حصريا

الكلام على حديث مناصحة ولاة الأمر سراً –د:بلال فيصل البحر

0 1٬700

“ترجمة الكاتب”

 السيرة العلمية

معلومات شخصيــة

الاسم بلال فيصل خليل البحر
العنوان القاهرة
البريد الإلكتروني Albahar47@yahoo.com
الهاتف 01003004502
الحالة الاجتماعية أعزب
محل الميلاد وتاريخه بغداد – الكرخ 25/2/1972
الجنسية بغداد/العراق
 

المؤهلات الدراسية

بكالوريوس العلوم الإسلامية

(بتقدير جيد جدا)

1994 كلية الشريعه / جامعة بغداد
ماجستير فى الفقه

(بتقدير ممتاز)

2004 كلية العلوم الإداريه/ جامعة العلوم / اليمن
ماجستير أصول الفقه

(بتقدير ممتاز)

2009 كلية دار العلوم/ جامعة القاهره
دكتوراه أصول الفقه

(مرتبة الشرف الأولى(

 

2012 كلية دار العلوم / جامعة القاهرة
 
قرأت على جماعة من كبار أهل العلم والشيوخ قراءة بحث ودرس منهم: الشيخ المحدث السيد صبحي البدري السامرائي مسند العراق وأجازني, والقاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني عالم اليمن ولي منه إجازة عامة, والعلامة الدكتور الفقيه الأصولي عبد الكريم زيدان, والعلامة الفقيه الأصولي المحدث الدكتور هاشم جميل عبد الله العيساوي الشافعي, والدكتور العلامة عبد المجيد محمود المصري, والشيخ المحدث طارق عوض الله المصري, والشيخ المحدث الدكتور نور الدين عتر الحلبي الحنفي وأجازني, والشيخ المحدث الناقد الدكتور أحمد معبد عبد الكريم المصري الحنفي وأجازني, والشيخ الدكتور حسن مقبول الأهدل الشافعي، والشيخ الدكتور المحدث عبد الرحمن الخميسي، والأستاذ الدكتور الأصولي محمد سنان الجلال اليمني، والأستاذ الدكتور المؤرخ عبد الرحمن الشجاع، والشيخ الدكتور إبراهيم الدبو الحنفي، والشيخ العلامة محمد طاهر البرزنجي الشافعي، والقاضي صلاح المختار الموصلي الحنفي غيرهم.

 

 

الأبحاث العلمية

 

 

(1) )علل الأصوليين في ردّ متن الحديث والاعتذار عن العمل به), وهي رسالة الماجستير من قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وطبع في دار المحدثين بالقاهرة، وصدرت الطبعة الثانية في دار العلا بالقاهرة.

(2) (ردّ الازدراء عن المرابحة للآمر بالشراء) وهي رسالة الماجستير من كلية العلوم الإنسانية بجامعة العلوم بصنعاء تحت الطبع بدار النور المبين.

(3)  (تعظيم قدر العلم وشرفه وبيان أحكامه ووصفه في كتاب الله) رسالة نشرت في مجلة الحكمة الصادرة في مانشستر بالمملكة المتحدة / بريطانيا سنة 1423 العدد الخامس والعشرين.

(4) تحقيق وشرح مبسوط على مخطوط حديثي وهو جزء فيه من أحاديث الحافظ أبي حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال الخشاب البزار النيسابوري المتوفى سنة 330 للهجرة, رواية الإمام الحافظ أبي عبد الله بن منده عنه, رواية ابنه أبي عمرو عبد الوهاب بن منده عنه, بخط الحافظ أبي الحجاج المزي.

(5) مختصر من الشرح والتحقيق السابق على جزء ابن بلال, طبع في دار المحدثين بالقاهرة سنة 2009.

(6) (ذم الرافضة) جزء في الكلام على الآثار والأخبار النبوية الواردة في خروج الروافض والتنفير عنهم, ودراسة طرقها وعللها وألفاظ متونها دراسة حديثية تاريخية نقدية تحليلية, مطبوع في دار المحدثين بالقاهرة سنة 2011 بتقريظ القاضي العلامة المفتي بالديار اليمنية محمد بن إسماعيل العمراني.

(7) (أثر القواعد الأصولية في توجيه أحاديث الأحكام) رسالة دكتوراه من قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة, طبع في مجلدين بدار العلا بالقاهرة.

(8) (الكشكول في معرفة مشهور تصانيف الأصول).

(9) (عيون أخبار نفطويه) وهو في جمع أخبار الإمام الحافظ اللغوي النحوي المفسر, الفقيه الظاهري, المؤرخ الإخباري, أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي البغدادي الملقب نفطويه والمتوفى سنة 322 للهجرة, ودراسة ما حدث به ورواه من فنون العلم والأدب, وهي أول دراسة في بابها حول هذا العالم وشخصيته وأدبه, طبع بدار النور المبين بالأردن.

(10) (غرر الفوائد في مباحث خبر الواحد).

(11) (الرد على الأصم وابن علية فيما انفردا به من المسائل الفقهية).

(12) (النقض والرد على من أنكر رؤية الله في دار الخلد) كبير.

(13) (الرد على من أنكر وقوع النسخ في كتاب الله تعالى).

(14) (شذا الورد في الإلزام بالوعد).

(15) (اللؤلؤيات).

(16) (تهذيب مقدمة تفسير القرطبي والزيادة عليها) لم يطبع.

(17) (المباديء الكلامية في أصول الفقه).

(18) (التحديث بما علقه الشافعي على صحة الحديث).

(19) (مذكرة الفحول بفوائد ورقات الأصول).

(20) (جواب المسألة الإسحاقية) في العمل هل هو شرط كمال أم شرط صحة في الإيمان؟.

(21) جزء في تأويل وإعراب قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها).

(22) (الكلام على خبر العجوة).

(23) (علل حديث زمارة الراعي وطرقه) نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(24) (متعة السائح في اقتناص السوانح) في غرر النوادر والفوائد.

(25) (طبقات الظاهرية) مسودة يتم تبييضها إن شاء الله تعالى.

(26) (أخبار السفياني) جزء في الكلام على الأحاديث الواردة في خروج السفياني.

(27) (الكلام على حديث كفارة من أتى حائضاً وطرقه وفقهه).

(28) (الكلام على حديث لو كان موسى حياً وطرقه وفقهه).

(29) (الكلام على حديث لا وصية لوارث وطرقه وفقهه).

(30) (طرق حديث الصلاة على الميت في المسجد وفقهه).

(31) (شرح حديث لبيك إله الحق).

(32) (شرح حديث أسماء في دعاء الكرب).

(33) (شرح حديث يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل عدد ربيعة ومضر).

(34) (الرد على من زعم أن دية المرأة كالرجل).

(35) (الاحتجاج بالخبر المرسل).

(36) (مختصر كتاب أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الخن).

(37) (مختصر كتاب المقاصد العامة للشريعة للدكتور يوسف العالم).

(38) (شرح حديث البركة مع أكابركم).

(39) (طرق حديث من غسل ميتاً فليغتسل).

(40) (الومضات في عدد وأول الغزوات) نشر في موقع الألوكة.

(41) (شرح القواعد الكلية في المعاملات).

(42) (الانتصار في احتساب العدة بالحيض لا بالأطهار).

(43) (تقويم النظر في مسائل النسخ).

(44) (الرد على ابن حزم في إعلال حديث لاضرر ولاضرار) نشر في موقع الألوكة.

(45) (مختصر في جواب من طعن في القرآن باختلاف عدد آياته) .

(46) (الإملاء في أصول الفقه) مجلد.

(47) (الفُقَّاح في حكم الفِقاح) رسالة في حكم وطء الدبر طبعت بدار النور المبين بالأردن.

(48) (أحكام الفجر) مجلد في الكلام على ما يتعلق بوقت الفجر من الأحكام.

(49) (تفسير نفطويه) طبع في دار العلا بالقاهرة.

(50) (النظر والاعتبار في التقصي عن حديث قاتل عمار) نشر في موقع الألوكة.

(51) (الذب عن القتبي خطيب السنة) نشر في موقع الألوكة, وموقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(52) (تحقيق المقال في محاكمة الملّا والجلال) رسالة في المحاكمة بين الجلال السيوطي والملا علي القاري في مسألة أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم, طبعت بدار البصائر بالقاهرة..

(53) (معنى قول أمير المؤمنين عمرْ إن النبي صلى الله عليه وسلم هَجَرْ) نشر في موقع الألوكة.

(54) (مسامرة الأعيان في احتساب العلامة زيدان) نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق, وموقع الألوكة وغيرهما.

(55) (القول في غسل يوم الجمعة).

(56) (أعمال الأعلام على بلوغ المرام).

(57) (الإعلام بشروح عمدة الأحكام).

(58) (التعقب على كتابي المزني ومدارس مصر الفقهية للدكتور غنايم) مقالة.

(59) (شرح حديث التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان).

(60) (تفصيل المجمل في متروك الظاهر وما لم يجر عليه العمل) طبع في دار النور المبين بالأردن.

(61) (شرح حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام في نضح الوجه بعد غسله في الوضوء) لم يطبع.

(62) (نقض كلام الطرهوني في بيانه عن حوادث داعش).

(63) (إصلاح غلط الكُتّاب والمحققين في تراجم الأعلام والمصنفين) جزء لطيف نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق ومجلة البصائر وموقع جنة السنة.

(64) (زِنْبِيلُ العِلْم) رسالة في الكلام على حفظ العلم ومتونه, نشرت في موقع الألوكة ومجلة البصائر وموقع الدرر السنية.

(65) (رسالة في تاريخ أصل أبي علي الصدفيّ من صحيح البخاري) نُشرت في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(66) (بلوغ الأمل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل).

(67) (قاعدة في الدعاء على أهل الجور والظلم).

(68) (في وجه العاصفة) رسالة في شرح ما يلاقيه الفكر الديني من الكيد والمكر عبر تاريخه.

(69) ( نشر البُنُود في خبر الرايات السود) طبع بدار النور المبين.

(70) (معالم غزوة تبوك ومعانيها) رسالة لطيفة.

(71) (تأويل الأخبار الواردة في النهي عن التصوير) جزء.

(72) (مختصر ردّ الازدراء) رسالة.

(73) (مختصر في مسألة رؤية الباري في الآخرة) جزء لطيف.

(74) (معاني لو ولولا) رسالة.

(75) (فوائد الرحلة في التسلي عن فراق بغداد ودجلة) في طرف النوادر, وغرر الفوائد, ولطائف الأخبار.

(76) (آداب الفَسْبَكَة) نشر في موقع الألوكة, وموقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(77) (المختصر اللطيف في حكم عمل المولد الشريف) نشر في موقع جنة السنة.

(78) (جمهرة المقالات).

(79) (المسألة التيمية في المنع من شدّ الرحل للروضة النبوية) طبع بدار البصائر.

(80) (إنارة الدُّجُنّة بطرق حديث نساء الجنة).

(81) (نُجعة المنتاب في النقض على الشريف عداب) جزء في نقض كلام الشريف الدكتور عداب الحمش في خلافة الراشدين رضي الله عنهم، طبع في دار النور المبين بالأردن.

(82) (الردّ على الألباني في القرآءة على القبور) قيد الطباعة في دار النور المبين بالأردن.

(83) (ما فعل الله بك.؟) مجلد طبع في دار النور المبين بالأردن.

(84) (تفسير ما أشكلْ من ظاهر الأمر بتسوية الصفوف وسدِّ الخللْ) نشر في موقع الألوكة وهو تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(85) (عُجالة الفذلكي في تصحيح التسويق الشبكي) نشر في مجلة هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(86) (مسائل الفقهاء المخرجة على قوانين الفيزياء).

(87) (شرح حديث ما أحد أشد معاذير من الله).

(88) (الهبرزي في ذكر مَنْ كان دَميماً من النُّبلاء) تحت الطبع بدار النور المبين.

(89) (ردّ الانتقاد عن ألفاظ الردة).

(90) (تعريز العاتب وتعزير الكاتب في الكلام على حديث التائب) نشر في موقع الألوكة.

(91) (النقض على السويدان في مسألة تلبّس الجن بالإنسان).

(92) تحقيق ودراسة مخطوط (سعادة أهل الإسلام بالمصافحة عقب الصلاة والسلام) للعلامة حسن بن عمار الشرنبلالي تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(93) (العود القماري في حكم قول صدق الله العظيم عند ختم القاري) تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(94) (رفع الملام عن لحن الأئمة الأعلام) نشر في موقع الألوكة.

(95) (خطأ الألباني في حديث المثناة).

(96) (ضوع الزرنب في مرقد السيدة زينب) تحت الطبع بدار الإحسان بالقاهرة.

 

 

 الكلام على حديث مناصحة ولاة الأمر سراً 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلاته وسلامه على رسوله ومصطفاه، وعلى آله وأصحابه الذين أحل عليهم رضاه، ومن اقتدى بسنته واهتدى بـهداه..وبعد: فهذه أوراق مشتملة على تعاليق قيدتـها على كلام المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، متعقباً إياه تصحيحه الحديثَ الوارد في مناصحة ولاة الأمر في السر، وهو الحديث الذي اشتهر عند علماء نجد، واعتمدوه في فتياهم المشهورة في لزوم مناصحة ولاة الأمر سراً، وترك الإنكار عليهم في العلن، حتى زعموه مذهب السلف الذي لا مذهب لهم غيره، ونحن نذكر الكلام على إسناده ومتنه، ونضمن الكلام على المسألة بما يظهر معه وجه الصواب فيها، وبالله تعالى التوفيق. وقد تكلم الشيخ على هذا الحديث في تعليقه على كتاب ابن أبي عاصم، فإنه جمع طرقه وبوب عليها بنصيحة الرعية للولاة، فساقه من طريق بقيّة حدثنا صفوان بن مرو عن شريح بن عبيد قال: قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم ألم تسمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه) فعلق عليه الشيخ بأنه صحيح، مع إقراره بأن شريح بن عبيد لا يعرف له سماع من هشام وعياض كما قاله الهيثمي.! لكنه اغتفر شبهة الانقطاع برواية الحاكم من طريق إسحق بن إبراهيم ابن زبريق الحمصي ثنا أبي ثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي ثنا الفضيلُ بن فضالة يرده إلى ابن عائذ يرده ابن عائذ إلى جُبير بن نُفير عن عياض بن غنم به، ونقل تصحيح الحاكم ثم ردّه بقول الذهبي إن ابن زبريق واه، ثم نقل قول الحافظ فيه: صدوق يهم كثيراً وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب.! ثم رام جبر هذا الضعف بمتابعة عبد الحميد بن إبراهيم لابن زبريق عن عبد الله بن سالم به، وذكر ضعف عبد الحميد، وكان قد ساق قبل ذلك رواية محمد بن إسماعيل بن عياش عن ضمضم وضعفها بمحمد هذا، ثم قواها بما تقدم من الطرق عند ابن أبي عاصم وغيره، ثم جزم بصحة الحديث بمجموع طرقه، وأشار إلى تقويته بحديث ابن أبي أوفى موقوفاً في (المسند) وحسّنه، هذا محصل كلام الألباني. وهو مشتمل على التلفيق لا التحقيق خلاف عادة الشيخ رحمه الله، وأصل الخبر عن جبير بن نفير قال: جلد عياض بن غنم صاحب داريا حين فُتحت، فوقف عليه هشام بن حكيم فأغلظ له القول حتى غضب، ثم مكث ليالي فأتاه هشام فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعياض بن غنم: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشد الناس عذاباً، أشدهم للناس عذابا في الدنيا).؟ فقال عياض: قد سمعنا ما سمعتَ ورأينا ما رأيتَ، ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أراد أن ينصح لذي سلطان عام فلا يقل له علانية، ولكن ليأخذ بيده فليَخْلُ به، فإن قبِلَ فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه إليه) وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجتريء على سلطان الله، فما خشيتَ أن يقتلك السلطانُ فتكون قتيل سلطان الله.!؟ قال ابن عساكر: وهو محفوظ من حديث جبير. وقد أخرجه أحمد والبخاري في (تاريخه) وابن أبي عاصم في (السنة) والطبراني في (الكبير) و(الشاميين) وأبو نعيم وابن مندة في (الصحابة) والحاكم والبيهقي وغيرهم، وصححه الحاكم والألباني وشعيب، وفي تصحيحهم نظر، ولا يتجه لهم تقوية طرقه بعضها ببعض، وبيانه أن للحديث طرقاً: منها رواية شريح عن عياض وهشام فهي منقطعة كما ألمع إليه الهيثمي وأقره الألباني، وفيها اضطراب كما يأتي، والمحفوظ فيه حديث شريح عن جبير بن نفير عن عياض وهو ضعيف منقطع أيضاً، يرويه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه، ومحمد ضعيف ولم يسمع من أبيه كما قاله أبو حاتم، ولم يتنبّه الألباني إلى هذه العلة فاقتصر على تضعيفه بمحمد بن إسماعيل بن عياش.! فتبين أن روايته عن شريح عن عياض خطأ أصلاً لا وجود لها على ضعفها فلا يستقيم بحال اعتمادها في التقوية فإنـها كالعدم، فالعجب من الشيخ الألباني رحمه الله كيف هجم على دعوى أن جبير بن نفير تابع فيه شريحاً عن عياض، وهو وهم فإن رواية شريح عن عياض منقطعة وهي خطأ أصلا، والمحفوظ فيه عن شريح عن جبير عن عياض، وليس جبير بمتابع فيه لشريح كما توهمه الشيخ. وأما رواية جبير بن نفير فوقع فيها اختلاف واضطراب، فرواه عبد الحميد بن إبراهيم الحمصي وعمرو بن الحارث كلاهما عن عبد الله بن سالم عن محمد بن الوليد الزبيدي عن فُضيل بن فَضالة عن ابن عائذ عن جُبير بن نُفير عن عياض به. وعبد الحميد ضعيف، وعمرو بن الحارث سكت عنه أبو حاتم وقال فيه ابن حبان (مستقيم الحديث) وفيه نظر لأنه لم يوقف له على توثيق لمعتبر فعداده في مجاهيل الحال، ولهذا قال الذهبي: (لا تعرف عدالته) فمتابعة مثله لا تغني في شيء، ومن هنا غلط الألباني رحمه الله في تقوية رواية عبد الحميد بروايته، لأن إسناد طريق المتابعة منكر ضعيف بابن زبريق هذا، فإنه يهـم كثيراً وكذَّبه محمد بن عوف كما مر.! على أن محمد بن عوف الحمصي راويه عن عبد الحميد قد اضطرب في إسناده، فتارة يرويه عن عبد الحميد عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي عن فُضيل بن فَضالة عن ابن عائذ عن جُبير بن نُفير عن عياض، وتارة يرويه عن محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه عن ضمضم عن شريح بن عبيد عن جبير بن نفير عن عياض، وهكذا رواه على الوجهين ابن زبريق وهو ضعيف جداً كما مر، وبتقدير أن يكون له وجهان، فقد تقدم أنه لا يتجه تقوية أحدهما بالاخر. وله وجه رابع أخرجه أبو نعيم في (الصحابة) من طريق ابن المبارك والليث كلاهما عن يونس عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عياض بن غنم أنه رأى نبيطاً يُشمَّسون في الجزية، فقال لعاملهم: إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله عز وجل يُعذّبُ الذين يُعذّبون الناس في الدنيا). وقال الحافظ في (الصحابة): (وقد قيل في هذا عن عروة عن هشام بن حكيم أورده ابن مندة في ترجمة عياض بن غنم الفهري أو الأشعري، وعروة لم يدرك الفهري، لكن قد أخرج ابن مندة من طريق ابن عائذ عن جبير بن نفير أن عياض بن غنم وقع على صاحب داريا حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم.. فذكر قصة، وفيها: فقال عياض لهشام: ألم تسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يقل له علانية) وأخرجه الحاكم في المستدرك من هذا الوجه، ووقع عنده عياض بن غنم الأشعري، وأظن الأشعري وهما واللَّه أعلم، فإن الذي ولي الإمرة حيث كان هشام بالشام هو الفهري لا الأشعري). فعلى هذا تكون رواية الزهري منقطعة، وقد ألمع أبو نعيم إلى إعلال الحديث بالاضطراب في سنده فقال في (الصحابة): (رواه بقيّة عن صفوان بن عمرو عن شريح عن جبير، ورواه الزبيدي عن الفضل بن فَضالة عن ابن عائذ عن جبير بن نفير، ورواه الزهري عن عروة بن الزبير عن عياض بن غَنم) وفي كلامه إشارة إلى أن بقية هو الاخر قد اضطرب فيه، فرواه مرة عن شريح عن عياض كما مر، ورواه مرة أخرى عن شريح عن جبير عن عياض. وبكل حال فالحديث ضعيف من كل الطرق والوجوه ولا يتجه تقوية بعضها ببعض، فهي دائرة بين النكارة والخطأ والانقطاع والاضطراب. وأما حديث ابن أبي أوفى الموقوف الذي ألمح الألباني إلى تقوية خبر عياض به، فقد رواه أحمد كما قال الشيخ وحسنه، وفي تحسينه بحث، والحديث عنده من طريق الحشرج بن نُباتة العبسي عن سعيد بن جُمهان قال: أتيتُ عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوبُ البصر فسلمتُ عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جُمهان قال: فما فعل والدُك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة، قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنـهم كلابُ النار) قال: قلتُ: الأزارقةُ وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بل الخوارج كلها، قال: قلتُ: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بـهم؟ قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال: ويحك يا ابن جُمهان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطانُ يسمع منك فأته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لستَ بأعلم منه). والحديث سكت عليه الحاكم والذهبي، وهو من أفراد سعيد بن جهمان وحشرج بن نباتة، ولا يحتج بما ينفردا به كما قرره ابن عدي والحافظ ابن حجر، ورواه قطن بن نسير وهو ضعيف عند أبي طاهر المخلص في (فوائده) ومن طريقه أبو القاسم اللالكائي في (الاعتقاد) فالحديث ضعيف إلا قوله (الخوارج كلاب النار). لكنه محتمل لأن الحشرج وابن جهمان صدوقان، وهو موقوف كما ترى ولا حجة فيه لأن من الصحابة من عمل على خلافه، ولا يكون قول بعضهم حجة على الاخر، فيتعين حمله على ما إذا غلب على ظنه أن نصحه في العلن لا ينفع أو أنه يضره، ولا يسوغ الاستدلال به على إطلاقه. وأخرج ابن مندة في (المعرفة) عن علقمة بن وقاص الليثي قال: أقبلت رائحاً فناداني بلال بن الحارث المزني فوقفت له حتى جاءني فقال: يا علقمة: إنك أصبحتَ اليوم وجهاً من وجوه المهاجرين، وإنك تدخل على هذا الإنسان، يعني مروان، وإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يكون بعدي أمراءُ من دخل عليهم فليقل حقاً، وإن أحدكم ليتكلّم بالكلمة ترضي بـها السلطان فيهوي بـها أبعد من السماء). وأخرج سعيد في (السنن) من طريق جرير عن العلاء بن المسيب عن خيثمة قال: قال عبد الله بن مسعود: (إذا أتيت الأميرَ الـمُؤمّر فلا تأته على رؤوس الناس) وهو منقطع فإن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة لم يسمع من ابن مسعود كما قال أحمد وأبو حاتم. لكن في هذا المعنى آثار عن السلف في المناصحة في السر مثل ما رواه هناد في (الزهد) عن عمر قال: (أيتها الرعية إن لنا عليكم حقا النصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، وإنه ليس من شيء أحبّ إلى الله وأعمّ نفعاً من حلم إمام ورفقه، وليس شيء أبغض إلى الله من جهل إمام وخرقه). ومما يدل على ضعف الخبر أنه لم يجرِ عليه عمل السلف والأئمة على إطلاقه وظاهره، بل هو متروك الظاهر، فلا يعلم من السلف من قال به على ظاهره فمنع مطلقاً من الإنكار والمناصحة لولاة الأمر جهراً، بل عمل الأئمة على خلافه كما هو منقول مستفيض عنهم في كتب الآثار والتواريخ. مثل إنكار أبي سعيد على مروان على الملأ تقديم الخطبة على الصلاة في العيد وهو في (الصحيح) وعند مسلم وأحمد عنه قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إِليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد تُرك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليُغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). وأنكر السلف جهاراً على معاوية استلحاق زياد حتى قال ابن المسيب: (هذا أول قضاء باطل في الإسلام) وأنكر أبو ذر على معاوية حتى نفاه عثمان إلى الربذة، ولما عزم معاوية على العهد ليزيد قال: من كان يظن أنه أولى به منا فليطلع لنا قرنه؟ فقال ابن عمر: هممت أن أقول له: أحق به منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فذكرت ما أعده الله من النعيم فأمسكت، فقيل له: حُفظت وعصمت. وأنكر علي عليه السلام على عثمان منعه التمتع في الحج، وجهر بمخالفته فأهل متمتعاً، وأنكر حجر بن عدي الصحابي على والي الكوفة من جهة معاوية حتى حصبه بالحجارة وهو على المنبر فقتله معاوية، فأنكرت أم المؤمنين عائشة على معاوية وأكثرت عليه حتى قال لها: دعيني وحجراً أمام الله.! وغير خاف قول الصديق الأكبر سلام الله عليه: (إن أخطأت فقوموني) ولم يذكر لهم السر، ونصيحة خولة بنت حكيم لأمير المؤمنين عمر في السوق بمشهد من الناس حتى بكى، وإنكار المرأة عليه منع الزيادة في مهور النساء وهو على المنبر مشهور معلوم قد تلقاه العلماء بالقبول. وأخرج أبو يعلى وحسّنه الألباني عن أبي قبيل قال: خطبنا معاوية في يوم جمعة، فقال: إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، من شئنا أعطيناه، ومن شئنا منعناه، فلم يرد عليه أحد.! فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام اليه رجل ممن شهد المسجد، فقال: كلا، بل المال مالنا، والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا. فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس، فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس، إني تكلمت في أول يوم جمعة، فلم يرد عليّ أحد، وفي الثانية، فلم يرد علي أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا، أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيأتي قوم يتكلمون فلا يُردّ عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة) فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا عليّ أحياني أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم. وإنكار ابن المسيب على ولاة بني أمية حتى ضربوه وصبوا عليه جرة ماء في يوم شات، وإنكار الزهري على هشام ثم على الوليد حتى ضيق عليه وهمَّ أن يلحق بالروم كما ذكره ابن حزم، وإنكار أبي حنيفة على أبي جعفر المنصور حتى كان أصحابه يخشون عليه من كثرة إنكاره، وإنكار ابن أسلم الطوسي على ابن أبي طاهر الأمير، ومناصحة شيخ الإسلام ابن تيمية وإنكاره على قازان في مجلسه أمام الوزراء والعلماء والأعيان، حتى قيل إن من كان حاضراً رفعوا ثيابـهم خشية أن يصيبها من دم ابن تيمية.!

اكتب رسالة… وذكر ابن الإخوة عن سفيان الثوري قال: حجّ المهدي في سنة ست وستين ومائة، فرأيته يرمي جمرة العقبة والناس محيطون به يميناً وشمالاً يضربون الناس بالسياط، فوقفت فقلت: يا حسن الوجه حدثنا أيمن بن وائل عن قدامة بن عبد الله الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة يوم النحر على جمل، لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك، وها أنت يُخبط الناسُ بين يديك يميناً وشمالاً.؟! فقال لرجل: من هذا؟ قال: سفيان الثوري، فقال: يا سفيان لو كان المنصور ما احتملك على هذا، فقال سفيان: لو أخبرك المنصور بما لقي لقصّرت عما أنت عليه، قال: فقيل له: قال لك يا حسن الوجه، ولم يقل يا أمير المؤمنين؟ فقال: اطلبوه، فطلبوه فلم يجدوه، واختفى.! وذكر الحافظ أبو بكر الخطيب أن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي أرسل إليه أبو جعفر المنصور، قال: فقدمتُ عليه فدخلتُ والربيع قائم على رأسه فاستدناني ثم قال لي: يا عبد الرحمن كيف ما مررتَ به من أعمالنا إلى أن وصلتَ إلينا.؟ قال: فقلت: رأيتُ يا أمير المؤمنين أعمالاً سيئةً وظلماً فاشياً، ظننتُهُ لبعد البلاد منك، فجعلتُ كلما دنوتُ منك كان الأمر أعظم.! قال: فنكس رأسه طويلاً ثم رفعه إليّ فقال: كيف لي بالرجال.؟ قلت: أوليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان براً أتوه ببرهم، وإن كان فاجراً أتوه بفجورهم.؟ قال: فأطرق طويلاً، فقال لي الربيع وأومأ إليَّ بالخروج، فخرجتُ وما عدتُ إليه. وذكر ابن الأخوة في (الحسبة) أن الشيخ أبا الحسن النوري أتلف دنان خمر للمعتضد، وكان المعتضد سيفه قبل كلامه، فحُمل النوري إليه، فقال له المعتضد: من أنت؟ قال: محتسب، قال: من ولاك الحسبة، قال: الذي ولاك الإمامة، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: الشفقة عليك يا أمير المؤمنين، ثم قال: فقلت: يا أمير المؤمنين إني أقدمت على الدنان بمطالبة الحق سبحانه وتعالى بذلك، وعمّ قلبي شاهد الإجلال للحق وخوف المطالبة فغابت هيبة الخلق عني فأقدمت عليه بالحال الأول إلى أن صرت إلى هذا الدّن فجزعت نفسي كثيرا على أني قد أقدمت على مثلك فمُنعت. ولو أقدمت بالحال الأول وكانت ملء الدنيا دنانا لكسّرتـها، ولم أبال فقال المعتضد اذهب فقد أطلقنا يدك غيّر ما أحببت أن تُغَيّره من المنكر قال: أبو الحسن فقلت: يا أمير المؤمنين أبغض التغيير لأني كنت أُغيّر عن الله، وأنا الآن أُغيّر شرطياً فقال المعتضد: ما حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين تأمر بإخراجي سالماً فأمر له بذلك، وخرج إلى البصرة فكان أكثر أيامه بـها خوفاً من أن يُسأل عن حاجة يسألها المعتضد فأقام بالبصرة إلى أن توفي المعتضد ثم رجع إلى بغداد. قال ابن الإخوة: فهذه كانت سيرة العلماء، وعاداتـهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلّة مبالاتـهم بسطوة الملوك لكنهم اتّكلوا على فضل الله أن يحرسهم، ورضوا بحكم الله أن يرزقهم الشهادة فلما أخلصوا لله النية أثّر كلامهم في القلوب القاسية فليّنها، وأزال قساوتـها، وأمالها للخير، وأما الآن فقد استولى عليهم حب الدنيا، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك، والأكابر، والله المستعان على كل حال. وهذا العلامة القاضي أبو الحسن الماوردي قد كان من خواص الأمير جلال الدولة ابن بويه، فلما عزم على أن يتخذ له لقب شاهنشاه الأعظم ملك الملوك، وخطب له بذلك أفتى بالمنع وشدد في ذلك واعتزل مجلسه، حتى دعاه جلال الدولة وقال له: (أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وبينك وما حملك إلا الدين فزاد بذلك محلك عندي) وكان يمكنه أن يخلو به وينصحه.! والوقائع عن السلف والأئمة في المناصحة العلنية أكثر من أن يحصرها هذا المختصر، بل إن الحسبة على الولاة بالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجهر والسر أولى من الاحتساب على العامة، لأن بـهم قيام الحق واعتدال الأمر وانتظام الحكم، لأن الحسبة كما قال ابن الأخوة: عبارة عن المنع من منكر لحق الله صيانة للممنوع عن مقارنة المنكر. وعلى التنزل أن الحديث صحيح، فهو مصروف عن ظاهره محمول على غير إطلاقه، منزل على حال وزمان معينين، لأن النصوص المتواترة في هذا المعنى عامة لا تختص بالإنكار سراً، بل هي شاملة للسر والعلن كما يدل عليه حديث جابر مرفوعا: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونـهاه فقتله) رواه الطبراني والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. والتسوية بين شهيد المعركة وشهيد منكر المنكر على ولاة الجور في وصف السيادة، يقتضي أن المقصود الأولى في استحقاق هذه الرتبة هو الإنكار والمناصحة في الجهر والعلن وأفضليته على السر، لأنه أعلى رتبة من حيث كونه أكثر مخاطرة، وعليه فهو متقدم في الأجر والفضل. وكما في عموم أحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لولاة الأمر مثل ما رواه مسلم مرفوعا: (إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولّاهُ الله أمركم) وقوله عليه الصلاة والسلام: (ثلاث لا يغِلّ عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين) رواه أصحاب السنن، ونحو ذلك من النصوص العامة التي لم تختص بنصح دون نصح، وقد تقرر في الأصول أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال. وفي (الصحيح) أن ذا الخويصرة التميمي شهد النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقسم غنائم حنين، فقال له: اتق الله واعدل، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (ويحك ألستُ أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله أنا) فلم ينكر عليه إنكاره العلني وجهره به بمحضر الناس. ألا ترى أن السلف أجروا هذه النصوص واستعملوها على عمومها ولم يخصوها بنصح السر، كما مر عن أبي سعيد في إنكار الرجل على مروان تقديم الخطبة على الصلاة فأقره أبو سعيد واحتج له بعموم حديث (من رأى منكم منكراً..) وغير ذلك. وعليه يحمل هذا الخبر بتقدير صحته على حال وزمان معينين، مثل أن يغلب على الظن أن ولي الأمر لا ينفع معه النصح في العلن بحيث لو فعل معه فإنه يزيد في المنكر ويغلو فيه، أو يغلب على ظنه أنه يبطش به، كما جاء عن الأوزاعي وأحمد وبعض السلف أنـهم رأوا ترك المناصحة في زمانـهم إلا لمن قدر عليها، لغلبة الجور والطيش على ولاة الأمر، بخلاف زمان السلف الأول فقد الولاة فيه أقرب. وفي كتاب سعيد بن منصور أن ابن جبير قال لابن عباس: آمر إمامي بالمعروف؟ قال: (إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت ولا بد فاعلا ففيما بينك وبينه) فهذا من وجوه ترك النصح في العلن. أو أن نفس الأمر الذي يراد مناصحته فيه مما لا يسوغ إعلانه والجهر به وأن المصلحة في إخفائه، كالأمور المتعلقة بالسياسة وشؤون الدولة وأمنها لقوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) على قول السدي وابن زيد أن أولي الأمر هم الولاة، أو أن الزمان الذي هو فيه لا يسمح بمناصحته علناً ونحو ذلك من المعاني، فيُعمل بالخاص وهو مناصحة الولاة سراً فيما تناوله، وبالعام في الباقي فإنه الأصل، وبـهذا تتفق النصوص وتأتلف ويعمل بمجموع الوارد في الباب، وقد تقرر أن إعمال جميع النصوص أولى من إهمال بعضها. وبه يعلم أن مذهب السلف هو محض النصيحة لولاة الأمور في الجهر والعلن والسر والخلوة، وأن الأول أولى وأفضل لعموم النفع، إلا إن غلب على الظن أن مناصحته في السر أقرب لتحصيل المصلحة، فهو أولى. وأما ما حاوله علماء نجد من خلع النصح والإنكار في السر على مذهب السلف وقصره عليه دون العلن، فهو غلط ظاهر عليهم، ولا يخلو أن يكونوا قد اطلعوا على ما نقلناه وغيره أضعافه مما هو مدون في الكتب من الوقائع في مناصحة السلف لولاة أمور زمانـهم علناً جهراً، أو لم يطلعوا، وعلى الأول فهو غلط على السلف وكتمان للعلم، وعلى الثاني فهو قصور منهم. ولسنا ندفع عليهم أن يختاروا الإنكار والنصح في السر دون العلن مع ولاة أمورهم بمقتضى ما يرونه أصلح وأنفع لواقعهم، وإنما ننكر عليهم الغلط في دعوى أن هذا هو مذهب السلف دون الإنكار والنصح في العلن، مع أن عمل السلف على الإنكار والنصح لولاة الأمر في الجهر والإعلان أصح وأكثر من عملهم عليه في السر. وقد ذكر العلامة أبو إسحق الشاطبي في (مقاصده) أن العمل إنما يكون على ما داوم عليه السلف وواظبوا على العمل به كثيراً، دون القليل النادر، وقد تقرر في الأصول أن الصورة النادرة لا تدخل في العموم، فعمل بعض السلف بتقدير صحته على المناصحة والإنكار في السر، نادر فلا يدخل في العموم بحيث يكون هو الأصل، بل الأصل المداومة على الأكثر والعمل عليه وهو المناصحة في العلن، ثم يصار إلى السر عند مس الضرورة وتقدير الحاجة والمصلحة. على أن ما جاء عن السلف في الإنكار سراً كما تقدم ذكره، وكالذي في (الصحيح) عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال له أبو وائل: إذا أتيت عثمان فكلمه؟ فقال: إنكم ترون أني لا أُكلمه حتى أُسمعكم؟ إني أُكلمه في السر دون أن أفتح بابا لا أكون أول من فتحه. فهذا لا يقتضي المنع من الإنكار والمناصحة جهرا، لأنه عمل ببعض أفراد العام دون غيرها لمصلحة اقتضته، وهو لا يقتضي التخصيص كما تقرر في الأصول، بل إن نفس الخبر متضمن للنصح في العلن والجهر، لأن طلبهم منه أن يكلم الوالي بمسمع منهم، يدل على أنه هو الأصل المعروف المتقرر في نصح الولاة، فبين لهم أسامة أن عدم علمكم بنصحي له لا يعني أني لا أناصحه، فإني أناصحه سراً. وقد مر أن أبا ذر نصح عثمان ومعاوية جهرا، وثبت أن ابن مسعود أنكر على عثمان الإتمام في السفر بمنى، وقال: ليت لي منها ركعتان متقبلتان، وأنكر ابن عباس على علي عليه السلام تحريق الزنادقة وغير ذلك، وهذا أكثر وأشهر من فعل أسامة، ولا يكون قول بعض السلف حجة على الآخر دون دليل، ولا يسوغ ترك الأكثر الذي داوم عليه السلف للنادر القليل من عملهم، وبالله الثقة والتأييد. آخره والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم .

كتبه بلال فيصل البحر بالقاهرة في المحرم/1439هــ

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.