حصريا

صفحات من تاريخ الجزائر خلال القرن السادس عشر من ملوك بني زيان إلى ملوك بني عثمان

0 532

صفحات من تاريخ الجزائر خلال القرن السادس عشر من ملوك بني زيان إلى ملوك بني عثمان

الأستاذ: بقة عبد الله – الجزائر

مقدمة:

إن الدارس لتاريخ الجزائر مطلع القرن السادس عشر يجد أن الجزائر عرفت جملة من الظروف والإرهاصات مهدت للانتقال السياسي في الجزائر، نتيجة تداعي  نظام الحكم الزياني الذي انحصر في مدينتي الجزائر وتلمسان  واعلان حكامها التبعية للإسبان بسبب عدم قدرتهم على مواجهة التحرشات الإسبانية.

وعلى هذا الأساس كان من الضروري ظهور قوة جديدة تقوم بالواجب الديني، وتحرير البلاد المغاربية من الاحتلال الإسباني،هذه القوة المتمثلة في النظام العثماني،ما جعلنا نطرح العديد من التساؤلات في هذا السياق هي:

كيف جرى انتقال نظام الحكم في الجزائر من أيدي ملوك بني زيان إلى ملوك بني عثمان؟

من أين استمد النظام العثماني شرعيته وفعاليته في الساحة الاجتماعية والسياسية والعسكرية في الجزائر

وماهي طبيعة الدخول العثماني للجزائر؟

يؤكد المؤرخون الإسبان أن دوافع احتلالهم سواحل بلاد المغرب كانت دينية أساسا ، وأن الرغبة في نشر المسيحية في تلك  البلاد هو ما حرك الملكة إيزابيلا والملك فيرناندو الكاثوليك على التوجه نحو ما يسمى بالسياسة الإفريقية، وقد أكد ذلك الدكتور حسن مؤنس في كتابه المغرب وحضارته.[1]

 

 

وفي هذه الأثناء ظهر الإخوة بربروس البحارة عروج وإسحاق وخيرالدين الذين سيكون لهم الدور الكبير في توجيه العلاقات في الحوض الغربي للمتوسط، وانضم  إليهم العديد من السكان والمهاجرين الأندلسيين،كما شكلوا قوة بحرية هامة.[2]

وقد كان أهل بلاد ميزاب يتعاملون بقوافلهم التجارية مع البلاد التونسية، فقد ارتبطت هيئاتهم بالولاء للإخوة بربروس بموجب  اتفاق عقد مع آل بربروس بعد اجلاء الإسبان من جزيرة جربة 1510 ، وكان للشيخ باحيو بن موسى المزابي اتصالات بالرايس عروج في تونس وكانت فرقته الفدائية من الفرسان المزابيين يمارسون أعمالهم الجهادية على سواحل المغرب الأدنى والأوسط.[3]

ولما ذاع صيت الإخوة بربروس في الجهاد البحري بفعل  انقاذ المهاجرين الأندلسيينن استنجد أعيان  مدن السواحل الجزائرية وعلماؤها بآل بربروس وكانت أولها مدينة بجاية 1512 ، التي تكررت محاولات تحريرها ثلاث مرات متتالية كما استنجد الحاكم القسنطيني أبوبكر الحفصي بآل بربروس فقرر عروج الاستجابة لطلب الأعيان وفي هذا الصدد يذكر صاحب كتاب الاستقصا: ” فكاتبهم أبو العباس أحمد بن القاضي الزواوي وقال إن بلادنا بقيت لك -عروج- أو لأخيك -خيرالدين- أو للذئب -الإسبان- فأقبل  الترك مسرعين”[4]

بعد المحاولات المتكررة لتحرير بجاية، استحثه شيوخ القبائل من بينهم احمد بن القاضي الزواوي على إعادة الكرة على الإسبان في بجاية فكانت المحاولة الثانية في أوت 1514  والمحاولة الثانية في مارس 1515 وعلى اثرها تم تحرير مدينة جيجل، فاستنجد سكان الجزائر من خلال اتصال الشيخ سالم التومي بعروج فاستجاب له وكانت  مدينة مزغنة مشيخة يرأسها الشيخ عبدالرحمان الثعالبي.

 

وفي هذه الفترة كان حاكمها الشيخ التومي في تعداد سكاني حوالي 60 ألف كما جاء في مذكرات سيمون بفايفر.[5]

وقد دعا اهل تلمسان عروج طالبين منه يد العون  ضد السلطان أبي  حمو الثالث حليف الإسبان الذين احتلوا وهران سنة 1509 فزحف نحو تلمسان، ودخلها واستشهد عروج خلال هذه الفترة فخلفه أخوه خير الدين ليقرر أعيان الجزائر مبايعة خيرالدين بالإجماع خلفا لأخيه، فأعلن مجلس أعيان مدينة الجزائر تمسكهم بشخص خير الدين ورفضوا مغادرته البلاد فقالوا له “أيها الأمير لاتطيب أنفسنا بفراقك  ولن نسمح  لك بذلك فالله الله أمة سيدنا محمد فإن الله يسألك عنهم”[6]

ومما جاء في  مراسلات العلماء والأعيان: ” أيها الأمير -خير الدين- يتعين  جلوسك في هذ المدينة لأجل حراستها والذب عن ضعفاء أهلها ، ولا رخصة لك في الذهاب عنهم وتركهم عرضة للعدو”[7]

وامام تعاظم خطر العدو الإسباني، وجد خير الدين الحاجة الماسة الى دعم الدولة العثمانية، فأقنع أعيان البلد  بالانضمام الى الخلافة العثمانية ، قائلا لهم رأيتم ما وقع بيننا والملاعين الكفار ولا يؤمن وقد ظهر لي أن نصل يدنا بطاعة السلطان الأعظم سليم.[8]

وقد نشر الدكتور عبدالجليل التميمي ترجمة عربية لوثيقة تركية محفوظة في دار المحفوظات التاريخية بإسطنبول تحت رقم6456 وهي رسالة أهالي الجزائر باختلاف مستوياتهم منم القضاة والخطباء والأئمة والتجار في 03/11/1519 وكان هدف خير الدين هو ربط مصير الجزائر رسميا بالدولة العثمانية.[9]

وإجابة لطلب أعيان الجزائر أرسل السلطان سليم فرمانا يعلن فيه قبول عرض أعيان الجزائر وبعث الى خير الدين بفرمان تعيينه بايلرباي على الجزائر، وبذلك أصبحت الجزائر ايالة عثمانية، واي  اعتداء على الجزائر انما هو اعتداء على الدولة العثمانية، واستمر تعاون الدولة العلية وحمايتها لإيالة الجزائر لكن الاطماع الاسبانية بقيت قائمة خاصة حملات شارلكان وأندري دوريا 1541 .[10]

لم يكن للأمير خير الدين المعروف بحنكته السياسية من الخيارات ابدع مما اقترحه على أعيان الجزائر، طالبين النجدة  على حد قولهم لك او لأخيك أو للذئب فجاءت النجدة في الحين.

                                                                               الخاتمة:وخلاصة القول نرى من كل ما  سبق أن دخول العثمانيين الى الجزائر لم يكن احتلالا، كما يرى دعاة  التغريب من أبناء المدرسة الاستعمارية، ولا فتحا كذلك بل هو رغبة عبر عنها أهل البلاد فاعتبروهم منقذين فأصبحت الجزائر بوجودهم سيدة للجهاد في البحر المتوسط، ولها هيبة عالمية كما عبر عنها الدكتور مولود قاسم نايت بلقاسم كما سجل لنا التاريخ من كل ماسبق انضمام العديد من السكان والمهاجرين الأندلسيين، وقبائل الزوات وبني يراثن وأهل ميزاب وسكان الجزائر وتلمسان وجيجل، وشكلوا قوة بحرية هامة متعاونة مع آل بربروس قبل إرساء الحكم العثماني، وقد سجل لنا ذلك التاريخ بشهادة الدكتور أبو القاسم سعد الله رحمة الله عليه ذلك الانتقال عندما غادرنا عهد الزيانيين بما فيه من أمجاد وأوجاع واستقبلنا عهد العثمانيين الذي استمر لثلاث قرون.

 

 

 

قائمة المصادر والمراجع المعتمدة في هذا المقال:

-أحمد بن أبي ضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، ط2، الدار التونسية للنشر ، تونس 1977 ،ج2.

-جمعية التراث، معجم أعلام الاباضية، قسم المغرب الإسلامي، ط2، دارب الغرب الإسلامي، بيروت، 2000، رقم الترجمة175.

-أبو العباس أحمد بن خالد الناصري السيلاوي، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق جعفر الناصري.مطبعة بولاق  القاهرة، 1894

-سيمون بفايفر، مذكرات جزائرية عشية الاحتلال، ترجمة وتقديم د.أبو العيد دودو ، دار هومة ، الجزائر ، 1998.

-عزيز سامح ألتر، الأتراك العثمانيون في افريقيا الشمالية، ترجمة عامر محمود، دار النهضة، لبنان 1998 .

جمال قنان،نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر (1500-1830)، المؤسسة الوطنية للطباعة ، الجزائر.

-حلمي محروس اسماعيل،تاريخ العرب الحديث من الغزو العثماني الى نهاية الحرب العالمية الأولى ، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية ،1997

-وليام سبنسر، الجزائر في عهد رياس البحر، تعريب عبدالقادر زبادية، دار القصيب للنشر، الجزائر، 2006.

الأستاذ : بقة عبدالله أستاذ التعليم المتوسط ، ماستر تاريخ حديث ومعاصر لديه مجموعة مقالات منشورة في مجلات محكمة وأخرى منشورة في المكتبات من بينها على سبيل المثال:

مقاومة سكان الجنوب لسياسة فصل الصحراء في جريدة صوت الجلفة 2013

ابن العنابي رائد النهضة الجزائرية مجلة أصوات الشمال 2015

أبوالقاسم سعد الله مجلة أصوات الشمال 2015

العقيد شعباني أصغر عقيد وأكبر ضحية  مكتبة العلوم الإنسانية جامعة الجلفة2013

رواد الفكر النهضوي والاصلاحي في الجزائر خلال القرن التاسع عشر ابن العنابي والناصري دراسة مقارنة مكتبة العلوم الإنسانية.2015

[1]، ج3،  العصر الحديث للنشر والتوزيع بيروت1992، ص156.حسن مؤنس،المغرب وحضارته، مج2

[2]أحمد بن أبي ضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، ط2، الدار التونسية للنشر ، توونس 1977 ،ج2، ص09

[3]جمعية التراث، معجم أعلام الاباضية، قسم المغرب الإسلامي، ط2، دارب الغرب الإسلامي، بيروت، 2000، رقم الترجمة 175.

[4]أبو العباس أحمد بن خالد الناصري السيلاوي، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق جعفر الناصري، ص403-404

[5]سيمون بفايفر، مذكرات جزائرية عشية الاحتلال، ترجمة وتقديم د.أبو العيد دودو ، دار هومة ، الجزائر ، 1998، ص164.

[6]عزيز سامح ألتر، الأتراك العثمانيون في افريقيا الشمالية، ترجمة عامر محمود، دار النهضة، لبنان 1998 ، ص100-106

[7]نفسه

[8]جمال قنان،نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر (1500-1830)، المؤسسة الوطنية للطباعة ، الجزائر ،ص 42.

[9]حلمي محروس اسماعيل،تاريخ العرب الحديث من الغزو العثماني الى نهاية الحرب العالمية الأولى ، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية ،1997،ص45

[10]وليام سبنسر، الجزائر في عهد رياس البحر، تعريب عبدالقادر زبادية، دار القصيب للنشر، الجزائر، 2006، ص48.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.