عُجَالَةُ الفَذْلَكِي في تصحِيحِ التَّسويق الشَّبَكِي – د. بلال فيصل البحر
عُجَالَةُ الفَذْلَكِي
في تصحِيحِ التَّسويق الشَّبَكِي
صنَّفه
د. بلال فيصل البحر
الحمد لله عددَ ما كان، الحمد لله عددَ ما يكون، وله الحمد عددَ الحركات والسكون، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم عددَ ما ذكرك الذاكرون، وصلِّ عليه وسلم عددَ ما غفل عن ذكرك الغافلون، وعلى آله وأصحابه الذين هم بالحق ظاهرون، وللباطل وأهله قاهرون..وبعد:
فقد وقفتُ على فتيا للمجمع العراقي في حكم البيع الذي يقال له التسويق الشبكي، وأن بعض شيوخ العصر من الفضلاء، قطع بتحريـمه تبعاً لأكثر المفتين من العلماء، فكتبتُ تعليقاً على فتياه تضمن البحث والنظر في دليل قوله، فنازعني فيه بعضُ الناس بـما حاصله أن أكثر مجامع الفقه على منعه.!
فعرّفته أن العبرة بالدلائل، لا بكثرة القائل، وأن أقوال العلماء يُستدل لـها، ولا يُستدل بـها، فكم من مسألة قطع المحققون فيها بـما يخالف مذهب الجمهور، لدلائلَ تُبرد لوافحَ مُستنِّ الـحـَرور، كما يُذهب الصومُ وحَرَ الصدور.
فلم يزد على أن جاء بعظيمة تـملأُ الأفواه، كجابية الشيخِ العراقيِّ تفهَق بالـماه، فنقل لي فتيا الـمنع عن علماء الحرمين،وزعم أن مخالفتهم من أعظم الـمـَيْن، فقلتُ هم على الرأس مني والعَيْن، بيد أن العلمَ غيرُ منحصر في هاتيك الأقالم، فقد أربى على علمائهم غيرُ عالم، وما الكرَجُ الدنيا ولا الناسُ قاسم.!
وقد أفتى بجوازه بعضُ شيوخ العصر وعلمائه، منهم القاضي العمراني العلامة النابه، فوقف عندئذٍ حمارُه، ولجّ عثاره، وظهر من الدليل عوارُه.
ثم اتّفق لي الوقوفُ من المسألة على مجموع دلائل القائل بالحظر فيها، والنظر في وجه الدلالة على مطلوبه منها، في فتيا هيئة علماء البلاد السعودية، وفتيا دار الإفتاء بالديار المصرية، فجردتُ عندئذٍ هذا المختصر، في تصفّح أدلة الـمانع من الأثر والنظر، ليظهر وجه الحكم في هذا التسويق، وبالله تعالى الثقة والتوفيق.
فصل
في ماهية التسويق الشبكي
اعلم أن التسويق الشبكي هو الذي يكون الأجر فيه على قدر الرؤوس، وحاصله: (الربح على سمسرة مباح مقصود بالشراء وتسويقه لعدد مشروط من الـمشترين الذين يصبحون بشرائهم مسوقين له، بحيث يأخذون أجراً على تسويقه، ويستحق المسوق الأول أجراً معلوماً على كل رأس منهم، أو من جاء بطريقهم).
ويقال له أيضاً التسويق التواصلي، ويقال للسمسار أو الـمسوق للسلعة (الـمشترك) ويقع اشتراكه في الشركة وانتسابه إليها مسوقاً لـمنتجاتـها، بطريق شراء سلعة من منتجاتـها التي يُراد تسويقها، ثم تشترط عليه الشركةُ أن يأتي مثلاً بـستة مشتركين على شكل ستة نقاط، ثلاثة عن اليمين ومثلها عن الشمال، حتى إذا جاء بالقدر الـمطلوب الـمشروط من الـمشتركين للعمل مسوقين مثله للسلعة في الشركة، حصل على أجر معلوم من الشركة في مقابل قيام عملائه الـمشتركين الذين جاء بـهم، ببيع وتسويق هذه السلعة للشركة، بحيث يصير هو على رأس شبكة تحتها مجموعة من المسوّقين للسلعة.
وهكذا حتى يصبح كلُّ واحد من المشتركين الذين هم تحته مسوقين مثله على رأس شبكة من المسوقين الذين جاء بـهم، فيأخذ عمولته على كل مشترك جاء به، وعلى كل مشترك يجيء به الـمشتركُ الذي جاء به، كما أن الـمشترك الذي جاء به يحصل هو أيضاً على عمولته عن كل مشترك جاء به، وعن كل مشترك يجيء به من جاء هو بـهم من الـمشتركين، حتى يكونوا كالشبكة من الـمشتركين الـمسوقين.
ومن هنا يقال له التسويق الشبكي، ويقال له كذلك البيع المباشر لأنه من الـمصنع الى الشركة دون وسائط أخرى كالوكلاء والجملة والمفرد، ودون دعاية إعلانية، فهو يعتمد على الـمسوقين الـمشتركين.
فهو قناة للبيع المباشر القائم على نظام محكم بغرض إحداث قوة في التسويق والمبيعات، حتى يصبح العملاء المستهلكون بواسطته شركات تسويق مستقلة لما استهلكوه من المنتجات، ولهم حق الترويج والإعلان عن الشركة في مقابل خطة أرباح يحصلون عليها تعتمد على المبيعات المباشرة، وبناء شركات ومؤسسات تسويقية لمستويات متعددة تزداد فيها أرباحهم على قدر مبيعاتـهم.
وتعتمد شركات التسويق الشبكي على قوة منتجاتـها، فهي لا تتخذ من الإعلانات عنها وسيلة لتسويقها وترويجها، بل تروجها عن طريق ممثلين مستقلين للشركة، اشتروا واستعملوا منتجات الشركة وقاموا بالدعوة لشرائها.
فصل
في سياق مجمل دلائل المانعين
وقد منع التسويقَ الشبكي كثير من علماء الوقت، واحتجوا لذلك بـما حاصله أنه حيلة وذريعة للحصول على النقد، لأن السلعة غير مقصودة بالشراء وإنـما المقصود الحصول على العمولة.
وأيضاً فإن الربح فاحش في مقابل ثمن يسير يدفعه للشركة وهو ثمن السلعة، قالوا: فقد تضمنت الربا بنوعيه لأن المسوق المشترك يدفع مبلغاً يسيراً هو ثمن السلعة التي يشتريها ويصبح بشرائه لها عضواً مسوّقاً للشركة، فيحصل على مبلغ كبير في مقابل قليل دفعه، فهو من بيع النقد بالنقد مع التفاضل والتأخير، والسلعة المنتجة ستار للمبادلة لأنـها غير مقصودة للمشترك.
قالوا: وفيه غرر لأن المشترك لا يدري هل يتمكن من الحصول على القدر المطلوب من المشتركين أم لا؟ ولا يدري هل يكون في رأس الهرم بحيث يكون رابحاً أو في أسفله بحيث يكون خاسراً، ولأن أكثر المشتركين الأعضاء خاسرون، والرابح من كان في رأس الهرم دون من هو في أسفله، وهذا غرر لأنه تردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما.
وأيضاً ففيه أكل لأموال الناس بالباطل لأنه لا ينتفع من التسويق إلا الشركة أو من تريد له الشركة النفع ممن هو في رأس الهرم.
قالوا: وفيه من الغش ما تضمنه من إظهار السلعة المنتجة على أنـها المقصودة بالتسويق والحال خلافه، ومن جهة إغراء المشتركين بالعمولات الفاحشة التي لا تتحقق لهم غالباً.
قالوا:ويفارق الهبة الصحيحة لأن الهبة تتبع حكم السبب الذي وجدت له، والتسويق الشبكي هبة على قرض فهو ربا، لحديث ابن اللُتْبيّة (أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا) ولحديث ابن سلام: (إنك بأرضٍ الربا فيها فاشٍ، فمن أهدى إليك حِملَ تبن أو شعيرٍ أو قتٍّ فإنه ربا).
ويفارق السمسرةَ من جهة أنـها عقد على بيع بأجر دون مقابل يدفعه السمسار، وأما التسويق فإن المشترك فيه لا يكون مسوقاً حتى يدفع ثمن اشتراك للشركة التي يسوق لها.
وأيضاً فمقصود السمسرة بيع السلعة، ومقصود التسويق العمولة، فافترقا.
وادّعى بعضهم أنه قمار لما تضمنه من المخاطرة، لأن المشترك يدفع مالاً مقابل إحضار عدد من المشتركين الذين يحصل على عمولته وأجره على قدر رؤوسهم، فإذا لم يحضر العدد المطلوب خسر ماله الذي دفعه للشركة وفاتت العمولة.
وزاد بعضهم بأنه من بيعتين في بيعة، لأن المشترك يشتري السلعة من الشركة حتى يصير بـها عضواً مسوقاً فيها، وهذا بيع، ثم يأخذ على كل مشترٍ أو مشترك جاء به عمولةً وأجراً وهذا بيع ثانٍ، وقد نـهى النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا.
هذا جميع ما لهم من الحجة ما نعلم لهم غير ذلك، إلا أن بعض من أمعن في المنع ولم يرتض بأصول الفقه، أبعد النُّجعة فزعم أن هذا التسويقَ الشبكيَّ خطرٌ على الدخل القومي.!
وعهدنا به يستبيح فوائد البنوك التي هي ربا صريح، ويفتي بجواز المال المكتسب من الرقص، وأن الطلاق من غير إشهاد غير واقع، وله غير ذلك من الشذوذ في الفتيا، ولأجله استغرب بعضهم فتياه هذه بـمنع التسويق الشبكي فأطلق أنـها فتيا سياسية، لأنه كان أباحه ثم تراجع عنه بدعوى خطورته على الدخل القومي العاجز أصلاً عن توفير دخل للشباب وإشغال العاطلين منهم.!
والواقع أنه إنـما رجع عن الإباحة لأن سياسة حكومته التي هو تابع لها تقتضي استبقاء البطالة بين الشباب، لأن بقاء كثير من منظمات المجتمع المدني الـمرتبطة بـهذه الحكومات وتتلقى معونات مقابل ما يزعمونه من السعي للقضاء على هذه المشاكل المجتمعية التي لولاها ما كانوا، يستدعي بقاء هذه المشاكل الاجتماعية كالبطالة والمخدرات ونحوها فهم كالبعوض الذي يتغذى على الدماء.
وقد أيقنوا أن التسويق الشبكي ساعد جداً في تقليل البطالة لتوجه كثير من الشباب العاطل للعمل فيه، وهو يساعد في قطع المخدرات والجريـمة وغيرها من المشاكل الاجتماعية التي أصلها البطالة، وتكوين مهارات الإدارة عند الشباب، وإيجاد فرص عمل حقيقية تستوعب العاطلين منهم عن العمل، وإنماء القطاع الخاص الذي يساعد في إنعاش اقتصاد الدولة،فيبادر الشباب من خريجي الجامعات وغيرهم للعمل فيه دون انتظار الوظائف الحكومية.
ولأجل ذلك سارعوا في إصدار فتيا تحريم التسويق الشبكي، ونقض الفتيا الأولى بجوازه، بزعم خطورة التسويق على الدخل القومي ولله الأمر.
ونظير هذا ما وقع لأول مصرف شرعيّ ظهر بـمصر وهو بنك التنمية،وكان الذي أنشأه الأستاذ الدكتور أحمد ابن العلامة النحوي محمد النجار صاحب (شرح التوضيح)لابن هشام المسمى (منار السالك) فإنه رحل إلى ألـمانيا بغرض دراسة الدكتوراه في الاقتصاد، واقتبس من هناك فكرة (بنوك التنمية والادخار) التي كان لها أثر كبير في إعمار ألـمانيا والنهوض بـها اقتصادياً بعد الحرب العالمية الثانية.
ولما عاد إلى مصر عمل لسنوات على إنشاء (بنك التنمية الاجتماعي) سنة 1963 لدعم العوائل من الطبقة دون الـمتوسطة، ومدّها بالقروض الشرعية الحسنة للنهوض بـهذه الطبقة وتنميتها، وتوفير العمالة والقضاء على البطالة، وفي غضون خمس سنوات أصبح للبنك سبعة عشر فرعاً بـمصر! لإقبال الناس عليه حين وجدوا فيه بغيتَهم التي فقدوها عند بنوك الدولة.
وقد خشي الرئيس جمال عبد الناصر من نـجاح البنك وفكرته الشرعية، فاتَّـخذَ قراراً مدعماً بفتيا أنه خطر على الدخل القومي! وأصدر مُذكّرةً باعتقال الدكتور أحمد النجار، والاستيلاء على البنك ووضع يد الدولة على فروعه، فأعلمَ الشيخُ الشعراويُّ أو غيره الدكتورَ النجارَ بالأمر، ففرَّ النجارُ إلى السودان ولـجأَ إليها، واستحوذ عبد الناصر على البنك، وغيَّر اسمه إلى بنك ناصر الاجتماعي! ولله الأمر.
ومن الناس من زعم أن هذا التسويق تُديره جهات ماسونية! وهذا بتقدير صحته لا أثر له في المنع، لأنه من باب الوسائل التي الأصل فيها الإباحة إن خلت من محذور شرعي، كالبورصة التي أصلها من اختراع (فان دي بورصن) أحد الأثرياء الـمرابين من الـماسونيين، وكان يكون في فندق بـمدينة (بروج)بالبلاد البلجيكية يجتمع إليه المرابون ثم سُميت البورصة بعدُ باسمه، ولا قائل بـمنع التعامل بالبيع والشراء فيها إذا كان على رسم الشرع وقانونه.
ونظيرها البنوك والـمصارف التي هي بيوت لتداول الـمال بالبيع والشراء، وقد عُلم أن ابتداء أمرها كان من عائلة روتشيلد وهم أكابر التنويريين الساعين في غصب القدس وتـهويدها بوعد بلفور الـمشهور.
وإنـما يُنكر من هذه الوسائل ما يقع فيها من الربا وغيره من المحرمات، فأما نفس الوسيلة فلا حرج فيها إن اشتملت على مصلحة عامة محققة وخلت من الـمفاسد أو خلصت منها، فإن هذه الوسائل والمعاملات والحوادث لا حصر لها، وإنما يُبتلى بـها الناس على قدر فجورهم كما قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز:(تُحدَث للناس أقضيةٌ على قدر ما أحدثوا من فجور) فليس كل ما حدث منها ممنوعاً حتى يُنظر في تفاصيله، وقد يـمكن تصحيح ما فسد منها بصياغته على وفق قانون الشارع. والله أعلم
فصل
البحث في دلائل المانعين
فأما قولهم إن مقصود التسويق العمولة دون السلعة التي هي ذريعة للحصول على النقد، وأنه غش لتضمنه إظهار السلعة الـمنتجة على أنـها المقصودة بالتسويق والحال خلافه، ومن جهة إغراء المشتركين بالعمولات الفاحشة التي لا تتحقق لهم غالباً، وأن فيه أكلاً لأموال الناس بالباطل لأنه لا ينتفع من التسويق إلا الشركة أو من تريد له الشركة النفع ممن هو في رأس الهرم، فليس بسديد.
وبيانه أن السلعة على ما بلغنا عن طريق غير واحد من المشتركين الموثوق بدينهم، منتجٌ مقصود بالشراء والانتفاع به، وثمنه يساوي قيمته في السوق أو أكثر بيسير، وأما هذا الذي ذكروه من كون السلعة غير مقصودة بالشراء فإنـما هو في التسويق الهرمي لا الشبكي.
وكان مبدأ هذا الأمر من شركة أمريكية في أربعينات القرن الماضي، وذلك أن بعض منتجاتـها كسدت حتى أشرفت الشركة على الإفلاس، فاخترعوا هذا التسويق الهرمي بغرض ترويج بضائعهم ومنتجاتـهم الكاسدة التي لا منفعة منها ولا فائدة ترجى من شرائها، فهي غير مقصودة بالشراء في التسويق الهرمي وإنـما المقصود الوصول إلى العين وهو النقد عن طريق إغراء المسوقين المشتركين إذا هم أقدموا على شراء منتج الشركة بالعمولات الوهمية حال تسويق المنتج وجلب العدد المشروط المطلوب من المشتركين.
فإذا اجتمع هرم منهم جمع رأسُ الهرم النقدَ الحاصل من شراء المشتركين المسوقين للمنتج فدفع إليهم عمولة يسيرة لإغرائهم وإيـهامهم بأن التسويق الهرمي صحيح واقع، والحال أنه إنـما دفع عمولاتـهم من نفس أموالهم التي اشتروا بـها المنتج ليصبحوا مشتركين مسوقين في الشركة، وهم يظنون أن عمولاتـهم من ربح أثمان بيع المنتج وليس كذلك، ومن هنا منعت القوانين الدولية من التسويق الهرمي في أمريكا وغيرها، لتضمنه نوعُ خداعٍ واحتيال.
وليس الحال كذلك في التسويق الشبكي بل الذي أخبرنا به المشتركون أن الربح الذي هو عمولاتـهم التي يحصلون عليها، يكون من نفس ثمن بيع منتج الشركة لأنه مقصود بالشراء لمنفعته، ولهذا تجد التسويق الشبكي ينمو وتتّسع شبكاتُه ويتوافر أعدادُ المشتركين فيه، خلاف الهرمي الذي لا يلبث أن ينتهي ولا بد ولا مفرَّ له من ذلك، لأنه لا يـُمكنه أن يستمر في دفع عمولات وأرباح المشتركين، لأنـها من أموالهم لا من ربح وثمن بيع السلع، وهذا ظاهر جداً فبطل من هذا الوجه دعوى كونه غشّاً وأكلاً لأموال الناس بالباطل.
وأما تعليلهم فساد التسويق الشبكي بأن فيه غرراً لأن المشترك لا يدري هل يتمكن من الحصول على القدر المطلوب من المشتركين أم لا؟ ولا يدري هل يكون في رأس الهرم بحيث يكون رابحاً أو في أسفله بحيث يكون خاسراً، ولأن أكثر المشتركين الأعضاء خاسرون، والرابح من كان في رأس الهرم دون من هو في أسفله، وهذا غرر لأنه تردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، ففيه نظر.
لأنه إنما يكون غرراً حيث يتساوي طرفا التردد أعني يتعادل إمكان القدرة على جلب العدد المطلوب المشروط من المشتركين مع عدمه، أو يكون الغالب العدم، فأما غلبة الإمكان كما هو الواقع في التسويق الشبكي فلا يستقيم معه دعوى الغرر، لأنه حينئذ نادر قليل وقد تقرر أن النادر لا حكم له، وبه يندفع تعليلهم المنع بكونه مخاطرة.
وما قالوه من التعليل بالغرر إنما يصح دعوى مثله في التسويق الهرمي لا في الشبكي، لأن الهرمي يتعذّر معه إمكان جلب العدد المشروط للعمولة، لأن المشترك فيه لا ينتفع إلا إن كان في رأس الهرم دون من هو في أسفله، لما مرّ شرحه من أن عمولات المشتركين فيه، إنما تكون من نفس أموالهم التي اشتروا المنتج بـها، لا من ربح بيع المنتج للناس، فإن المنتج كاسد لا نفع فيه أصلاً فلا يُقصد بالشراء ويتعذر تسويقه على المشتركين، وبالتالي يتعذّر عليهم جلب العدد المشروط للحصول على العمولة.
هذا عدا تعذر الاستمرار في دفع عمولات المشتركين في التسويق الهرمي، لأن من هو في رأس الهرم وهم في الأغلب أصحاب الشركة والمنتفعون منها، يدفعون عمولات مَنْ دونـهم من المشتركين من نفس أموالهم التي اشتروا المنتج بـها حال اشتراكهم في التسويق، فيدفع الرأسُ لهم عمولةً يسيرة ويحصل هو على باقي ثمن المنتج، حتى إذا جاء المشترك الأول بستة مشتركين، دفع الرأسُ من ثمن شرائهم للمنتج عمولةَ الأول وأخذ الباقي، وهكذا حتى ينسد ولا بد باب العمولات إما بنفاد المنتج وإما بانكشاف الأمر وافتضاحه.
وهذا صريح الربا لأنه من جنس قول ابن عباس رضي الله عنهما وقد سُئل عن رجل باع من رجل حريرةً بمائة ثم اشتراها بخمسين فقال:(دراهم بدراهم متفاضلة، دخلت بينهما حريرة) ذكره ابن القيم في (حاشية السنن) وهو قرض جرّ نفعاً وفيه من الغش والغرر ما هو بيّن ظاهر.
والمستفيد في التسويق الهرمي من كان في رأس الهرم أو قريباً منه، دون باقي المشتركين الذين هم في أسفله، وليس الحال كذلك في الشبكي بدليل استمراره وانتشاره لعدم انحصار الربح في الرأس.
ويفارق الهرميَّ من جهة أن عمولة المشتركين فيه تقع من ثمن بيع المنتج وربحه لا من أموالهم فلا ربا فيه، ولأن الرأس في الشبكي يدفع للمشتركين عمولة حقيقة لا وهمية كما في الهرمي، وأيضاً فإن المنتج مقصود بالشراء لنفعه وفائدته وليس المقصود مجرد الحصول على النقد كالهرمي فافترقا.
فصل
وأما قولهم إن الربح فاحش في مقابل ثمن يسير يدفعه للشركة وهو ثمن السلعة، قالوا: فقد تضمنت الربا بنوعيه لأن المسوق المشترك يدفع مبلغاً يسيراً هو ثمن السلعة التي يشتريها ويصبح بشرائه لها عضواً مسوّقاً للشركة، فيحصل على مبلغ كبير في مقابل قليل دفعه، فهو من بيع النقد بالنقد مع التفاضل والتأخير، والسلعة المنتجة ستار للمبادلة لأنـها غير مقصودة للمشترك.
كذا قالوا كما مرّ وهو تناقض صريح، فإنـهم تارة يُحرمونه بدعوى كون الربح فيه فاحشاً في مقابل ثمن يسير، ثم يقولون إنه حرام، لأنه خداع وتغرير بالمشتركين من جهة إغرائهم بعمولات وأرباح وهمية غير محقّقة.!
والحال أن هذا التناقض إنما وقع لهم من جهة الخلط بين التسويق الهرمي والشبكي وعدم التنبّه للفارق بينهما، ففي الهرمي يدفع المشترك ثمن سلعة كاسدة لا نفع فيها وغير مقصودة بالشراء، بل المقصود تسويقها بغرض الحصول على النقد والعين فهو من جنس بيع العينة، لأنه يحصل على عمولة يسيرة من نفس الثمن الذي اشترى به السلعة ويحصل على عمولاته إذا جاء بالعدد المشروط من المشتركين من نفس أموالهم التي دفعوها لشراء المنتج والاشتراك في الشركة.
وأما رأس الهرم الذي هو صاحب الشركة فإنه استفاد ترويج سلعته ببيعها وعدم كسادها، وهكذا حتى يصبح المسوق الأول القريب من رأس الهرم فاحشَ الربح بحصوله على عمولات وهمية من أموال المشتركين الذين هم في أسفل الهرم، ويبقى من في أسفله خاسراً مغرراً به لأنه دفع ثمن المنتج دون طائل، إلا إذا تمكن من تغرير وخداع من يشترك ويشتري المنتج فيحصل هو على عمولات على قدر عددهم من نفس أموالهم التي اشتروا بـها المنتج، وهكذا حتى ينغلق الأمر ويفتضح.
وأما الشبكي فإنه يشتري سلعة مقصودة بالشراء لـمنفعتها بسعر السوق أو أزيد قليلاً، ثم ينطلق فيسوّق المنتجَ للشركة حتى إذا جاء بالقدر المشروط المطلوب من المشتركين للحصول على عمولته، أخذ العمولة على تسويقه المنتج، فهذا عوض بعوض ولا إشكال فيه لأن العمولة لا تكون من نفس المال الذي اشترى به المنتج كما في الهرمي، بل تكون من رأس مال الشركة أو من ربح مبيعات المنتج.
وقولهم إنّ أخذه للعمولات على عدد المشتركين ربا لأنه بلا مقابل ودون عوض، وليس كالهبةلأنه هبة على قرض وهي ربا واحتجاجهم بخبر ابن سلام وابن اللُّتْبية فليس بجيد من وجوه:
أحدها: أن هذه العمولات التي يحصل عليها على عدد المشتركين هي في مقابل تدريبهم على التسويق وكيفيته، وتعريفهم بأحواله وأنواعه وطرائقه، فهي في مقابل عوض فلا ربا، وليس الأمر مجرد جلب عدد معين من المشتركين والحصول على عمولته على قدر رؤوسهم وينتهي الأمر بجلوسه في بيته لتأتيه عمولته دون مقابل، بل يستمر على تدريبهم وإعدادهم للتسويق ومتابعتهم فيه لأنـهم فريقه وهو مسؤول عنهم، فيأخذ عمولته على هذا العمل.
الثاني: في الهرمي يكون الرابح من يشترك أولاً ليكون قريباً من رأس الهرم فيحصل على عمولات أكثر، وأما في الشبكي فالذي يحصل على العمولات من يتابع فريقه فيسوّق أكثر عدد من المنتجات، ولهذا ينغلق الأمر في الهرمي وينحصر الربح فيمن كان في رأس الهرم، في حين إنه يستمر في الشبكي فيربح كل من فيه على قدر جهدهم فافترقا.
الثالث: غلطهم في دعوى أن سبب التسويق الشبكي كونه هبة على قرض، فإنه بتقدير كونه هبة لم تقع على قرض حتى يقال إنه ربا بمقتضى خبر ابن سلام، لما مرّ أن صورة كونه قرضاً إنما تتأكد في الهرمي، فأما الشبكي فإنه شراء لا قرض.
لأن المشترك فيه يشترى السلعة ثمناً لعمله مسوقاً في الشركة، ثم يحصل على أجر معين من تسويق السلعة، وأجر مرتب على عدد من يجيء بـهم من المشتركين، فأين القرض والربا المدعى!؟ فإن كل أجر استحقه في مقابل عوض قدّمه للشركة كما هو ظاهر.
وعلى التنزّل أن ما يأخذه من العمولات على عدد من يجيء بـهم من المشتركين هبة، فهو هبة في مقابل خدمة ومنفعة مجيئه بـالمشتركين للشراء، فهو بعوض فلا ربا ولا قرض بل لا هبة أصلاً، لأنه من بيع المنافع، فإن نفس مجيئه بالمشتركين منفعة للشركة يستحق عليها أجراً.
فإن قيل وجه الهبة استمرار دفع الشركة لعمولته، وإنما يستحق أجراً مقطوعاً، ولا وجه لاستمرار عمولته وأجره على الرؤوس.
قيل هذا غير متّجه، لأنه نظير ما قدّمه للشركة من خدمة ومنفعة كالمعاش الذي تدفعه الدولة لـموظفيها بعد تقاعدهم عن العمل، على أنا قد بينا أنه إنما يستحق العمولة في مقابل إدارته للشبكة بتدريبهم ومتابعتهم في أعمال التسويق فلا هبة ولا قرض.
وإنما يتّجه القول بمنعه إذا شرطه المشترك في العقد، فأما إذا تبرع به صاحب الشركة فلا بأس به لقوله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقوله عليه السلام (إنما البيع عن تراض).
ومن الناس من زعم أن هذا المسوق وكيل فلا يسوغ له الأجر، وهو فاسد بـما مرّ من أنه أجر على سمسرة وليس هو من الوكالة في شيء، وأيضاً فعلى تقدير كونه وكيلاً بالبيع فالممنوع إنما هو أخذ أجر دون علم الموكل، وقد علم أن التسويق الشبكي يستحق المسوق فيه العمولة على ما قدمه من منفعة بعلم ورضا الشركة.
وأيضاً فالوكالة بجُعلٍ صحيحة؛ إذا كان الأجر معلوماً، قطع به الماوردي وغيره، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوكل عُمّاله بقبض الصدقات ويجعل لهم عِمالة عليه قاله الموفق في (المغني) قال: ولهذا قال له ابنا عمّه:(لو بعثتنا على هذه الصدقات فنؤدّي إليك ما يؤدّي الناس ونُصيب ما يُصيبُه الناس)يعنيان العِمالة، والحديث عند مسلم.
ولا وجه للاعتراض بحديث ابن اللُتْبيّة لأنه في هدايا العمال وهي غلول كما في حديث أبي حُميد الساعدي عند أحمد وغيره، لأن الإمام يفرض لهم فلا وجه لأخذهم لها.
ولأن أخذهم لها مظنة الرشوة فنهي عنه للذريعة، ألا ترى أن الهدايا تحلّ لهم إذا أجازها الإمام ووهبها لهم، وقد بعث النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه عاملاً إلى اليمن ليجبُره لما ركبه من الدين، فأصاب مالاً واتّجر فيه وهو فيما قالوا أول من تجر في هذا المال، فجاء به في ولاية أبي بكر رضي الله عنه فقال له عمر رضي الله عنه: ادفع هذا المال إلى أبي بكر فإن أعطاكه فاقبله، فأبى معاذ وقال له: إنما بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليجبرني، فأشار عمر على أبي بكر أن يأخذ المال ويدع له منه شيئاً، فأبى أبو بكر وقال: إنما بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليجبره، فلما أصبح معاذ انطلق بالمال إلى أبي بكر وعنده عمر فقال لعمر: ما أُراني إلا فاعلٌ الذي قلتَ! رأيتُني البارحةَ أُجَرُّ إلى النار وأنتَ آخذٌ بحُجزتي.!
ودفع إليه المال حتى دفع إليه سوطه! فقال أبو بكر: هو لك لا آخذ منه شيئاً،
فقال عمر: الآن حين حلَّ وطاب.
فلو كان ما يأخذه المشترك المسوق في التسويق الشبكي من الهبة لكان يحل له لأنه برضا وإجازة صاحب المال فلا وجه لـمنعه.
وخبر ابن سلام محمولٌ على هدايا الغرماء لأنه قال له: (إنك بأرض الربا بـها فاش فإذا كان لك على رجل حقٌّ فأهدى إليك..الحديث) فهو في هدية الغريم لغريـمه إذا شرطها عليه كما قاله الخطابي، لأن قبولها مظنة التنازل عن حقه الذي له عليه أو التهاون فيه وإسقاط بعضه عنه، وهو ربا لأنه قرض جرَّ نفعاً من غير عوض يقابله، فالهبة فيه بمنزلة الحريرة كما مرّ في أثر ابن عباس، لأنـها محلل الربا، فإنه أخذ منه قرضاً ثم أهداه هدية دفعته إلى إسقاط جزء من الحق لغريمه، فيكون قد استفاد هذا القدر من مال الغرامة بالهبة المحللة له، فهو قرض جرّ نفعاً بواسطة هبة محللة كحريرة ابن عباس.
وهذا إنما يُمنع عند بعض العلماء كالشافعية وغيرهم إذا شرطه عليه، فأما إن وقع من غير شرط فلا بأس به عندهم، ولهذا قال الكرماني في (شرح البخاري): (فإن قلت: إذا أهدى المستقرضُ شيئاً بغير الشرط جاز أخذه!؟ قلت: لعل مذهبَه أن عُرف البلد قائم مقام الشرط).
وقال العيني: (فإن قبول هدية الـمُستقرض جار مجرى الربا من حيث إنه زائد على ما أخذه من الـمـُستقرض، ويـُمكن أن يكون رأي عبد الله بن سلام أنه عنده حقيقة الربا، وعلى كل حال الورع والزهد والتقوى ينفي ذلك).
وقال الحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام زكريا: (لعله رأي عبد الله بن سلام وإلا فالفقهاء على أنه إنـما يكون ربا إذا شرطه، نعم الورع تركه).
وتأوله الكُوراني على أن معناه أنه زيادة على حق لك فهو في معنى الربا، وليس معناه أنه رباً شرعي.
فهو عندهم محمول على الورع إذا لم يشترطه، ولذا ساقه البخاري في باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه في كتاب فضائل الصحابة من (صحيحه) كما ألـمع إليه الحافظ ابن حجر وغيره، وأما تحريمه فمنوط باشتراطه على الغريم في القرض والله أعلم.
وأخذ المسوق العمولةَ في التسويق الشبكي على قدر عدد من يجيء بـهم من المشتركين، بتقدير كونه هبة من صاحب الشركة فليس بمحرم، لأنه ليس من اشتراط المسوق وإنما هو من تبرع الشركة، فلا دلالة في خبر ابن سلام هذا على منعه وتحريمه، فكيف وقد تقدم أنه إنما يستحق عمولته على عدد المشتركين في مقابل تدريبه لهم على التسويق وإدارته للشبكة.؟!
ومن الناس من زعم أن أخذ العمولة على عدد المشتركين ممنوع، وإنما يستحق أجراً مقطوعاً لا عمولة مرتبة بنسبة، وهذا تعليل ملغى لا اعتبار له ولا تأثير له في المنع، إذ لا فرق بين أجر مقطوع معلوم وعمولة بنسبة معينة، لأنه يمكن معرفتها بالحساب اليسير ولا تضر جهالتها العارضة كبيع ده وازده وهو جائز عند الجمهور.
فصل
وأما التفريق بينه وبين السمسرة من جهة أنـها عقد على بيع بأجر دون مقابل يدفعه السمسار، والتسويق الشبكي يكون بأجر، فلا يضر ولا يعتبر هذا الفرق لأنه نظير الضريبة والرسوم التي تفرضها الدولة على السمسار لاستخراج تصريح عمل بـاحتراف السمسرة، ولا يضر أن تكون الضريبة أجراً مقطوعاً أو شراء منتج أو سلعة مباحة.
وقولهم إن مقصود السمسرة بيع السلعة، ومقصود التسويق العمولة، ليس بصحيح وقد تقدم الجواب عنه.
وأما دعوى أن التسويق الشبكي قمار لما تضمنه من المخاطرة، لأن المشترك يدفع مالاً مقابل إحضار عدد من المشتركين الذين يحصل على عمولته وأجره على قدر رؤوسهم، فإذا لم يحضر العدد المطلوب خسر ماله الذي دفعه للشركة وفاتت العمولة، فهذا إنما يقع في التسويق الهرمي كما مرّ بيانه وشرحه.
فأما الشبكي فإن المشترك فيه يشتري السلعة ليصبح مسوقاً لها لحساب الشركة المنتجة، ويحصل على عمولة التسويق وعمولة العدد المطلوب من المشتركين الذين يأتي به للشراء، وعمولة على عدد الذين يأتي بـهم من أتى هو بـهم من المشتركين الذين يقوم على إدارتـهم وتدريبهم ومتابعتهم، فهو قد ازداد وربح أكثر مما دفع للشركة فأين القمار والمخاطرة.؟!
فإن قيل: إنه لا يدري هل يقتدر على الإتيان بالعدد المطلوب أم لا؟ قيل: وأي مخاطرة في هذا؟ فإنه إن لم يأتِ بـهم لم يحصل على عمولته، لكنه اشترى منتجاً مباحاً ينتفع به ببيع صحيح، وسوّقه للشركة بعمولة فلا مخاطرة ولا خسارة عليه إذا لم يقتدر على جلب العدد المشروط من المشتركين ليحصل على عمولته عنهم.
إذ تخلُّف الشرط يستلزم الخلف في المشروط كبيع المستقيم وهو أن يقول له: قوّم هذه السلعة؟ فيقوّمها بعشرين، فيقول له: بعها بعشرين فما ازددت فهو لك، وهو جائز عند الجمهور خلافاً لأهل الرأي، ولو قُدّر أنه لم يبع بأكثر من الثمن الذي شرطه عليه لم يستحق شيئاً.
وقد تقدم لنا بيان أن الأغلب الأعم وهو الواقع أن المسوق يقتدر على الإتيان بالعدد المشروط لحصوله على العمولة فلا يسوغ والحال هذه التعليل بالنادر الذي لا حكم له وإغفال الغالب الأعم.
وزعم بعضهم أن التسويق الشبكي من بيعتين في بيعة، لأن المشترك يشتري السلعة من الشركة حتى يصير بـها عضواً مسوقاً فيها، وهذا بيع، ثم يأخذ على كل مشترك جاء به عمولةً، وهذا بيع ثانٍ، وقد نـهى النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا.
والجواب أن صورة النهي عن بيعتين في بيعة لا تتنزل على عقد التسويق الشبكي بحال، وإنما هو منزل على بيع العينة كما قاله أبو العباس بن تيمية وابن القيم، وقد مرّ أن العينة لا مدخل لها في التسويق الشبكي وإنما تتحقق في الهرمي.
وأيضاً فالجمهور يفسرون البيعتين في بيعة بأنه بيع السلعة بعشرين نقداً أو بثلاثين إلى أجل، فإن عقد البيع على أحدهما فاختار صفقة الأجل أو صفقة النقد وتفرقا على ذلك فالبيع صحيح ولا إشكال فيه، وإن أخذ السلعة على الإبـهام دون تعيين فهو فاسد وهو بيعتان في بيعة، فإما أن يفسخ العقد أو يصححاه بتعيين إحدى الصفقتين.
هذا معناه عند العلماء وهو كما ترى لا مدخل له بوجه من الوجوه في التسويق الشبكي، لأن المنهي عنه إنما هو عقد صفقتين في صفقة واحدة دون تعين وجه البيع هل هو بالنقد أو بالأجل فالمنهي عنه هو بيع سلعة واحدة بثمنين مختلفين دون تعيين، لا بيعان في وقت واحد فإن هذا جائز كمن يشتري داراً من رجل ينقده ثمنها ثم يؤجرها له في الحال بثمن معلوم وهذا لا حرج فيه.
والشبكي كذلك لأن الصفقة فيه مفرقة لا واحدة، فإنه بعد اشتراكه في التسويق بشراء المنتج، يقوم بتسويق المنتج مقابل عمولة فهذه صفقة، ثم يسعى في جلب العدد المطلوب المشروط من المشتركين ليحصل على عمولة في مقابل ذلك، وهذه صفقة ثانية، فأين البيعتان في بيعة في هذا.؟
وتزداد عمولته كلما جاء بمشتركين أكثر أو جاء الذين جاء هو بـهم بمشتركين، فتزداد عمولته لزيادة جهده الذي يبذله في إدارتـهم وتدريبهم والإشراف عليهم، وهذه الزيادة كما ترى في مقابل عوض يقدمه للشركة، فظهر أنه لا ربا ولا بيعتان في بيعة فيه،وقد تكلمنا على معنى النهي عن بيعتين في بيعة مبسوطاً مطولاً في كتاب (ردّ الازدراء).
وقد انتقض بـهذا البيان كل ما أورده المانعون من الاعتراضات على التسويق الشبكي، فصح بحمد الله هذا التسويق، وبالله تعالى الثقة والتوفيق، وصلى الله على سيدنا ونبيينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
كتبه
أبو جعفر
بلال فيصل البحر/بالقاهرة/
جزاك الله خيرا، وأثابك، هكذا فليكن البحث العلمي..
استدلال علمي وافي، ورد مقنع على المانعين..