المرأة المسلمة ومؤسسة الأسرة في نصوص مؤتمر كولورادو قراءة نقدية
المرأة المسلمة ومؤسسة الأسرة في نصوص مؤتمر كولورادو
قراءة نقدية
نادية الشرقاوي
مختصة في علم الأديان، وكاتبة في القضايا النسائية في الإسلام.
حافظ المجتمع الإسلامي على خصوصية “الأسرة“، رغم حالات الانكسار، المادية أو المعنوية، التي ظل يتعرض إليها بين الفينة والأخرى، والتي أثرت، لأسباب داخلية وأخرى خارجية، لا محالة على مؤسسة الأسرة وعلى استقرار الزواج بالأساس.
فمن جهة أولى، يواجه المجتمع المسلم، باسم الحفاظ على الدين، فهوما تقليدية، أثَّر فيها العرف والتقاليد، وقيَّدت الشريعة بفهوم نزَّلتها منزلة النص، حتى باتت تحُول دون حصول المرأة المسلمة على كامل حقوقها التي منحتها لها الشريعة الإسلامية، وبالتالي حالت دون تطور المجتمع، وحلِّ الكثير من المشاكل التي يعانيها، مما سمح للآخر المخالف بتوجيه تهم إلى الدين الإسلامي، يُحمله مسؤولية تخلف الأمة، ويروج لفشل الإسلام في قيادة الإنسان، ويجعله السبب الرئيس في تراجع المرأة عن دورها داخل المجتمع، مع أن الإسلام منذ البداية كان واضحا في تعامله مع الذكر والأنثى على حد سواء، واختزل هذا التعامل في مفهوم الإنسان، بغض النظر عن نوعه أو جنسه أو لونه… فكفل للمرأة كرامتها، وبفضله كانت للمرأة وجاهة فكرية واجتماعية وسياسية وغيرها، حتى أننا نجد نماذج نسائية في عصر الرسالة وفي العهود الموالية لم تكن عنصرا مقصيا، بل شكلت عنصرا فعالا في المجتمع، ومشاركا في بناء الحضارة الإسلامية، جنبا إلى الرجل، وهذا ما أكده القرآن الكريم حين ذكر نماذج نسائية كامرأة عمران ومريم أم المسيح وملكة سبأ، نماذج تعكس مشاركة المرأة في ميادين ترفضها بعض المجتمعات التي لا ترى في المرأة إلا المرأة المطيعة الخاضعة لسلطة الرجل… والسنة النبوية أكدت ما جاء به القرآن الكريم، من خلال تعامل النبي الكريم مع النساء، فكن مبايعات، ومشاركات ساعة الغزوات، دفاعا عن الإسلام، ومتعلمات ومعلمات، ومنفقات وعاملات…
ومن جهة أخرى، يواجهه هذا المجتمع، باسم الحرية والانفتاح على الآخر، تسرب بعض القيم والعادات التي تخالف الدين الإسلامي من الخارج، والتي تصل إلى درجة ذوبان الذات والتفسخ من القيم الأخلاقية، وبغض النظر عن التسليم أو عدم التسليم بنظرية المؤامرة، لا يخفى على المتخصصين، مدى اهتمام الكثير من المؤسسات الغربية بالأسرة المسلمة، بتتبعها بالتقارير والدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية… وسنخصص هذه المقالة لقراءة تحليلية لما جاء في ورقة فاليري هوفمان:” المداخل النصرانية للمرأة المسلمة وأسرتها”، لأهميتها التي تتجلى في أمرين اثنين:
أولاها أن هذه الورقة مشاركة قدمت في أكبر مؤتمر تنصيري في العصر الحديث،
وثانيها أن هذه الورقة خصصت لموضوع الأسرة المسلمة، والمرأة المسلمة على وجه الخصوص.
مؤتمر كولورادو:
من أهم المؤتمرات التي اعتنت بالمرأة وقضاياها في المجتمع الإسلامي المؤتمر التنصيري:”مؤتمر كولورادو”، الذي عقد سنة 1978بأمريكا الشمالية بولاية كولورادو، برعاية من الكنيسة الكاثوليكية، وبإشراف “لجنة التنصير بلوزان”، ضم هذا المؤتمر أربعين بحثا، وحضره 150 مشاركا، يمثلون أنشط العناصر التنشيطية في العالم، واستمر هذا المؤتمر لمدة أسبوعين بشكل مغلق، قدمت فيه بحوث حول التبليغ الشامل للإنجيل، وتقديمه للمسلمين والكنائس الديناميكية في المجتمع الإسلامي، وتحليل مقاومة واستجابة المسلم، وتنشيط دور الكنائس المحلية في تنصير العالم الإسلامي، وقد انتهى المؤتمر بوضع إستراتيجية بقيت سرية لخطورتها.
تقول مقدمة كتاب المؤتمر:”وهكذا شارك في المؤتمر، الذي عقد في 15/05/1978م، نوعية خاصة ومتميزة من الأشخاص، ولا ريب أن هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يجتمع فيها هذا العدد الكبير، والذي يمثل مختلف الدوائر والهيئات وأنواع رجال الدين، من أجل توحيد جهودهم وإمكانياتهم، والاستفادة من بعضهم البعض في عملية تنصير المسلمين”.[1]
خصص هذا المؤتمر حوالي عشرين صفحة لدراسة وضع الأسرة والمرأة المسلمة، من خلال حديثه عن المداخل النصرانية للمرأة المسلمة وأسرتها، ونقف هنا مع نص صريح يعبر عمَّا خطط له هذا المؤتمر بشأن المرأة، حيث يقول:”بدلا من البحث عن صراع مباشر بين الكتاب المقدس والقرآن… دعونا نعلم المرأة المسلمة كيف تعيش في سلام من ضغوط السحر؟.. ونقدم المسيح بديلا نصرانيا للتأثير الشيطاني الذي يهاجم النساء وخاصة في المجتمعات الإسلامية؟!.. إن النساء هن المفتاح لزرع الكتاب المقدس في المجتمعات الإسلامية!“.
مؤتمر كولورادو والمرأة المسلمة:
يعكس المؤتمر، من خلال الأوراق المقدمة، إدراك المنصرين الدور الكبير الذي تقوم به المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي، في تربية النشء وحمايته، ولذا تعددت الوسائل المقترحة لاختراق المرأة، وسعوْا بنهج شتى الطرق والوسائل إلى تغريب المرأة المسلمة، وزعزعة عقيدتها، وتشكيكها في الكثير من مقومات هويتها الإسلامية، وقيمها الحضارية مستغلين بعض الثغرات للنفوذ من خلالها، والتي ترجع إلى تشدد بعض المذاهب الفقهية في معالجتها لبعض قضايا المرأة، وقد خصص هؤلاء المنصرون في هذا المؤتمر، كما سبقت الإشارة، حيزا مهما ناقشوا فيه كيفية تحقيق هذا الاختراق.
المداخل التي ركز عليها مؤتمر كولورادو لاختراق المرأة المسلمة:
ركز المؤتمرون في مؤتمر كولورادو على تحديد المداخل التي تُمكنهم من التسلل إلى المرأة المسلمة وأسرتها، لذلك نجد الباحثة “فاليري هوفمان” أعدت بحثا تحت عنوان:“المداخل النصرانية للمرأة المسلمة وأسرتها”[2]، و”فاليري هوفمان”، أو “زينب” كما تسمي نفسها، هي مستشرقة أمريكية من جامعة شيكاغو، نشأت في الكنيسة الكاثوليكية، متخصصة في الدراسات العربية والإسلامية، أعدت أطروحتها سنة 1986م، في موضوع:”الحياة الدينية للمرأة المسلمة في مصر المعاصرة”، وحصلت من جامعة بنسلفانيا في تخصص الأنثروبولوجيا، سنة 1975م، على رسالة في موضوع:” الأسرة المسلمة في المجتمعات غير العربية“، درست في تونس بين 1973 و1974م، وأنجزت بحثا عن الأسرة التونسية.
قسمت “فاليري هوفمان” بحثها إلى مقدمة وستة فصول، تعرضت في المقدمة إلى مسألة مهمة، تتعلق بالانحلال الخلقي الذي بدأت تعرفه المجتمعات الغربية، فمع تقدم هذه المجتمعات على المستوى التقني والصناعي، إلا أنها على المستوى الأخلاقي والأسري عرفت تراجعا كبيرا، لا يمكن الاعتماد عليه في مسألة تنصير المرأة المسلمة، باعتبار أن وضع نظيرتها في المجتمع الغربي المسيحي أفضل مما عليه المرأة في المجتمعات المسلمة، تقول فاليري هوفمان:” اعتبر كثير من الإنجيليين أن تفوق النصرانية يمكن ملاحظته بوضوح وخاصة في عالم الأخلاق والقيم، وقارن هؤلاء استغلال المرأة المسلمة من خلال الوضع المتفوق للمرأة في المجتمع النصراني، ونتيجة لذلك شمل جزء كبير من العمل التنصيري إنشاء المدارس وتعليم الرجال والنساء وفق النموذج الغربي، أما في الوقت الحاضر، وفيما لا يزال معظم الناس في جميع أنحاء العالم يقرون التفوق التقني للحضارة الغربية، فإن هذا التفوق على المستوى الأخلاقي مشكوك فيه ومحل تساؤل، واليوم وعلى ضوء الواقع الحالي في تفكك الأسرة في مجتمعنا الغربي وارتفاع معدلات الجرائم وحالات الطلاق والزيادة المستمرة في الانحرافات الجنسية لم يتبق لنا إلا القليل الذي نفخر به، وعلينا أن نعيد تقييم موقعنا من المجتمع المسلم وعلاقة الكتاب المقدس بالمرأة المسلمة والأسرة”.[3]
وعليه جعلت موضوع الفصل الأول من بحثها هو تحديد “وضع المرأة في الإسلام”، لتقدم صورة قاتمة عن هذه المرأة وعن الدين الذي تنتمي إليه، فهي لم ترجع إلى وضعها الحقيقي الذي جاء به القرآن، وإنما ركزت على واقع المرأة في المجتمعات الإسلامية، والنصوص القرآنية المجتزأة من سياقها، والتي يمكن أن تخدم مصلحة المنصرين عند ربطهم واقع المرأة في المجتمعات الإسلامية بهذه النصوص المبتورة من سياقها.
ومن أهم هذه الآيات القرآنية التي وقفت معها فاليري هوفمان ووجدت فيها ضالتها، من خلال التفسيرات التي أعطيت لها والتنزيلات التي نزلت بها على أرض الواقع، “آيات القوامة“، وما اشتملت عليه من ضرب النساء، و”آيات الميراث”، وحديث القرآن عن الإماء والاستمتاع بهن، وما جاء في الأحاديث النبوية التي تصف المرأة بالنقص في العقل والدين، وأنهن أكثر أهل النار، وأنهن منكرات للجميل.
وتدعم كاتبة المقال رأيها بما وجدته لدى بعض الباحثين[4]، لتؤكد أن المرأة في المجتمعات الإسلامية تعيش وضعا لا إنسانيا، وينظر إليها نظرة احتقار وازدراء، وأن دورها في هذه الحياة هو تلبية حاجيات زوجها، وأن طاعتها له فوق طاعة الله، فكما يحرم على الرجل أن يشرك بالله، كذلك يحرم عليها أن تشرك مع زوجها أحدا، وكما أن الرجل يحرم عليه أن يجحد نعم الله، فكذلك المرأة يحرم عليها أن تجحد نعم زوجها.
أما موضوع الفصل الثاني، فخصصته الكاتبة لـ “نظرة المرأة المسلمة إلى العالم“، محاولة أن تبين أن نظرة هذه المرأة إلى العالم تتجلى في سيطرة الخوف عليها، الخوف من الضرب، ومن الأرواح الشريرة، ومن سلطة حماتها، ومن الإشاعة التي قد تمس سمعتها الأخلاقية، تتجلى أيضا في خضوعها لسيطرة الرجال أو الرجل عليها، بالإضافة إلى الخوف المرعب من عالم الأرواح اللامنظور.
وحاولت فاليري هوفمان أن تبين أن درجة سيطرة الرجال على النساء، في المجتمعات الإسلامية، وصلت إلى أن هؤلاء الأخيرات يستقين كل معلوماتهن ومعارفهن بواسطة الرجال، وأن لا حديث لهن إلا على الحمل والإنجاب وتربية الأطفال، وترجع في أمثلتها إلى دراسات اجتماعية في بعض البلدان الإسلامية كباكستان ومصر والعراق، تقول فاليري هوفمان:” تتلقى النساء معظم الأخبار عن العالم الخارجي من أزواجهن، وفي هذا الصدد يؤثر الرجال تأثيرا كبيرا على معتقدات ومواقف زوجاتهم، أما الموضوعات الرئيسية التي تتطرق إليها النساء في مجالسهن فهي الحمل والولادة والأطفال، ويعتبر الأطفال مصدر فخر بالنسبة لكل أم، وترغب النساء في إنجاب الأولاد الذين ينالون الاحترام ويحترمون في المقابل أسرهم”[5].
ومع ذلك لم تخف الكاتبة ما تتميز به الأسرة المسلمة من تماسك بين أفرادها، ومدى دور المرأة في هذا التماسك ومحافظتها على سمعة الأسرة الأخلاقية وعفتها، وقد اعتمدت كاتبة هذا المقال على بعض الكتابات الاجتماعية حول المرأة، لتؤكد ما ذهبت إليه من سيطرة الزوج وسوء معاملته للمرأة، حتى أن النساء، في بعض المناطق العربية، يعشن في خوف دائم من الضرب والطلاق والحرمان من الثروة.
أما الفصل الثالث فقد تعرضت فيه كاتبة المقال إلى “مشاركة المرأة في الإسلام”، وحددتها فقط في نقطتين اثنتين: أولاهما: الالتزام بأركان الإسلام الخمسة، وثانيهما: الاقتصار على أداء الصلاة في البيت، وأكدت قولها بما يناسب ذلك من كلام بعض الباحثات أو النساء اللائي اعتنقن الإسلام حديثا[6]، ومن ذلك أيضا أن الرجال والنساء يعتقدون أن القرآن لا يتعلق بالنساء، وأن الكثير من الأسر المسلمة تحتفظ بالقرآن مغلقا، ولا يسمعنه إلا في رمضان أو في المناسبات.
وركزت كاتبة المقال في هذا الفصل على مدى سيطرة الفكر الخرافي على عقول النساء المسلمات، ومدى ارتباطهن بالممارسات السحرية وارتياد الشيوخ والزوايا، وأن هذه الأخيرة لا تمنع منها النساء بل يكثر فيها الاختلاط بين الجنسين.
وتعقب هنا كاتبة المقال بالقول، أن من أسباب عدم نجاح المنصرين في العالم الإسلامي، كونهم ركزوا على الإسلام الرسمي بدل التركيز على الإسلام الشعبي، وهو هذا الإسلام المختلط بهذه الطقوس والخرافات، وما يقام من حفلات دينية في الزوايا والأضرحة، وما لهذه الزوايا من دور مهم في حياة المرأة، إذ يفدُ النساء إليها لتقديم النذور ولطلب العون، وباستثناء بعض النساء العابدات أمثال رابعة العدوية، والتي تعتبرها حالة نادرة الحدوث وغريبة في التاريخ الإسلامي، فباقي النساء أميات وجاهلات، وهنا ترى كاتبة المقال المدخل المناسب الذي يمكن أن يتسلل منه المسيح، وذلك بإبراز الصورة المغايرة لذلك تماما في النصرانية، حيث ترى الرب جالسا فوق حائط يخبر امرأة سامرية يحتقرها المجتمع، بأنه يرغب في أن يمنحها حياة أبدية، وفي المسيح فقط، ستجد المرأة المسلمة كرامتها والكمال والحرية من الخوف، وحياة أبدية جديدة بقوة الروح القدس.
أما الفصل الرابع في مقالتها، فخصصته لـ “الأسرة وزرع الكنيسة”، ولعل هذا الفصل هو أهم فصل في بحث فاليري هوفمان، حيث جاء بعد الفصول التشخيصية لوضع المرأة في المجتمع الإسلامي، اعتمادا على مقال الدكتور تيري هولبرت أحد المنصرين بـ “مدرسة كولومبيا للإنجيل وللإرساليات التنصيرية“، ركزت في هذا الفصل على أهمية تنصير المجتمعات، من خلال تنصير أصغر خلية فيه وهي الأسرة، حيث قاس تيري هولبرت الأسرة على القبيلة، فكما يقوم المنصرون بطلب الإذن من السلطة لتعليم الناس، فكذلك عليهم أن يفعلوا مع رب الأسرة لتعليم أفراد الأسرة.
وبالنسبة للأسر المسلمة، فالأمر يزداد حدة، خصوصا وأن المرأة لا يمكنها أن تخرج للتعلم بدون إذنها زوجها، وهو الإذن الذي لن يحصل عليه المنصرون ما لم يشيعوا أساليب ملائمة للثقافة الإسلامية، من خلال احترام تماسك الأسرة، يقول:”إن التنصير الأسري يحترم تماسك البيت، ويتحرك في اتجاه الوحدة الاجتماعية التي خلقها الرب وليس ضدها”.
يمكن أيضا تنصير الأسرة المسلمة عن طريق الأسرة النصرانية، من خلال دعوة هذه الأخيرة الأسرةَ المسلمةَ لقضاء بعض الوقت معها لتكتشف يسوع المسيح من خلال التنصير الأسري[7].
أما الفصل الأخير وهو: ” المرأة المثالية في المجتمع الإسلامي وما يعنيه هذا بالنسبة لنا“، فقد بينت فيه فاليري هوفمان أن من أهم أسباب رفض الرجل المسلم للمرأة الغربية، التي تعيش في بلاده، مخالطتها للرجال وعدم التزامها بقواعد الحشمة في اللباس والسلوك، وهنا تُنبه فاليري هوفمان إلى أنه طالما تمسكت المنصرات بذلك فسيبقين غريبات عن المجتمع الإسلامي، ولا سبيل لهن لكسب الثقة إلا بالصبر والتحلي بما هو مشرف، بما ينسجم مع المجتمعات الإسلامية، من الالتزام بالخصائص الظاهرية في اللباس وأسلوب الكلام والعادات، وهو ما دعت إليه إحدى المنصرات (ايمي بوس كونست)، التي دعت إلى تعلم اللغة العربية أيضا.
حاولت فاليري هوفمان أيضا في هذا الفصل، التركيز على دور المحبة التي ينادي بها الكتاب المقدس والمسيح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاحترام هو أوْلى من المحبة في نظر المرأة المسلمة.
وختمت بحثها باقتراحات[8] ترى ضرورة أخذها بعين الاعتبار، تمثلت في ما يلي:
- احترام أسلوب الحشمة والفصل بين الجنسين.
- التركيز على الشعائر التعبدية مع النساء في البيوت للتعبير عن أنفسهن بحرية.
- الاعتراف بسلطة الرجال والتعامل مع أفراد الأسرة الكاملة في وقت واحد.
- البحث عن النساء الزعيمات المتدينات والعمل من خلالهن.
- تقديم المسيح كبديل ومخلص من تأثيرات الشيطان.
ومن الملاحظات والتعقيبات التي أضافها المؤتمرون لهذا البحث: ضرورة استغلال أمية النساء المسلمات وإدخال وسائل تنصيرية في برامج تعليمهن، كذلك اكتشاف وسائل لمساعدة المرأة المسلمة أثناء فترة الحمل والولادة ورعاية الأطفال، ما دامت المهمة الأولى للمرأة المسلمة هي الحمل والولادة ورعاية الأطفال.
وقفة مع هذه المداخل الاختراقية: الوسائل المعتمدة لتنصير المرأة المسلمة.
من خلال هذا البحث المقدم في مؤتمر كولورادو التنصيري، نرى بوضوح أن المرأة المسلمة مدخل أساسي من مداخل المنصرين، ويعدُّ البحث المقدم إلى المؤتمر موضوعا مهما، يمكن من خلال قراءته وتحليله تحديد الوسائل المعتمدة في التنصير، وأهم هذه الوسائل التي يمكننا تحديدها:
أولا: اعتماد المنصرين في تنصير المرأة المسلمة على المرأة الغربية وليس الرجل.
ثانيا: تكريس الصورة المشوهة عن المرأة المسلمة، والبحث عن أساس هذه الصورة في النصوص المؤسسة في الإسلام القرآن والسنة، بهدف بيان أن الإسلام في أصوله المعتمدة حقَّر من شأن المرأة وأهانها.
ثالثا: الاستناد على الكتابات التي سخرت ق على الفكر الإسلامي لإثبات دعوى تحقير المرأة في الإسلام.
رابعا: التركيز على الإسلام الشعبي الذي يكرس هذه الدعوى.
خامسا: استغلال جهل المرأة وأميتها لتمرير بعض الأصول العقدية المسيحية.
سادسا: استغلال العادات الإسلامية والأعراف التي تخدم مصلحة المنصرين، كاستغلال انشغال المرأة بتربية الأطفال، وتوفير الجو الأسري المستقر للزوج.
سابعا: استغلال بعض الأحكام الفقهية الاجتهادية التي حقرت المرأة على مستوى العبادات أو المعاملات أو السياسات العامة.
ثامنا: التسلل إلى الأسر الإسلامية بزي الحشمة والاحترام والاتصاف بالخصائص الإسلامية.
تاسعا: التمييز في التعامل مع المرأة المسلمة بين المرأة المشرقية والمرأة المغربية والمتمدنة والريفية.
عاشرا: قبول الثقافة الإسلامية وعدم مناهضتها.
مقترحات
بعد تحديد هذه الوسائل العشر، نقدم هنا بعض المقترحات، ونجملها فيما يلي:
أولا: مادام العنصر النسوي هو المعتمد في تنصير المرأة المسلمة، لابد من إعداد عالمات وفقيهات من بين النساء المسلمات، وتشييد مراكز اجتماعية نسائية ذات المرجعية الإسلامية المعتدلة، تقوم بتوعية المرأة المسلمة، وهنا يمكن الاستفادة من التجربة المغربية في الحقل الديني، وهي تجربة خولت للمرأة العالمة اقتحام مجالات دينية وعلمية، لم تكن متاحة للمرأة سابقا، وتشكل اليوم تجربة جيدة، فالحقيقة أن جهل المرأة بدينها يعود أساسا إلى صعوبة التواصل مع الرجل، فهي ترتاح أكثر في طرح المسائل الدينية على المرأة العالمة، وتجد حريتها أكثر في الإفصاح عن الإشكالات التي يصعب عليها حلها أو فهمها واستيعابها، فتكون هذه فرصة لفتح باب التواصل وتجاوز المشاكل الدقيقة.
ثانيا: لا بد من الكشف عن حقيقة موقف الإسلام من المرأة، وذلك من خلال الوقوف مع النصوص القرآنية والحديثية التي يستغلها المسيئون للإسلام لإثبات صحة دعواهم، كآية القوامة، وآية المواريث، وحديث نقصان عقل المرأة ودينها[9]، وحديث أن النساء أكثر أهل النار، وغيرها من النصوص التي تشكل تداولا لأفهام مغلوطة عن الإسلام، فنحتاج فعلا إلى ضرورة تفسير هذه النصوص في سياقها، وفتح باب المراجعة النقدية، بمراجعة الأحكام الفقهية الاجتهادية التي حطَّت من مكانة المرأة، وحدَّت من دورها، وحرمتها من بعض حقوقها، وفي الوقت نفسه نحتاج إلى إبراز النصوص الأخرى التي ترفع من شأن المرأة وتكرمها وتبرز دورها.
ثالثا: ما دام المنصرون يعتمدون بعض الكتابات المنتمية للإسلام للطعن في موقف الإسلام من المرأة، لابد من العمل على دراسة هذه الكتابات دراسة نقدية، وموازاة مع هذه الدراسات، ينبغي الاهتمام بالكتابات الغربية التي أنصفت المرأة في الإسلام، واعترفت بجهود الإسلام في تحرير المرأة من قيود الجاهلية.
رابعا: ضرورة التمييز بين المرجعيتين، المرجعية الغربية والمرجعية الإسلامية، فالمرأة الغربية، في ظل الثقافة الغربية القائمة على العلمانية، لم تحقق التقدم الحضاري والفكري اعتمادا على الأصول الدينية المسيحية، وإنما على الأصول العلمانية، ولولا هذه الأخيرة لما خرجت المرأة الغربية من التخلف الذي فرضته الكنيسة، فالفضل في تقدم المرأة الغربية يرجع أساسا إلى تخلصها من الدين المسيحي، وتبنيها للمبادئ العلمانية: العدل المساواة والحرية، أما المرأة المسلمة، فهي تنطلق أساسا من الدين الإسلامي، الذي يتبنى ضمن القيم التي دعا إليها: الحرية الفكرية والعقدية، وحث على العدالة بين أفراد المجتمع من المرأة والرجل، والمسلم وغير المسلم، والفقير والغني، وسوى بين الناس، وجعلهم كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، واعتمادها هذه المرجعية، يدعوها أساسا إلى شق الطريق للحصول على حقوقها وتحقيق ذاتها، من خلال الاعتراف بداية بوجود أخطاء تراكمت تاريخيا حتى صارت بمثابة مُسلَّمات، ومن هنا لا بد من الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد، والوقوف مع القضايا الراهنة، وفتح باب النقاش فيها، لأن تجدد النظر مسألةٌ حسم فيها القرآن وجعلها سنة كونية، ومادام القرآن صالح لكل زمان ومكان فلابد من تركيز البحث وتجديد الهمم.
وأخيرا، لابد من استنهاض همة النساء، وذلك بإبراز التجارب النسائية التي عاصرت نبي الإسلام، ودورها الفعال في بناء حضارة إنسانية عالمية، بقصد إعادة واسترجاع منظومة القيم التي تدعو إليها الديانة الإسلامية التي توازن بين الذكر والأنثى في ظل نظام كوني، فالقرآن الكريم يقرر المسؤولية المشتركة بين الرجل والمرأة، قال تعالى:﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾[10]، وقال تعالى:﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[11].
هذه بعض الأفكار التي يمكن أن تنفذ من خلال بحوث علمية أكاديمية موضوعية، هدفها بيان الحق وإبرازه وليس انتصارا لدين أو تحقيرا لآخر.
وقبل أن نختم هذه الورقة، لا يفوتنا هنا أن نشيد بالمفكرة الكبيرة زينب عبد العزيز، وبأعمالها المتميزة، حيث سخرت قلمها للكتابة في هذا المجال الفكري الصعب، فأضافت إلى المكتبة العربية والعالمية مؤلفات متنوعة، تعكس إحاطتها للموضوع، ومقاربتها العلمية، ومن أمثلة هذه المؤلفات: “محاصرة وإبادة… موقف الغرب من الإسلام”، “الفاتيكان والإسلام”، “حرب صليبية بكل المقاييس”…، ولعل ترجمتها للقرآن الكريم للغة الفرنسية، والتي تطلبت منها 15 سنة من الاعتكاف على كتاب الله، ردٌّ مباشر على الترجمات السابقة التي اعتراها التحريف والخطأ، خصوصا ترجمة المستشرق الفرنسي جاك بيرك التي رأت فيها إهانة للإسلام، من خلال استعماله لألفاظ تُغير المعنى وتسئ للنص، فأعطت بذلك نموذجا للجهود النسائية المتميزة التي تجمع بين البحث الأكاديمي والإخلاص الفكري.
[1] “التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي” الترجمة الكاملة لأعمال المؤتمر التبشيري الذي عقد في مدينة جلين آيري بولاية كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1978، ونشرته دار MARC للنشر، الصفحة: 2، بعنوان:
THE Gospel and Islam A 1978 Compendium.
[2] “التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي” الترجمة الكاملة لأعمال المؤتمر التبشيري الذي عقد في مدينة جلين آيري بولاية كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1978، ونشرته دار MARC للنشر بعنوان: THE Gospel and Islam A 1978 Compendium، يوجد هذا البحث من الصفحة 866 إلى الصفحة 886.
[3] “التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي”، مرجع سابق، الصفحة: 867.
[4] ساقت فاليري هوفمان نصا للمستشرق الأمريكي ديفيد جوردون (David Gordon)، يقول فيه:”تعاني النساء في الإسلام من شبهة عميقة الجذور على أنهن غير جديرات بالثقة على المستوى الأخلاقي، وأن ثمة شيء شيطاني أو حتى غير طاهر فيهن.” الصفحة: 869.
[5] “التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي”، المرجع السابق، الصفحة: 871.
[6] “التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي”، ساقت فاليري هوفمان أسماء مثل ( لوسي وود سونردز)، و(مريم جميلة) وتعرفها بـ أمريكية اعتنقت الإسلام وتسكن في باكستان، الصفحات 873-874.
[7] التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي”، المرجع السابق، الصفحة: 878.
[8] التنصير خطة لغزو العالم الإسلامي”، المرجع السابق، الصفحة: 880.
[9] يمكن الاستفادة في هذا الموضوع بالرجوع إلى كتابنا:”ناقصات عقل ودين بين مدلول النص واستنباطات الفقهاء وأهمية السياق” تقديم الدكتورة أسماء المرابط، صادر عن مؤسسة “جسور للدراسات والأبحاث العلمية والتدريب” سنة 2017.
[10] سورة النساء، الآية: 124.
[11] سورة الأحزاب، الآية: 35.