المرأة الفلسطينية رمز المقاومة والصمود
المرأة الفلسطينية رمز المقاومة والصمود
د.نجيبة عابد
جامعة باتنة1.
سجلت نساء فلسطين أسماءهن في سجل من ذهب نظير التضحيات الكثيرة التي قدمتها وتقدمها في كل مرة، فقد ضحت بالنوم الهانئ وبالبيت المريح والعائلة المكتملة، فلا تكاد ترى عائلة فلسطينية إلا وقد فقدت فردا منها أو اعتقل أحد أعضائها، أو تهدم منزلها وشردت….، وفي الحرب الأخيرة التي انطلقت دفاعا عن بيت المقدس بعد أن دنسه أحفاد القردة والخنازير، استجابت فلسطين للنداء وقدمت غزة أروع صور التلاحم الشعبي بين الأفراد والمقاومة فنسجت صورا راقية لحسن التوكل على الله والرضى بقدره، فتسمع عبارات… كل يهون من أجل الأقصى…ورغم أن المصاب جلل، والخسائر كثيرة، فإن هذه فاتورة الحرية فلا استقلال بلا تضحيات، ولا حرية بلا ثمن.
ففي الثورة الجزائرية قدمت الجزائر ربع الشعب لتنعم بالاستقلال، وكانت الثورات السابقة كثورة الأمير عبد القادر وثورة المقراني والحداد ولالا فاطمة نسومر… -رغم الخسائر التي لحقت بالشعب جراءها- إلا أنها كانت ارهاصات للثورة التحريرية الكبرى وللاستقلال الشامل، وهو ما نرجوه وندعو أن يتحقق في فلسطين الحبيبة.
والمرأة الفلسطينية كأي امرأة مجاهدة؛ نلاحظ تموقعها في عدة ميادين، قد أثبتت الكفاءة وحققت الجدارة .
فهي الخنساء التي قدمت الأربع والخمس من أبنائها، شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وخنساوات فلسطين كثيرات منهن في الحرب الأخيرة (أم أحمد العابد) والتي تلقت نبأ استشهاد ابنها الثالث مصطفى؛ بالتكبير وسجود الشكر لله تعالى، قائلة “أرضنا محتلة، ونحن ندافع عن أرضنا، فلتكن موتتنا في سبيل الله، ووالدي كان مجاهدا وقد تربيت على حب المجاهدين، وشرف لنا أن خلقنا الله على أرض محتلة مغتصبة حتى نقارع المحتلين”.
وقبل أم العابد كانت المناضلة ( فاطمة الجزار )، السيدة الفلسطينية الصامدة والبطلة التي قدمت تضحيات كبيرة تمثلت في استشهاد خمسة من أبنائها، وثلاثة من أحفادها، إلى جانب شقيقها وصهرها، وقد نقل عنها قولها حول استشهاد أنجالها “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأسأل الله أن يجمعني معهم في الجنة، وأحتسبهم عند الله شهداء خالصين لوجهه الكريم”.
وأضافت “أولادي الشهداء قدمتهم فداءً للدين وللوطن وللقضية وللمقدسات، الله يرضى عليهم ويجعلهم في مرتبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولن أندم لحظة على التضحيات”.
ماهذه الإرادة وما هذه الروح،… ماهذا التسليم وماهذا الرضا…رضي الله عنكن وجمعكن بأبنائكن في جنات النعيم.
-والمرأة الفلسطينية هي المرابطة في بيت المقدس، والرباط هو ملازمة المسجد الأقصى المبارك ومداومة التواجد فيه وعدم الانصراف عنه، حتى لا يكون شاغرا، يعلمن القرآن ويشغلن مصاطب العلم، هن يناضلن في سبيل دفع انتهاكات المستوطنين لثالث الحرمين الشريفين، وهن شوكة في حلق الصهاينة وحصنا منيعا يصد عن حرمات القدس والمسرى، وتعد (هنادي الحلواني) المرأة الأخطر في القدس كما يصفها الاحتلال الإسرائيلي، فلا يكُف عن ملاحقتها ومنعها من دخول المسجد مُستنفذا أبشع الطرق كالاعتقال حيث بلغ مجموع اعتقالاتها وجلسات التحقيق معها منذ عام 2011 حتى الآن 62 اعتقالا وتحقيقا، وتم اقتحام منزلها وتدمير محتوياته أكثر من 12 مرة، ورغم ذلك تبقى صامدة مدافعة عن الأقصى، وعلى دربها تسير رفيقتها (خديجة خويص) توأمها الروحي وشريكتها في المرابطة والنضال.
المرأة الفلسطينية أيقونة الدفاع عن ما تبقى من بيوتات الفلسطينيين في القدس المحتلة، في وسط محاولات مستميتة لتهويد أحيائها وطرد العرب والمسلمين منها، وها هي الطالبة (منى الكرد)المقدسية ابنة حي الشيخ الجراح، التي أبرزت للعالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي عنصرية الصهاينة الذين لا يحتلون الأرض فحسب؛ بل يحتلون بيتك ويطردونك منه ولهم الحق في ذلك فهم شعب القوى العظمى المختار.
والمرأة الفلسطينية هي المعلمة المثالية (كحنان حامد الحروب)، الفلسطينية الحائزة على جائزة أفضل معلم في العالم، والتي أطلقتها مؤسسة فايركي جيمس التي تختص بتطوير التعليم.
والمرأة الفلسطينية هي الباحثة المبدعة في مختلف الجامعات في الداخل المحتل، وفي كل أنحاء العالم، وتعتبر جامعة غزة الإسلامية رائدة في مجال البحوث والدراسات العلمية الهادفة، وفي إنتاجها المميز النافع والمفيد، والفضل في ذلك لباحثيها وباحثاتها المتألقين، ومن الباحثات، الدكتورة (تهاني أبو صلاح)، أصغر باحثة تتحصل على درجة الدكتوراه برسالتها الموسومة” أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم دراسة تداولية”، وهي تعد الدراسة الأولى فلسطينيا والثالثة على المستوى العربي.
والمرأة الفلسطينية هي العالمة المخترعة التي سجلت براءات اختراعها في الهيئات العالمية وهي اختراعات تنطلق من واقعها وتعود إليه، كالمهندسة (أماني أبو طير) التي اخترعت جهاز يساعد الأطفال المكفوفين على الدراسة، و(يارا نجدي) التي استطاعتأن توظّف معاناة أطفال غزة مع الإعاقة في اختراع هيكل ذكي، يساعد الأطفال الذين يعانون من شلل دماغي.
والمرأة الفلسطينية هي اللاجئة بعد التغريبة؛ التي هُجرت من أرضها وبيتها لتعيش لاجئة في المخيمات في الدول العربية، أو مستقلة بذاتها في الدول الأوروبية، يراودها حلم العودة، كبيرات السن منهن لا تزال تحتفظ بمفتاح منزلها لليوم، تحلم بأن تلجه مرة أخرى، كالسيدة (خديجة فتح الله) التي هجرت من منزلها في شمال عكا، وهي اليوم لاجئة في مخيم عين الحلوة بلبنان، تعيش ذكريات زمن النكبة يحذوها شوق الحنين للوطن.
وتبقى الأم الفلسطينية الغزاوية الماكثة بالبيت التي ترضع أبناءها روح المقاومة، وتنسج في عقولهم طلب الحرية، حتى إذا استشهد أحدهم كتمت حزنها، وتجلدت بالصبر، واحتسبته شهيدا يشفع لها يوم القيامة.
أكاد أقول أنتن يا نساء فلسطين أفضل نساء العالم، سبقتن بالفضل ونلتن الشهادة، أنتن المرابطات، أنتن من قد نالتكن بركة حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
(لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)، رواه الإمام أحمد في المسند(21286).
هنيئا لكن الوجود في الأرض المقدسة، هنيئا لكن المرابطة في سبيل الله، هنيئا لكن الشهادةّ.