المعجم التاريخيّ بين حُسن التقدير وسُوء التقديس
المعجم التاريخيّ بين حُسن التقدير وسُوء التقديس
بقلم الدكتور محمد جمعة الدِّربيّ
الباحث المعجميّ المحقِّق اللغويّ عضو اتحاد كتّاب مصر والاتحاد الدَّوليّ للغة العربيَّة
توطئة:
عندما ظهرَت المرحلة الأولى من معجم الدَّوحة التاريخيّ على الشبكة العنكبوتيَّة في ديسمبر عام 2018م كتبتُ مقالًا في العدد العاشر من مجلة الربيئة التي تُفسِح صفحاتها لأقلام الكتّاب من مختلف بلدان العالم، وقلتُ في نهاية الفقرة الأولى من المقال: “ومهما كانت المعابةُ والأخطاء والسَّقطات في هذه المرحلة فسيكتب التاريخ أن الدَّوحة وعدتْ ونفَّذتْ”([1])، ثم أشرتُ فى الفقرة الأولى من مقال آخر بالمجلة نفسها إلى خلوّ المرحلة الأولى لمعجم الدوحة من تراث ابن سيده المعجميّ بسبب خلط المجلس العلميّ للمعجم بين المصادر الأساسيّة – وعلى رأسها المعاجم- والمصادر الثانويّة التي يمكن تأجيلها إلى مراحل قادمة([2])! ثم خصَّصتُ بمجلة الوعي الإسلاميّ مقالًا لمصادر معجم الدَّوحة وضَّحتُ فيه أبرز المزايا ومواضع القصور([3]). وبالإضافة إلى الإشارات الثلاث السابقة نشرتُ في العدد الرابع عشر من مجلة الربيئة عام 2019م مقالي(معجم الدَّوحة التاريخيّ بين البداية والأمل)، وقد رأيت أنه يكفي لتنبيه المجلس العلميّ لمعجم الدَّوحة إلى بعض- وليس كلّ- مواطن التقصير في مقدِّمة المعجم ومنهجه. وقد اطَّلع على مقالي جُلّ المتخصِّصين في صتاعة المعاجم، وبعض المشاركين في معجم الدَّوحة نفسه.
وفي أغسطس عام 2020م؛ أي بعد عام ونصف تطوَّع الباحث العراقيّ الدكتور أحمد كسار الجنابي بالردّ على مقالي الأخير؛ فكتب في العدد السابق(الثامن عشر) من مجلة الرَّبيئة مقالًا بعنوان: معجم الدَّوحة يُشكَر ولا يُنكَر. وجاء ردُّه في بضع فقرات أنقلها هنا كاملة بلفظها كما أرسلَها إلى مجلة الربيئة التي حرَصت على نشر مقاله بلا تغيير أو تعديل؛ وسأردُّ عليه فقرةً فقرةً؛ حتى يرى القارئ المنصف الفرق بين تقديس الجنابي للمعجم الذي عمِل فيه وبين تقديري لهذا المعجم. ولن أكتفي بهذا الجانب بل سأناقش الجنابي نفسه في مقاله الذي كتبه عن معجم الشارقة التاريخيّ؛ للكشف عن جانب آخر من سوء التقديس!
أولًا: معجم الدَّوحة:
استهلَّ الجنابي تقديسه بالتفريق بين النقد والانتقاد فقال:” ردّ على مقال: معجم الدّوحة التاريخيّ بين البداية والأمل للدكتور محمد جمعة الدِّربيّ. الخبير اللغويّ د. أحمد الجنابيّ- الدّوحة(!). اطلعتُ على مقال منشور في مجلتكم الرّبيئة الفكريّة الإلكترونيّة الصادرة من الجزائر مقال- بعنوان: معجم الدّوحة التاريخيّ بين البداية والأمل للدكتور محمد جمعة الدِّربيّ الذي عرّف نفسه باحثًا معجميًا، ومحققًا لغويًّا، وعضوًا في الاتحاد الدوليّ للغة العربية – القاهرة. وفي تغريدة لكاتب المقال ذكر أن هذا أول مقال (ينتقد) معجم الدّوحة التاريخيّ، وليته فرَّق بين النَّقْد والانتقاد(!)”.
وأقول مُقدِّرًا: يُفهَم من كلام الخبير اللغويّ العراقيّ الأصل والتربية والتعليم الذي نسَب نفسه إلى الدَّوحة أن النقْد يكون بذكر المحاسن والعيوب والانتقاد يكون بذكر العيوب فقط، وأن مقالي انتقاد فقط! وربَّما يريد الجنابي أن النقد يكون بذكر العيوب فقط والانتقاد يكون بذكر المحاسن والعيوب، وأن مقالي نقْد فقط!
وهذا التفريق غير دقيق؛ لأن النقْد قد يُستعمل في معنى الذمّ والعيب خاصَّة؛ ومنه حديث أبي الدَّرداء- رضي الله عنه: ” إن نقدتَ الناسَ نقدوك”([4])؛ وهذا المعنى هو الشائع في الكتابات الحديثة والعاميّات المعاصرة؛ حيث يُطلَق النقْد في مقابل التقريظ؛ ومنه قول إسماعيل صبري باشا- في تقريظه لمختارات البارودي المطبوعة عام 1909م- من بحر البسيط ([5]):
شِعرُ الفتى عِرضُه الثاني فأَحْرِ به ألّا يُشوَّه بالأقــــــــــــــــــــــذار والوَضَرِ
فانقُد كلامَك قبل الناقدِين تحُط ثاني النَّفيسيْن من لَغْوٍ ومن هَذَرِ
ولا يخفى على الدكتور الجنابي أن أصل كلمة النقْد من نقْد الدراهم ومعرفة الجيِّد منها والرديء، وأن النقْد في الاصطلاح هو فنّ تمييز جيِّد الكلام من رديئه، وصحيحه من فاسده، وقد استعمل بعضُ أكابر العلماء مصطلح (نقد القراءات) بمعنى إعمال الفكر فيها اختيارًا وترجيحًا، وتقوية وتضعيفًا، بمسوِّغات وحُجج علميَّة تنطلق من ثوابت الإيمان بتواتر القرآن وسلامته من كلّ عيب أو نقْص، ولكن كيف خفِي على جَناب الخبير اللغويّ أن الانتقاد على وزن الافتعال، وأن المعجمات اللغويَّة لا سيَّما معاجم الأبنية مليئة بالأفعال التي تأتي فيها الصيغتان فعل وافتعل بمعنًى واحد([6]) ؟! ويمكن ذِكْر بعض النماذج مثل: أجَّ وائتجَّ، وبدأ وابتدأ، وبذل وابتذل، وبعث وابتعث، وبغى وابتغى، وجلب واجتلب، وحبَس واحتبس، وحثَّ واحتثَّ، وحجى واحتجى، وحذا واحتذى، وحرَث واحترث، وحرَّ واحترَّ، وحرَش واحترش، وحرَف لعياله واحترف، وحضر المجلس واحتضره، وحضن واحتضن، وحطَب واحتطب، وحظر واحتظر، وحفَر واحتفر، وحفَّ واحتفَّ، وحفَر واحتفر، وحفَى واحتفى، وحقَب واحتقب، وحلق شَعره واحتلقه، وخبَأه واختبأه، وخبَر واختبر، وخبَط واختبط، وخدَع واختدع، وخرق واخترق، وخَطَّ واختطَّ، وخار واختار، ورآه وارتآه، ورضي وارتضى، وازدهاه الغرور ونحوه فازدهى: استخفَّ، وسقَاه واستقاه، وسلَب واستلب، وساقه واستاقه، وشرع واشترع، وصرَح واصطرح، وضرم واضطرم، وعرض لي الشىء واعترض، وعمِله واعتمله، وعنَّ واعتنَّ، وعاب واعتاب، وعاط واعتاط، وغفر واغتفر، وقرأ القرآن والكتاب واقترأه، وقمَّت الشاةُ واقتمَّت، وكنهَ الشيءَ واكتنهه([7])، ولجأ والتجأ، ولحَد والتحد، ومحَض وامتحض، ومصَّ وامتصَّ، ونحاه وانتحاه، ونسخه وانتسخه، ونشأ وانتشأ، ونعش وانتعش، ونفق وانتفق، ونهَض وانتهض، ونوَى وانتوى.
ثم إنني ذكرتُ في مقالي بعض محاسن معجم الدَّوحة، ولو ذكرتُ العيوب وحدها رغبةً في التقويم والإصلاح ما كنتُ شاذًّا ولا ملومًا؛ لأن الناس ” على اختلاف درجاتهم في البداوة والحضارة والرُّقيّ والانحطاط مُولَعون بالنقْد أكثر من ولوعهم بالتقريظ، ومُولَعون بالبحث عن العيوب وإظهارها والمبالغة في تصويرها أكثر من ولوعهم بالبحث عن المحاسن وإظهارها وتصويرها… …ومن مظاهر ذلك أن مجلات عديدة في العالم تعيش على النقْد… …والجرائدُ في العالم تبذل المدح بالحبَّة والنقْد بالقنطار”([8]).
ثم ألمح الجنابي إلى أسباب تقديسه فقال: “وقد عملتُ في معجم الدَّوحة التاريخيّ منذ انطلاقته التنفيذية، ولغاية(!) انتهاء المرحلة الأولى منه، وأنا على علم ودراية بأن الزملاء الخبراء في المعجم وفي مجلسه العلمي مشغولون بالمرحلة الثانية من المعجم، وسياسة المعجم لا تتولى الردود كما عهدناها، وإنما تمضي بعملها وفق المنهجية العلمية التي ارتضتها لنفسها؛ فرأيت أن من الإنصاف أن نردَّ على ما جاء في هذا المقال (المنتقد)؛ لأنني ابن المرحلة الأولى من المعجم التي خصَّها بالذكر، ومن جانب آخر فإني من المهتمين بجهود فيشر المعجمية، الذي كان العصا التي يتوكأ عليها(!) صاحب المقال في (انتقاده)”.
وأقول مُقدِّرًا: الغاية في اللغة النهاية والآخر؛ فما معنى قول الجنابي: ” منذ انطلاقته التنفيذية، ولغاية انتهاء المرحلة الأولى منه”؟ فهل كان انتهاء المرحلة الأولى هو غاية الدكتور الجنابي؟ أو أنه عمِل فيها إلى نهايتها مع حرصه على المشاركة في المراحل التالية؟ وأين اهتماماته بجهود فيشر([9])؟ هل كتب شيئًا عن فيشر لا أعرفه أنا ولم أذكره في مقالي: دلالة السياقة في معجم فيشر([10])، أو بحثي: المعجم اللغويّ التاريخيّ لفيشر بين الضياع ومحاولات الإحياء([11])، أو بحثي: معجم فيشر بين طبعتين مجمعيَّتين، أو بحثي: ببليوجرافية الأعمال التي تناولت المعجم التاريخي، أو بحثي: قراءة نقديَّة لكتاب الموادّ والمداخل في المعجم التاريخي([12])، أو كتابي: من المعجم الخليليّ إلى المعجم التاريخيّ، نظرات في المعجم العربيّ([13])!
وأيّ عصا هذه التي أتوكأ عليها؟ لقد نقلتُ في مقالي ما جاء في مقدِّمة معجم الدَّوحة بلفظ:” فلئن تعدَّدت محاولات إنجازه على نحو ما بينَّا في التمهيد(!) فإنَّ أيًّا من تلك المحاولات لم تنتهِ بعرض مادة المعجم أو جلّها أو بعضها أو حتى نماذج منها(!) سوى المعروف مما أنجزه فيشر، ونُسِب – على خلاف- إلى مشروع معجم تاريخيّ للغة العربيَّة”! وأشرتُ في الهامش إلى أنه لا يوجد تمهيد في المقدِّمة؛ وإنما هي كلمة المعجم، وليس فيها شيء عن المحاولات، ثم علَّقتُ على ما نقلتُه فقلتُ بالنصّ: ” وفي الفقرة السابقة إغفال من معجم الدَّوحة للمحاولات التي جاءت بعد فيشر، وبعضُها بحوث أكاديميّة فيها نماذج تطبيقيَّة مبدئيَّة للمعجم التاريخيّ! وفي الفقرة خلطٌ نتج عن النشرة التي أصدرها المجمع المصريّ عام 1967م بعنوان: (المعجم اللغويّ التاريخيّ تأليف أ.فيشر)، ولا شك أن العنوان من صُنع المجمع؛ لأنه أصدر محتوى هذه النشرة عام 1950م بعنوان(معجم فيشر مقدمة ونموذج منه)؛ وقد صرَّح فيشر في مقدمته بأن معجمه الذي أعدَّه ليس هو المعجم التاريخيَّ الذي دعا إليه المجمعَ المصريّ! ويبدو أن معجم الدوحة فطن إلى هذا؛ حيث صرَّحت مقدمته- عند الحديث عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة ومعجم فيشر- بأن معجم فيشر ليس معجمًا تاريخيًّا، وأنه يمكن أن يُعَدَّ من معاجم المراحل التي تؤرِّخ للغة في مرحلة معيَّنة من مراحلها”. انتهى كلامي؛ فهل فيه إساءة إلى معجم الدَّوحة؟ وهل فيه عصًا أتوكَّأ عليها؟
ثم بدأ الجنابي في التقديس فقال: ” بدءًا بالعنوان فهو صالح لأن يُكتَب قبل ستِّ سنوات، وليس الآن؛ لأن البداية قد تخطَّاها معجم الدوحة، وها هو في المرحلة الثانية، فالحقيقة أن هذا المقال له بداية(!) أما الأمل فلم أجده في المقال”.
وأقول مُقدِّرًا: إنني لا أعلم الغيب، ولا أتجسَّس على معجم الدَّوحة؛ كي أعرف بدايته قبل أن يظهر للناس جميعًا؛ فالبداية عندي هي ظهور المرحلة الأولى من المعجم ظهورًا رسميًّا. وأمَّا ما ظهر أمامي مُصادفة من بطاقات مع بعض المرتزقة من إخواني المصريِّين غير المتخصِّصين في الصناعة المعجميَّة فليس مسوِّغًا للنقد أو الانتقاد إن كان بينهما فَرق في ذهن الدكتور الجنابي! ومن البديهيّ أن يخفى الأمل على جناب الجنابي؛ لأنه- غفر الله لي وله- يرى بعين التقديس ونرى بعين التقدير!
ثم واصل الجنابي التقديس فقال:” وكما(!) هو معلوم أن معجم الدَّوحة لم يُطبَع، وإنما هو معروض إلكترونيًّا بمنصة علمية مشهورة؛ فأيّ معلومة وردَتْ في المقال يجب أن نتأكد منها من هناك، حتى نتفق من الآن. أزعم أني أحفظ دليل المعجم المعياريّ بحكم كوني عضوًا في تحريره، والدليل المعياريّ مرَّ بتطويرات وتحسينات عديدة، فيبدو أن كاتب المقال اعتمد على نسخة قديمة(!) غير المعروضة في المنصة الإلكترونية، فقد كان (الأمل) أن يعنى المعجم بمكان ظهور الألفاظ، وهذه منصوص عليها في النسخ القديمة من الدليل المعياريّ، لكن الدليل الذي اعتمد عليه صاحب المقال لا ينتمي لسنة 2018، ونحن وهو صنّاع مؤرخون لغويُّون. فعبارات مثل: (بحسب المتاح)، و(ما أمكن)! هذه لا تنتمي لسنة 2018 في صناعة معجم الدَّوحة التاريخيّ”
وأقول مُقدِّرًا: إنني اعتمدتُ على النسخة المعروضة في المنصَّة الإلكترونيَّة التي جاء في الفقرة الأولى منها أن المعجم التاريخىّ للغة العربية هو ” المعجم الذي يتضمَّن ذاكرةَ كل لفظ من ألفاظ اللغة العربية تُسجِّل- بحسب المتاح من المعلومات- تاريخَ ظهوره بدلالته الأولى، وتاريخَ تحوُّلاته الدِّلاليّة والصرفيّة، ومكانَ ظهوره، ومستعمليه في تطوُّراته إن أمكن، مع توثيق تلك الذاكرة بالنصوص التي تشهد على صحة المعلومات الواردة فيها “. انتهى كلامي فهل فيه لفظ (ما أمكن)؟ وهل أظهر المجلس العلميّ لمعجم الدَّوحة أكثر من دليل معياريّ للمعجم على الشبكة العنكبوتيَّة؟ ولماذا فعل ذلك؟ وهل في تعبير (بحسب المتاح) وتعبير(إن أمكن) إساءة إلى معجم الدَّوحة؟ إننا لا نرى أيَّ إساءة؛ لأننا ننظر إلى المعجم بعين التقدير لا التقديس!
ثم واصل الجنابي تقديسه فقال بغير حقّ: ” وأنقل نصًّا من المقال ما ذكره الكاتب؟؟: وأنقل أيضًا النص المعتمد من منصة معجم الدوحة التاريخيّ:؟؟”.
وأقول مُقدِّرًا: لم يذكر الدكتور الجنابي النصَّين المفحِميْن لي؛ فهل نسِي؟ أو أنه أدرك أنني اعتمدتُ في نقْدي لمعجم الدَّوحة على النسخة الأخيرة التي تمَّ إطلاقها في ديسمبر 2018م؟ ولماذا لم يذكر الجنابي النصَّيْن المفحِميْن في صفحته الفيسبوكيَّة أو حسابه على تويتر في سياق فرحته بمقاله المقدِّس؟
ثم واصل الجنابي تقديسه فقال في تهافُت:” ثم أشار الدِّربيُّ في هذه المقالة ومقالة أخرى إلى خلوِّ المرحلة الأولى من التراث المعجميّ لابن سيده؛ وأقول له: لا تراث ابن سيده المعجمي ولا تراث غيره من المعجميِّين القدامى قد دخلت(!) المرحلة الأولى سوى معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيديّ؛ لأنه متوفًّى ضمن المرحلة، قبل 200هـ كما هو معلوم. إلا أن التراث المعجميَّ كلَّه كان بين يدي صُنّاع معجم الدَّوحة التاريخيّ يستأنسون به ولا ينقلون عنه؛ لأن تعريفات المعجم تحرَّر بعبارة المعالجين اللُّغويِّين، وليس نقلًا عن تراث معجميّ سابق، وهذا هو الجديد(!) في معجم الدّوحة”.
وأقول مُقدِّرًا: إن لفظ (تراث) مذكَّر، والفعل (دخَل) واجب التذكير؛ لأن فاعله ضمير مستتر يعود إلى مذكَّر. ومعجم الدَّوحة ليس أول معجم يصوغ التعريفات بعبارة مُعالجيه أو مُحرِّريه؛ فهذا الحكم غفلة أو تغافُل عن المعاجم العربيَّة الحديثة؛ ومن التقديس المعيب أن يوصف تحرير التعريفات بعبارة المعالجين بأنه ” هو الجديد في معجم الدَّوحة”! ولستُ أجهل أن المصادر المعجميَّة للمرحلة الأولى من معجم الدَّوحة اقتصرتْ على معجم العين وحده، وكيف يخفى عليَّ ذلك وقد كتبتُ مقالًا بعنوان( مصادر معجم الدَّوحة التاريخيّ)؟ ولكني اعترضتُ على ” خلط المجلس العلميّ للمعجم بين المصادر الأساسيَّة – وعلى رأسها المعاجم- والمصادر الثانويَّة التي يمكن تأجيلها إلى مراحل قادمة”، وأكَّدتُ موقفي بأنه ” على الرَّغم من الفقر المدقع في المصادر المعجميَّة للمرحلة الأولى التزامًا بالفترة الزمنية اعتمدت المرحلة على مصادر متأخرة مثل مواسم الأدب لجعفر البيتي السقّافي(ت1182ه)”؛ فقارنْ- حفظك الله- بين كلام الدكتور الجنابي وبين كلامي؛ لترى الفرق بين التقدير والتقديس!
ثم دافع الجنابي عن المجلس العلميّ لمعجم الدَّوحة فقال مُقدِّسًا: ” ثم عزا ذلك إلى خلط أعضاء المجلس العلميّ لمعجم الدَّوحة بين المصادر الأساسيَّة والمصادر الثانويَّة على حد زعمه، وهذه يفرّق بينها طلبتنا، فضلًا عن أساتذة كبار في اللغة العربية من أمثال أعضاء المجلس العلميّ؛ فالعمر العلميّ لكل عضو لم يبلغه صاحب المقال الذي طعن بهم(!) في مثل هذه المسألة اليسيرة(!) ثم إنه جبرَ هذا الكسرَ بنسبة التواضع للمجلس العلميّ، وهي كلمة لا ترقّع الفتق، وإنما توسِّعه، لكنَّ ما ذكره صحيح من أن المجلس منهجه التعديل لا التعطيل، والتحسين لا التعصب، وكل قراراته على مدى سني المعجم كانت عرضة للمناقشة والأخذ والردّ، بل كان تصورهم الذهنيّ ينقضه العمل الميدانيّ التنفيذيّ المعجم(!) ويتراجعون بكل مرونة، لما فيه صلاح المعجم وإصلاحه”.
وأقول مُقدِّرًا: إن أعضاء المجلس العلميّ لمعجم الدَّوحة أساتذة أكارم متخصِّصون، وقد اطَّلع جُلُّهم على مقالي، وأحسبهم اطَّلعوا أيضًا على بحثي (ببليوجرافية الأعمال التي تناولت المعجم التاريخيّ) الذي كشفتُ فيه عن البحوث المتكرِّرة عن المعجم التاريخيّ التي نشرها بعض الأكابر في أكثر من وعاء نشريّ بلا مسوِّغ علميّ، ولا شكَّ أن مُعظم أعضاء المجلس الموقَّر أكابر يتمثَّلون بقول أبي العتاهية([14]):
فيا ليتَ الشبابَ يعودُ يومًا فأخبرَه بما فعَل المشيبُ
وليت الدكتور الجنابي يعِي أن المجالس العلميَّة في الوطن العربيّ ما أفسدها إلا الاقتصار على معيار (العُمر العلميّ)، ولو احتكمتْ إلى معيار التخصُّص الدَّقيق والإنتاج العلميّ لكان لها شأن آخر([15])! وإن تعجبْ فعجبٌ اعتراض الجنابي على قولي: ” وأنا على يقين أن تواضع المجلس العلميّ لمعجم الدوحة وحرصَه على تحديث معجمه وإغنائه سيغريانه بقراءة هذه الملاحظات بعين الرضا والإنصاف، وسيدفعانه دفعًا إلى إصلاح ما يجب إصلاحه، ولمَ لا؟ لقد قام المجلس بتعديل كثير من الأخطاء التي رأيناها عقب إصدار المرحلة”؛ فانظر إلى كلمة (التواضع) في سياق كلامي، وقارنْها بقول الجنابي: ” لا ترقّع الفتق، وإنما توسِّعه”؛ لترى الفرق بين التقدير والتقديس([16])!
ثم عاد الجنابي إلى كلامي عن فيشر(العصا التي أتوكأ عليها!)؛فقال: ” ثم أخذ الدكتور محمد جمعة في مقاله يقارن معجم الدَّوحة بالمحاولة السابقة للمستشرق الألمانيّ فيشر، وكأن معجم فيشر- وهو بعض معجم- هو مسطرة تقاس عليه المعاجم التاريخيَّة الأخرى، ومنها معجم الدَّوحة، وهذا خطأ كبير؛ لأن لكل معجم منهجه، ومدونته، وطريقة معالجة، وأسلوب تحرير، ومداخل معينة ومحدَّدة، ومصادر ومراجع خاصة به، وإخراجًا مناسبًا، فجذاذات فيشر المطبوعة والمحفوظة والمفقودة هي غير جذاذات معجم الدَّوحة، فمعجم الدّوحة ليس إكمالًا لمشاريع سابقة، ولا متممًا لها؛ بل ولا منافس(!) لغيره، هو مشروع علميّ مستقل، وإن تشابه الاسم مع المشاريع الأخرى السابقة واللاحقة”.
وأقول مُقدِّرًا: ينبغي أن يكون معجم الدَّوحة إكمالًا للمشاريع المعجميَّة التي سبقته، وليس في مقالي أيّ مقارنة بين معجم الدَّوحة الذي أُنفقتْ عليه حتى الآن ملايين الرِّيالات القطريَّة وشارك فيه عشرات المتخصِّصين من بلاد عربيَّة وبين الجذاذات التي صنعها المستشرق الألمانيّ أوجست فيشر ثم ضيَّع مجمع اللغة المصريّ معظمها وأخرج شيئًا قليلًا منها في نشرتين فاسدتين! ولكني قلتُ: ” وليت المعجم يُفيد من جهود فيشر النظريَّة مثل التقرير الخاصّ بطريقة تأليف المعجم التاريخيّ الكبير للغة العربيَّة، وجهوده التطبيقيَّة المتمثلة في نماذجه، مع الإفادة من الانتقادات، ويجب البحث عما تفرَّق من جذاذاته في ألمانيا، أو اقتناء نسخة مما بادر بعض الأساتذة الألمان في جامعة توبنجن بنشره من هذا المعجم مُستعينين بعدد من أهل التخصُّص في هذا الميدان، وقد خرجتْ أول كراسة منه سنة 1957م من أول حرف الكاف، وإن غيَّرت الجامعة وجهة معجم فيشر وأسمته معجم العربية الكلاسيكية”؛ فانظر إلى كلامي وقارنه بادِّعاء الدكتور الجنابي؛ لترى الفرق بين التقدير والتقديس([17])!
ثم واصل الجنابي تقديسه فقال: ” مرةً أخرى يتمسَّك الكاتب(المنتقد) بإصدارات غير رسميَّة للمعجم كانت توزّعَ للمُعالجين والمحرِّرين في الوطن العربيّ، وفيها تقسيم لمراحل المعجم، وكأنه حفظها على أنها خمسة، ثم وجدها في المنصة ثلاث مراحل، فشجَّعته على (الانتقاد)، والذي أعتقده أن المرحلتين الأولى والثانية وهما إلى سنة 500هـ هي(!) المؤسسة لألفاظ المعجم، وهي التي تستحق التقسيم، أما بعد ذلك إلى عصرنا الراهن فالبناء اللغويّ لم يكن كالسابق، فدمج المراحل المتأخرة التي تعكس الضعف اللغويّ وواقع الأمة هو الصواب، ترشيدًا للنفقات، واختصارًا للجهود، وهذا تحليل شخصيّ لا يمثل رأي المعجم بالضرورة”.
وأقول مُقدِّرًا: هذه هي المرَّة الثانية التي يدَّعي فيها الدكتور الجنابي أنني اعتمدتُ في انتقادي أو نقدي- إن كان في ذهن الجنابي فرق بينهما- على نسخة غير رسميَّة لمعجم الدَّوحة! ولم يذكر لنا في المرَّة الأولى النصَّيْن المفحِميْن لي، ولجأ هنا إلى الافتراض والتخمين، وهو في الموضعين يسيء بلا وعي إلى معجمه ويتهمه بإصدار نُسَخ غير رسميَّة! والذي في مُقدِّمة معجم الدَّوحة: ” وبالنظر إلى تاريخ اللغة العربية الممتدّ في الزمان والمكان لم يكن ثمة مناص من تقسيم إجرائيّ شمل خمس مراحل زمنيَّة؛ فكانت المرحلة الأولى من أقدم نص عربيّ موثَّق إلى العام 200ه، وتمتدّ المرحلة الثانية من 201ه إلى العام 500ه، بينما تمتدّ المرحلة الثالثة(!) حتى عصرنا الراهن“([18])؛ أليس في الكلام سقطٌ؟ أوليست المرحلة الثالثة صوابُها الخامسة؟ ألا ترى فرقًا بين حسن التقدير وسوء التقديس؟!
ثم استمرَّ الجنابي في تقديسه فقال حقًّا يريد به باطلًا: ” وأما اعتراضه على تاريخ النص القرآنيّ بأن المكيَّ يؤرَّخ بـ(1ه)، والمدنيّ بـ(11ه) فهو حسم للخلاف فيما ذُكر من سُور بأنها نزلت سنة كذا أو كذا، والدَّخول إلى عالم روايات(!) والتحقيق في صحتها من ضعفها؛ فهذان التاريخان يحسمان الخلاف، ثم إن العشر سنوات(!) في الصناعة المعجميَّة التاريخيَّة لا تغيِّر كثيرًا خاصة في المرحلة الأولى من المعجم، ونحن نتحدَّث عن عصر إسلاميّ تتنزَّل نصوصه من السماء، والناس تتقيَّد به، وكانوا لا يقدِّمون قولًا على قوله، فضلًا عن استحداث معانٍ من عندهم، وبرأيي الشخصيّ أيضًا أن الثقافة في عصر الوحي كانت سمعيَّة أكثر منها كلامية؛ فكان لسان الناس صدًى للقرآن والحديث”.
وأقول مُقدِّرًا: القياس أن يأتي المضاف نكرة والمضاف إليه معرفة في العدد وغيره من تراكيب الإضافة؛ لأن المضاف يكتسب التعريف من المضاف إليه؛ فيقال: عشر السنوات. وأجاز الكوفيون تعريف الجزأين معًا في العدد؛ فيقال: العشر السنوات. وأمّا إدخال (أل) على المضاف دون المضاف إليه فضعيف غير مشهور؛ وإن استُعمل في الصحافة العربيَّة وأجازه مجمع اللغة المصريّ الذي أجاز (سيَّف) بمعنى حفِظ! وأقول أيضًا: إن الكذب قبيح من المشتغلين بالعلم؛ فلم أعترض مطلقًا على التأريخ للقرآن المكيّ بـ (1ه)، والقرآن المدنيّ بـ (11ه)؛ ولكني نقلتُ عن مقدِّمة معجم الدَّوحة أن ” التأريخ للوثائق القرآنيَّة المدنيَّة والوثائق الحديثيَّة بعام(11ه)… …أما القرآن المكيّ فقد تمَّ التأريخ له بـ 1 ق ه… … ومن السور ما يمكن التأريخ لنزوله بدقة مثل نزول سورة العلق وسورة المدثر وسورة المزمل بمكة سنة 12 ق.ه/ 610م، ونزول سورة الأنفال بالمدينة سنة 2 ه/ 623م(نفسه 2/ 474) “! ثم علَّقتُ فقلتُ: ” ولا نعرف المرجع المحال إليه في الفقرة! والكلام مخالفٌ لواقع المعجم؛ حيث أرَّخت مدونة المرحلة لكثير من القرآن والحديث بعام 11 ه؛ ويبدو أن المقدِّمة كُتبت قبل تنفيذ المرحلة؛ وحقُّ أيّ مقدمة أن تُكتَب بعد التنفيذ. ولا شك أن تواريخ المعجم تحتاج إلى ضبط ومراجعة أو توحيد”؛ فاعتراضي هنا على التأريخ بقبل الهجرة تارة وببداية الهجرة تارة أخرى، وعدم الالتزام بمنهج محدَّد، والإحالة إلى مصدر غير معلوم؛ فتأمَّل وانظر إلى آثار التقديس!
ثم واصل الدكتور الجنابي تقديسه فقال: “واكتشف الكاتبُ أن معجم الدَّوحة لم يذكر رقم الطبعة، وأنه وعد قُراءه بذكر رقم الطبعة، وذلك في مقدمة المعجم، وهذا صحيح(!) ولكن أرى أن الدار والسنة تكفيان، إذ لا يتصوَّر أن مطبعة تطبع كتابًا تراثيًا مرتين في السنة الواحدة، فهذا أراه فضلة وحشوًا معلوماتيًا في فهرسة الكتب، اللهم إلا إذا وجدنا حالة كتاب طبعته دارٌ مرتين في سنة ما فننصُّ على رقم الطبعة، وهذا لم يرد في المرحلة الأولى من مصادر المعجم لأني كنتُ مطلعًا عن قرب على ببليوغرافية المعجم”.
وأقول مُقدِّرًا: إن ذكْر رقم الطبعة ليس فضلة ولا حشوًا معلوماتيًا، ولكنه وسيلة مساعدة تتضافر مع الوسائل التوثيقيَّة الأخرى، لا سيَّما أنه لن يُثقل كاهل المعجم في شيء؛ فما هو إلا رقم يوضع بجانب الطاء! ومن حقِّنا أن نتساءل: لماذا وعدَت المقدِّمة بذكر رقم الطبعة ولم تلتزم بوعدها؟ هل كُتِبَت المقدِّمة قبل تنفيذ المعجم؟ لو كان ابن أخت خالة الجنابي- والمراد الجنابي نفسُه لا أختُه ولا خالتُه ولا أخوه- مُنصفًا لأجاب، ولكنَّه مُقدِّس معذور!
ثم قال المُقدِّس في كبرياء غير مُستكنَّة:” وأما طلبُ الكاتب بأن يذكر المعجم المادة اللغوية حين يستشهد بالعين للفراهيديّ، فهذه ملاحظة تقال في مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه تعليمًا لهم(!) وتوجيهًا وتدريبًا، ولا تُلزم المعجم بذلك لا سيما وأن موادَّ المعجم المستشهَدة(!) من العين واضحة المادة المعجميَّة؛ لأن الحديث عنها؛ بل وغالبًا([19]) ما تجدها في رأس التعريف بنص الخليل”.
وأقول مُقدِّرًا: إن إهمال المادة اللغويَّة قد ينتج عنه اضطراب في المراحل القادمة خاصةً المراحل المتأخرة للمعجم، وربما يخفى على الدكتور الجنابي أن بعض الألفاظ والشواهد ترِد أحيانًا في غير موادِّها من المعاجم، ولكن كيف يخفى عليه أن موادَّ المعجم يُستشهَد بها، وأن الضمير (هم) لا يعود على جمع التكسير(الرسائل)؟!
ثم قال الجنابي في تقديس مكشوف: “والمشكلة عندما يتحدَّث أحد عن المعجم، وهو غير متصوِّر لآليات عمله التنفيذيَّة، فحديثه عن الطبعات المعتمدة من غيرها، هذا بقرار المجلس العلميّ وإجماعه، لا بتصوُّر فرديّ من كاتب المقال أو غيره، بأن هذه طبعة معتمدة، وتلك لا؛ فالحكم على طبعةٍ ما له أساسياته ومبرراته، فالذي أعرفه أن كل طبعة مرَّت على المجلس العلميّ لإبداء رأيه فيها، وهم أعرف من غيرهم (مجتمعين)”.
وأقول مُقدِّرًا غير مقدِّس: يُعرَف الرِّجال بالحقّ، ولا يُعرَف الحقّ بالرِّجال؛ والمجلس العلميّ لمعجم الدَّوحة يؤخذ منه ويُردّ، ومعرفة الطبعات لا يعرفها إلا المحقِّقون؛ وقد ذكرتُ في مقالي (مصادر معجم الدَّوحة التاريخيّ) أكثر من مثال على رداءة الطبعات.ولكن يُفهم من كلام ابن أختِ خالة الجنابي أن كلام المجلس العلميّ قرآن! وأخطأ الجنابي، وصدق الله إذ يقول: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: 88)؛ فانظر إلى آثار التقديس!
ثم واصل الجنابي تقديسه للعاملين في معجم الدَّوحة فقال:” وهاجم الكاتبُ مصادر المعجم بأنها فقيرة فقرًا مُدقعًا، وهذا أسلوب بلاغيّ، وليس علميًّا، نعم، فالمرحلة الأولى هذه مصادرها، وتلك مراجعها. واعترض على إدخال كتب من خارج المرحلة إليها، وأنا أسأله وأسأل غيره: من أين نأخذ القراءات والأحاديث؟ وأغلبها خارج المرحلة بعد 200هـ(!) فالمعجم إذا وجد نصًّا ينتمي إلى المرحلة الأولى يأخذه ولا حرج من أيّ كتاب معتمد”.
وأقول مُقدِّرًا: حقُّ علامة الاستفهام أن تكون في نهاية السؤال. وحقُّ القرّاء أن يكون كاتبهم أمينًا في كلامه؛ ويبدو أن الجنابي لا يعرف أن البلاغة عِلم؛ وقد قلتُ في مقالي: ” على الرَّغم من الفقر المدقع في المصادر المعجميَّة للمرحلة الأولى التزامًا بالفترة الزمنية اعتمدَت المرحلة على مصادر متأخرة مثل مواسم الأدب لجعفر البيتي السقّافي(ت1182ه)”؛ فهل كلامي عن مصادر المعجم عامَّة أو عن المصادر المعجميَّة التي اقتصرتْ على معجم العين؟ وهل في كتاب البيتي نصوص غير موجودة في مصادر المرحلة الأولى؟ وما الذي ينأى في كلامي معن الأسلوب العلميّ؟ إن الدكتور الجنابي- حفظه الله- لا يرى إلا بعين التقديس!
ثم ناقش الجنابي كلامي عن القراءات والحديث فقال بغير حقّ:”واعترض الكاتبُ على القراءات المتواترة والشاذة، وهي معتمدة لغويًّا في المعجم، لسبب واحد، وهو أن لها سندًا، وهذا حجة، وأرى أنه لا يحقُّ له الاعتراض على غير تخصُّصه؛ فقراءات المعجم عُرِضتْ على أسماء كبيرة مختصة بالقراءات القرآنية، وأُخذت مشورتهم من(!) اختيار المصادر والمراجع، وحتى(!) عرض جذاذات القراءات التي فرزت جميعها وروجعتْ مرارًا وتكرارًا لقدسيَّة نصوصها، وكذا الشأن مع نصوص الحديث النبويّ المقتصرة على الصحيح منها، فقد خُدمت حديثيًّا وَفق صناعة المحدِّثين”.
وأقول مُقدِّرًا: إنَّ الكذب ليس من أخلاق البحث العلميّ في شيء؛ فليس في مقالي أيُّ اعتراض على القراءات المتواترة، ولكنْ ذكرَت مقدِّمة معجم الدَّوحة في الميزة التاسعة للمعجم أنه ” يُعنَى بألفاظ القرآن الكريم بقراءاته المتواترة(!) سواء حملتْ معنًى جديدًا أم لم تحمله”؛ وعلَّقتُ على هذا فقلتُ: ” وكلمة (المتواترة) يُفهَم منها استبعاد القراءات القرآنية الشاذَّة؛ وهذا خلط بين تلاوة القرآن التي تستوجب تواتر القراءة وبين المعجم الذي يمثِّل واقع الاستعمال اللغويّ! ويبدو أن موقف معجم الدَّوحة مضطربٌ تجاه القراءات؛ ولا بدَّ من تعديل الموقف”، وأكَّدتُ كلامي بما جاء في المقدمة عند الحديث عن النص العربيّ ومسالك التحقيق بلفظ: ” القرآن هو نصّ مسلَّم به، وقراءاته مع اختلافها كلها حجة، وقد اقتصرْنا على القراءات المعتدّ بها عند أهل الفن وهي القراءات العشر المتواترة بالإضافة إلى القراءات الثلاث(!) الشواذّ التي لها سند متصل دون غيرها مما لا سند له “! وعلَّقتُ فقلتُ: ” ذكَر المعجم أربعة أمثلة للقراءات زعَم أنها تفضي إلى موادّ متباينة في المعجم، وخالف كلامه عند التطبيق! ومن المعلوم أن القراءات الشواذّ أربعة”. انتهى كلامي فهل فيه اعتراض على القراءات أو أن اعتراضي على المنهج المضطرب في المعجم؟
وما يقال عن القراءات يقال عن الحديث النبويّ ؛ ففي مقدمة معجم الدَّوحة: ” على الرَّغم من اختلاف النحويِّين قديمًا في أمر الاستشهاد به؛ فقد أخذ المجلس العلميّ برواياته الصحيحة السند(!) إذ إن الاختلاف في روايته إنما جاء لدى من يُحتَجُّ بهم؛ لأنها جميعًا واقعة في حِقبة زمنية غير متنائية؛ وقد اقتصرنا على كتب الحديث العشرة المعروفة عند أهل علم الحديث بصحتها”!
وأمّا عن صلتي بالقراءات القرآنيَّة أو علوم القرآن الكريم فأرجو من الدكتور الجنابي- رزقه الله حُسن التقدير وجنَّبه سوء التقديس- أن يطَّلع على مقالي (التصحيف وادِّعاء القراءات القرآنيَّة) ([20])، ومقالي (وقف البيان في المعجم التجويديّ)([21])، ومقالي (نظرات في معجم مصنَّفات الوقف والابتداء)([22])، وأن يطَّلع كذلك على تحقيقي لكتاب (الوقف والابتداء) لأبي حاتم السِّجستانيّ([23])، وتحقيقي لكتاب(توجيه قراءة ابن محيصن في الإستبرق) لعبد القادر البغداديّ([24])، وليته يراجع في كتب النحو بعض الدُّورس مثل: ربط الجمل، ومرجع الضمير، وحروف الجرّ.
ثم دافع الجنابي عن غياب المخطوطات في المعجم فقال مُقدِّسًا: ” ويريد الكاتب أن يُدخل المعجم(!) الوثائق المخطوطة، وهذا من الصعوبة بمكان لو أدرك حجم اقتراحه، فما حُقِّق من التراث أقل من 10%، وبناء على اقتراحه(!) أن يتوقف المعجم التاريخيّ([25]) لحين نسخ أو تحقيق أو طبع التراث المخطوط، وهذا حُلم لغة واصطلاحًا”.
وأقول مُقدِّرًا: إن المفعول الأول للفعل (أدخلَ) هو المدخول لا المدخول فيه([26])؛ ولم أزعم أنني أول من اقترح إدخال المخطوطات في المعجم التاريخيّ؛ ولكني نقلتُ ما جاء في مقدِّمة معجم الدَّوحة بلفظ: ” أقِرَّ استبعادُ المخطوط لصعوبة الحصول عليه والتعامل معه، والاكتفاء بالمطبوع من المصادر”؛ وعلَّقتُ فقلتُ: ” فهذا النص- وقد تمَّ تأكيده في المقدمة أكثر من مرة- يُلقى ظلالًا من الضعف على المعجم؛ لأن مدونة المعجم التاريخيّ تُستخرَج مادتها من النصوص المكتوبة على ورق مطبوعة أو مخطوطة، وهذا معروف لم ينكره أو يجادل فيه أحد ممَّن كتبوا عن المعجم التاريخيّ للغة العربية أو غيرها من اللغات الأقلّ حضارة وعمرًا بل صرَّح به بعض أعضاء المجلس العلميّ لمعجم الدوحة نفسه”، ثم أحلتُ في الهامش إلى المصادر التي صرًّحتْ بذلك، ومنها الكتاب الصادر عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات وهو المركز المسئول عن معجم الدَّوحة، ومنها كتاب الدكتور علي القاسمي أبرز من كتبوا عن المعجم التاريخيّ وأحد أعضاء المجلس العلميّ لمعجم الدَّوحة وأحد أعضاء اللجنة الرباعيَّة للمعجم التاريخيّ باتحاد المجامع اللغويَّة([27])؛ فلو كان الجنابي مُنصفًا لاعتذر عن غياب المخطوطات في المرحلة الأولى، ولكن كيف يأتي الاعتذار من مُقدِّس يزعم بلا دليل أنَّ ما حُقِّق من التراث أقل من (10%) ؟!
ثم وصل التقديس عند الجنابي إلى التطاول عليَّ فقال: ” وأدعو الباحث إلى فحص نظره، فأنا ممن يلبس النظارات ولا حرج، يقول اعتمد المعجم على (أربعة عشر) عنوانًا من كتب اللغة، كتب الرقم كتابة هكذا (أربعة عشر)؛ فهو لم ير واحدًا آخر، فالرقم في المنصة هو: (144) عنوانًا. ومن أساليب تطويل المقال ذكره لعبارات غامضة بالنسبة له، ولو سأل أي معالج في المعجم وهم بالمئات في الوطن العربي، ولا يعدم أن يجد الدكتور أحد المتعاونين مع معجم الدّوحة ليزيل عنه غموضه”.
وأقول مُقدِّرًا غير مقدِّس لمعجم الدَّوحة ولا لأموالها: طلب مني الجنابي أن أفحص نظري! وقد فحصتُه فوجدتُه صحيحًا والحمد لله؛ وأرجو من ابن أختِ خالة الجنابي مراجعةَ جدول الضرب ليعرف أن الرقم لا يمكن أن يكون إلا أربعة عشر؛ والحمد لله أن الجنابي هنا لم يكرِّر أكذوبة النسخة غير المعتمدة؛ وعبارة مقدمة معجم الدَّوحة كاملة هي ” الباب الثالث: التاريخ والسِّيَر والمغازي واللغة وعلوم أخرى ويشتمل على (46) عنوانًا مُوزعة على ثلاثة فروع؛ الأول: في التاريخ والسِّيَر (24) عنوانًا. الثاني: في اللغة (14) عنوانًا. الثالث: في العلوم الأخرى (8) عناوين”؛ وبهذا يتضح أن العيب ليس في لبس النظارات الطبيَّة؛ ولكنَّ العيب كلَّ العيب في النظر إلى معجم الدَّوحة بعين التقديس!
ولمّا استشعر الجنابي أن كلامه قد حقَّق قدرًا لا بأس به من التقديس، اعترف ببعض أخطاء المعجم فقال: ” واستدرك الكاتب خمسة أخطاء لغويَّة ونحوية، وخمسة أخطاء إملائية، وهفوات في علامات الترقيم وردت في مقدمة المعجم، وقد رجعتُ إلى المنصة فوجدتها بالفعل، وقد راسلتُ المعجم بها لتصحيحها، وجلَّ من لا يخطئ، فشكرًا له؛ فهذا من حرصه على العربية”.
وأقول مُقدِّرًا: إنني ما كتبتُ كلمة في مقالي أو المقالات السابقة إلا حرصًا على العربيَّة، وقد فهِم هذا كثير ممَّن قرأوا كلامي، وبعضهم أصدقاء يعملون في معجم الدَّوحة، ولكنَّ الدكتور الجنابي فهِم كلامي متأخِّرًا، وأضلَّه التقديس!
ثم ختم الجنابي تقديسه فقال: ” ختاًما(!) فإني أدعوه وأدعو غيره إلى زيارة منصة معجم الدَّوحة التاريخيّ للغة العربية، وهو معجم يتقبَّل النقد، ويرحِّب بالملاحظات كما عهدناه، ولكن قبل ذلك([28]) التأكد من الملاحظة، ومراجعتها، وعدم تبييت نية سوء، أو قصد غير شريف من وراء ذلك(!) هذا المعجم مفخرة العربية في عصرها الحديث؛ وبالتالي فهو معجم العرب جميعًا، ما وجدنا فيه من ملاحظة فلا نبخل بها على القائمين على المعجم، ومنهم دكاترة عرب منا وفينا ويسهل الوصول إليهم والتواصل معهم، ومنصتهم مفتوحة للجميع”.
وأقول مُقدِّرًا: التنوين يكون على الحرف الأخير أو على الحرف قبل الأخير(حرف الميم)، ولا يكون في منتصف الكلمة. وأشكر أخي الشيخ الدكتور أحمد كسار الجنابي الذي لم يصادِف دفاعُه تحقيقًا ولا إصابة؛ بل ظهر من كلامه انتماؤه إلى المجلس العلميّ للمعجم الذي عمل في مرحلته الأولى منذ بدايتها إلى نهايتها؛ وقد أريتُك في تعليقاتي آثار تعصُّبه وتقديسه، وأدعوك إلى قراءة مقالي كاملًا؛ لترى أخطاء كثيرة وقعتْ في معجم الدَّوحة ومُقدِّمته سكتَ عنها الجنابي ولم يُحِر جوابًا؛ والله يحكم بيني وبينه وهو أحكم الحاكمين، ونعوذ به سبحانه من تبييت نيةِ سوء، أو قصدٍ غير شريف.
ثانيًا: معجم الشارقة:
في الخامس من نوفمبر الماضي أطلق حاكم الشارقة صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي النسخةَ التجريبيَّة من المعجم التاريخيّ للغة العربيَّة في ثمانيَّة أجزاء مطبوعة في دار منشورات القاسمي بالشارقة عام 2020م، وسمَّى الدكتور القاسمي هذا اليوم بيوم البهجة الكبرى، بل زعَم مجمع اللغة العربيَّة بالشارقة أن هذا حدث تاريخيّ غير مسبوق(!) في خدمة لغة الضاد([29])! ولا شكَّ أن هذا حدث علميّ أثار الكثيرين من المتخصِّصين في الصناعة المعجميَّة.
وكان في طليعة المهتمِّين بهذا الحدث الدكتور أحمد كسار الجنابي الذي نشر في التاسع من نوفمبر – أي بعد أربعة أيام من انطلاق المعجم- على موقع جريدة العربي الجديد مقارنةً أوليَّةً سريعة بين معجم الدَّوحة التاريخيّ للغة العربيّة ومعجم الشارقة؛ فقال موضِّحًا سبب المقارنة: ” اطَّلعتُ اليوم على المعجم التاريخيّ للغة العربيّة الصادر عن الشارقة، وأودُّ أن أسجِّل ملاحظات المقارنة بينه وبين معجم الدَّوحة التاريخيّ للغة العربيّة الذي عملتُ في مرحلته الأولى كاملة، وجزء من مرحلته الثانية”.
وبدأ الجنابي بالموادّ اللغويَّة فقال: ” فمن حيثُ موادّ اللغة العربيّة؛ فإن معجم الدَّوحة شمل الحروف كلَّها من الألف(!) إلى الياء، بينما اقتصر معجم الشارقة على ثلاثة أحرف هي: (الهمزة، والباء، وبعض التاء)”.
وأقول: إن استعمال مصطلح(الهمزة) أجدر في الجذور المعجميَّة من مصطلح (الألف). ولا خلاف بيني وبين أخي الدكتور الجنابي في أفضليَّة الشمول بمعجم الدَّوحة؛ لأن إصدار المعجم في شكل حروف متتابعة يعني أمرين، الأمر الأول: ادِّعاء اكتمال الحرف الذي يصدر؛ وهو ادِّعاء لا يمكن قبولُه، لا سيَّما أن المدَّة الزَّمنيَّة التي استغرقها إنجاز حرفي الهمزة والباء وبعض موادّ التاء- وهي عامان فقط- لا تكفي مطلقًا لإنجاز هذه النسخة مع تقديرنا لمجمع الشارقة المنفِّذ لمشروع المعجم التاريخيّ والمشرف عليه، ومع تقديرنا لاتحاد المجامع اللغويَّة المشارك في المشروع؛ لأن عدد الباحثين والخبراء والأعضاء في اتحاد المجامع كلِّه لا يتجاوز ألف شخص؛ فما بالُنا بعدد المشاركين فقط في المشروع من المتخصِّصين في صناعة المعاجم؟ وهل استطاع هذا العدد القليل إنجاز أكثر من حرفين لخمسة عصور لغويَّة تبدأ- حسب المنهج المنصوص عليه في مقدِّمة المعجم- من عصر ما قبل الإسلام وتنتهي عند عام 1441ه- 2020م؟ وهَبْ أن العامين كافيان لنسخة تجريبيَّة ضمَّتْ حرفين وبعض حرف؛ فكيف يتنهي المعجم كلُّه في ستة أعوام فقط([30])؟!
والأمر الثاني هو تشابه معجم الشارقة مع المعجم الكبير الذي صدرت نسخته التجريبيَّة- وهي بعض موادّ حرف الهمزة- عام 1956م، ووصل حتى الآن (2020م) إلى حرف الزَّاي فقط! وإذا كان هذا هو أداء مجمع اللغة العربيَّة بالقاهرة الذي يرأسه رئيس اتحاد المجامع اللغويَّة؛ فمتى يرى قُرّاء العربيَّة الحرف الأخير من معجم الشارقة التاريخيّ الذي يشارك فيه اتحاد المجامع كلُّه؟!
ثم انتقل الجنابي إلى وعاء المعجميْن فقال بحقّ: “وقد صدر معجم الشارقة ورقيًّا في ثمانية أجزاء، بينما معجم الدَّوحة هو منصة إلكترونية متاحة للجميع، والتناول الإلكترونيّ في هذا العصر أسهل من الورقيّ وأنفع وأسرع في البحث”.
وأقول: إصدار النسخة في شكل ورقيّ يتيح للقارئ متابعة أجزاء النسخة من أوَّلها إلى آخرها في صورة دقيقة مُريحة وإن لم تتيسَّر لكل الباحثين لا سيَّما أن النسخة تجريبيَّة؛ أي مطبوعة في كميَّة محدودة. ولكن العجيب أن هذه النسخة تجريبيَّة لاستطلاع آراء الباحثين والمتخصِّصين في الصناعة المعجميَّة؛ فلماذا لم تتيسَّر على الشبكة العنكبوتيَّة؟
ثم ناقش الجنابي الشمول الذي يميِّز معجمًا عن آخر فقال: ” ومن حيث الشمول التاريخيّ؛ فإن المنجز من معجم الدَّوحة إلى سنة 200هـ/816م لحروف اللغة العربيّة جميعها وموادها، في حين أن معجم الشارقة إلى سنة 1442هـ/2020م للأحرف الثلاثة وموادها”.
وأقول: الصواب (1441ه)؛ هكذا في مقدِّمة النسخة التجريبيَّة التي دخلَت المطبعة في نهاية العام الهجريّ السابق، ونذكِّر الجنابي أيضًا بأن منجز معجم الشارقة لحرفين فقط وبعض موادّ التاء. ونقرِّر أن منهج معجم الدَّوحة أسلم، وهو المنهج الذي فطن إليه فيشر حين أخرج بعض الجذاذات التي تغطِّي- من وجهة نظره- مرحلة معيَّنة من تاريخ اللغة العربيَّة؛ وربما أراد معجم الشارقة المخالفة هنا حتى لا يُتَّهم بتقليد معجم الدَّوحة، ولكن ماذا سيفعل في اتهامه بتقليد المعجم الكبير أكبر معاجم المجمع المصريّ الذي ضيَّع قديمًا جذاذات فيشر؟!
ثم أشار الجنابي إلى التوسيم فقال: ” ثم إن توسيم معجم الدَّوحة أوسع من معجم الشارقة؛ فالشارقة اقتصرت على الاسم والفعل لتوسيم الألفاظ، بينما الدَّوحة توسَّعتْ إلى نحو ثلاثين وسمًا صرفيًّا لبناء الألفاظ، وهذا يؤثر في الدلالة كما لا يخفى على المتخصصين”!
ثم كشف الجنابي عن السرقة والتدليس فقال: ” معجم الشارقة هو فرشٌ جديد للمعجم الكبير الذي صدر في القاهرة، أو إعادة تدوير معلوماتيّ بإخراج حديث مع جهد ملموس وواضح في الترتيب والتلوين والتنسيق”!
وواصل الجنابي حديثه فقال عن الشواهد: ” ومن خلال استعراض الشواهد بصورة سريعة، نجد النص القرآنيَّ مصنَّفًا في معجم الشارقة بسنة 11هـ، وهي سنة وفاة النبي محمد- صلَّى الله عليه وسلَّم- بينما في معجم الدَّوحة نجد الاعتناء بتاريخية النص القرآنيّ على مستوى المكيّ والمدنيّ، وعلى مستوى التحديد بالسنة قبل الهجرة أو بعدها، ولكلٍّ ترتيب تاريخيّ، وأثر دلاليّ في زمن نزول القرآن الكريم”.
وأقول: هذه مبالغة من الدكتور الجنابي أو تقديس لمعجم الدَّوحة؛ لأني بيَّنتُ- كما سبق- أن معجم الدَّوحة مضطرب في التأريخ للنصّ القرآنيّ بقبل الهجرة تارة وببداية الهجرة تارة أخرى؛ فينقصه الالتزام بمنهج محدَّد!
ثم تعرَّض الجنابي إلى المعلومات الصرفيَّة فقال: “وأشار معجم الشارقة إلى مفرد الكلمات وجموعها بإشارات عند رأس التعريف من دون ذكر نصوصها، وهذا متوافر في معجم الدَّوحة بالضغط(!) على زِرّ الجموع ينفتح لنا النص بتاريخه، وإن كان ذلك النص لم يؤثر في التطور الدلاليّ للمعنى”.
ثم قارن الجنابي بين المعجميْن من حيث المُدوَّنة فقال: “كما يلاحظ في منصة معجم الدَّوحة أن مُدوَّنته متاحة؛ فالنصوص الأخرى التي لم تدخل المعجم تجدها في المدوَّنة؛ وذلك للتأكد من مصداقية قِدَم الشاهد المختار في المداخل المعجمية للمعجم، في حين أن ذلك غير متاح للقارئ في معجم الشارقة، فيتلقَّى المتلقي النص دون تحقيق ولا تدقيق ولا تأكد اعتمادًا على المعالجين اللغويِّين والمحررين، وهذا ليس انتقاصًا منهم؛ ولكن قارئ اليوم يحتاج؛ بل ويطلب شفافية أكثر في القرارات العلميَّة التي تصدر من أي جهة لغويَّة”.
وأقول: إقحام الواو بعد (بل) هنا عربيّ صحيح ورد في شواهد قديمة؛ فليس من حقِّنا الاعتراض عليه، وهو يشبه قول الجنابي: ” بل وغالبًا “([31])، ومن الشواهد قول الإمام عليّ- رضي الله عنه: ” إنما يحزن الحسدةُ أبدًا؛ لأنهم لا يحزنون لما ينزل بهم من الشرِّ فقط، بل ولما ينال الناس من الخير”، ومن العجيب حقًّا قول المعجم الوسيط أشهر معاجم مجمع اللغة المصريّ: ” وفي لغة المحدثين(!) تكثر زيادة الواو بعد بَلْ، يقولون: فلان يخطئ بل ويصرّ على الخطأ، وهو يرضى بل ويبالغ في الرضا، وهو أسلوب مُحدَث”([32])!
ثم عاد الجنابي مرَّة أخرى إلى الشواهد فقال: ” ومن خلال نظرة سريعة على قِدَم الشواهد أجدها في معجم الدَّوحة أسبق من معجم الشارقة، وهذا يرجع إلى مُدوَّنة كل معجم، ولعلي أستشفُّ أن مُدوَّنة معجم الشارقة هي المعاجم، وهذا دليل على السرعة في إنجاز المعجم بهذا الوقت القياسيّ، وإن كان يتناول ثلاثة(!) أحرف فقط، وبدليل(!) أن توثيق بعض الشواهد الشعريَّة كان بالإحالة على المعاجم (لسان العرب ونحوه)، وهنا فرق آخر يحسب لمعجم الدَّوحة وهو توثيقه من أقدم كتاب ورد فيه النص، فالشعر يوثّق من ديوان صاحبه أو قبيلته على أقل تقدير، لا من المعاجم والكتب اللغويَّة الأخرى”.
وأقول: توثيق الشواهد من الديوان المحقَّق أو من أقدم مصدر أمر يعرفه طلاب الماجستير؛ فكيف يخفى على معجم الشارقة الذي تُنفق عليه الملايين؟ وأذكِّر أخي الجنابي بأن النسخة التجريبيَّة تضمّ حرفين فقط وبعض موادّ الثالث!
ثم عاد الجنابي إلى قضيَّة السرقة والتدليس؛ فقال: “وهذا ما يجعلني أقول إن معجم الشارقة هو فرشٌ جديد للمعجم الكبير الذي صدر في القاهرة، أو إعادة تدوير معلوماتيّ بإخراجٍ حديث مع جهد ملموس وواضح في الترتيب والتلوين والتنسيق، هذا إن لم يقل معجم الدَّوحة إن أصول المعجم الجديد اقتباسات منه؛ لأنه صدر بعده، ومتاح للشارقيِّين ولغيرهم”.
وأقول: لو كان الهدف من معجم الشارقة الذي يشارك فيه اتحاد المجامع اللغويَّة هو خدمة المعجم التاريخيّ للغة العربيَّة لبدأ بداية مختلفة عن معجم الدَّوحة؛ ولنأى بنفسه عن شبهة السرقة؛ وأكرِّر هنا ما قلتُه عقِب صدور معجم الدَّوحة بلفظ: ” وفي إمكان المجامع اللغوية- إن كانت حريصة فعلًا على تنفيذ المعجم التاريخيّ- أن تتعاون مع الدَّوحة في اتجاه معاكس؛ بتناول الموادّ والمداخل التي أهملتْها المرحلة الأولى من معجم الدَّوحة مثل: المصطلحات العلمية، أو بنخْل وتفريغ المصادر التي أهملتْها هذه المرحلة وعلى رأسها المخطوطات العربية، بل في إمكان اتحاد المجامع- إن كان يعرف معنى الوقت وقيمته- أن يبدأ في مرحلة أخرى تالية أو موازية للمرحلة الأولى”([33])، وأستأنس بقول صديقي الجزائريّ محمد مسعود بن مبخوت على صفحاته الإلكترونيَّة: ” ينبغي أن تسمَّى الأشياء بمسمَّياتها الحقيقيَّة، ما تبنّاه اتحاد المجامع العربية، وموَّلته الإمارات في السنتين الأخيرتين في ما يتعلَّق بالمعجم اللغويّ التاريخيّ يسمَّى معجم الشارقة التاريخيّ للغة العربية، وليس المعجم التاريخيّ للغة العربية، وإبهام شين الشارقة في هذا الموضع خيرٌ من إعجامه، ومثله (معجم الدوحة التاريخي للغة العربية) إعجام حاء الدَّوحة خير من إبهامه”!
ثم أجمل الجنابي رأيه في المعجمين فقال: “شهادتي في معجم الدَّوحة مجروحة، ولكني بكلِّ(!) أمانة وتجرُّد أجده أوثق وأدقَّ، ولا يعني أنه جاء خاليًا من الأخطاء والملاحظات؛ فإنني دومًا أزوِّد المعجم بملاحظاتي واستدراكاتي، وهذا- أيضًا- يفعله غيري من الخبراء اللغويِّين، وإدارة المعجم تتقبَّله بكلِّ(!) رحابة صدر، وتَشكُر(!) عليه. وقد قرأْنا على غلاف معجم الشارقة بأنه(!) نسخة تجريبيَّة، وهذا ما ندعوهم إليه(!) لإعادة النظر والطبعة معًا، وعدم الاستعجال؛ لأنها أحكام لغويَّة ومحاكمة لغويَّة للنصوص العربيَّة، وأدعوهم أيضًا إلى منصة إلكترونيَّة حفاظًا على البيئة والبيئة(!) اللغويّة؛ لكي يبدأ الباحثون بالمقارنة بين المعجميْن والإفادة منهما، ولعل أحد المعجميْن يقف على نصّ أقدمَ من الآخر، ويسجل سبقه التاريخيَّ على صاحبه، وهذا من التنافس الشريف الذي يخدم العرب والعربية”.
وأقول: لا مَدعاة للمبالغة في ادِّعاء التجرُّد ورحابة الصدر؛ لأن ردَّ الجنابي على ملاحظاتي ينفي هذا الادِّعاء، بل يجعل الجنابي مُقدِّسًا لمعجم الدَّوحة الذي لم تشكرني إدارتُه بأيِّ وسيلة من وسائل الشكر، ولا أنتظر منها جزاءً ولا شكورًا؛ فيكفي أن مقالي اطَّلع عليه عشرات الباحثين والمتخصِّصين.
وليس عجيبًا ولا منكورًا إصدار معجم الشارقة في نسخة تجريبيَّة، ولكنَّ العجيب أنها ضمَّت الهمزة والباء وبعض الموادِّ اللغويَّة من حرف التاء؛ وهذا تسرُّع كبير يلقي على النسخة ظلالًا من الضعف والتوهين؛ وظلالًا من الاستعجال في إخراج المعجم؛ لأن النسخة التجريبيَّة يكفي فيها حرف الهمزة أو بعض الموادِّ من حرف الهمزة؛ فما الداعي لإقحام حرف الباء؟ ولماذا لم يكتمل حرف التاء؟ وإذا كانت هذه النسخة تجريبيَّة لاستطلاع آراء الباحثين والمتخصِّصين في الصناعة المعجميَّة فلماذا لم تتيسَّر على الشبكة العنكبوتيَّة مثلما تيسَّرت المرحلة الأولى لمعجم الدَّوحة التاريخيّ؟ وكيف نحكم على هذه النسخة ونحن لا نعرف المدوَّنة اللغويَّة التي اعتمدت عليها؟
وفي نهاية المقال أشار الجنابي باستحياء إلى أثر الاستخدام السياسيّ للمؤسَّسات العلميَّة والمجامع اللغويَّة على المعجم التاريخيّ فقال: “ختامًا أنا لستُ ضدَّ معجم تاريخيّ جديد، ويا ليت كل(!) المدن والدول تخدم اللغة العربيَّة بمعاجم تاريخيَّة(!) ومشاريع لغويَّة أخرى، ولكن ليس على حساب اللغة والتلاعب بنصوصها إن لم نقل المتاجرة بها، وهنيئًا للعربية بمعجميها التاريخيَّيْن(غير المكتمليْنِ بعد)”!
وأقول: صدق الدكتور الجنابي في كثير ممّا قاله لولا سوء الترتيب والتنظيم في كلامه؛ وربما كان للعَجَلة تأثير! ولكني ضدُّ معجم تاريخيّ جديد تُهدَر فيه الأموال، وليت الدُّول العربيَّة تتعاون مع معجم الدَّوحة الذي سيكتب له التاريخ فضلَ السَّبق، وتستطع الدُّول العربيَّة في ظلّ الظروف السياسيَّة أن تتعاون بطريقة غير مباشرة. وأكرِّر هنا نصيحتي لحاكم الشارقة التي قلتُها علانيةً على الشبكة العنكبوتيَّة بلفظ: ” ليت حاكم الشارقة يكون حكيمًا، ليته يحافظ على أمواله وأموال بلاده؛ كيف يتعامل مع مجمعٍ ضيَّع جزازات المستشرق الألمانيّ أوجست فيشر([34])، وألقاها – وفيها من الشواهد ما يفوق شواهد معاجمه الثلاثة – في مكان قَصِيّ بمخزن للمرتجعات؟ كيف يتعامل حاكم الشارقة – وهو عندي أجلُّ من ذلك- مع مجمعٍ اعترف بعضُ أعضائه بأن أداءه ضعيف غير مُشرِّف([35])؟ كيف يتعاون حاكم الشارقة مع مجمع سمح لمكتبة الشروق الدوليَّة أن تطبع الطبعة الثانية من المعجم الوسيط على أنها صورة من الطبعة الثالثة، وسمح لمكتبة دبيّ بالإمارات(!) أن تطبع الطبعة القديمة من المعجم الوجيز(طبعة 1980م) على أنها طبعة جديدة([36])؟ كيف يضع حاكم الشارقة يده مع مجمع لم ينته حتى الآن(ديسمبر ٢٠١٨) من ورطة المعجم الكبير الذي بدأه عام ١٩٥٦م، مع أن هذا الكبير- وهو اسم على غير مسمًّى- مجرَّد اجترار من لسان العرب وتاج العروس بالإضافة إلى بعض المصطلحات الحديثة؟ وما الداعي إلى تورُّط المجمع الموقَّر في مشروع جديد بدأت فيه الدَّوحة اعتمادًا على أموالها الخاصة؟ ليت حاكم الشارقة يعيد النظر في حساباته، ليته يساعد الدوحة حتى يخرج معجمها على الصورة المرجوَّة، أو ينفق أمواله على مشروع علميّ آخر، أو يتصدَّق بأمواله على فقراء المسلمين”([37]). ولكني أظنّ أن حاكم الشارقة يردّ للمجمع المصريّ الجميل الذي صنعه معه المجمع؛ فقد منحه المجمع العضويَّة الفخريَّة التي لم يمنحها لأحد سواه([38])؛ ولم يحدث هذا من أجل سواد عيون الدكتور سلطان القاسمي، ولكن تقديسًا لأموال الشارقة! ويحضُرني هنا قول شاعر النِّيل حافظ إبراهيم من بحر البسيط([39]):
إذا نطقتُ فقاعُ السِّجْن متَّكأٌ وإن سَكَتُّ فإنَّ النَّفسَ لم تَطِبِ
وقد نأى شاعر النيل بنفسه عن عذاب السجن وتأنيب الضمير؛ إذ ” التمس إحالته إلى المعاش؛ فأجيب إلى طلبه، وكان قد أخذ يبحث عن عمل يعمله؛ فعرَض نفسه على جريدة الأهرام؛ ليتولَّى عملًا فيها”([40])! وأمّا أنا فأطاوع نفسي الأمَّارة بالنقد والانتقاد- وقد بيَّنتُ أنهما بمعنًى واحد وأن الفرق بينهما لا أصل له إلا في ذهن الدكتور الجنابي- وأكشف عن خطأ إداريّ في معجم الشارقة لا يعرفه المسئولون في مجمع الشارقة ولا الدكتور سلطان القاسمي نفسه؛ وأعني رغبة المجمع المصريّ في السيطرة على المعجم التاريخيّ بأيّ ثمن، ولو كان الثمن هو تعيين غير المتخصِّصين في الصناعة المعجميَّة للإشراف على مهامَّ كبيرة في المعجم؛ ويمكن التمثيل بالأستاذ الدكتور مأمون عبد الحليم وجيه الذي عيَّنه الدكتور حسن الشافعي– وهو يومئذ رئيس المجمع المصريّ ورئيس اتحاد المجامع اللغويَّة([41])– مديرًا علميًّا أو رئيسًا للجنة العلميَّة في مشروع معجم الشارقة، على الرَّغم من علم الدكتور حسن الشافعي بأن سعادة الدكتور مأمون عبد الحليم وجيه أستاذ في النحو والصرف والعروض، ولا علاقة له بالمعاجم التاريخيَّة ولا المعاجم الزَّمنيَّة العصريَّة القديمة أو الحديثة، وليس له أيّ كتاب أو بحث أو مقال عن المعاجم، بل ليس له بحوث مرجعيَّة يشار إليها بالبنان أو يُعتَدّ بها في تخصُّصه النحو والصَّرف والعروض([42])! ولو أنصف المجمع المصريّ لعيَّن لهذه المهمة أحد أعضاء اللجنة الرباعيَّة المنبثقة عن لجنة المعجم التاريخيّ للغة العربية باتحاد المجامع اللغويَّة([43])، ولكنَّ المجمع لم يفعل؛ فاستطاعت الدَّوحة الإفادة ببعض أعضاء اللجنة في معجمها التاريخي؛ فهل ينتبه حاكم الشارقة محبَّةً في المعجم التاريخيّ وتقديرًا للوطن العربيّ إلى هذا الخطأ الإداريّ الفاحش، أو أنَّ تقديسه للمجمع المصريّ يمنعه من الانتباه، وحصولَه على العضويَّة المجمعيَّة الفخريَّة من باب المجمع المصريّ معناه السكوت عن أيّ أخطاء تدخل من هذا الباب؟! وليسمحْ لي حاكم الشارقة هنا أن أعلِّق على الأبيات العشرة التي مدحه بها الدكتور مأمون في حفل مجمع الشارقة بصدور النسخة التجريبيَّة من معجمها التاريخي؛ حيث قال العضو المجمعيّ المرموق:
فجرٌ من الشَّرقِ بالأنوارِ يزدانُ وغَيثُه في رُبى الأكوانِ ألوانُ
هبَّتْ نسائمُه في كلِّ مجتمـــــــــعٍ ومَجمعٍ فعَّلتْ للضادِ أركانُ
أحيا الفصيحَ وأثرى كلَّ مُقفرةٍ ودولةُ الغَيْثِ أنهارٌ وأغصانُ
في ظلِّها دَوْحةُ العِرفانِ باسقةٌ والفِكرُ في رَوضِها ذِكْرٌ وألحانُ
قرآنُها مُعجمٌ من سرِّ أحرفـــــــِـــــــــــه سادتْ بنو يَعرُبٍ والحُكْمُ سلطانُ
كم آيةٍ بلسانِ الحالِ ناطقــــــــــــــــــــــــــةٌ سلطانُ للعلم والإسلامِ سلطانُ
هذي الحمائمُ تشدو وهِي(!) صادقةٌ العلمُ في عصرِنا يا قومِ سلطانُ
يا مَلجأ اللغةِ الفصحى وحارسَها ومُلهِمَ العُرْبِ حقًّا أنتَ سلطانُ
يجزيك ربُّك دَومًا من ذخائــــــــــــــــره ثبــــــــــــــــاتَ مُلْكٍ له عِزٌّ وسلطانُ
يتيهُ بالحُبِّ والإخلاصِ مجمعُنا وأنت أهلٌ له والعِشقُ سلطانُ
انتهى مَدْح العضو مأمون؛ ولا شكَّ أن ما أنفقه الدكتور سلطان القاسمي من أموال على المعجم التاريخيّ والعاملين فيه- وعلى رأسهم الدكتور مأمون- يستحقُّ الثناء والتقدير بلا تقديس أو إفراط في المديح أترك تقديره للقارئ العربيّ الكريم. وكسرُ ميم (قوم) في البيت السادس جائز ضرورةً من قبيل حذف ياء المتكلِّم والاكتفاء بالكسرة قبلها؛ وقد ورد حذفُ الياء الأصليَّة في قول الشاعر من بحر السريع([44]):
* قَرقَرَ قُمْرُ الوادِ بالشاهقِ *
يريد الوادي؛ فحذفُ ياء المتكلِّم في نطق العضو المجمعيّ المرموق أهونُ؛ ولا أستبعد أن يكون الحذف لهجةً من قبيل تقصير الحركة الطويلة أو الميل نحو الأيسر فونيميًّا([45])؛ وفي القرآن الكريم: (يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) (البقرة: 54)، وفيه كذلك: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)(الفجر: 9)، مع الاعتراف بخصوصيَّة الرَّسم المصحفيّ والفاصلة القرآنيَّة.
ولكن من حقِّنا أن نعترض على نطق الدكتور مأمون للضمير (وهي) في البيت نفسه بالكسر([46])! ولا يخفى أن الهاء هنا لا تكون إلا بالسكون؛ كي يستقيم البيت من بحر البسيط؛ ولكنَّ التقديس يُربِك ويُضلّ!
وأضيف إلى خطأ تعيين الدكتور مأمون مديرًا علميًّا لمعجم الشارقة إشكاليَّةَ تشتيت معجم الشارقة بين أعضاء وخبراء ومحرِّري اتحاد المجامع اللغويَّة؛ وهذا التشتيت قد يؤدِّي إلى كارثة علميَّة أو أخلاقيَّة تفوق ما حدث في المرحلة الأولى من معجم الدوحة؛ حيث عمل بعض المصريِّين المرتزقة غير المتخصِّصين في معجم الدَّوحة بغير علم المجلس العلميّ للمعجم! ومن يدري؟ فربما حدث هذا في بلاد أخرى غير مصر التي يؤمن أهلها بالمثل الشعبيّ القائل: ” المال السايب يِعلِّم السرقة”!
وإذا كنّا حتى يومنا هذا لا نعرف أسباب الأخطاء الكثيرة في المعاجم الصادرة عن مجمع اللغة العربيَّة بالقاهرة، ولا نملك محاسبة شخص معيَّن على خطأ محدَّد؛ لتشتُّت العمل المجمعيّ بين أعضاء وخبراء ومحرِّرين مختلفي الثقافة والمنهج والزَّمن؛ فإن هذا قد يحدث بصورة أشدَّ بشاعة في معجم الشارقة الذي تتشتَّت جذاذاتُه (بطاقاته) بين مجامع الاتحاد اللغويّ يمينًا وشِمالًا!
وأرجو ألأ تؤثِّر مشاركة مجمع اللغة المصريّ في معجم الشارقة على معاجم المجمع الأصليَّة([47])؛ ويستطيع حاكم الشارقة- إن أراد- تحجيم دَور المجمع المصريّ، وتوسيع دَوْر المجامع الأخرى لا سيَّما مجمع سوريا وهو أسبق وجودًا من المجمع المصريّ، ويعمل بصورة أفضل منه على الرَّغم من الظروف السياسيَّة التي مرَّ بها المجمع السوريّ؛ ويكفي أنه انتدب أحدَ أعضائه الشيخ أحمد رضا العاملي لعمل معجم يجمع بين التراث والمعاصرة؛ فكان معجم (متن اللغة) الذي يضاهي- أو يفوق- المعجم الوسيط الذي أصدره المجمع المصريّ حتى الآن في ثلاث طبعات يغلب عليها سوء التخطيط([48])!
ولا يصحّ استبعاد أساطين مجمع اللغة العراقيّ أو التقليل من دَوْرهم، ويمكن الإفادة من مجمع اللغة العربية الأردنيّ الذي أصدر بمكتبة لبنان ناشرون ببيروت عام 2006م (معجم ألفاظ الحياة العامة في الأردن)؛ وهذا المعجم تجربة رائدة في المعجم العربيّ الحديث من حيث الاعتماد على المنطوق بدلًا من الاجترار؛ ولا شك أنه – وإن لم يسلم من سلطان التصرُّف والمعياريَّة- مورد عظيم لمدونة المعجم التاريخيّ([49])، كما أدخل هذا المجمع الأردنيّ- حسب التقرير السنويّ له لعام 2010م – ثلاثين مصدرًا من دواوين الشعر الجاهليّ، وأنجز طباعتها وتدقيقها، وأرسلها إلى اللجنة المتخصصة بالمعجم التاريخيّ باتحاد المجامع اللغوية الذي يرأسه رئيس المجمع المصريّ([50])!
ومن حقِّنا أن نتساءل: هل انتهت المجامع الأخرى من إدخال المصادر التي وزَّعها عليها اتحاد المجامع؟ بل هل حافظ الاتحاد على عمل المجمع الأردنيّ؟ وهل سيُنسَب في مقدِّمة معجم الشارقة كلُّ عمل إلى المجمع الذي قام به؟ وهل يستطيع المجمع المصريّ عملَ معجم لألفاظ الحياة العامة في مصر؟ بل هل يستطيع اتحاد المجامع تطبيق فكرة المجمع الأردنيّ من أجل معجم موحِّد أو شبه موحِّد لألفاظ الحياة العامة في الوطن العربيّ؟ وهل يفكِّر مجمع الشارقة أو حاكم الشارقة في إدخال شيء من العاميَّات الحديثة في معجم الشارقة التاريخيّ إكمالًا لمعجم الدَّوحة الذي استبعد العاميَّات؟ ليت القائمين على المعجم التاريخيّ في الدَّوحة والشارقة يعلمون أن المشروعات العلميَّة تحتاج إلى إخلاص مع فضل علم ومال وشجاعة مع النفس؛ وأن الحضارات تُبنَى بوضع لَبِنة إثر لَبِنة، والعمل من حيث انتهى الأولون والمتقدِّمون؛ ولعلَّ الإخلاص هو الذي جعل مشروع المكتبة الإلكترونيَّة الشاملة أكثر بركة ونفعًا؛ وقد أفاد منه- مع كونه مشروعًا خيريًّا يفتقر إلى التنظيم- معجمُ الدَّوحة التاريخيّ ومعجمُ الشارقة التاريخيّ، بل أساء المعجمان الإفادة في بعض المواضع! ورحم الله شاعر النِّيل الذي أجاد في الترهيب والتقريع فقال من بحر الرَّمَل([51]):
أُمَّةٌ قد فتَّ في ساعدِهــــــــــــــــــــــــــــــا بغضُها الأهلَ وحُبُّ الغُرَبا
تعشقُ الألقابَ في غيرِ العُلا وتُفدِّي بالنفــــــــــــــــــوسِ الرُّتَبــــــــــا
وهْي والأحداثُ تستهدفُها تعشقُ اللَّهو وتهوَى الطَّرَبـــــــــا
لا تُبالي لَعِبَ القومُ بهـــــــــــــــــــــــا أم بها صَرْفُ اللَّيالي لَعِبـــــــــــا
والغُرَبا- بالقصر- الغُرَباء، جمع غريب؛ وما أكثرهم في المعجم التاريخيّ! وأخيرًا- وإن شئتَ أوَّلًا- أرجو أن تشهد الأيَّام المقبلة قرارات حازمة وإنجازات صادقة تخدم اللغة العربيَّة ومُعجمها التاريخيّ الذي يجب أن يكون حجَر الأساس في بناء التعاون العربيّ بعد تحطيم التنافس السياسيّ بين الدَّوحة والشارقة، ومعالجة داء التقديس للأفراد والمؤسَّسات؛حتى لا نضطرَّ بعد الوقت والمال آسفين إلى إنشاد رجَز عدنان([52]):
القرنُ ماضٍ وانقضى مُعظَمُه فهل يُرَى كوعدِهم مُعجَمُه
([1]) وحوى إيّاحا في المعجم التاريخيّ العربيّ- العدد10- مجلة الربيئة- نادي الرقيم العلمىّ- الجزائر ط/ 2018م.
([2]) مراجعة معجميّة لنشرات المحكم- العدد 12- مجلة الربيئة- نادي الرقيم العلميّ- الجزائر ط/2019م.
([3]) مصادر معجم الدوحة التاريخيّ- العدد653- مجلة الوعي الإسلاميّ- وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت ط1/2019م.
([4]) كذا في النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير(ت606هـ)- تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي- دار الفكر- بيروت- لبنان ط2/1979م. جـ5/104، وفسَّره ابن الأثير فقال: ” أي: إن عِبتَهم واغتبتَهم قابلوك بمثله؛ وهو من قولهم: نقدْتُ الجَوْزة أنقدُها، إذا ضربتها. ويُروَى بالفاء والذال المعجمة”، وفي لسان العرب لابن منظور(ت711ه)- دار صادر- بيروت- لبنان ط1/2000م. (ن ق د) جـ14/ 334: ” وفي حديث أبي الدرداء أنه قال: إن نقدتَ الناس نقدوك وإن تركتَهم تركوك. معنى نقدتهم أي عبتَهم…”؛ فانظر إلى زيادة اللسان!
([5]) ديوان إسماعيل صبري باشا- صحَّحه وضبطه وشرحه ورتَّبه الأستاذ أحمد الزين، وقام بجمعه حسن رفعت بك- مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر- القاهرة- مصر ط/1938م. ص60، والنفيسان هنا العِرْض والشِّعر.
([6]) جَناب: لقب احترام وتشريف يُستعمَل في المراسلة أو المخاطبة بمعنى: صاحب السيادة، وصاحب السعادة، ويُطلَق على موظفي الدولة؛ فيقال: جناب الأستاذ الدكتور. ولا يخفى التناسب بين اللفظ وبين الجنابي.
([7]) ويقال أيضًا: أكنهه بوزن أفعله.
([8]) فيض الخاطر- أحمد أمين- مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة- القاهرة- مصر ط/2012م. جـ10/159: 160.
([9]) للدكتور الجنابي محاضرة في عشرين دقيقة على اليوتيوب بعنوان (المداخل المعجميَّة بين فيشر ومعجم الدَّوحة)؛ فهل هذه المحاضرة هي اهتمامه؟
([10]) منشور في عدد شوال- مجلة الأزهر- مجمع البحوث الإسلاميَّة- القاهرة- مصر ط/1439هـ.
([11]) صدر في العدد 107- مجلة كلية دار العلوم- جامعة القاهرة- مصر ط/2017م.
([12]) راجع البحوث الثلاثة في جـ7، 8 لعام 2018م، جـ9، 10 لعام 2019م، جـ9، 10 لعام 2020م من مجلة العرب- مركز حمد الجاسر- دار اليمامة للبحث والنشر والتوزيع- الرياض- السعودية.
([13]) من إصدارات الحضارة للنشر- القاهرة- مصر ط1/2017م.
([14]) كذا ضمن أربعة أبيات في ديوان أبي العتاهية- دار صادر للطباعة والنشر ودار بيروت للطباعة والنشر- بيروت- لبنان ط/1964م. ص46، ونُسب إليه في ديوان المعاني للعسكري(ت395ه)- مكتبة القدسي- القاهرة- مصر ط1/1352ه. جـ2/155 بلفظ: ” ألا ليت…”، وراجع الفاضل للمبرد(ت285هـ)- تحقيق عبد العزيز الميمني- مطبعة دار الكتب المصرية- القاهرة- مصر ط1/1956م. ص77؛ حيث وقع البيت بلفظ: ” ألا ليت…” ضمن أربعة أبيات مختلفة في اللفظ والترتيب منسوبة إلى محمد بن عبد الملك الزيات!!
([15]) وقد كتبتُ في الصحف المصريَّة أكثر من مقال عن ضرورة تغيير قانون مجمع اللغة المصريّ الذي يسيطر عليه شيوخٌ وعِجزان لهم عُمْر علميّ عظيم لكنَّ معظمهم غير متخصِّص في الصناعة المعجميَّة، وربما لا يعرف بعضُهم الفرق بين الزُّبيديّ والزَّبيديّ! وسيأتي التفصيل عند الحديث عن معجم الشارقة.
([16]) وفي مقابل تقديس الجنابي لأعضاء المجلس العلميّ لمعجم الدَّوحة أتعجَّب من أحد أصدقائي الذي قرَّر اعتزال المحدَثين جميعًا وعدم القراءة لهم؛ لأنه وجد في كتاب أحد الأكابر منهم جملة: ” ضلَّ سيبويه في زعمه كذا”، ووجد في كتابِ مُحدَث آخر جملة: “ونحن لا نرى صحة هذا الأساس الذي بنى عليه الجرجاني…”؛ وقد كان الأوْلى بالصديق أن يناقش المحدَثين في كلامهم؛ ولكنَّه رفض أيَّ اعتراض على القدماء؛ فانظر إلى آثار التقديس!
([17]) ومن الغريب حقًّا عدم إفادة المعاجم الحديثة من جهود فيشر، حتى المعجم الكبير الذي بدأ فيه مجمع اللغة المصريّ عقِب وفاة فيشر، وكذلك المعاجم التي أعدَّها د.أحمد مختار عمر- وهو يومئذ عضو بالمجمع المصريّ- بمساعدة فريق عمل كنتُ واحدًا منهم! راجع: الاستشهاد بشعر المولَّدين والمعاصرين في المعجم الكبير- د.أحمد محمد الضبيب- مجلد78 جـ4- مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق- سوريا ط/2003م.ص1070- 1071، ومقالي: دلالة السياق في معجم فيشر ص1831.
([18]) مقدمة معجم الدَّوحة- خط إنتاج المداخل المعجمية.
([19]) إقحام الواو بعد (بل) غير شائع في العربيَّة الفصحى، لكنه ورد في بعض الاستعمالات الفصيحة؛ ولهذا لا نجرؤ على تخطئته؛ وراجع ما سيأتي في الهامش الثلاثين.
([20]) منشور في عدد ذي القعدة – مجلة الأزهر– مجمع البحوث الإسلاميَّة- القاهرة- مصر ط/1437هـ.
([21]) منشور في العدد 667- مجلة الوعي الإسلاميّ- وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية- الكويت ط/2020م.
([22]) منشور في العددين 31، 32 من النشرة العلميَّة- مجموعة المخطوطات الإسلاميَّة- الإمارات العربيَّة المتحدة ط/2020م. وقد اطَّلع الدكتور أبو يوسف الكفراوي مؤلِّف المعجم على هذا المقال؛ فغضِب أشدَّ الغضب، ونقِم أشدَّ النقمة، ولم يهدأ له بال، ولم يغمض له جَفْن حتى كتب خلال ساعات ثلاثَ عشرة صفحة بعنوان( الرَّدّ المختصر على نظرات وافتراءات(!) الباحث محمد جمعة الدِّربيّ على معجم مصنَّفات الوقف والابتداء)، ورفعَ هذه الصفحات في صورة مُبدأفة- أي بصيغة pdf- على أحد المواقع الإلكترونيَّة المغمورة؛ فاقرأ ردَّه الشديد في غير حُجَّة والعنيف في غير قُوَّة؛ لترى حرصه على سمعة معجمه أكثر من حرصه على شخصه وأزهره الشريف الذي تعلَّم فيه، وقارنْ هذا الردَّ بتقديس الدكتور الجنابي لمعجم الدَّوحة؛ لترى كيف يتشابه الخُلُقان!!
([23]) من مطبوعات الحضارة للنشر– القاهرة- مصر ط2/2015م.
([24]) من إصدارات سلسلة التراث الحضاريّ(16)- الهيئة المصريَّة العامة للكتاب- القاهرة- مصر ط1/2019م.
([25]) لعله أراد (وبناء على طلبه يجب أن يتوقَّف…)؛ فانظر إلى السرعة! وراجع تعليقي في الهامش على آخر فقرة ستأتي من كلام الجنابي.
([26]) والأفصح استعمال حرف الجر (في) على المفعول الثاني.
([27]) أعمال ندوة المعجم التاريخيّ للغة العربية قضاياه النظرية والمنهجية والتطبيقية- دار السلام – القاهرة – مصر ط1/2011م.ص297، وصناعة المعجم التاريخيّ للغة العربية- د. علي القاسمي- مكتبة لبنان ناشرون- بيروت- لبنان ط1/2014م.ص249، ونحو معجم تاريخيّ للغة العربية- مجموعة مؤلفين- المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات- بيروت- لبنان ط1/2014م.ص64.
([28]) كذا! ويبدو أن إسقاط الفعل لازمة في كلام الجنابي؛ وراجع تعليقي في الهامش الرَّابع والعشرين.
([29]) راجع موقع مجمع اللغة العربيَّة بالشارقة على الشبكة العنكبوتيَّة.
([30]) راجع ما نشرته جريدة اليوم السابع بتاريخ 10/ 8/ 2020م.
([31]) راجع تعليقي في الهامش الثامن عشر من هذا المقال.
([32]) المعجم الوسيط- مطبوعات مجمع اللغة العربية- القاهرة- مصر ط3/1985م.(ب ل) جـ1/70، ولا أثر لهذا النص في المعجم الكبير أكبر معاجم المجمع-(حرف الباء) ط1/1981م.ص496.
([33]) بحثي:ببليوجرافية الأعمال التي تناولت المعجم التاريخيّ ص682، وراجع مقالي: معجم الدَّوحة التاريخيّ بين البداية والأمل.
([34]) الجزازات أو الجذاذات : البطاقات. وفى: تقرير عن معجم الدكتور فيشر محاضر- جلسات الدورة 16 – مطبوعات مجمع اللغة العربيَّة- القاهرة- مصر ط/1974م. ص41: 44 تصريحٌ من مجمع اللغة المصريّ بأن فيشر وهب المجمع جميع جزازاته ، وأن عدد صناديق الجزازات ستة وعشرون صندوقًا!! وعلى الرغم من كثرة جزازات فيشر وما جمعه فيها من شواهد كان ” مصيرها إلى ركن قصىّ في مخزن للمرتجعات في المجمع “! راجع اعتراف د.محمد حسن عبد العزيز- وهو عضو بالمجمع- في كتابه: المعجم التاريخيّ للغة العربية وثائق ونماذج – دار السلام- القاهرة- مصر ط1/2008م. ص400، وراجع اعتراف تلميذه الباحث بالمجمع د.مصطفى محمد صلاح في: الاستشهاد في المعجم اللغويّ التاريخيّ- عالم الكتب- القاهرة- مصر ط1/2012م. ص16، وراجع: أوجست فِشر(!) مستشرق ألمانيّ اختصَّ باللغة العربية نحوًا وصرفًا ومعجمًا، عمل خمسين عامًا في جمع مادة المعجم التاريخيّ للغة العربية الفصحى- محمد عيد الخربوطلي- مجلد 45- عدد 543- مجلة الموقف الأدبىّ- اتحاد الكتاب العرب- سوريا ط1/2016م. ص139: 151 ففيه أن جذاذات فيشر بدَّدها المجمع المصريّ فى أثناء انتقال داره من شارع القصر العيني! وراجع: التجربة الإنجليزيّة في المعجم التاريخيّ وتحديات العنصر البشريّ – د. عبده الراجحي- جـ109- مجلة مجمع اللغة العربية- القاهرة – مصر ط/2007م.ص60 للمقارنة بين صنيع المجمع المصريّ مع جزازات فيشر وصنيع جيمس موراي James Murray الذي أصبح محرِّرًا رئيسيًّا لمعجم أكسفورد عام 1877م ؛ حيث ” أقام ملحقًا حديديًّا ببيته ليكون مكانًا آمنًا للمواد المجموعة “! وفي المقابل يزعم د.محمود فراج في: دراسة تحليلية في المعجم اللغويّ التاريخيّ الحديث- دار غريب- القاهرة- مصر ط1/2019م. ص13 – وكذا ص54- أن جزازات فيشر: ” ما زالت في مجمع اللغة العربية إلى الآن”!!
([35]) صناعة المعجم الحديث- د.أحمد مختار عمر- عالم الكتب- القاهرة- مصر ط1/1998م.ص191-192.
([36]) راجع المبحث الثالث من الفصل الثاني من كتابي: من المعجم الخليليّ إلى المعجم التاريخيّ.
([37]) راجع الفقرة الثانية من مقالي: وحوي إيّاحا في المعجم التاريخيّ العربيّ.
([38]) ولن ينسى التاريخ أن المجمع المصريّ بخِل بهذه العضويَّة الفخريَّة على المحقِّق الدكتور حسين نصّار صاحب أول دراسة أكاديميَّة عن المعجم العربيّ نشأته وتطوُّره، وسيذكر التاريخ أيضًا أن المجمع طرد الدكتور رمضان عبد التواب من درجة خبيرٍ بالمجمع طردًا، وأرسل إليه قرار الطَّرد مع تلميذه المحرِّر المجمعيّ الدكتور ضاحي عبد الباقي!!
([39]) ديوان حافظ إبراهيم- ضبطه وصحَّحه وشرحه ورتَّبه أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الإبياري- مصوَّرة عن طبعة دار الكتب المصريَّة- القاهرة- مصر ط1/1937م- دار العودة للصحافة والطباعة والنشر- بيروت- لبنان (د.ت). جـ2/118.
([40]) مقدِّمة الأستاذ أحمد أمين لديوان حافظ إبراهيم ص14.
([41]) في صباح يوم 19/ 11/2020م صدر قرار وزاريّ بإقالة الدكتور حسن الشافعيّ من منصبه، وتعيين الدكتور صلاح فضل قائمًا بأعمال رئيس المجمع.
([42]) راجع على الشبكة العنكبوتيَّة بيانات أعضاء هيئة التدريس بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم بمصر. وفي جميع كليَّات دار العلوم بمصر قسمان مختلفان؛ قسم علم اللغة والدِّراسات الساميَّة والشرقيَّة يختصّ بفقه اللغة وعلم اللغة ويدرِّس مادة المعاجم. وقسم النحو والصرف والعروض الذي يختصّ بالدِّراسات الصرفيَّة والنحويَّة والعروضيَّة فقط.
([43]) كانت اللجنة الرباعية تضمُّ – برئاسة الدكتور كمال بشر- الأساتذة الدكاترة: أحمد محمد الضبيب، وعلي القاسمي، وإبراهيم بن مراد، ، ومحمد حسن عبد العزيز؛ راجع: مشروع المعجم التاريخيّ للغة العربية، مسيرة وتاريخ- د. إحسان النص- مجلد82 – جـ1- مجلة مجمع اللغة العربية- دمشق- سوريا ط/2007م.ص54.
([44]) الخصائص لابن جني(ت392ه)- تحقيق محمد علي النجار- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة- مصر ط3/86- 1988م. جـ2/294، والصحاح للجوهري(ت بعد 393 هـ)- تحقيق أحمد عبد الغفور عطار- دار العلم للملايين- بيروت- لبنان ط3/1984م. (ق م ر) جـ2/799، (و د ي) جـ6/2521، وأمالى ابن الشجري(ت542هـ)- تحقيق ودراسة د.محمود محمد الطناحي- مكتبة الخانجي- القاهرة- مصر ط1/1992م.جـ2/290.
([45]) راجع رسالتنا للدكتوراه: الجهود اللغوية لأبي حاتم السجستانيّ، دراسة في ضوء علم اللغة الحديث – كلية دار العلوم- جامعة الفيوم- مصر ط/2014م. ص201.
([46]) راجع الأبيات بنطق الدكتور مأمون على الصفحة الفيسبوكيَّة لمجمع اللغة العربيَّة بالقاهرة بتاريخ 6 نوفمبر 2020م.
([47]) يعمل المجمع المصريّ في الطبعة الرابعة للمعجم الوسيط منذ عشرة أعوام، وأمّا ورطة المعجم الكبير فمشهورة!
([48]) راجع – إن شئتَ- معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا- منشورات دار مكتبة الحياة- بيروت- لبنان ط1/58-1960م. (ب و ق) جـ1/374، (ط ع ن) جـ3/612، (و ب أ) جـ5/695، وقارن بالطبعة الثالثة من المعجم الوسيط الصادرة عام 1985م. (ب و ق) جـ1/79، (ط ع ن) جـ2/578، (و ب أ) جـ2/1049.
([49]) راجع الإشادة بمعجم الأردن في ندوة المعجم العربيّ بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق – مجلد 78 جـ3/578- 579، جـ4/1163، وبحث فاطمة العليمات في : دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية- مجلد 41- عمادة البحث العلميّ- الجامعة الأردنية- الأردن ط1/2014م. ص821: 833.
([50]) راجع: نحو معجم تاريخيّ للغة العربية ص67، 222، وقد أصدر المجمع الأردنيّ مجلة حقَّقتْ مستوًى علميًّا طيِّبًا في الوطن العربيّ.
([51]) ديوان حافظ إبراهيم جـ2/7.
([52]) معجم القرن العشرين العربيّ- د.عدنان الخطيب- مجلد 19- العدد 5، 6- مجلة العرب- دار اليمامة للبحث والنشر والتوزيع- الرياض- السعودية ط1/1984م. ص381.
بداية …شاكرا جهد المجلة بطاقمها سائلا ربي دوام التوفيق والسؤدد ومحييا رواد الكتابة فيها ولعل ماتفضل به الدكتور جمعة الدربي من رد لمقال صدر عن الدكتور الجنابي المشارك بمشروع الدوحة المعجم التاريخي للغة العربية- يريد به المنافحة عن المشروع ورد ما تفضل به الاستاذ من ملاحظات عن المشروع تصحيحا واستكمالا له …لا أريد ابداء رأي حتى اطالع مقال الدكتور الجنابي لكني أبدي ثنائي الجميل لمقال د. الدربي الذي استشعرت فيه النقد المنهجي المؤسس على نخل المعلومات الواردة لابانة السمين من الغث.