حصريا

تقويم فتيا الهيئة في قيادة المرأة-د. بلال فيصل البحر

1 1٬203

[cl-popup title=”ترجمة الكاتب” btn_label=”ترجمة الكاتب” align=”center” size=”s” paddings=”” animation=”fadeIn”]

 

السيرة العلمية

 

معلومات شخصيــة

الاسم بلال فيصل خليل البحر
العنوان القاهرة
البريد الإلكتروني Albahar47@yahoo.com
الهاتف 01003004502
الحالة الاجتماعية أعزب
محل الميلاد وتاريخه بغداد – الكرخ 25/2/1972
الجنسية بغداد/العراق
 

المؤهلات الدراسية

بكالوريوس العلوم الإسلامية

(بتقدير جيد جدا)

1994 كلية الشريعه / جامعة بغداد
ماجستير فى الفقه

(بتقدير ممتاز)

2004 كلية العلوم الإداريه/ جامعة العلوم / اليمن
ماجستير أصول الفقه

(بتقدير ممتاز)

2009 كلية دار العلوم/ جامعة القاهره
دكتوراه أصول الفقه

(مرتبة الشرف الأولى(

 

2012 كلية دار العلوم / جامعة القاهرة
 
قرأت على جماعة من كبار أهل العلم والشيوخ قراءة بحث ودرس منهم: الشيخ المحدث السيد صبحي البدري السامرائي مسند العراق وأجازني, والقاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني عالم اليمن ولي منه إجازة عامة, والعلامة الدكتور الفقيه الأصولي عبد الكريم زيدان, والعلامة الفقيه الأصولي المحدث الدكتور هاشم جميل عبد الله العيساوي الشافعي, والدكتور العلامة عبد المجيد محمود المصري, والشيخ المحدث طارق عوض الله المصري, والشيخ المحدث الدكتور نور الدين عتر الحلبي الحنفي وأجازني, والشيخ المحدث الناقد الدكتور أحمد معبد عبد الكريم المصري الحنفي وأجازني, والشيخ الدكتور حسن مقبول الأهدل الشافعي، والشيخ الدكتور المحدث عبد الرحمن الخميسي، والأستاذ الدكتور الأصولي محمد سنان الجلال اليمني، والأستاذ الدكتور المؤرخ عبد الرحمن الشجاع، والشيخ الدكتور إبراهيم الدبو الحنفي، والشيخ العلامة محمد طاهر البرزنجي الشافعي، والقاضي صلاح المختار الموصلي الحنفي غيرهم.

 

 

الأبحاث العلمية

 

 

(1) )علل الأصوليين في ردّ متن الحديث والاعتذار عن العمل به), وهي رسالة الماجستير من قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وطبع في دار المحدثين بالقاهرة، وصدرت الطبعة الثانية في دار العلا بالقاهرة.

(2) (ردّ الازدراء عن المرابحة للآمر بالشراء) وهي رسالة الماجستير من كلية العلوم الإنسانية بجامعة العلوم بصنعاء تحت الطبع بدار النور المبين.

(3)  (تعظيم قدر العلم وشرفه وبيان أحكامه ووصفه في كتاب الله) رسالة نشرت في مجلة الحكمة الصادرة في مانشستر بالمملكة المتحدة / بريطانيا سنة 1423 العدد الخامس والعشرين.

(4) تحقيق وشرح مبسوط على مخطوط حديثي وهو جزء فيه من أحاديث الحافظ أبي حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال الخشاب البزار النيسابوري المتوفى سنة 330 للهجرة, رواية الإمام الحافظ أبي عبد الله بن منده عنه, رواية ابنه أبي عمرو عبد الوهاب بن منده عنه, بخط الحافظ أبي الحجاج المزي.

(5) مختصر من الشرح والتحقيق السابق على جزء ابن بلال, طبع في دار المحدثين بالقاهرة سنة 2009.

(6) (ذم الرافضة) جزء في الكلام على الآثار والأخبار النبوية الواردة في خروج الروافض والتنفير عنهم, ودراسة طرقها وعللها وألفاظ متونها دراسة حديثية تاريخية نقدية تحليلية, مطبوع في دار المحدثين بالقاهرة سنة 2011 بتقريظ القاضي العلامة المفتي بالديار اليمنية محمد بن إسماعيل العمراني.

(7) (أثر القواعد الأصولية في توجيه أحاديث الأحكام) رسالة دكتوراه من قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة, طبع في مجلدين بدار العلا بالقاهرة.

(8) (الكشكول في معرفة مشهور تصانيف الأصول).

(9) (عيون أخبار نفطويه) وهو في جمع أخبار الإمام الحافظ اللغوي النحوي المفسر, الفقيه الظاهري, المؤرخ الإخباري, أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي البغدادي الملقب نفطويه والمتوفى سنة 322 للهجرة, ودراسة ما حدث به ورواه من فنون العلم والأدب, وهي أول دراسة في بابها حول هذا العالم وشخصيته وأدبه, طبع بدار النور المبين بالأردن.

(10) (غرر الفوائد في مباحث خبر الواحد).

(11) (الرد على الأصم وابن علية فيما انفردا به من المسائل الفقهية).

(12) (النقض والرد على من أنكر رؤية الله في دار الخلد) كبير.

(13) (الرد على من أنكر وقوع النسخ في كتاب الله تعالى).

(14) (شذا الورد في الإلزام بالوعد).

(15) (اللؤلؤيات).

(16) (تهذيب مقدمة تفسير القرطبي والزيادة عليها) لم يطبع.

(17) (المباديء الكلامية في أصول الفقه).

(18) (التحديث بما علقه الشافعي على صحة الحديث).

(19) (مذكرة الفحول بفوائد ورقات الأصول).

(20) (جواب المسألة الإسحاقية) في العمل هل هو شرط كمال أم شرط صحة في الإيمان؟.

(21) جزء في تأويل وإعراب قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها).

(22) (الكلام على خبر العجوة).

(23) (علل حديث زمارة الراعي وطرقه) نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(24) (متعة السائح في اقتناص السوانح) في غرر النوادر والفوائد.

(25) (طبقات الظاهرية) مسودة يتم تبييضها إن شاء الله تعالى.

(26) (أخبار السفياني) جزء في الكلام على الأحاديث الواردة في خروج السفياني.

(27) (الكلام على حديث كفارة من أتى حائضاً وطرقه وفقهه).

(28) (الكلام على حديث لو كان موسى حياً وطرقه وفقهه).

(29) (الكلام على حديث لا وصية لوارث وطرقه وفقهه).

(30) (طرق حديث الصلاة على الميت في المسجد وفقهه).

(31) (شرح حديث لبيك إله الحق).

(32) (شرح حديث أسماء في دعاء الكرب).

(33) (شرح حديث يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل عدد ربيعة ومضر).

(34) (الرد على من زعم أن دية المرأة كالرجل).

(35) (الاحتجاج بالخبر المرسل).

(36) (مختصر كتاب أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الخن).

(37) (مختصر كتاب المقاصد العامة للشريعة للدكتور يوسف العالم).

(38) (شرح حديث البركة مع أكابركم).

(39) (طرق حديث من غسل ميتاً فليغتسل).

(40) (الومضات في عدد وأول الغزوات) نشر في موقع الألوكة.

(41) (شرح القواعد الكلية في المعاملات).

(42) (الانتصار في احتساب العدة بالحيض لا بالأطهار).

(43) (تقويم النظر في مسائل النسخ).

(44) (الرد على ابن حزم في إعلال حديث لاضرر ولاضرار) نشر في موقع الألوكة.

(45) (مختصر في جواب من طعن في القرآن باختلاف عدد آياته) .

(46) (الإملاء في أصول الفقه) مجلد.

(47) (الفُقَّاح في حكم الفِقاح) رسالة في حكم وطء الدبر طبعت بدار النور المبين بالأردن.

(48) (أحكام الفجر) مجلد في الكلام على ما يتعلق بوقت الفجر من الأحكام.

(49) (تفسير نفطويه) طبع في دار العلا بالقاهرة.

(50) (النظر والاعتبار في التقصي عن حديث قاتل عمار) نشر في موقع الألوكة.

(51) (الذب عن القتبي خطيب السنة) نشر في موقع الألوكة, وموقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(52) (تحقيق المقال في محاكمة الملّا والجلال) رسالة في المحاكمة بين الجلال السيوطي والملا علي القاري في مسألة أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم, طبعت بدار البصائر بالقاهرة..

(53) (معنى قول أمير المؤمنين عمرْ إن النبي صلى الله عليه وسلم هَجَرْ) نشر في موقع الألوكة.

(54) (مسامرة الأعيان في احتساب العلامة زيدان) نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق, وموقع الألوكة وغيرهما.

(55) (القول في غسل يوم الجمعة).

(56) (أعمال الأعلام على بلوغ المرام).

(57) (الإعلام بشروح عمدة الأحكام).

(58) (التعقب على كتابي المزني ومدارس مصر الفقهية للدكتور غنايم) مقالة.

(59) (شرح حديث التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان).

(60) (تفصيل المجمل في متروك الظاهر وما لم يجر عليه العمل) طبع في دار النور المبين بالأردن.

(61) (شرح حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام في نضح الوجه بعد غسله في الوضوء) لم يطبع.

(62) (نقض كلام الطرهوني في بيانه عن حوادث داعش).

(63) (إصلاح غلط الكُتّاب والمحققين في تراجم الأعلام والمصنفين) جزء لطيف نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق ومجلة البصائر وموقع جنة السنة.

(64) (زِنْبِيلُ العِلْم) رسالة في الكلام على حفظ العلم ومتونه, نشرت في موقع الألوكة ومجلة البصائر وموقع الدرر السنية.

(65) (رسالة في تاريخ أصل أبي علي الصدفيّ من صحيح البخاري) نُشرت في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(66) (بلوغ الأمل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل).

(67) (قاعدة في الدعاء على أهل الجور والظلم).

(68) (في وجه العاصفة) رسالة في شرح ما يلاقيه الفكر الديني من الكيد والمكر عبر تاريخه.

(69) ( نشر البُنُود في خبر الرايات السود) طبع بدار النور المبين.

(70) (معالم غزوة تبوك ومعانيها) رسالة لطيفة.

(71) (تأويل الأخبار الواردة في النهي عن التصوير) جزء.

(72) (مختصر ردّ الازدراء) رسالة.

(73) (مختصر في مسألة رؤية الباري في الآخرة) جزء لطيف.

(74) (معاني لو ولولا) رسالة.

(75) (فوائد الرحلة في التسلي عن فراق بغداد ودجلة) في طرف النوادر, وغرر الفوائد, ولطائف الأخبار.

(76) (آداب الفَسْبَكَة) نشر في موقع الألوكة, وموقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(77) (المختصر اللطيف في حكم عمل المولد الشريف) نشر في موقع جنة السنة.

(78) (جمهرة المقالات).

(79) (المسألة التيمية في المنع من شدّ الرحل للروضة النبوية) طبع بدار البصائر.

(80) (إنارة الدُّجُنّة بطرق حديث نساء الجنة).

(81) (نُجعة المنتاب في النقض على الشريف عداب) جزء في نقض كلام الشريف الدكتور عداب الحمش في خلافة الراشدين رضي الله عنهم، طبع في دار النور المبين بالأردن.

(82) (الردّ على الألباني في القرآءة على القبور) قيد الطباعة في دار النور المبين بالأردن.

(83) (ما فعل الله بك.؟) مجلد طبع في دار النور المبين بالأردن.

(84) (تفسير ما أشكلْ من ظاهر الأمر بتسوية الصفوف وسدِّ الخللْ) نشر في موقع الألوكة وهو تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(85) (عُجالة الفذلكي في تصحيح التسويق الشبكي) نشر في مجلة هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(86) (مسائل الفقهاء المخرجة على قوانين الفيزياء).

(87) (شرح حديث ما أحد أشد معاذير من الله).

(88) (الهبرزي في ذكر مَنْ كان دَميماً من النُّبلاء) تحت الطبع بدار النور المبين.

(89) (ردّ الانتقاد عن ألفاظ الردة).

(90) (تعريز العاتب وتعزير الكاتب في الكلام على حديث التائب) نشر في موقع الألوكة.

(91) (النقض على السويدان في مسألة تلبّس الجن بالإنسان).

(92) تحقيق ودراسة مخطوط (سعادة أهل الإسلام بالمصافحة عقب الصلاة والسلام) للعلامة حسن بن عمار الشرنبلالي تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(93) (العود القماري في حكم قول صدق الله العظيم عند ختم القاري) تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(94) (رفع الملام عن لحن الأئمة الأعلام) نشر في موقع الألوكة.

(95) (خطأ الألباني في حديث المثناة).

(96) (ضوع الزرنب في مرقد السيدة زينب) تحت الطبع بدار الإحسان بالقاهرة.

 

 

[/cl-popup]

تقويم فتيا الهيئة في قيادة المرأة
د. بلال فيصل البحر
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى..وبعد:
فقد طالعنا فتيا هيئة كبار العلماء بالمملكة السعودية في حكم قيادة السيارات للنساء، ووقفنا على جمهرة ما قاله علماؤهم في هذا المقام، فرأينا فيه من الإشكالات ما ينبغي التنبيه عليه بقصد النصح والتقويم، ولا غرض لنا ولا أرب في غير العلم والفقه والبحث في الدلائل بقطع النظر عن القائل.
وعليه فلا يشغب علينا من استدخل الهوى في قلبه الميلَ إلى تصويب القرار الملكي أو تغليطه، ولا شأن لنا في كلام الطاعنين في العلماء من الطرفين، فلا نفع لنا فيما سطرناه في دنيا ولا جاه، ولله الحمد والمنة.
ولا ريب أن في كلام الفريقين ممن يشتغل بالعلم في البلاد النجدية، من الغلط على العلماء والطعن عليهم ما لا يسمح به شرع ولا يقرّه دين، وللعصبية في بعض ما وقع في هذه المسألة من الفريقين مدخل ظاهر، وإن كان قد وجد من أهل الأهواء من لا يُحكّم الشرع في المسائل، وإنما الحكم فيها لولي أمره الذي هو عنده كالمعصوم بلسان الحال، فلا تقع تصرفاته إلا موافقةً للصواب عنده، فيندفع والحال هذه إلى تأييده بحشد الدلائل والأقاويل التي لو حقّق ودقّق، واتَّشح برداء الإنصاف.وخلع عنه ثوب الاعتساف، لاستيقن أنـها حجةٌ عليه لا له، لكن غياية الطاعة العمياء أعشته عن درك ما هو لائحٌ لا يستره غلس الظلماء، ومن هنا قال أهل العلم: (استدل ثم اعتقد).!
وبإزاء هؤلاء طائفة ممن يتعانى صناعة العلوم لا ترى لولي الأمر حسنة، وتغمصه حقّه الذي قرّره الشارعُ له دون تحكيم العلم في المسألة، فلا تقع تصرفاته وقراراته عندهم إلا جائرةً بائرة، ولا ريب أن الإنصاف عن الفريقين أبعد من مناط العيوق، وأعز من بيض الأنوق.!
والعجب أن كلا الطائفتين تدعي الانتساب لمذهب الإمام أحمد والسلف، وأن ما هي عليه هو منهج أحمد والسلف والأئمة الذي لا منهج لهم سواه، وهو كذب ظاهر على أحمد والأئمة فإن منهجهم المعروف من سيرتـهم المدونة، تحكيمُ العلم والنصوص والجمعُ بين إنكار جور الولاة وما خالفوا الشرع فيه جهراً وسراً، وبين الدعاء والمناصحة وبذل الطاعة لهم فيما أطاعوا الله ورسوله فيه، وترك الخروج عليهم إلا لمصلحة محققة بعد توافر الشروط وانتفاء الموانع القاضية بذلك.
وأما ما نراه اليوم في بلاد نجد والحجاز وغيرها من بعض من ينتسب لأحمد والسلف من الطاعة العمياء لولي الأمر وتقرير تصرفاته وقراراته وإن كانت جوراً وفسقاً، أو إكفاره دون مسوغ ومنابذته وخلعه مطلقاً والسعي في الخروج عليه، فليس ما عليه السلف والأئمة أحمد وغيره، بواحد من هذين، بل الأول مذهب النواصب وبعض المرجئة، والثاني مذهب الروافض والخوارج، وكلاهما مرذول وأحلاهما مرّ.
وقد وقع في كلام من أفتى بجواز قيادة المرأة من الغلط في وجوه الاستدلال ما نبينه، فأول ذلك أنـهم خالفوا دليلَ العرف وناقضوا الواقع، فإنـهم أقاموا منذ دهر على الإفتاء بالمنع والتحريم وتعصبوا له وشددوا فيه، حتى أنكر بعض مفتيهم على من أجازه من السلفيين كالمحدث الألباني وغيره.
والعرف يقتضي العكس عند كل متفقّهٍ عارفٍ بأصول الاستدلال، فقد أجمعنا على أن الزمان الذي كان فيه الحكمُ هو منع النساء من القيادة، أفضل وأرجح من هذا العصر الذي أرخصوا فيه لهن بالقيادة، ديانة وأخلاقاً، فقد كان الناس رجالاً ونساء أقرب إلى الشرع وأكثر فهماً له وأحسن أخلاقاً وأكثر طاعة للعلماء، وكانت البلاد أكثر رخاء واستقراراً وأمناً من الفتن الداخلية كالروافض وداعش، والخارجية كالروافض والتغريب، ولا نزاع في هذا إلا من مكابر.
وإذا تقرر هذا فإن قيادةَ النساء كانت تكون جائزةً في ذلك الوقت والحال، فأما إذا كثر الفساد واشتدت غربة الدين وهجم الأعداء من الداخل والخارج وكثر الفساد والتغريب والعلمنة، فإن الحكم يكون المنع سداً للذريعة التي هي أصل من أصولكم.
فقد خالفتم في هذه الفتيا أصل العرف وسد الذرائع، ومعلوم عند الفقهاء أن الحكم يدور مع العرف، يعتبر فيه ويراعى له، كما قيل:
والعرفُ في الشرع له اعتبارُ … لذا عليه الحكمُ قد يُدارُ
وأصل العرف وسد الذريعة يقتضيان المنع الان لتوافر الدواعي له، فكيف عكستم والمحفوظ أن التشديد في الأحكام التي يُحتاط لها في الأعراض ونحوها، يكون عند كثرة الفساد والفساق، ويُتساهل فيها عند الأمن وصلاح الناس، كما أفتى أبو يوسف ومحمد بمنع النساء من المساجد، وعلّلوه بفساد الناس، كما جاء عن عائشة عند مالك والبخاري وغيرهما أنـها قالت: (لو أدرك النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساءُ اليوم، لمنعهنَّ المساجدَ كما مُنع نساءُ بني إسرائيل).
وأما الأموال والحدود فبعكس ذلك، يُشدّد فيها عند الأمن والرخاء وصلاح الناس، ويُرخّص فيها ويُتساهل في وقت الشدة وفساد الناس، كما أفتى بعض السلف والفقهاء أحمد وغيره، بجواز السَّفْتَجة وعلّله ابن القيم بالحاجة لخطر الطريق.
ومن الخطأ في الفتيا المذكورة قولهم: (إن ولي الأمر لا يتواني في اتخاذ ما من شأنه تحقيق المصلحة..وأن العلماء قرروا أن تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة، وعلى ذلك يكون الغرض من تصرفات ولي الأمر الاجتهادية، تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وعلى ذلك أيضاً فإن ولي الأمر يختار في كل قراراته الأصلح والأنفع والأيسر) هذا منصوص الفتيا بحروفه.!
وفيه من الغلط والتمويه أنه مصادرة ظاهرة على المطلوب، وخلع للعصمة على تصرفات ولي الأمر، بدعوى أنه لا يُقرّر إلا ما فيه المصلحة، وخطأ ظاهر في الاستدلال بأصل المصالح والمفاسد.!
وذلك أن الأصل في تصرفات الحاكم ومن له الولاية، الاجتهاد كالعالم والقاضي ونحوهما، ومقتضاه أن يُنظر في قراراته وتصرفاته بعد صدورها بعرضها على الأحكام الشرعية، فما وافقها منه قُبل وإلا رُدَّ، وهذا مقتضى القاعدة المذكورة أنّ تصرّف الولي منوط بالمصلحة الشرعية، وهؤلاء جعلوا تصرّفاته كلها مصالح لا مفاسد فيها بقولهم: (لا يختار إلا الأصلح..) وهذا لا يقوله عاقل فضلاً عن عالم، للإجماع على أنه يُخطئ ويصيب، فقد جعلوا أفعال ولي الأمر كأفعال الصانع عند المعتزلة.!
ومعنى القاعدة أن تصرفات ولي الأمر إذا كانت منوطة بالمصلحة التي يقرّها الشارع قُبلت وإلا فلا، وليس معناها ما توهمه المفتون في الهيئة من أن سائر تصرفاته لا تقع إلا موافقة للمصلحة، فإن هذا لا يكون إلا لنبي معصوم، ولا يقال إننا نتقول عليهم فإن هذا ظاهر جداً من نص الفتيا، فيلزمهم عصمة قراراته، واللازم فاسد بالإجماع، فالملزوم مثله.
ويلزمهم أيضاً أن كل قرارات أولياء أمور من عداهم من بلاد الإسلام موافقة للمصلحة ولا بد، بمقتضى أن تصرفات الولي في رعيته منوطة بـها، وبالتالي صواب تصرفات أمير قطر الذي حاصروه واعتزلوه بلا وجه حق، وهم لا يقولونه.!
وقد وقع لأمير الأندلس أنه واقعَ في رمضانَ، فأفتاه الفقهاءُ بالعِتق، فعارضَهم عاقلُ الأندلس يحيى بن يحيى الليثي المصمودي رحمه الله وأفتاه بالصوم، فلما استثبتَه الفقهاءُ الذين ظنوا أنه إنما منعه من العِتق لاقتداره عليه، أبانَ لهم عن نظرٍ ثاقب ورأيٍّ صائب، مُعلّلاً فُتياه بأن الأميرَ إنما يعتق من مالٍ لايـملكه، فإنه مِلْكٌ لعامة المسلمين وهو أمينُه، إن سَلِمَ من التفريط فيه، فإنْ جوَّزناه له استرسل فيه، فكُنَّا عوناً له في إضاعة المال العام وإهداره.
وقد تقدَّمه إلى نظير ذلك الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه، مع بعض أمراء العباسيين في كفارة اليمين، فهذا منهج السلف وهو مراعاة الشرع وصيانة أحكامه.لا تقرير ولي الأمر على تصرّفه والتماس وجوه العذر له.
ووجه كونه مصادرة على المطلوب أن النزاع إنما هو في قراراته وتصرفاته هل هي صحيحة موافقة للأصول أو لا؟ فصادر الخصمُ على المطلوب بخلع الصواب وموافقة المصلحة، على سائر تصرفات ولي الأمر، والآفة غلطه في تصور هذا الأصل.
وأيضاً فلا يُسلِّم لكم المخالفُ أن قراره هذا موافقٌ للمصلحة، وفيه تحصيل لها ودرء للمفسدة، بل الظاهر أنه إنما اتّخذه موافقةً لهوى الغرب وضغوطه المدعومة من الإمارات في فرض سياسة التغريب، وعلمنة الدول كما صرح به يوسف العتيبة، وهذا ظاهر للناس لا يمكن إخفاؤه بفتيا أو قضاء، ولهذا فرح بـهذا القرار دعاةُ التغريب المدعومين من الغرب، واجترأ بعقب صدوره بعضُ المتغربنين السعوديين على المطالبة بافتتاح دور للسينما لعرض أفلامهم التي لا يحدّها شرع ولا يُقيّدها دين أو عرف، كما سمعناه في قناة فرنسية.!
وعلى التنزل أن القرار فيه نوع مصلحة، وأن الأصل الإباحة كما هو نص فتيا الهيئة، وأنه إذا تعارض اجتهادان قُدّم اجتهاد من له الولاية على اجتهاد من لا ولاية له.فهذه المصلحة بتقدير وجودها من شرطها عند الأصوليين كما نص عليه الغزالي والآمدي والإمام وابن الحاجب وابن تيمية وغيرهم، أن تكون محقّقة قطعية عامة.وهذا لا يُسلَّم توافره في هذا القرار، بدليل أن هناك من المفاسد ما يضادّها ويتحقّق من وارئها ولا سيما في مجتمع كالمجتمع السعودي التقليدي المحافظ.
فإن المصلحة المدّعاة لا تعم بل تختّص ببعض النساء دون بعض، وليست متحقّقةً ولا سيما في هذا الوقت، بدليل الواقع، فإن النساء كُنّ مستغنيات عنها ولا يحتجن إليها منذ ظهورها وإلى اليوم، بل هي عندهن من التحسينيات لا الحاجيات بَلْهَ الضروريات، وغالبهن يتمنين قيادتـها لمتعة القيادة لا للحاجة إليها في نفس الأمر.
وبالتالي فليست هي قطعية بل ظنية، وقد يغلب على الظن حصول مفاسد منها كالتي نشاهد نظيرها في المجتمعات التي يقود النساء فيها السيارات من مدة.كمصر وغيرها، فلا يكاد ينقضي يوم إلا بخبر اغتصاب امرأة في سيارتـها أو انحراف الفاسقات منهن مع من يـهوينه من الفساق.
وذكر من أصدر الفتيا أن ولي الأمر أشار إلى ما يترتب من السلبيات على منع النساء من القيادة، ولم يذكر هؤلاء ماهية هذه السلبيات حتى ننظر في صلاحيتها لرفع حكم المنع أو لا، وما عساه يذكر وهو يعلم أن سلبيات ومفاسد الإباحة في مجتمع كالمجتمع السعودي الممنوع نساؤه منذ مدة من القيادة، أكثر وأشد من السلبيات والمفاسد المترتبة على المنع.
سلمنا ما قال من السلبيات والمفاسد، فهو يقتضي أن المجتمع السعودي منذ ظهور السيارات كان يعيش في جملة سلبيات ومفاسد لم يتنبّه لها العلماءُ الكبار الماضين وهم كانوا أعلم وأتقى، بل ولا تنبّه لها من مضى من أولياء أمورهم، مع أن في المبيحين اليوم من كان يقرّ المنع بالأمس، أي: يقر هذه السلبيات والمفاسد، فهل ذهب بـهم السيل وهم لا يدرون؟ أم أمرهم كما قيل:
يوماً بحَزوى ويوماً بالعَقيق وبالـــ….عُذيب يوماً ويوماً بالخُليصاءِ
وتارةً تنتحي نَـجْداً وآونةً…….شِعْبَ الغُوير وطوراً قصرَ تيماءِ
والواقع أن الخطأ واقع للكبار من علمائهم بالأمس في منع النساء من القيادة بإطلاق، فوقع هؤلاء في خطأ أكبر منه في الجواز بإطلاق، وقد كان لهم مندوحة في تقدير الأمر بقدره، فلا يُمنع بإطلاق ولا يُباح بإطلاق، بل ينضبط بضوابط تحكُمه وتحصُره في المصالح التي لا يُنكر منصفٌ أن نوعاً منها يوجد فيه، كما أن فيه من المفاسد ما لا يدفعه إلا مكابرٌ عصبي.
فيُضبط بما يجلب مصالحه ويدرأ مفاسده، لأن قيادة النساء ليس بمفسدة محضة ولا مصلحة محضة، بل قد اشتمل على النوعين، ومثل هذا إما أن يُمنع تغليباً للمفسدة كما هو مقرر في الأصول، أو يُضبط بما يُحصّل مصالحه ويدرأ مفاسده، مثل تقييده بسن معينة أو حال خاصة أو موضع دون موضع، ونحو ذلك مما يحكُمه من قوانين هي موجودة في بعض البلاد التي يُباح فيها للمرأة القيادة، مثل منعها من قيادة وسائل النقل العامة كالأوتوبيس ونحوه، ومنعها من قيادة سيارات الشحن الكبيرة، ومنعها من قيادة الطائرات والقطارات ونحوها، فليكن هذا كهذا ولا فرق.
ثم تعلق المفتون في الهيئة بأصل الإباحة إذا وجدت الضمانات الشرعية لصيانة النساء، لأن نفس القيادة لا يُحرّمها أحد لذاتـها كذا قالوا، ومحمود منهم تقييده بما أسموه الضمانات الشرعية، مع أن هذا لا موقع له، لأن القرار مطلق عنه فكان هذا القيد عبث لا طائل منه.
لكن في قولهم بأصل الإباحة في القيادة على الإطلاق نظر وإشكال، فإن نفس القيادة إن كان يتعلق بالمقود ففي وصفه بالإباحة مسامحةٌ وتجوّز، من جهة أن الأحكام ليست صفاتٍ للأعيان، ولا تعلّق لها بـها، بل بالأفعال عند الجمهور، إلا لمعنى في العين يقتضي اتّصافه بالحكم، وهذا ليس مراداً في الفتيا كما يظهر.
وإن كانت فعل القائد وهو المتبادر، فإطلاق الإباحة عليه مشكل، لأن فعل المكلف تعتريه الأحكام ولا يخلو منها اتفاقاً، إما عقلاً أو شرعاً، وبالتالي فقولهم إنه مباح لا يخلو أن يكون الشارعُ أباحه، فكيف ساغ لعلمائكم تحريمه من قبل، فإنه تحكّم باطل، أو يكون مباحاً في العقل، فكيف يُحرّم الشارعُ مباحاً في العقل، والشريعة لا تنافي العقول ولا تأتي بما ينافرها.؟!
وأيضاً فوصفكم له بالإباحة اليوم مع كونه مباحاً في الأصل كما تقولون، من تحصيل الحاصل، وطلب ما ليس من وراء تطلّبه طائل.؟!
فإن قيل هو مخرّج على قول الشيخ أبي الحسن الأشعري وأصحابه، إن إباحته في العقل بمعنى ملاءَمة الطبع ومنافرته لقيادة المرأة، فهو قبيح يلزم منه فساد طباع من كان يُحرّمه من قبل من علمائكم -حاشاهم- ثم هو خلاف الحس والمشاهدة، فإن الطباعَ كانت فيما مضى تقتضي الإباحةَ، لأن الغالب كان هو صلاح الراعي والرعية، بعكس اليوم كما مرّ.
ولو أنـهم أجروا الأمر على أنه حكمٌ عاديٌّ ولا تعلُّق للشرع به كما هو الواقع، وأن الزمانَ تغيّر بمقتضى التطور والتسارع التكنولوجي الذي يقتضي تجويز القيادة للنساء لا لمانع شرعي، كان أسلم لهم وأبعد عن التخبط والتناقض والتهمة.
فإن أصروا على كونه متعلقاً بالحكم الشرعي فكان لهم قياسه على ركوب وقيادة الحمار للنساء ونحوه من الدواب كالإبل ونحوها المجمع على جوازه، فالسيارة أولى من جهة كونـها أقرب للستر والسلامة، مع تقييد الحكم في الفتيا بما يتقيّد به من مسافة السفر احتياطاً من سفرها دون محرم، أو الخلوة المحرمة ونحو ذلك.
وأيضاً مع التدرج في الأمر بحيث يُسمح فيه بقيود كما تقدم ذكره، حتى يُسترسل بلطف إلى تقنينه، كي يُجتنب ما قد يقع في فتح بابه من السلبيات والمفاسد،.كما قالت أم المؤمنين عائشة في تحريم الخمر فيما رواه البخاري، فإن العطشان المحروم إذا وجد الماء كرع من العطش صفوه وكدره.
والحاصل عند كل فطن عاقل أن هذا القرار سياسي محض كما مر، وأن المراد منه عولـمة البلاد السعودية وتغريبها، وأنه ذريعة إلى ما هو أعظم من المفاسد مثل السينمات والخمارات وغيرها.
والعجيب أن بعض من ينتسب للعلم أصبح اليوم من العوام كما قال ابن الجوزي، وليت الواحد منهم يصمت ويمسك لسانه، إذن لسلم وغنم، لكنه ينتدب بكل صفاقة للذب عن الباطل والمحاماة عن أهله ممن ينتسب لولاية أو منصب، وخلع لباس الهيبة عليهم بحيث لا يجترأ طالب حق على نقدهم أو الاعتراض عليهم، ضد من يقوم بحراسة الفضيلة والدفع عنها أن يعبث بأحكامها الجُّهال أو الضُّلال، ويزعم ذلك ديناً وما درى المسكينُ أنه يبيع دينه بدنيا غيره، لكن غرّه مقياسه الفاسد وهو اعتبار الحق بالرجال، وإنما الميزان عند ذوي النَّصفة اعتبار الرجال بالحق، لكن الواحد من هؤلاء قد عشي عن الحق حتى بات الحق معهم كما قيل:
مثل النهار يزيد أبصارَ الورى…نوراً ويُعمي أعينَ الخفّاشِ
أو كما قال الآخر:
خفافيشُ أعماها النهارُ بضوئه…ووافقها قِطعٌ من الليل مُظلمُ
وقد ذكر لنا الشيخ الدكتور مولود الراوي رحمه الله أنه لـما همّتْ الحكومة السعودية بافتتاح سينما بالمدينة النبوية, قام هو وبعض إخوانه من أهل العلم والفضل بمنع ذلك وإنكاره, وكتبوا به إلى الجهات المختصة, فبلغ ذلك الشيخَ عبد العزيز بن صالح آل الشيخ وكان يتولى الحسبة بالمدينة يومئذ, فكتب يأمر بسجن الراوي ومن معه بدعوى الافتيات على ولي الأمر، فسُجنوا.!
ثم علم بأمرهم سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله, فسعى في إطلاقهم ومؤازرتـهم فيما سعوا فيه, حتى إنه مضى إلى السجن وأمر السجّان بفتح بابه, فدخل فيه وجلس معهم وقال: (لا أخرج حتى يخرج هؤلاء) فخرجوا جميعاً وتمَّ لهم ما أرادوه وسعوا فيه.
وقيل إن الملك فهد عزم في مدة ولايته على إصدار قرار بتجويز القيادة للنساء، فشاع ذلك حتى بلغ العلماء والأعيان والوجهاء والمثقفين في المملكة، فكتبوا يناصحون الملكَ بعدم إصدار قرار بذلك، حتى بلغت الخطابات والكتب التي انتهت إلى الديوان الملكي، أربعة ملايين خطاب، كلها تطلب استبقاء قرار المنع.!
وأما هذا القرار اليوم فلا يخلو أن يكون مفروضاً على هيئة علماء المملكة أولا، فعلى الأول لا كلام، وعلى الثاني كما سمعنا الشنقيطي يذكر أنه لم يُفرض عليهم.فقد أذكرنا هؤلاء العلماء بما حكاه نفطويه النحوي عن داود بن علي عن يحيى بن أكثم قال: كنتُ عند المأمون وعنده قُوّاد خراسان، وقد دعا إلى القول بخَلْقِ القرآن، فقال لهم: ما تقولون في القرآن.؟
فقالوا: كان شيوخُنا يقولون: ما كان فيه من ذِكْرِ الحمير والجمال والبقر فهو مخلوق، فأما إذا قال أميرُ المؤمنين هو مخلوق، فنحن نقول: كلُّه مخلوق.!
قال يحيى: فقلتُ للمأمون: أتفرح بموافقة هؤلاء.!؟
والله غالب على أمره، وهو الموفق لا رب سواه، وصلى الله على خليله ومصطفاه، وعلى آله وأصحابه ذوي الشرف والجاه.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

  1. كمال بن عطاءالله يقول

    السلام عليكم
    بارك الله في جهودكم … مجلة بمواضبع هادفة ..جاءت في وقتها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.