المؤسسة الدينية في العالم الاسلامي الواقع الأليم والمآل الصعب – د.أحمد الزاوي

[cl-popup title=”ترجمة الكاتب” btn_label=”ترجمة الكاتب” align=”center” size=”s” paddings=”” animation=”fadeIn”]ابوهشام احمد الزاوي – نيوزيلندا
دكتوراه في الحديث من السعودية[/cl-popup]
“ان الأزهر الشريف يتعرض لحملة شرسة وصلت الى تحميله مسؤولية العنف العشوائي، واستخدام القوة لفرض الاّراء ، بل تجاوزت الحملة ذلك الى تجريح ثوابت الاسلام والطعن في التراث الفكري….” هذه العبارات ليست من وحي الخيال او الرغبة في تهييج الأمور ، بل هي الفاظ اقتطعتها من احدى بيانات الأزهر الشريف عام 2016 في توصيف الواقع الممارس عليه من السلطة العسكرية وعملائها لحمله على تشويه الوعي الاسلامي وتزييفه الى الأبد ، وبالتالي جعلُه يحفر قبره بيده .
ليس من شك أن المؤسسة الدينية في العالم الاسلامي تعرضت بعد موجة الاستعمار البغيض في العقود الأخيرة الى كثير من التفكيك والتأميم والتأزيم المتعمد من أجل كبح تقدمها وتطورها للتواصل مع الأمة وقضاياها ، ولقد كان لهذه المؤسسات عبر التاريخ الاسلامي دور لا يُختلف عليه في استنهاض الأمة نحو قضاياها ، لكن بعد حركة الاستعمار وتدخل الأجنبي في صنع السياسات الداخلية ضعفت هذه الصروح العلمية ، وانتهى وجود بعضها بالتصفية والتأميم لدورها كما وقع في تونس الزيتونة ، حتى أصبحت حبرا على ورق ، كأن لم تغن بالأمس ، وأصبح دورها أحيانا معرقلا لمجالات التنمية ، والإيغال في تصويرها المتعمد كمجال ينتمي الى العصر القديم الذي يتصادم ويتضاد مع مفهوم الدولة الحديثة وبنائها ، فضلا عن إخفاق ابناء المؤسسة من أخذ الأدوار الأولى في مجالات الحياة وانحصار العلماء في زواياهم ، واكتفائهم بتزكية السياسات المنحرفة لبعض الحكام الذين ضلوا الطريق في الإختيار المصيب لما يقوي شوكة الأمة ، فاختاروا سبيل الإتباع المهين والابتداع المشين ، فانفتحت على الأمة أبواب شرور كثيرة وفتن غير قليلة ، وذلك كله بسبب انسحاب العلماء عن ممارسة دورهم الذين أناطهم الله بهم في آداء أمانة التبليغ والنصح ، وليس التزكية والتبرير ، ولا الإستلحاق والاسترقاق الذي اصبح اليوم شعارا لطوائف من المبتدعة يوالون عليه ، بل جعلوه أحد أصول الدين التي لا يجوز الاختلاف عليها .
لقد كان التوافق بين السياسة والدين أمرا شائعا في عالمنا الإسلامي فلا يصدر الحاكم في سياساته التي يسوس بها الأمة في القضايا الكبرى الاجتهادية من حل وعقد ، وفرض لضريبة أو غيرها من الشأن العام الا بمشاورة لأهل العلم ، والأمثلة كثيرة لا يسعف المقام لتسويدها
لقد أراد ولي الأمر في بلاد الإسلام للمؤسسات الدينية أن تكون مؤسسات مملوكة لشهواتهم ونزواتهم ، يخفون بها عوراتهم ويبررون بها أخطائهم القاتلة التي أصابت الأمة في كبدها،فجعلوا منها مؤسسات تساهم في تشكيل التعفن السياسي ، وإنتاج سياقات سياسية مجتمعية رديئة ليس فقط بمباركتها وسكوتها ، ولكن باندماجها في مشاريع تزييف الوعي وتغيير الأوضاع لحساب فئات مجتمعية معينة تستقوي بالدولة، وتحارب الجماعات التي تمثل وعي الأمة وضميرها في نضالاتها ضد الفساد والانحراف ،
ان الضغوط الرهيبة الممارسة على هذه المؤسسات من الخارج والداخل خاصة في مصر والسعودية ليس المقصود منها هو إضعاف هذه المؤسسات التي لم تعد تغني ولا تسمن ولم يعد لها الصيت المرجو في أوساط الأمة لهزال مردودها وغيابها في ساحات الوغى وتغييبها عن أزمات الأمة ومشاكلها ، بل المقصود منها هو القضاء على الإسلام الشعبي الذي يقف حاجزا منيعا أمام بلدوزر الحداثة والعولمة الذي تروج له بارونات وحيتان كبيرة ، فهي لا تريد إسلاما مقاوما ، بل إسلاما متماهيا مع الحداثة المفروضة على الأمة
إني لا أتصور أي دور يمكن أن تقوم به هذه المؤسسات التي كانت قلاعا في محاربة الاستعمار البغيض الدخيل ، والصليب الذي أراد ان يمسح منطقتنا بقوة الحديد ، بسبب سذاجة القائمين عليها والذين لم يستطيعوا مواكبة التطورات الحاصلة في المجتمع ، وبسبب عدم قدرة القائمين عليها لتحويلها الى حصون متينة لا تؤثر فيها سفاهات السياسيين وتفاهاتهم ، وانا أتكلم هنا عن الاسلام السني الذي لايزال يبحث عن مُتحدث ومحاور عنه ، يدافع عن قضايا الأمة وينافح عن أعراضها المستباحة، والتي تكالب عليها الأعداء بالتشويه والتخويف والسلب والتحريش بين أبنائها ، والذي زاد الامر بلة هو استقالة العالم عن الواقع المعاش مما جعلهم يصابون بذهول وشرود ذهني وانفصام في وعيهم عن الأمة واهتماماتها ، بحيث أصبح عاجزا عن تقديم البدائل والمساهمة في إنهاض مجتمعاتنا لمواجهة هذا الزحف الكبير للحداثة بمركزيتها الغربية التي لا ترى غير نموذجها نموذجا يصلح للأتباع والمحاكات
إن عجز هذه المؤسسات على الاحتكاك بالواقع اليومي وارتهانها للسلط المتعاقبة، وانحيازها لقراراتها بالسكوت أحيانا والتبرير والدفاع المستميت أخرى جعلها تصاب بالذهول والتيه مما أضعفها وجعلها عارية عن كل مصداقية امام الأمة
وإذا كان هناك من أمل يعقد فانه ليس هناك من سبيل للخروج من هذه الورطات المتسلسلة في تاريخ هذه المؤسسات سوى الدفاع عن استقلاليتها بالبحث عن آليات جديدة في تعاملها مع السلط على اختلاف مشاربها ، وإعادة تنظيم نفسها وبدء حوار جدي تشرك فيها بطريقة او بأخرى فعاليات المجتمع ومكوناته بمن فيهم السلطة للخروج من هذا الانسداد الذي عبر عنه الشيخ الأزهري القدير حسن الشافعي في عنوان يدل على تصعيد غير مسبوق في علاقة الأزهر بالسلطة العسكرية والذي اختاره الصحفي المحاور في جريدة الشرق 09/05/2017 بالبند العريض ” حملة النظام على الأزهر حرب مستترة على الإسلام ” , ثم التفاعل أكثر مع قضايا المجتمع والانحياز الى انشغالاتهم ، مع تفعيل العمل الاجتهادي وتأصيل العملية الاستنباطية ، وتحريك المياه الراكدة في تراثنا العظيم باحتضانه واستغلال مواقع القوة فيه لمواجهة التحديات العقل المسلم في راهننا المخيف . ومنها تحدي الإرهاب الذي فرضت مساراته على الأمة لتحويل الإسلام الى عدو للأمن الاجتماعي الداخلي وبالتالي إقصاؤه من منظومة الحياة ، وعلى المستوى العالمي لإبرازه كفزاعة تهدد الأمم وإدانته ليس فقط كدين بل كثقافة وحضارة قدمت للبشرية أروع النماذج في تسامحنا وإنسانيتها