الحكمة في التفاضل بين المرأة والرجل في الميراث – سعيدة بلبال / ياسمين قريشي-الجزائر-
الحكمة في التفاضل بين المرأة والرجل في الميراث
الأستاذة: سعيدة بلبال / الجزائر
الأستاذة ياسمين قريشي/ الجزائر
عانت المرأة كثيرا قبل الإسلام، لا تنال شيئا من الإرث بل تورَثُ كما يُورث المتاع، فلما جاء الإسلام أنصفها ورفع الظلم عنها وجعلها تزاحم الرجل في الميراث.
إذ كرمها وأولاها اهتماما ورعاية في جميع مراحل حياتها مشيرا إلى أنه جعل لها مكانة مرموقة في المجتمع وأسس علاقة بين الرجل والمرأة تستند إلى معيار التفاضل أي أفضلية الرجل في بعض المجالات وأفضلية المرأة في مجالات أخرى، ومنحها حقوقها مثل حق العلم والمعرفة والتعبير عن الرأي، والحق في الميراث، لقوله تعالى: “لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا” [النساء 7]
وبهذا توالت الآيات المبينة لنصيب المرأة في كل حالة تزيد وتنقص حسب خصوصية صفتها؛ فأحيانا ترث مثله تماما ، وأحيانا أقل، وتارة أخرى ضعفه أو أكثر منه، وطورا آخر ترث هي ويُحْرم هو.
أولا متى يتساوي الرجل والمرأة في الميراث
هناك حالات في الميراث يستوي فيها نصيب الأنثى مع نصيب الذكر؛ وهي:
- الأخ لأم والأخت لأم: قال الله تعالى: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ” [النساء:12]
- الأب والأم: إن كان للميت فرع وارث مذكر (ابن أو ابن ابن وإن نزل..) قال تعالى: “وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ” [النساء:11]
- الجد إذا كان للميت فرع وارث مذكر (ابن أو ابن ابن) وهو فرض الجدة على كل حال حيث كانت وارثة.
ولا يكون نصيب الأنثى أكثر من نصيب الذكر المساوي لها في الرتبة إلا إذا لم يرثا بالفرض معا في فريضة واحدة؛ فلو مات شخص، وترك أما وإخوة لأم وزوجة، فإذا كان معهم أخ شقيق أو لأب فإنه يرث بالتعصيب ما يفضل عن أصحاب الفروض، ولو أدى ذلك إلى العول (زيادة سهام الورثة على أصلها)، ولو كان محل الزوجة في الفرض المذكور زوج، فإن الأخ لأب يسقط من الميراث لاستكمال أصحاب الفروض المال، وأما الشقيقة فإنه يعال لها بالنصف إذا لم يكن معها شقيق وكذلك الأخت لأب إذا لم يكن معها أخ لأب.
ثانيا متى ترث المرأة أقل من نصيب الرجل
لا يكون نصيبها أكثر من نصيب الذكر المساوي لها في الرتبة إلا إذا لم يرثا معا في فريضة واحدة، وإن ورثا معا فلها نصف ما يأخذه الرجل؛ ففي الآية 11 من سورة النساء نجد قوله تعالى “للذكر مثل حظ الأنثيين” وقد اقتضت حكمته أن يمايز بين الذكر والأنثى، وهذا لما على الرجل من أعباء ومسؤوليات عكس المرأة التي ليس من واجبها أن تنفق ولو على نفسها. وهذه بعض من الأسباب التي تعلل تفضيل الرجل في الميراث في بعض الحالات:
- أن الرجل عليه أعباء الإنفاق وهو أحوج من المرأة للمال.
- المرأة مكفولة، والرجل مسؤول على نفسه وعلى غيره.
- مال الرجل مستهلك ومال المرأة موفور.
- للمرأة حق في مال زوجها، وليس للرجل مثل هذا الحق.
وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل؛ وهي:
- البنت مع الابن وان تعددوا.
- بنت الابن مع ابن الابن وان تعددوا.
- الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق وإن تعددوا
- الأخت لأب مع الأخ لأب وإن تعددوا.
ثالثا: متى ترث المرأة أكثر من الرجل
هناك حالات نصيب المرأة فيها أكثر من نصيب الرجل، وهذه أمثلة على ذلك:
- الزوج مع البنت: نصيب الزوج الربع ونصيب البنت النصف
- الزوج مع أبوين وبنتين: يكون نصيب الزوج الربع ونصيب الأب السدس ونصيب البنتين الثلثان وهو أكبر من نصيب الزوج ومن نصيب الأب.
- البنت مع الإخوة: تأخذ النصف أما الاخوة فيقاسمون ما تبقى
- البنتين مع عمين فأكثر: نصيب البنتين الثلثان أي لكل واحدة الثلث، أما الأعمام فيشتركون في الثلث الباقي فقط.
- الزوج مع الأم والأخت لأم وأخوين شقيقين: نصيب الزوج النصف، والأم السدس والأخت لأم السدس، أما السدس المتبقي فهو للأخوين الشقيقين يشتركان فيه، وهنا نصيب الأخت لأم ضعف نصيب الأخ الشقيق.
- الزوج مع الأم والأخ الشقيق: فللزوج نصف التركة وللأم الثلث، ويرث الأخ الشقيق الباقي تعصيبا، إذا وضعنا مكان الأخ الشقيق أختا شقيقة كان لها نصف التركة فرضا وهو بلا شك أكبر بكثير من نصيب الأخ الشقيق.
- الزوج مع الجدة والأخ لأب: للزوج النصف وللجدة السدس وللأخ لأب الباقي تعصيبا، وإذا وضعنا مكان الأخ لأب أختا لأب كان لها نصف التركة فرضا.
رابعا متى ترث المرأة ولا يرث الرجل:
وهي حالات عديدة ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل بوجودها. أو قد ترث هي، وإن كان بدلا عنها الرجل لا يرث لأن الفروض قد استغرقت التركة مثلا: ونذكر بعض الأمثلة:
- البنت مع الأخ لأم: ترث البنت النصف ولا يرث الأخ لأم لأن البنت حجبته.
- البنت مع الأخت الشقيقة والأخ لأب: فللبنت نصف التركة فرضا، وللأخت الشقيقة باقي التركة؛ لأن الأخوات الشقيقات مع البنات عصبة ولا شيء للأخ لأب لأنه حُجب.
- بنت الابن مع الأخت لأب وابن الأخ الشقيق: فلبنت الابن النصف فرضا والأخت لأب الباقي تعصيبا مع الغير (مع بنت الابن) ولا شيء لابن الأخ الشقيق لأنه حُجِب.
- الزوج مع الأم والأب والبنت وبنت الابن: للزوج الربع وللأم السدس وللأب السدس والباقي تعصيبا وللبنت النصف وترث البنت الابن السدس فرضا مع البنت تكملة لفرض الثلثين. ولو وضعنا ابن الابن مكان بنت الابن فلا يأخذ شيئا لأنه يرث بالتعصيب والفروض استغرقت التركة ولم يتبق له شيئا يرثه.
الخاتمة:
دين الإسلام دين عدل لا دين مساواة مطلقة، وهذا لحكمة وعلم الله عز وجل؛ فالله سبحانه وتعالى لم يوجد التفضيل بين الرجل والمرأة مجاملة وإنما كلما زاد التشريف زاد التكليف، ففلسفة التوريث في الإسلام لا تستند إلى معيار الأنوثة والذكورة، بل تحكمه معايير مختلفة، ومن بينها: معيار تكوين الأسرة. معيار العبء المالي، معيار درجة القرابة، معيار موقع الجيل وغيرها من المعايير التي لا يتسع المقام لذكرها ولله الحكمة التامة فيما شرع وقدّر .
قال الله تعالى في محكم تنزيله: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا” [الأحزاب:36]. وليس لنا نحن عبيده إلا السمع والطاعة والالتزام بهذه الأوامر.