القيم الحضارية في حديث الفسيلة
القيم الحضارية في حديث الفسيلة
الأستاذة: حدة بلعباس – الجزائر
تمهيد:
يقف الدارس والمتمعن في السنة النبوية على أحاديث جامعة تضم في طياتها فوائد جمة، ولو بسط الحديث الواحد فيها لاحتواه سجل، فقد تميزت معظم الاحاديث النبوية بالإيجاز في اللفظ والبلاغة والعمق في المعاني، والغنى في الأفكار، والسمو والشمول، ووضوح الدلالة، وفصاحة العبارات، حتى قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك معنى من معاني الحياة والعقيدة والتشريع والخلق إلا وأتى عليه، مجملا أو مفصلا، من هذا المنطلق فإن استخراج القيم العديدة من الحديث الجامع الواحد لا يرتبط بزمان أو حضارة معينة، بل يمكن للدارسين عبر العصور استخراج القيم والفوائد من عدة أحاديث في كل عصر، كل عصر وكل حضارة بما يتناسب معها، لشمولية الحديث النبوي، وإن دل هذا على شيء فيدل على صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان، وبين أيدينا حديث عظيم، يبوبه معظم الدارسين في باب أهوال يوم القيامة، وإن كانت مضامينه تمتد أبعد من ذلك، وتتسع لتشمل الدين والدنيا، والبناء والحضارة، والاستخلاف والاستثمار والأمل والإيجابية، حديث كهذا يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن الفرصة بيد المؤمن لا تزال قائمة، وأن الفسيلة في يده ما زالت مثمرة، وان حقه لن يضيع وما كان الله ليضيع إيمانكم، في آخر ثانية من عمر الدنيا، حديث الفسيلة: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل”، في هذا المقال أحاول استخراج بعض القيم الحضارية من هذا الحديث القيم التي نحتاجها في الواقع المعاصر، حتى نقنع المسلمين قبل غيرهم أن ديننا دين بناء لا دين هدم، دين إحياء الفسائل لا دين قتل، دين أمل وإيجابيه، وحياة، دين استخلاف وإعمار الأرض بمبادئ السماء.
نص الحديث: عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ».
أولا: الدراسة الاسنادية
التخريج: الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند قال: حدثنا بهز، حدثنا حماد، حدثنا هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث.[1]
وأخرجه البخاري في الادب المفرد قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الحديث..[2]
التعريف بالصحابي راوي الحديث:هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الأنصاري، الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري، الخزرجي، النجاري، المدني، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم – وقرابته من النساء، قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو بن عشر سنين فأهدته أمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كي يخدمه، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتا، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم – علما جما، فصحب أنس نبيه -صلى الله عليه وسلم – أتم الصحبة، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر، وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة، توفي سنة (91 ه) رحمه الله[3].
درجة الحديث: لم أعثر على كلام العلماء المتقدمين في الكلام حول درجة هذا الحديث، وما وقفت عليه هو كلام المحققين المتأخرين: قال المناوي بعد ذكره للحديث: ” بإسناد صحيح”[4]، وقال الألباني: ” وهذا سند صحيح على شرط مسلم”[5].
ثانيا: الدراسة المتنية:
غريب الحديث:
فسيلة: الصغيرة من النخل، والجمع فسائل وفسيل…عن أبي عبيد الأصمعي في صغار النخل قال: أول ما يقلع من صغار النخل الغرس فهو الفسيل[6].
المعنى الجُملي للحديث:
(إذا قامت الساعة): أي القيامة، (وفي يد أحدكم فسيلة): أي نخلة صغيرة، (فإن استطاع أن لا يقوم) من مكانه، (حتى يغرسها فليغرسها) ندبا وأراد بقيام الساعة أماراتتها بدليل حديث إذا سمع أحدكم بالدجال وفي يده فسيلة فليغرسها فإن للناس عيشا بعد ومقصوده الأمر بالغرس لمن يجيء بعدو وإن ظهرت الأشراط ولم يبق من الدنيا إلا القليل[7].
المعنى الإجمالي للحديث:قد خفي معنى هذا الحديث على أئمة أعلام منهم ابن بزيزة فقال: الله أعلم ما الحكمة في ذلك انتهى. قال الهيثمي: ولعله أراد بقيام الساعة أمارتها فإنه قد ورد إذا سمع أحدكم بالدجال وفي يده فسيلة فليغرسها فإن للناس عيشا بعد والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد والتقلل من الدنيا[8].
فوائد الحديث: قال العيني رحمه الله: ذكر ما يستفاد منه وفيه:
- فضل الغرس والزرع، واستدل به بعضهم على أن الزراعة أفضل المكاسب[9].
- الترغيب في زرع ما ينتفع الناس به بعد الموت، ليجري أجره للإنسان، وتكتب له صدقته إلى يوم القيامة[10]
- ديننا يدعو إلى العمل، وبذل الأسباب ونبذ الكسل والخمول وإلى التفاؤل، وحب الخير للغير، والإحسان للأرض.
- حث النبي صلى الله عليه وسلم الناس على الخير في أكثر اللحظات رعبا، وهذا دليل على وجوب كون المسلم انتاجيا في كل الحالات قدر المستطاع.
ثالثا: القيم الحضارية في الحديث:
تعريف القيم الحضارية:
القيم: القيم مفردها قيمة، وترتبط لغويا بمادة قوم، والتي تملك عدة دلالات منها قيمة الشيء وثمنه، قال الفيروز آبادي: “والقيمة، بالكسر: واحدة القيم، وما له قيمة: إذا لم يدم على شيء، وقومت السلعة واستقمته: ثمنته”[11]، وأقربها لمعنى القيمة هو الثبات والدوام والاستمرار.
أما اصطلاحا: فإن القيم هي جملة المقاصد التي يسعى إلى إحقاقها متى كان فيها صلاحهم، عاجلا أو آجلا، أو إلى إزهاقها متى كان فيها فسادهم عاجلا أو آجلا، وهي القواعد التي تقوم عليها الحياة الإنسانية وتختلف بها عن الحياة الحيوانية.[12]
الحضارة: هي نمط حياة متقدم معنويا وماديا يتكون من الانسان والبيئة ونظام للقيم والأفكار ينظم العلاقات بين الناس بعضهم البعض، وبينهم وبين البيئة التي يعيشون فيها.[13]
أما القيم الحضارية كمركب اصطلاحي فهي: “مفهوم مرتبط بالنمو والترقي، لذلك فهو مرتبط بالإنسان المميز بنعمة العقل، والمكلف بعمارة الكون، ويأتي مفهوم العمارة بمعنى التعمير والتحديث المستمر إلى نهاية الحياة”[14]
القيمة الأولى الاستخلاف والتعمير:
إن مبدأ أو قيمة الاستخلاف في الأرض هو أسمى مقصد للوجود، “وهو تشريف لهذا الجنس البشري وهو المسؤولية العظمى للإنسان، والاستخلاف في الأرض معناه أن كل ما في الأرض وهبه الله لهذا الجنس البشري، واستخلفه فيه”[15]، وهو مقصد خلق الله من أجله آدم موازاة للعبادة، قال تعالى: ” وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة” فأول مهمة خلق من أجلها آدم عليه السلام هي أن يكون خليفة في الأرض، وذريته موكلة بنفس المهمة إضافة -إلى عبادة الله تعالى المقصد الذي لا ننكره، “وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون”-، فهذا الاستخلاف يقتضي أن هذا الانسان خلق لحكمتين إحداهما مختصة به وهي هذا الاستخلاف فهي لهذا الجنس البشري وحده، والحكمة الثانية مشتركة بين الانس والجن وهي العبادة”[16] وفي الحديث الذي بين أيدينا وضح النبي صلى الله عليه وسلم مدى أهمية هذا المبدأ في أخر لحظات الأرض حين تبدل، فلم يقل صلى الله عليه وسلم استغفروا أو صلوا أو سبحوا، لا ولكن اتركوا أثرا، اغرسوا فسيلة، فيا له من أجر هذا يحصله غرس فسيلة أعظم من صلاة واستغفار، فعلى الانسان عامة والمسلم خاصة، أن يعي عظم هذه المسؤولية، وعظم الأجر المترتب عنها، ولا يقلل من شأن إعمار الأرض وترك المنافع للأجيال اللاحقة به، “فإذا كان يعلم أنه مصاب بداء عضال لا يمنعه ذلك من البناء والزرع والحرث لينتفع بذلك من يأتي بعده”[17]
ثانيا العمل:
منذ أن خلق الله الانسان وهو يحثه على العمل والكبد من أجله هو ومن أجل غيره، ومنذ أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وهو يعلم الصحابة والمسلمين والبشرية جمعاء ويحثهم على العمل، فكان يعضهم تارة ويعمل أمامهم وهو كبير في السن تارة، يخبرهم بذلك أن العمل لا يرتبط بسن، ولا يرتبط فقط بمنفعة شخصية، “ومنمظاهرالعنايةالنبويةبالعملوالتشجيععليهأنالرسول – صلىاللهعليهوسلم – بعدمقامهفيالمدينةالمنورةوتدبيرشؤونه،وتنظيمأموردولتهالناشئةاتجهتعنايتهمباشرةإلىإصلاحالأراضيوتشغيلالأيديالعاملة،فأعلنأنهمنأحياأرضاًمواتاًفهيله”[18]، والحديث الذي بين أيدينا فيه حث عظيم على العمل في أقسى وأصعب لحظات الحياة وهو أمارات الساعة، وهذا إن دل على شيء فيدل على أهمية العمل بالنسبة للإنسان، والمسلم خاصة،قال سمير محمد جمعة العواودة: “ووافقعلىتلكالطلباتالمقدمةلهمنالمسلمينالقادرينعلىالعمل،وتشجيعاًعلىالعملفيالزراعةيرويأنسبنمالك – رضياللهعنهم – عنالرسول – صلىاللهعليهوسلم – أنه قال:” إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألّا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها”[19]، قال محمود أحمد شوق: “وتصل قيمة العمل في الإسلام مداها حين توجه الرسول الخاتم -صلى الله عليه وسلم- المسلم ألا يكف عن أداء العمل حتى ولو قامت القيامة، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها، فله بذلك أجر”.[20]وإضافة إلى أن العمل قيمة كبرى في الإسلام، فإن إنجازه في الوقت المحدد, واستثمار الوقت عمومًا هو أيضًا من القيم الكبرى في الإسلام. يقول الحق تبارك وتعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] .[21] قال الألباني عن الحديث: “فإن فيه ترغيبا عظيما على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرعما ينتفع به الناس بعد موته فيجري له أجره وتكتب له صدقته إلى يوم القيامة.”[22]
-ويدل الحديث كذلك على أهمية التنمية الاقتصادية، “ولقد بلغ حرص الإسلام على التنمية الاقتصادية وتعمير الدنيا، أن قال الرسول عليه الصلاة والسلام: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة “نخلة صغيرة” فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها”وساوى الإسلام بين المجاهدين في سبيل الدعوة الإسلامية وبين الساعين في سبيل الرزق والنشاط الاقتصادي بقوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. أكثر من ذلك اعتبر الإسلام السعي على الرزق وخدمة المجتمع وتنميته من أفضل ضروب العبادة: فقد ذكر للرسول عليه الصلاة والسلام رجل كثير العبادة، فسأل: “من يقوم به؟ “، قالوا: أخوه، فقال عليه الصلاة والسلام: “أخوه أعبد منه[23] “[24]
ثالثا الإصلاح والبناء:
يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأننا مكلفون بالبناء والإصلاح حتى في نهاية الدنيا، لأننا مكلفون بذلك ابتداء، فإن لم نستطع فتكفينا العزيمة الصادقة والنية المخلصة لذلك، لو مضى كل شخص منا في حياته على هذا المبدأ، مبدأ العزم على الإصلاح والبناء في كل آن، دون انتظار النتاج، الإصلاح بدافع الجزاء الآخروي، ونفع الآخر بلا مقابل، لو استثمر كل فرد في المجتمع طاقته من أجل البناء، لكل مرافق الحياة، كل حسب مجاله، وتخصصه، وقدرته، وكل من مكانه، لحدثت نهضة ثورية للمسلمين من أماكنهم، ولأتعبنا كل الحضارات البشرية المستحدثة المدعية للحضارة.
رابعا الإيجابية:
إن المقدار الهائل الذي يضمه هذا الحديث من الإيجابية لا يمكن حده، ولو بحثت في كل عبارات التنمية البشرية لن تجد مثيلا له، كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر الناس في آخر لحظات حياتهم، بل في آخر لحظات الكون، أن يغرسوا، غراسا لا يلتفتون إلى نتاجه، بل فقد أن يغرسوا، وينتجوا، إنها دعوة منه صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق أن لا ييأسوا في أحلك لحظات حياتهم، وأن الرغبة في الإنتاج، تلك الروح الإيجابية هي التي تعينهم، وهي الكفيلة وحدها بأن تلملمهم، وتلم شتاتهم المبعثر بين غيابات اليأس، يحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الإبقاء على روح العطاء والإنتاج وعدم اليأس من روح الله، إن هذا الحديث بكفيل باختصار كل ما كتب عن الإيجابية من مقالات وكتب، في جملة واحدة، في سطر واحد بل كلمة واحدة، فليغرسها، قال الدكتور مشعل الفلاحي: “لم أقرأ حديثا في الإيجابية كما قرأت حديث أنس رضي الله عنه تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قامت الساعة…” الحديث، فتأمل هذه الدعوة العريضة للإيجابية، وكيف يدعو إليها النبي صلى الله عليه وسلم عامة المسلمين في مثل هذا الوقت الحرج من حياتهم…إن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد في هذا الحديث ضرورة أن يكون الانسان إيجابيا في حياته وأن لا تشغله الاحداث عن زراعة ما في يده حتى لو كانت أحداث القيامة ولحظاتها، وأن يبادر إلى غرس تلك الفسيلة قبل لحظات الساعة”[25].
خامسا الدعوة إلى الحق:
نعم أحوج الناس إلى ومضات هطا الحديث هم الدعاة، هذا الحديث يذيب أمام أنظارهم كل العوائق مهما عظمت، ويزيح أمام طريقهم الكثير من اليأس، إن الدعاة إلى الحق مع تطلعهم الكبير لاستجابة الناس لهم، يضعفون وينهار الكثير منهم ويفتر عن الدعوة إذا لم يلق استجابة قد يصبر قليلا شهرا أو شهرين أو أكثر قليلا لكنه يبقى يتطلع لرؤية نتاج غراسه، فإذا لم يجد ذلك بعد فترة، فتر وتوقف وتراجع، لكن النظر إلى هذا الحديث، والسير به والعمل به كمبدأ حياة للداعي، يجعله يستمر في الدعوة إلى الله، إلى الحق غير آبه بالنتاج، ولا منتظر له، بل يوقن يقينا أن النتاج قادم لا محال، مادام مخلصا سائرا على درب الحق، وليس شرطا أن تعالج عيناه النتاج، وليس شرطا أن يشاهد أتباع دعواه وأنصاره في حياته، وكم من داعية لم تنتج دعواه إلا بعد وفاته وربما بعقود، وكم من عالم لم ينشر مذهبه إلا بعد وفاته، لكنه بقي لقرون، قال الأستاذ محمد قطب: ” والدعاة خاصة لهم في هذا الحديث درس، أي درس؟ فالدعاة هم أشد الناس تعرضا لنوبات اليأس وأشذهم حاجة إلى الثبات، قد ييأس التاجر في الكسب ولكن دفعة المال لا تلبث أن تدفعه مرة أخرى إلى السير في الطريق، قد ييأس السياسي من النصر لكن تقلبات السياسة لا تلبث أن تفتح له منفذا فيستغله لصالحه، قد ييأس العالم من الوصول إلى النتيجة، ولكن المثابرة على البحث والتدقيق كفيلة أن توصله إلى النهاية،…ولكن ليس كالدعاة في هذا الشأن فأهدافهم غالبا ما تكون قريبة وعوائقهم غالبا ما تكون قريبة من التذليل، وليس كذلك المصلحون، إنهم لا يتعاملون مع المادة ولكن مع “النفوس” والنفوس أعصى من المادة، وأقدر على المقاومة وعلى الزيغ والانحراف، والسم الذي يأكل قلوب الدعاة هو انصراف الناس عن دعوتهم…الدعاة أحوج الناس إلى هذا الدرس، أحوج الناس أن يتعلموا من الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه العجيب…إنه يقول لهم: ليس عليكم ثمرة الجهد، ولكن عليكم الجهد وحده ابذلوه ولا تتطلعوا إلى نتائجه”[26].
ختاما، لو عاش كل فرد مسلم منا مستحضرا القيم الحضارية التي في هذا الحديث، في حياته ويومه وعمله وكل شأنه، لقدمنا درسا للعالمين عن مدى حضارية ديننا وأحقيته لإنشاء حضارة عالمية لا مثيل لها، ولرممنا انتكاسة المسلمين التي سببها ابتعاد أهل الإسلام عن تعاليم دينهم، وعجزهم عن ادراك القيم الأخلاقية والحضارية الفعالة التي يحملها، وما هذا الحديث إلا نقطة من بحر، وما هذه القيم التي ذكرتها إلا بحر من محيط القيم التي يحتويها.
الحواشي:
[1] رقم الحديث12981، مسند الامام أحمد، تحقيق، شعيب الأرناؤوط وآخرون، إشراف د عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، ط 1، 2001، (2\296)
[2] باب اصطناع المال، رقم 479، الأدب المفرد، محمد بن اسماعيل البخاري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الاسلامية، الطبعة الثالثة، 1989، ص168.
[3] سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، تحقيق: شعيب الارناؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1985، (3\395) بتصرف، وينظر ترجمة الصحابي كذلك في: طبقات ابن سعد 7 / 17، طبقات خليفة: ت 575، 1455، المحبر: 301، 344، 379، التاريخ الكبير 2 / 27، التاريخ الصغير 1 / 209، المعارف: 308، الجرح والتعديل 2 / 286، مشاهير علماء الأمصار: ت 215، المستدرك 3 / 573.
[4] التيسير بشرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، مكتبة الامام الشافعي الرياض، ط3، 1988، (1/372)
[5] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها
[6] لسان العرب، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى، دار صادر بيروت، ط3، 1414ه، (11\519)، وينظر: تاج العروس من جواهر القاموس لمرتضى الزبيدي (30\158)، غريب الحديث للقاسم بن سلام، (4\202).
[7] التيسير بشرح الجامع الصغير، لزين الدين المناوي، مكتبة الامام الشافعي الرياض، ط3، 1988، (1\327).
[8] فيض القدير شرح الجامع الصغير، لزين الدين المناوي، المكتبة التجارية الكبرى مصر، الطبعة الأولى (3\30).
[9] عمدة القاري
[10] سلسلة الاحاديث الصحيحة، الالباني،
[11]القاموس المحيط، مجد الدين الفيروز آبادي، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، الطبعة: الثامنة، 1426 هـ – 2005 م.
[12]مقال ماهي القيم، للأستاذ طلال مشعل، بتاريخ 1 ديسمبر 2018، موقع موضوع.
[13]القيم الحضارية مفهوم ومعايير، إبراهيم الديب، موقع عربي، 26 جويلية 2019 .
[14]المرجع نفسه.
[15] مقال الاستخلاف في الارض، محمد ولد دوو الشنقيطي، موقع مركز تكوين العلماء، السبت 11ديسمبر 2010.
[16] المرجع نفسه
[17] مقال الاستخلاف في الارض، محمد ولد دوو الشنقيطي، موقع مركز تكوين العلماء، السبت 11ديسمبر 2010.
[18]رواه البخاري في كتاب المزارعة باب من أحيا أرضا مواتا، 2335
[19]واجبات العمال وحقوقهم في الشريعة الإسلامية مقارنة مع قانون العمل الفلسطيني، سمير محمد جمعة العواودة، جامعة القدس، 2010م، ص25.
[20]الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية، محمود أحمد شوق، دار الفكر العربي، 1421هـ- 2001م، 120
[21]المرجع نفسه، ص 317.
[22]سلسلة الاحاديث الصحيحة وشيء من فقهها، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع الرياض، الطبعة الأولى، (1/39).
[23] رواه السيوطي في الجامع الصغير؟؟؟
[24]الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الافراد والدول محمد شوقي الفنجري، وزارة الأوقاف، ص63
[25]مقال الإيجابية، مشعل بن عبد العزيز الفلاحي، موقع صيد الفوائد.
[26]مقال فليغرسها، الأستاذ محمد قطب، موقع فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي.