الطفل المعاق…هل هو ابتلاء أم عقوبة للوالدين؟ أ.د/ منوبة برهاني -الجزائر –
الطفل المعاق…هل هو ابتلاء أم عقوبة للوالدين؟
أ.د/ منوبة برهاني
جامعة باتنة _1_
لا شك أن أعظم صدمة تتلقاها الأسرة هي ميلاد طفل معاق؛ فتشعر بالحزن، وتبدأ بالقلق على مستقبل ابنها، وفي حقيقة الأمر أن تربية الطفل السوي الصحيح صعبة، فكيف بتربية طفل معاق؟
فالمهمة ليست سهلة، ولكنها أيضا ليست مستحيلة؛ إذ لا يستطيع الوالدان التفريط في ابنهما، فهو بضعة منهما وعلى كل منهما الرضى بقضاء الله وقدره، ولعله يكون سبب إسعادهما في الدنيا، ونجاتها في الآخرة، وقد يكون الله تعالى قد ابتلاهما به ليرفع درجتهما عنده، فإذا صبرا واحتسبا يعجل الله مكافأتها في الدنيا أو الآخرة.
هذا من جهة ومن جهة أخرى، فقد يكون وجود طفل معاق في الأسرة عقوبة للوالدين، حيث يعتبر فرصة لمراجعة عيوب النفس، والأخطاء التي ارتكبتها في مرحلة ماضية؛ وعليه فحضانة الطفل المعاق قد تمثل ابتلاء من الله، وقد تعتبر عقوبة للوالدين، وجاء هذا العرض ليجيب عن تساؤل طالما حيّر الكثير ممن لهم ابن معاق، والمتمثل في: هل الطّفل المعاق ابتلاء أم عقاب للوالدين؟ وقد فرضت علينا طبيعة هذا العرض تقسيمه إلى فروع هي:
الفرع الأول: هل وجود الطّفل المعاق في الأسرة ابتلاء أم لا؟
الفرع الثاني: هل وجود الطّفل المعاق في الأسرة عقاب للوالدين أم لا؟
الفرع الثالث: ما يميز الابتلاء عن العقاب.
الفرع الأول: هل وجود الطّفل المعاق في الأسرة ابتلاء أم لا؟
قبل الإجابة عن السؤال لابد من تعريف الابتلاء، وذكر بعض صوره، وكذا أسبابه على النحو التالي:
أ/الابتلاء لغة: لفظ الابتلاء مأخوذ من مادة (ب ل و) التي تدل على نوع من الاختبار والامتحان، والخلاق، وقال بعضهم:” الابتلاء يكون في الخير والشرّ معًا، يقال في الخير: أبليته، وفي الشرّ: بلوته بلاء”
ب/ الابتلاء اصطلاحًا: لم أجد من عرّفه من الفقهاء، بينما أشار إليه المفسرون في شرحهم للآيات التي ورد فيها لفظ الابتلاء، من ذلك:
_ قال القرطبي:”البلاء يكون حسنًا، ويكون سيئًا، وأصله المحنة والله-عز وجـل- يبلـوا عبـده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره، فقيل للحسـن بـلاء، وللسيئ بلاء”.
_ قال محمد رشيد رضا:” الابتلاء: الاختبار بما يظهر به التزام الحق والشّرع أو عدمه”.
_ وقال ابن عاشور:” لما كان الاختبار يوجب الضّجر والتّعب سمي بلاء، كأنّه يُخلِق النفس، ثم شاع في اختبار الشر لأنه أكثر إعناتا للنفس، وأشهر استعماله إذا أطلق أن يكون للشر، فإذا أرادوا به الخير احتاجوا إلى قرينة أو تصريح .. فيطلق غالبا على المصيبة التي تحلّ بالعبد لأن بها يختبر مقدار الصبر والأناة”، ويتضح من كلام المفسرين أن الابتلاء يعني الاختبار والامتحان، ويكون بالخير والشر.
2/ من صور الابتلاء:
الحياة الدنيا فيها الخير وفيها الشّر، والابتلاء يكون بهما جميعا، وعليه فالابتلاء يكون لجميع التَّكاليف، ولكلّ المكلفين، قال الشَّاطبي:”ﺍلابتلاﺀ ﻻﺯﻡ ﻟﻠﺘﻜﺎﻟﻴﻑ كلها، ولجميع المكلفين”.
فاللهتعالىيبتليبالنعم،كمايبتليبالنقم؛والمكلفمطالببالشكرعلىالنعم،وأداءالحقوقالتيفيها،والصبرعلىالنقم،والرضابماقُدرعليهفيها،قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ ﴾ [الأنعام/165]،فابتلىالموسربالغنىوطلبمنهالشكر،وابتلىالمعسربالفقروطلبمنهالصبر، وإذا كان الأمر كذلك فسنشير إلى صور الابتلاء بالشر، وصوره بالخير على النحو التالي:
أولا/ الابتلاء بالشّر: وله عدة صور منها ما يلي :
1/أن يبتلي الله المؤمن بفقد عزيز عليه كأبيه أو أمه أو ولده .
2/أن يبتلى المؤمن بفقد جزء من جسمه كذهاب بصره، أو سمعه، أو رجله، أو يده .
3/ابتلاء المؤمن بمرض عُضال أو فتاك، أو يُبتلَى بالخوف والجوع وضيق الرزق. قال تعالى- إشارة إلى تعدد مظاهر الابتلاء-:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين﴾ البقرة/155.
4/ ومن أعظم ما يُبتلى به المؤمن من صور الابتلاء بالشر هي المصيبة في الدين، فهي القاصمة والمهلكة والنهاية التي لا ربح معها، وعموما فإن مصاب الدين لا فداء له، فهو أعظم من مصيبة النفس والمال؛ لأن المال يخلفه الله تعالى، وهو فداء الأنفس، والنفس فداء الدين، والدين لا فداء له، ذلك أن كل مصيبة في دنيا الإنسان قد تعوض بخير منها أو مثلها، أما مصيبة الدين فحسرة لا تُعوَّض، لذلك كان مقصد حفظ الدين هو المقدم على غيره من كليات الشرع.
5/ الابتلاء بالسيئات أو المعاصي، وهذه قد تَخفى حكمته على الكثيرين إذ قد يراد به “اختبار الصدق في الإيمان، ويشير ابن القيم –رحمه الله- إلى ثمرة هذا الابتلاء بقوله:”لو لم تكن التوبة أحب إلى الله لما ابتلي بالذنب أكرم المخلوقات آدم -عليه السلام- فالتوبة هي غاية كل كمال آدمي وقد كان كمال أبينا آدم –عليه السلام- بها”.
فإذا عرفنا صور الابتلاء بالشر، فالإعاقة من العقبات التي تؤثر على صاحبها، وعلى محيطه، فوجود طفل معاق في الأسرة من صور الابتلاء بالشر، لأن الإعاقة حرمان من أداء التكاليف الشرعية، لوجود نقص جسمي أو عقلي، “ويؤكد بعض علماء النفس على أن ميلاد طفل معاق هو دائما جرح نرجسي بالنسبة للأبوين،كما أن الإعاقة مهما كانت درجتها تتسبب في شعور الأبوين بالذنب، إما لعدم قدرتهما على إنجاب طفل سوي أو عجزهما عن حمايته، بل إن لدى الأبوين شعور داخلي بأنهما مسؤولان عن حالة الطفل”.
ثانيا/ الابتلاء بالخير: ويقصد به اختبار الله تعالى عبده الصالح، ليشكره وله صور شتى منها :
1/ أن يبتلى العبد بالغنى، قال صلى الله عليه وسلم:(فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتَنافِسوها كما تنافسوها وتُلهيكم كما ألهتهم).
2/ ابتلاؤه بزينة الدنيا وزهرتها، قال صلى الله عليه وسلم: (إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها).
3/ الابتلاء بحب الرياسة والجاه، فيطلبها ويحرص عليها فيكون فيها هلاكه، لقوله صلى الله عليه وسلم:(إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَة).
4/ ويدخل في هذا المظهر ابتلاء العبد بالطاعات ليشكر ربه على ما هداه إليه، فضرب الله لنا أروع الأمثلة بإبراهيم –عليه السلام- لما ابتلاه الله بذبح ولده وفلذة كبده فأراد أن يمضي تلك الطاعة لربه فناداه الله تعالى بقوله:﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾[الصافات/104-106].
والابتلاء بالخير هو أشد البلاء؛ لأن القيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر. فصارت المنحة أعظم البلاءين لهذا قال عبد الرحمن بن عوف –رضي الله عنه-: “بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر”، وقال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-: “من وُسِّع عليه في دنياه فلم يعلم أنه قد مُكر به فهو مخدوع في عقله”.
وعليه فوجود المعاق في الأسرة قد يكون رزقا ساقه الله للوالدين، وهو نعمة من نعم الابتلاء، حتى ذهب أحد أهل العلم إلى: “أن حضانة الطفل المعاق من أحب الأعمال إلى الله عز وجل؛ لما فيه من رعاية الضعيف، والإشفاق عليه، والسعي معه لتجاوز ما ابتلي به، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ)، بل لعل أجر رعاية الطفل المعاق يفوق أجر رعاية اليتيم، لما فيه من المشقة الزائدة التي يبذلها الحاضن والمربي في سبيل حفظ الطفل ومساعدته قدر المستطاع”.
أسباب الابتلاء
باستقراء بعض ما كتبه أهل العلم في الابتلاء، نرى أن أسبابه تنحصر في أمرين لا ثالث لهما، وهما:
كثرة المعاصي.
حب الله للمبتلى.
1/ كثرة المعاصي
عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:(يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ).
ففي الحديث التَّحذيرُ من المعاصي؛ لأنَّها تَجلِبُ الابتلاءاتِ والعُقوباتِ على الناسِ، ودور الابتلاء هنا التذكير بالذنوب للتوبة منها والله عز وجل يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ﴾[النساء/79]، ويقول سبحانه: ﴿ وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ﴾[الشورى/30].
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحلَّ العذاب الأكبر يوم القيامة؛ فإنَّ الله تعالى يقول:﴿وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ﴾[السجدة/21]، والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من سوء وشر .وإذا استمرت الحياة هانئة، سيصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنيًا عن الله، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه.
مما سبق نخلص إلى إن من الحقائق الثابتة: أنَّ للمعاصي أثرًا سيئًا على صاحبها وعلى المجتمع، فهي تزيل النعم الحاصلة، وتقطع النعم الواصلة، قال علي بن أبي طالب: “ما نزل بلاء إلا لذنب، ولا رفع إلا بتوبة”، ولعلَّ وجود الطفل المعاق في الأسرة قد يكون دليلا على ذنب ارتكب من طرف الوالدين، أو معصية وقعا فيها. ونلمس هذا في الواقع، فبعض الآباء يكون لديهم شعور بالذنب بالنسبة لطفلهم المعاق فهم يشعرون بأنهم فعلوا شيئا ما تسبب في إعاقة طفلهم أو أن إعاقته إنما هي عقاب لخطإ ارتكبوه، والوالدان عادة يبحثان عن سبب للإعاقة لدى الطفل للتخفيف من وطأة الشعور بالذنب، مثل ما تفعله الأم عندما تبحث عن سبب الإعاقة بتتبع مراحل الحمل حتى الولادة كسوء التغذية أو بذل جهد زائد..، وقد يتهم الوالدان بعضهم الآخر بوجود خلل في العامل الوراثي، مما يؤدي إلى حدوث خلافات وشقاقات بين الزوجين…
2/ حب الله للمبتلى
إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب -ولله المثل الأعلى- ففي الحديث الصحيح:”إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”.
ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة، وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة”.
وقال الحسن البصري رحمه الله:” لا تكرهوا البلايا الواقعة، والنقمات الحادثة، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك”. أي –هلاكك-، وقال الفضل بن سهل:” إن في العلل لنعَمًا لا ينبغي للعاقل أن يجهلها، فهي تمحيص للذنوب، وتعرّض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة، وتذكير بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة، وحضّ على الصدقة”.
والمؤمن يبحث في البلاء عن الأجر، ولا سبيل إليه إلاَّ بالصبر، ولا سبيل إلى الصبر إلاَّ بعزيمةٍ إيمانيةٍ وإرادةٍ قوية، وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:”عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:”مصيبة تقبل بها على الله، خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله”، وقال سفيان:”ما يكره العبد خير له مما يحب، لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء، وما يحبه يلهي”.وكان ابن تيمية -رحمه الله- يعد سجنه نعمة عليه تسبب فيها أعداؤه .قال ابن القيم:” وقال لي مرة – يعني شيخ الإسلام – ما يصنع أعدائي بي! أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رحت فهي معي لا تفارقني؛ إنّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”.
وقد شُدّد البلاء على الأفاضل، قيل لأن الله تعالى يبغض الدنيا، وامتحن الأولياء فيها كي لا يميلوا إليها وهي مبغوضة، وأيضا ليكثر الأجر لهم، فإن قيل: لم حجب عنهم الدنيا؟ قيل: ليتفرغوا لطاعته ولا يشتغلوا بها عنه فتحملهم على المعصية، فربما تكون النعمة سببا للمعصية، لقوله تعالى:﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾[الأنعام/ 44]”.
وعليه من رزق بطفل معاق، يعني أن الله أحبه، واختاره لهذا الابتلاء، وهو يعلم أنه أهل لذلك، كما قال ابن عطاء السكندري:”إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك”، بل اصطفاه الله بمخلوق من الجنة، حتى أنه في بعض الدول الغربية يسمى ممن هم من ذوي الاحتياجات الخاصة كأطفال متلازمة داون، بملائكة الأرض،”وعليه فولادة طفل معاق ليس نهاية العالم أو موت أحلام الأم التي طالما رسمتها لطفلها حتى وهو جنين في بطنها، ومن الممكن أن تحول الأم إعاقة طفلها إلى أسطورة من النجاح مثلما تستطيع أن تقتله بنظراتها، فهو يحتاج فقط لمزيد من الدعم والمحبة أكثر من أي شيء”.
الفرع الثاني/ هل وجود الطفل المعاق في الأسرة عقاب للوالدين أم لا؟
1/ تعريف العقاب لغة واصطلاحا.
أ/ تعريف العقاب لغة:
جاء في لسان العرب: عقب كل شيء وعقبه وعاقبته وعاقبه… واعتقب الرجل خيرا أو شرا بما صنع كافأه به، والعقاب والمعاقبة أن يجزي الرجل بما فعل سوءا، والاسم العقوبة، وعاقبه بذنبه معاقبة وعقابا، أخذه به، وتعقبت الرجل إذا أخذته بذنب كان منه.
ب/ تعريف العقاب اصطلاحا:
عّرفه الماوردي بقوله: زواجر وضعها الله تعالى للردع عن ارتكاب ما حظر وترك ما أمر.
ومن المعاصرين من عرفه بأنه: الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع.
من التعريف الأخير يمكن استنتاج: إن العقوبة تلحق المصائب العامة كالزلازل والبراكين، الأوبئة، الجفاف… قال الله تعالى: ﴿ظَهَر الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [البقرة/187]، ويفهم أن المصائب الخاصة التي تصيب الفرد أو الأسرة قد تكون ابتلاءات لا عقوبات، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:”إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ”.
فهل وجود المعاق في الأسرة عقوبة لأهله، وإذا كان كذلك فأين الخطأ؟ وهل هو عقوبة للكافر أم للمؤمن؟ أم معا؟ يبدو أنه عقوبة لهما معًا،قال القرافي:” المصائب كفارات جزمًا؛ سواء اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا قلّ،ثم قال ابن حجر: والتحقيق أنَّ المصيبة كفارة لذنب يوازيها، وبالرضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب عُـِّوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه”.
فهو عقوبة للكافر على ما اقترفه من معاصي﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى/ 30]فضلا على مقابلته البلاء بالسخط وسوء الظَّن بالله واتهام القدر.
وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدُّعاء، ولا يزيد العمر إلا البر)، وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.
الفرع الثالث: ما يميز الابتلاء عن العقاب.
نتيجة لما سبق فإن وجود معاق في الأسرة، قد يكون ابتلاء لأهله، أو عقابا لهم، ولا يعلم تحديد أحد الأمرين، أو الجزم به إلا الله –عز وجل- فهو أدرى بعباده، وفي حقيقة الأمر استخدم القرآن الكريم أسلوب الثواب والعقاب، لتكون النفوس بين هاتين الوسيلتين تتأرجح إن مالت النفس إلى الدعة والخمول والكسل، قرّعتها آيات العذاب والعقاب، وإن أقبلت على خالقها ونشطت في طاعته، سمعت آيات الوعد والثواب فزادت نشاطاً ورغبة في ذلك.
ويمكن تمييز الابتلاء عن العقاب من خلال قرائن الحال التي تتعلق بتلك المصيبة، وأعجبني ما ورد في إحدى الفتاوى، جوابا على سؤال: إذا وقعت للمسلم مصيبة، فكيف نعرف هل هي عقوبة على معاصيه، أم ابتلاء لرفع درجاته؟ لذا سأعتمد كلام المفتي:
_” فإذا كان المبتلى كافرا: فلا يمكن أن يكون بلاؤه لرفعة درجته، فالكافر ليس له عند الله وزن يوم القيامة لكن قد يكون في ذلك عبرة وعظة لغيره، ألاّ يفعل مثل فعله، وقد يكون من ذلك من عاجل عقاب الله له في الدنيا، زيادة على ما ادخره له في الآخرة. قال الله تعالى:﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ الرعد/33-34
_ وأما إذا كان المبتلى مسلمًا عاصيًا مجاهرًا،أو فاسقًا ظاهر الفسق: فقد يغلب على الظَّن وجه المجازاة والعقوبة بهذا الابتلاء، لأن تكفير السيئات أسبق من رفع الدَّرجات، والعاصي أحوج إلى تكفير سيئاته من رفع درجاته.
_ وإذا كان المبتلى مسلما عابدا طائعا صالحًا: فهذا يغلب على الظن في ابتلائه وجه المكرمة ورفع الدَّرجات، والعباد شهداء الله في الأرض، فإذا عرفوا فيه الصلاح كان لهم أن يبشروه برفعة الدرجات عند الله تعالى إن هو صبر على بلائه. وأما إذا أبدى المبتلى السخط والجزع، فلا يظن أن يكون ابتلاؤه مكرمة من الله له لرفع درجاته، وقد علم سبحانه منه عدم الصبر والرضا، فالأقرب في هذه القرينة وجه المجازاة والعقوبة، وقد قال بعض الصالحين:”علامة الابتلاء على وجه العقوبة والمقابلة: عدم الصبر عند وجود البلاء، والجزع والشكوى إلى الخلق، وعلامة الابتلاء تكفيرًا وتمحيصًا للخطيئات، وجود الصبر الجميل من غير شكوى، ولا جزع ولا ضجر، ولا ثقل في أداء الأوامر والطاعات. وعلامة الابتلاء لارتفاع الدرجات، وجود الرضا والموافقة، وطمأنينة النفس، والسُّكون للأقدار حتى تنكشف”.
ولعل الأهم من هذا التفصيل كله أن يقال:
إن الفائدة العملية التي ينبغي للعبد التأمل فيها هي أن كل مصيبة وابتلاء هي له خير وأجر إن هو صبر واحتسب، وأن كل ابتلاء ومصيبة هي له سوء وشر إن جزع وتسخط، فإن وطَّن نفسه على تحمل المصائب، والرضى عن الله بقضائه، فلا يضره بعد ذلك إن علم سبب البلاء أو لم يعلمه، بل الأَوْلى به دائما أن يتَّهِم نفسه بالذنب والتقصير، ويفتش فيها عن خلل أو زلل، فكلنا نخطئ، وأينا لم يفرط في جنب الله تعالى، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أصاب المسلمين يوم أحد بمقتلة عظيمة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وخير البشر بعد الرسل والأنبياء، بسبب مخالفةِ أمرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يظن المرء بعد ذلك في نفسه استحقاق رفعة الدرجات في كل ما يصيبه، وقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله –إذا رأى اشتداد الريح وتقلب السماء– يقول:”هذا بسبب ذنوبي، لو خرجت من بينكم ما أصابكم”. فكيف بحالنا نحن المقصرين المذنبين.ثم أولى من ذلك كله وأهم، أن يحسن العبد الظن بربه دائما، وعلى كل حال؛ فالله سبحانه وتعالى هو أولى بالجميل، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة”.
خاتمة
نحمد الله على منّه لنا بإتمام هذا البحث، الذي توصلنا من خلاله إلى النتائج التالية:
الابتلاء يكون لكل المكلفين، والعقاب لا يكون إلا لأهل الذنب والمعصية.
وجود طفل معاق في الأسرة ليس عقابا لأحد، إنما هو نتيجة لقوانين طبيعية وسنن إلهية، تلحق أي فرد.
على الأسرة الإيمان بأن وجود الطفل المعاق، إنما هو ابتلاء لحكمة لا يعلمها إلا الله عز وجل، والأفضل في هذه الحال الصبر والرضى بالقضاء والقدر، فتوقن بأن هذا الطفل كغيره من أفرادها، فتتعايش معه وتتكيف مع ظروفه وقدراته، لتعم السعادة والطمأنينة.
للابتلاء صور كثيرة، في المال، الولد، البدن.. وأعظم ما يبتلى به العبد في دينه.
على المبتلى أن لا يبحث عن سبب الابتلاء، بل عليه البحث عن الخلل والتقصير الذي حصل منه حتى ابتلي، كما كان الصحابة – رضوان الله عليهم- يفعلون.
الابتلاء وسيلة تربوية لضبط انفعالات الإنسان، وتكيفه مع المواقف المختلفة التي تواجهه، وصقل أخلاقه العملية في الواقع.
على المبتلى أن يفكر في أن ما يعيشه من شقاء وهمّ في دنيا فانية، سينقلب إلى سعادة ونعيم في آخرة باقية إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يخفف عنا الابتلاءات، وأن يلهمنا الصبر والرضى، ويأجرنا في مصائبنا، إنه سميع مجيب الدعوات.
و ذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين
اتعلمون اهداف تلقيح الشعوب ؟
يخلق الانسان بمناعة طبيعية من عند الله و لكن التطعيم يقضي عليها و يغرس السموم في جسم الانسان
اتعلمون ان صناع الادوية و اللقاحات هم صناع الامراض و الفيروسات؟
اتعلمون ان جميع الادوية و اللقاحات تحتوي على سموم و هي السبب في انتشار الامراض و الفيروسات
اتعلمون ان الامراض و الفيروسات هي ناتجة عن تراكم السموم في الجسم؟
اتعلمون ان اختراع المخترعة سويكي جميلة يقضي على السموم المتراكمة في الجسم اي يقضي على الامراض و الفيروسات
الاتصال على 0551011943 الجزائر