من زلال التفاسير – أ.العيد بن عُليَّة
الحمد لله الذي أنزل إلينا القرآن الكريم وعد فيه وبشّر وأوعد وحذّر ونهى وأمر وأكمل فيه الدين وجعله الوسيلة الناجحة والحبل المتين ويسّره للذكر وخلّده غابر الدّهر عصمة للمعتصمين ونورا صادعا من المشكلات المختصمين وحجة قائمة على العالم ودعوة شاملة لفرق بني آدم كلامه الذي أعجز الفصحاء وأخرس البلغاء وشرف العلماء له الحمد دائما والشكر واصبا لا اله إلا هو رب العرش العظيم1. وأصلّي واسلّم على أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إن علم التفسير من أجل العلوم قدرا وأرفعها شأنا لأنه يرتبط بالقرآن الكريم الذي هو أفضل مكتوب على الإطلاق وأنفع العلوم وأيسرها على الناس قال الله تعالى: ولقد يسرنا القرآن لذكر فهل من مذكر. سورة القمر الآية 17
ولقد كثرت التفاسير قديما وحديثا فمنهم المطوّل والمختصر ولقدت إلى عمدت تفسيرين جمعت بينهما واخترت ما هو أنفع للقارئ الكريم قصد فهم كتاب الله تعال وهما: المُحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي المغربي رحمه الله، وكتاب التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي رحمه الله، بدأت فيه بترجمة وجيزة لكلا المفسرَين وتفسير سورة الفاتحة لكونها أعظم سورة في القرآن ومما يكثُر قراءتها في الصلاة والأوراد وما يلهجون بها ويرددونها دائما وحاجة الناس لمن يشرح لهم معناها ويوضح لهم أحكامها حتى يفقهوا وتجلوا لهم معاني ما يتلون. فأقول بالله مستعينا، وبه توفيقي وعليه تكلاني.
فإليك أخي القارئ ترجمة المفسرين:
المفسر الأول:هو عبد الحق وكنيته: أبو محمد وشهرته: ابن عطية الأندلسي المغربي الغرناطي/ مفسر إمام فقيه القاضي ولد سنة 481هـ بغرناطة.
نسبه: ابو محمد عبد الحق بن أبي بكر غالب بن عبد الرحمان بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية المحاربي.
قبيلته: من قيس غيلان بن مرة كانت تعرف بدولة الفقهاء ودولة المرابطين وكان أبوه وجده وجد أبيه من كبار العلماء.
نشأ في بيت علم وفضل فأبوه كان أكبر علماء غرناطة غالب طلب العلم صغيرا على أيدي علماء غرناطة قرأ على والده كتب الحديث والتفسير والأدب والفقه فبرع في علوم شتى كالتفسير والشعر وغيرها ولي المرية في سنة 529هـ وكان يتوخى العدل والحق.
محنته: اتهم بالزندقة كما أشار إلى ذلك الزركشي واتهموه أهل المرية لما كان قاضيا فيها وقد ثبتت براءته منها وقال فيهم شعرا:
أهل المرية قوم لا خلاق لهم …. يفسقون قضاة العدل تفسيقا
قالوا تزندق عبد الحق قلت لهم …. والله ما كان عبد الحق زنديقا
ثناء العلماء عليه وعلى تفسيره:
قال الذهبي رحمه الله: الإمام العلامة شيخ المفسرين كان إماما في الفقه وفي التفسير وفي العربية قوي المشاركة ذكيا فطنا مدركا من أوعية العلم، وقال ابن تيمة رحمه الله: تفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري وأصح نقلا وبحثا وأبعد عن البدع وان اشتمل عل بعضها بل هو خير منه بكثير بل لعله أرجح هذه التفاسير.
وقال أبو حيان في مقدمته كتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص وكتاب الزمخشري أخلص وأغوص.
مؤلفاته: كل المصادر التي ترجمت لابن عطية ذكرت كتابين: فهرست ابن عطية وهذا الكتاب أي المحرر الوجيز.
عقيدته: أشعري العقيدة فهو يتعامل مع آيات الصفات مثل الإشاعرة أثبت بعضها وأوّل الباقي وقد ألّف هذا التفسير في فترة التي ألف فيها الزمخشري كتابه –الكشاف-.
توفي سنة 542هـ وقيل غير ذلك.
ترجمة المفسر الثاني: هو محمد ابن أحمد وكنيته أبو القاسم واشتهر بـ: ابن جزي: بضم الجيم وفتح الزاي، الغرناطي المالكي ولد سنة 693هـ بمدينة غرناطة.
نسبه: أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحي بن عبد الرحمان بن يوسف
بن جزي الكلبي.
قبيلته: نسبة إلى قبيلة كلب العربية المشهورة و هده القبيلة التي تنسب إلى كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن الحافي بن قضاعة ومن هذه القبيلة الصحابي: دحية الكلبي الذي كان يأتي على صورته جبريل عليه السلام أما جزى: نسبة إلى جز وهو جده : جز بن بكر أو نسبة إلى قرية من قرى اصبهان يقال لها (جز).
نشأ في بيت علم عريق الأصالة والنسب والشرق والعلم حيث يعتبر والده من علماء الأندلس في دلك الوقت تعلم مند الصغر و كان شاعرا أديبا. تولّى الخطابة في ريعان شبابه بالجامع الأعظم بغرناطة كان مشتغلا بالعلم تحصيلا وتأليفا وأصبح مفتي الأندلس و العلماء البارزين.
ثناء العلماء عليه وعلى تفسيره:
قال ابن الخطيب في وصفه: كان رحمه الله على طريقة مثلى من العكوف عل العلم والانشغال بالنظر والتقييد والتدوين فقيها حافظا قائما عل التدريس مشاركا في فنون العربية والفقه والأصول والقراءات والحديث والأدب. حفظه للتفسير مستوعبا للأقوال جمّاعة للكتب حسن المجلس ممتع المحاضرة قريب الغور صحيح الباطن فقد تقدّم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده عل حداثة سنّه فاتفق على فضله وجرى عل سنن أصالته.
قال الشيخ محمد الشنقيطي: حيث كنت ملازما لمطالعة تفسير ابن جزي في سفري ومقامي لكثرة فوائده وسهولة حمله فهو يغني عن مكتبة بما اشتمل عليه في التفسير واللغة وعلوم القرآن ومباحث أصول الفقه2.
مؤلفاته: برع ابن جزي في علوم شتى ومؤلفاته كثيرة نذكر منها:
هذا التفسير- أصول القراءات الستة غير نافع- وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم- القوانين الفقهية- الدعوات والأذكار المخرجة في صحيح الأخبار- تقريب الوصول إلى علم الأصول وغيرها
عقيدته: اشعري العقيدة فهو مؤول لأغلب الصفات ومفوض لبعضها3.
وفاته: توفي رحمه الله في معركة طريف وهو يحرض همم الناس ويحرضهم عل القتال عام 741هـ.
واعتمدت على طبعة محققة
1- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الاندلسي.
ط: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان- تحقيق د.عبد السلام عبد الشافي محمد ¬(1422هـ/ 2001م).
2- التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي
ط: دار الكتب العلمية (1415هـ/ 1995م).
تحقيق: محمد سالم هاشم.
أسأل الله جلّت قدرته أن يجعل ذلك كله لوجهه الكريم وأن يبارك فيه وينفع به وليعذرني القارئ في اختصاري من تقصير، بدأت فيه القول في الاستعاذة ثم البسملة فالفاتحة، ذكرت ما قاله المفسرين وما يبدو لي انه أنفع للناس وأنفسه وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الأول:
القول في الاستعاذة:
قال ابن عطية: قال تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم). سورة النحل آية 98.
معناه إذا أردت أن تقرأ وشرعت في ذلك وأجمع العلماء على أن الإستعاذة في قول القارئ ليس بآية من كتاب الله واختلفوا في التعوذ في الصلاة، وحكى الزهري عن الحسن انه قال: ((نزلت الآية في الصلاة وندبنا إلى الاستعاذة في غير الصلاة وليس بفرض)).
ومعنى الإستعاذة: الاستجارة بالله من الشيطان الرجيم وذكر ابن جزي كلاما نفسيا في الاستعاذة وأن فيها عشر فوائد واذكر للقارئ الكريم الثامنة والتاسعة والعاشرة.
قال ابن جزي:
إن ما استعاذ بالله صادقا أعاذه ، فعليك بالصدق ألا ترى امرأة عمران لما أعاذت مريم وذريتها عصمها الله4
والتاسعة: أن الشيطان عدو وحذّر الله منه إذ لا مطمع في زوال علة عدواته وهو يجري من بني آدم مجرى الدم5، فيأمره أولا بالكفر ويشكك في الإيمان فان قدر عليه وإلا أمره بالمعاصي فان أطاعة وإلا ثبطه عن الطاعة فان سلم من ذلك أفسدها عليه بالرياء والعجب.
العاشرة: القواطع عن الله أربعة: الشيطان والنفس والدنيا والخلق فعلاج الشيطان الاستعاذة ومخالفته.
القول في البسملة:
الخلاف في البسملة طويل قال ابن عطية رحمه الله: كثير منلقراء مكة والكوفة ومالك وأبو حنيفة وجمهور الفقهاء والقراء لا يعدّون البسملة آية أما الشافعي رحمه الله يعدّ: بسم الله الرحمان الرحيم آية من الحمد، وهذا ما رجحه ابن عطية وان قراءة جابر للبسملة وحديث أبي هريرة إنما كان قراءة تعليم لا لأنها آية وعدّ القول بالبسملة على أنها آية في كل سورة قولا شاذَّا رد الناس عليه
قال ابن جزي أيضا ذلك كما قال القرطبي رحمه الله إنها ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها.
قال بعض الناس: إن ملائكة النار الذين قال الله فيهم: (عليها تسعة عشر) سورة المدثر آية 30.
إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم لكل حرف ملك وهم يقولون في كل أفعالهم بسم الله الرحمن الرحيم فمن هنالك هي قوتُهم وباسم الله استظلعوا.
قال ابن عطية: وهذه من مُلح التفسير وليست من متين العلم وهي نظير قولهم في ليلة القدر إنها ليلة سبع وعشرين مراعاة للفظة في سورة إنا أنزلناه.
ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فإنها بضع وثلاثون حرفا. قالوا فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت بضع وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا).3–
والبسملة في موضع رفع على مذهب البصريين وفي موضع نصب على مذهب الكوفيين.
فهي متعلقة بمحذوف قدّره بعضهم فعل وبعضهم اسم ومعناها: الاستعانة بالله تعالى في أي شيء.
قال ابن عطية: وحذفت الألف من بسم الله في الخط اختصارا وتخفيفا لكثرة الاستعمال.
أما لفظة الجلالة –الله-: قال ابن عطية رحمه الله: وذهب كثير من أهل العلم الى انه مشتق من أله إذا عبد وتأله إذا تنسّك
ومن ذلك القول رؤبة بن العجاج:
لله درُّ الغانيات المدَّه* سبَّحن واسترجعن من تألهي
وأيضا قراءة ابن عباس ي الله عنه في قوله تعالى : ((ويذرك وعبادتك))، أي أن الله بمعنى المعبود فهو يعبد وحده ولا يعبد سواه.
أما الرحمان الرحيم:
قال ابن عطية: الرحمان صفة مبالغة من الرحمة ومعناها انه انتهى إلى نهاية الرحمة كما يدل على الانتهاء
سكران وغضبان وهي صفة تختص بالله ولا تطلق على البشر وهي ابلغ من فعيل وفعيل ابلغ من الفاعل لان راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك.
وقال بعض الناس أن معناهما واحد، وأما المفسرون فعبروا عن الرحمان الرحيم بعبارات منها أن العرزمي قال معناه: الرحمن بجميع خلقه في الأمصار ونعم الحواس والنعم العامة والرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم واللطف بهم.
القول في الفاتحة:
هي السورة التي افتتح الله بها كتابه العظيم وهي كما نعم أنها أعظم سور القرآن واختلفوا هل هي مكية أم مدنية.
فقال ابن عباس وغيره أنها مكية وقال بعضهم أنها مدنية ولها أسماء.
قال ابن جزي:
إنها أسماء تسمى سورة الحمد وفاتحة الكتاب والوقاية والشافية والسبع الثاني.
قال ابن عطية: فلا خلاف أنها يقال لها فاتح الكتاب لان موضعها يعطي ذلك.
وأما فضلها فعظيم فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها
فالحمد: معناه الثناء الكامل والألف واللام لاستغراق جنس المحامد.
وحكى بعضهم قال: (الشكر ثناء على الله بأفعاله وأنعامه والحمد ثناء بأوصافه) وهذا أصح معنى من أنهما بمعنى واحد.
قال ابن جزي: الحمد أعم من الشكر لأن الشكر لا يكون إلا جزاء على نعمة والحمد يكون جزاء كالشكر ويكون ثناء ابتداء كما أن الشكر قد يكون أعم من الحمد لان الحمد باللسان، والشكر باللسان والقلب والجوارح.
فإذا فهمت الحمد علمت أن قولك الحمد لله يقتضي الثناء عليه كما هو من الجلال والعظمة والوحدانية والعزة والأفضال والعلم والحكمة وغير ذلك من الصفات ويكفيك أن الله جعلها أول كلامه وآخر دعوى أهل الجنة. قال ابن جزي: (أن الشكر يكون على النعم التي لا تحصى ولا تعد) ولكنها تنحصر في ثلاثة أقسام:
نعم دنيوية: كالعافية والمال.
نعم دينية: كالعلم والتقوى.
نعم أخروية: وهي جزاءه بالثواب الكثير على العمل القليل في العمر القصير والناس في الشكر على مقامين:
منهم من يشكر على النعم الواصلة إليه خاصة
ومنهم من يشكر الله على نعمة جميع خلقه على النعم الواصلة إليهم.
قال تعالى: رب العالمين
قال ابن عطية: الرب بمعنى المعبود ومنه قول الشاعر:
أربٌّ يبول الثعبان برأسه* لقد هان من بالت عليه الثعالب
ويأتي معنى السيد المالك
قال ابن جزي رحمه الله: الرب وزنه فعل بكسر العين ثم ادغم ومعانيه أربع: الإله- السيد- المالك- المصلح.
وكلها رب العالمين والأرجح معنى الإله.
والعالمين: جمع العالم، وهو كل موجود سوى الله تعالى.
قال ابن عطية: وهو مأخوذ من عالم والعلامة لأنه يدل على موحده كذا قال الزجاج
قال تعالى: الرحمان الرحيم، تقدم الكلام فيه ملك يوم الدين وقرأت بمالك
قال ابن عطية: والملك أفخم وأدخل في المدح والآية إنما نزلت بالثناء والمدح لله سبحانه فالمعنى انه ملك الملوك في ذلك اليوم لا ملك غيره.
قال ابن جزي: وملك أعظم من مالك إذ قد يوصف كل احد بالمالك لماله وأما الملك فهو سيد الناس.
قال تعالى: يوم الدين
قال ابن جزي: وهو يوم القيامة ويصلح هنا في معاني الدين والحساب والجزاء والقهر ومنه قوله تعالى: أنا لمدينون.سورة الصافات
وقوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين
قال ابن عطية رحمه الله: قدم المفعول على الفعل إهتماما وشأن العرب تقديم الأهم، ويذكر أن أعرابيا سبَّ آخر فرد المسبوب عنه فقال له السابّ: إياك أعني فقال الآخر وعنك أُعرض، فقدّما الأهم.
قال ابن جزي رحمه الله:
إياك في الموضعين مفعول بالفعل الذي بعده أي يعبد الله وحده لا شريك له، وإياك نستعين إعتراف بالعجز والفقر أن لانستعين إلا بالله وحده.
ومعناه: أي نطلب العون منك على العبادة وعلى جميع أمورنا وهذا فيه بطلان قول القدرية والجبرية وان الحق بين ذلك.
وقوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم
قال ابن عطية: وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء من ذلك قوله تعالى: ولكل قوم هاد، سورة الرعد آية 07 وقوله تعالى: وانك لتهدي الى صراط المستقيم، وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا وهي الضلال وهي الواقعة في قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم على صحيح التأويل.
قال ابن جزي رحمه الله:
فإذا قيل كيف يطلب المؤمنون الهدى وهو حاصل لهم فالجواب أن ذلك طلب للثبات عليه إلى الموت أو الزيادة منه فان الارتقاء في المقامات لا نهاية لها، وقال أيضا: قدّم الحمد والثناء على الدعاء لأن تلك السنة في الدعاء وشأن الطلب أن يأتي بعد المدح وذلك أقرب لإجابة الدعاء وكذلك قدّم الرحمان على ملك يوم الدين لأن رحمة الله سبقت غضبه وكذلك قدّم إياك نعبد وإياك نستعين لان تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة.
الصراط المستقيم:
والصراط قال ابن عطية رحمه الله: الطريق الواضح والمستقيم، الذي لا عوج فيه ولا انحراف والمراد انه استقام على الحق وإلى غاية الفلاح ودخول الجنة.
قال ابن جزي رحمه الله: الصراط أي القرآن والإسلام والمعنيان متقاربان.
قال تعالى: أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم والضآلين
أنعمت عليهم: قال ابن عباس رضي الله عنه: هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون.
قال ابن جزي: قيل المؤمنون وقيل الصحابة والأرجح قول ابن عباس رضي الله عنه لقوله تعالى: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا سورة النساء آية 69.
قال تعالى: غير المغضوب عليهم ولا الضالين
قال ابن عطية رحمه الله:المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى، هكذا قال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم، وذلك بين في كتاب الله تعالى كقوله: ولا تتبعوا هواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثير وضلوا عن سواء السبيل. سورة المائدة لآية 77.
قال ابن جزي رحمه الله: قيل أن ذلك العام في كل مغضوب وكل ضال فالغضب صفة اليهود في القرآن والضلال صفة النصارى لاختلاف أقوالهم الفاسدة في عيسى ابن مريم عليه السلام.
القول في آمين:
قال ابن عطية رحمه الله: روى أبو هريرة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: إذا قال الإمام ولا الضآلين، فقولوا آمين، فان الملائكة في السماء تقول آمين فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.
ومعنى آمين عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب أو أجب يا رب.
قال ابن جزي رحمه الله:
أمر بالتأمين عند خاتمة الفاتحة للدعاء الذي فيها وقولك آمين اسم فعل معناه: اللهم استجب وقيل من أسماء الله ويجوز فيه مدُّ الهمز وقصرها ولا يجوز تشديد الميم.
لقد اشتملت هذه السورة وجمعت معاني القرآن العظيم كله ففيها ذكر الألوهية والثناء على الله بما هو أهله والدار الآخرة والحساب والجزاء والعبادات كلها من الاعتقادات والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي والشريعة في قوله: الصراط المستقيم وذكر الأنبياء وغيرهم في قوله الذين أنعمت عليهم، وذكر الطوائف الكفار في قوله : غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وتمّ تفسير سورة الفاتحة وما فيها من فوائد العظيمة والنوادر القيمة، نسأل الله أن ينفعنا بالعلم ويرزقنا الحلم. آمين.
الهوامش:
1. من مقدمة ابن عطية
2. انظر: قواعد الترجيح لابن جزي ومما يدل على عظمة الكتاب بما بدأ به في مقدمته العظيمة التي ذكر فيها أبواب كثيرة احتوت على أسباب النزول والمكي والمدني والناسخ والمنسوخ وطبقات المفسرين و أبوابا أخرى في البلاغة وأدوات البيان وغير ذلك من العلوم التي ذكرها.
3. يكثر ابن جزي رحمه الله: النقل عن ابن عطية والزمخشري.
4. إشارة إلى الآية الكريمة في قوله تعالى: واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم
5. إشارة إلى الحديث النبوي: إن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم فضيقوا عليه بالصوم.