سلوان القارئ : مركز الرقيم على سنن المؤسسين (ذكرى يوم العلم)- بن جدو بلخير -الجزائر-
رأيت سُعودًا من شعوبٍ كثيرةٍ ** فلم أر سعدًا مثل سعد بن مالك
كانت فرنسا.. وكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين …
كانت فرنسا تحاول جاهدةً –عبثًا – أن تنفث سمّها في الشخصية الجزائرية لتستحيل دماءها من عربية اسلامية إلى فرنسية نصرانية… و كانت جمعية العلماء لها بالمرصاد تعمل على ان تكون ترياقا لهذا السمّ … لقد عرف ابن باديس وصاحبه الابراهيمي أن إنشاء الجمعية ليس فضلا منهم ولا نافلة من الأعمال، يثابون على القيام به ولا يِأثمون على الترك، بل كانوا يتمثلون قول الله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )
فكانت الجمعية واجبا عينيا أوجبه فقهٌ ثاقب من الإمامين. ومقصد عظيم هو الحفاظ على الهُوية الاسلامية، فكانت سِقط الزند وراويته، وشعلةُ نارٍ يقتبس منها الجزائريون، وكان العلم يأرُز إليها كما تأرُز الحية إلى جحرها، فكانت بحق معقل الجزائريين وملجأهم من الاستغراب الذي تبنته فرنسا، وسعت لنشره ومازال مشايخها على العهد ماضون .
ذهبت فرنسا وبقيت الجمعية، لأن سنة الله جرت أن يأفُل الباطل بقاذفاتٍ من حقٍّ فإذا هو زاهق .
بَيْد أن الحياة الثقافية – لمن ألقى سمعه وبصره -أصبحت حياةً منهزمة، انقطع الحبل فيها بين هذا الجيل والجيل المؤسس:
كأن لم يكن بين الحَجُون الى الصفا** أنيسٌ، ولم يسمُر بمكةَ سامرٌ
حلَّ القدم محل القلم، وأصبح التقليد المذهبي والتعصب له، بابٌ أغلق به بعض الناس باب الاجتهاد دونهم، فحرموا الاسلام أعظم مقاصده وهو روح التجديد !
ولم يعد الإيمان استعلاء كما أراد الله له ان يكون للمسلم، بل قصروا معناه على إرجاءٍ يؤخر ولا يُقدّم، واصبحت الحداثة منهجا ادبيا نسخ الأدب الحقيقي …وصار الخُلقُ غربيَّ المورد، وما لا أدري من صور الانهزامية ، فظُنَّ شرًّا ولا تَسَلْ عن الخبر
ولسان حالهم :
عاج الشقي على رسم يُسائله / و عُجْت أسأل عن خمّارة البلد
يبكي على طلل الماضين من أسدٍ / لا دَرَّ دَرُّك قل لي من بنو أسد
و مَن تميمٌ و من قيس و لفِّهما / ليس الاعاريب عند الله من أحد
لا جفَّ دمعُ الذي يبكي على حجر / ولا صفا قلبُ من يصبو إلى وتد
أما حال أهل الغيرة: فيوجزه العلامة أبو فهر محمود محمد شاكر
من حمل أمانته أي (القلم) فعليه أن يُنذر قومه قبل أن يأتي يومٌ لا تُغني فيه النذر، وقبل أن لا يرُد فيه البكاء على فائت.
ولأنه : من عَجز أن يعلوَ، لا يعجِز أن يَسفُل كما يقول الرافعي ..وكما قال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا ** كنقص القادرين على التمام
نذرت أمةٌ من الناس حياتها ليُتموا المسير، لأنهم يعلمون أن عصب الحياة هو العلم، وهو الشأن الذي تنهض به الأمم، لو انها تريد ذلك
وعلى نهج المؤسسين أنشئ (نادي الرقيم ) مُتفرِّعا عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ليكون سببا من أسباب الحياة، وبعثا من هذا الموت الذي يحيط بها من كل جانب
وصِلَةً للعلم الذي كان غرسه المُؤسِّسون، وإكمالا للمسيرة التي بدؤوها، وتحقيقًا للغاية التي رسموها . وما كان لمُحبِّي الجمعية أن يبقوا مكتوفي الأيدي يطالعون آثار مشايخها من غير أن يَقتفوا الأثرْ، ولا أنْ يقفوا عند أطلالها؛ راضينَ بالبكاء عند أَرْسُمِها؛ من غير أن يُجدِّدُوا البناء، وإنَّ امرأً يرى ما قام به المُؤسسون من نشر العلم ومحاربة الجهل تحت وطأةِ استعمارٍ غاشمٍ؛ همُّه سلبُ الهُويةِ من الشَّعب الجزائري، ثم تَقعُدُ به همَّتُه عن التجديد والإحياء، لهُوَ امرؤٌ غلب عَجْزُهُ مُروءَتَهُ
وإن جمعية العلماء لم تُوَرِّثْ دينارًا ولا درهما، ولكنَّها ورَّثت الأجيالَ تركةً ثقيلةً هي: نشرُ العلم
فتأسست مجلة الرّبيئة لتكون منبرا للفكر الرشيد
وتأسست مجلة (آصرة) لتحمي الأسرة من عاديات الاستشراق وتبني أسرة مسلمة لها دورها المنوط بها في المجتممع الاسلامي
ولأن المال هو عصب الحياة، ولأن الاسلام أولى أهمية بالغة لمعاملات المسلم المالية واتسعت الحياة و تنوّعت وتشابكت كان لزاما من بناء سدٍّ متين نشأت مجلة : ( اقتصادنا الإسلامي المحكمة)
ولا يذهبْ بكمُ الظنُّ أنَّا وجدنا عن هذا السبيل مَوْئِلا ولكن:
إذا لم تكن إلا الأسنَّةُ مَركبًا ** فما على المُضطَرِّ إلا رَكُوبُها
فليست المُهمّةُ بالتشريف بقدر ما هي تكليف، ولا هي بالحِمْلِ الخفيف بقدر ما هي ميثاقٌ غليظ.
فمن رأى صالحا فليُشَجِّع فإن أبى فليَصمُت، ومن رأى غير ذلك فلينصح، فالنصيحة دينٌ وواجب، وأما من أراد للسانه أنْ ينطلق بالقواطع، وتشجَّعت نفسُه لإحباط العاملين، فدونه مكاننا، فليعملْ؛ فسيَجِدُنا سندًا له وعَضُدا