلاءُ
ترفعُ للسماء أَكَفَّهَا الحمراءَ
تستجدي النصيرَ ولا أحدْ
لا نخوةٌ عربيةٌ لبّتْ
ولا هَبَّت إليها بالمددْ
لبّى نِداهم عاجل الموت الثقيلِ
قذائفُ الفوسفورِ تردِمُ نصفَهُم تحت الركامِ
ونصفهم يمضي
تساوتْ عندهم كل الجهاتِ
مشردينَ.. وخائفينَ.. وجائعينَ..
وفوق ما حمل الكلامُ من المعاني
“وين الفاروق يشوفكْ
ييجي عَ كِتفُه الزاد
وانتِ الجرح بكفوفكْ
بتهدهدي لولادْ
يا غزة مِدّي سيوفِكْ
خلي المجد ينعادْ
شُگي الحصار بخيلكْ
دوسي العِدا وْعَدِّي
ولا تدمعي يا غالية
دمعك جرح خدي”[2]
يا أيهذا الصمتُ..
هل جربت يوما مثل هذا الموتِ؟
أن تتناول الخبزَ المعفر بالدماءِ
وأن تنام وليس فوق رؤوس أهلك في العراء سوى السماءِ
وأنت تنتظرُ القذيفةَ عاجلا.. أو عاجلا
تهوي فتهدِم ما بنيت بكف صبرك مُذْ سنينْ
تهوي فتأكل لحم أهلك ثم تهدأ بعدها
ما يبصر الناجون منها في الفضاء
سوى الدخانِ
يا أيهذا الصمتُ
قل لي
كيف تنجو؟
كيف تنجحُ في المرور غدا
على حدّ الصراطِ
وقدْ رسبتَ اليومَ
! إيييييييه..
؟! رسبتَ في نصف امتحانِ..
[1] – “شعره كيرلي وابيضاني وحلو” العبارة التي كانت ترددها أم الطفل الشهيد يوسف ذي السبع سنوات وهي تبحث عنه في المستشفى بعد قصف منزل أهله من قبل جيش الاحتلال.
[2] – مقطع من أنشودة فلسطينية بعنوان “لا تدمعي يا غالية” كتب كلماتها الشاعر الغنائي الفلسطيني خليل عابد وأداها المنشد حسن محمد (راجي النور).