التربية الذوقية الجمالية. الأستاذة آمنة خنفري
التربية الذوقية الجمالية. الأستاذة آمنة خنفري
قال تعالى ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾. الأعراف آية 32
قاعدة تنمية ملكة الجمال
فلسفة الجمال:
لقد نشأ التفكير في الجمال قديماً منذ العصر اليوناني حين بحث أفلاطون في فكرة الجمال وكيف تتمثل في الموجودات المحسوسة والأعمال الفنية إلاَّ أنَّها مثال خالد في عالم المُثُل أو العالم الذي يفوق الواقع .
أشارأفلاطون إلى أنَّ الجمال: ” أمر موهوم بالحقيقة، موجود بالعرض، فهو عرض ظاهر تشعر به الحواس أو إحداها فترتاح إليه، وتُسَّر به النفس، ويَنْشَرح له الصدر، ويبتهج به القلب فهو مشترك بين الحواس كلها“، والجمال لا يمكن حصره في نطاق ولا تحديده بحدود معينة. وفى ذلك يقول أفلاطون: “الجمال الحقيقي إنَّما هو عامل غير محسوس، هو كامن في نفس الشخص، في السيال الروحي الذي ينبثق من ملامحه، لأنَّ الشخصية تنفخ في الملامح روحها وتجعلها ذات معنى وتأثير في النفس“
والجمال عند أرسطو هو التناسب والتماثل والتوافق في الأشياء ذاتها، والترتيب العضوي للأجزاء في كلٍ مترابط، ونحن لا نحس الجمال إلاَّ عندما ندرك هذا التناسب ونميزه، ويكون حاضراً في الذهن كالمقياس أو الميزان، والتعريف السابق علي الرغم مما ناله من تحوير وتعديل ونقد لم يزل يحتفظ بالجوهر البسيط لفكرة الجمال، فكل ما يبدو منسجماً يبعث علي الارتياح والاطمئنان والألفة ، وكلما كانت صورة الشيء منسقة تنسيقاً منسجما أحرزت الرضا واقتربت من النفس الإنسانية
كما بحث أرسطو في عالم الفن وانتهي إلى أنَّ الفنون الجميلة هي نوع من المحاكاة لكنها محاكاة لا تتساوى بالنزعة الطبيعية أو النقل الحرفي لما هو في الطبيعة بل محاكاة لما ينبغي أنْ يكون، ثم ظل البحث في المجال مستمراً بعد ذلك في تاريخ الفلسفة ومرتبطاً بالتأملات الميتافيزيقية، وتحدث الفلاسفة عن الجمال العقلي وعن الجمال في العصور الوسطى باعتباره مظهراً وجزءاً من علم الإلهيات، أما الفنون التي تُعرف بالفنون الجميلة فقد توزعت في تصنيف العلماء؛ فارتبط الشعر بالنحو والخطابة ليكونوا ما يسمى بفنون الثلاث، وردت الموسيقي إلي الحساب والفلك والهندسة لتكون فنون الرباع، وجميعها الفنون الحرة السبعة، أما التصوير والنحت والعمارة فقد عُدت من ضمن الصناعات
إنَّ فلسفة الجمال فلسفة قديمة وجديدة معاً، فقد عالجها الفلاسفة المتخصصون منذ أقدم العصور، وتناولها فلاسفة اليونان بأقلامهم، وعادت فأصبحت من جديد ذات شأن على يد المحدثين وبخاصة عند فلاسفة الألمان
يقول جون ديوى “John Dewey: “إنَّ الجمال لفظ عاطفي، وإنْ كان يُشِير إلى عاطفة من نوع خاص وآية ذلك أنَّنا حينما نجد أنفسنا بإزاء منظر جميل أو قصيدة أو لوحة تستأثر بإعجابنا أو تستولي على مجامع قلوبنا، فإنَّنا نجد أنفسنا مدفوعين إلى أنْ نهمس أو نهتف قائلين: كم هي جميلة“
ثم تطورت في الأيام الأخيرة تطوراً ملحوظاً وصارت تأخذ طابعاً جديداً؛ فالإنسان يسعى لاكتشاف الجمال أولاً، ثم يحرص على أنْ يحقق الأعمال الفنية والأدبية ثانياً، ثم يهتم بأنْ يعبر عن حسه الجمالي بصورةٍ أو أخرى ثالثاً، ومن هذا المنطلق تطور علم الجمال وتفرعت أقسامه وجوانبه وظهر موضوعه فأصبح يهتم أولاً بتحليل اللذة المصاحبة للإحساس بما هو جميل، وأصبح يحرص ثانيا علي تحليل القيمة والتقديرات الذوقية، ثم صار ثالثاً يهتم بوضع نظرية لتحديد الشروط التي يُصْبِح الشيء الجميل جميلاً بناءً علي توافرها في المرئيات.
وهكذا ظهر الجمال كفلسفة وعلم له استقلاله الذاتي الذي يتمتع به كأي علم في الوقت المعاصر، أما ما عُرِف قديما فهو لمحات جمالية أو نظرات جمالية، ويمكن القول بأنَّ الجمال كموضوع ظهر عند فلاسفة اليونان ثم تحول إلي علم مستقل قائم بذاته على يد فلاسفة القرن الثامن عشر ومن تلاهم بعد ذلك حتى الوقت الحاضر.بيدان مفهوم الجمال يضل ناقصا إذا أهمل فيه الجانب الرباني.
الجمال لغة
ويُسْتَعمل الجمال ليدل على علم معين يبحث في شروط الجمال ومقاييسه، ونظرياته، والجمال مصدر “جَ- مُ – لَ” وهو عبارة عن الحُسْن في الخَلْق والخُلُق والفعل، يتضح هذا المعنى من خلال أقوال علماء اللغة، ومن خلال اصطلاح علماء فلسفة التربية والمفكرين
الجمال مصدر الجميل، والفعل جَمُل وقوله (ولَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ ) (النحل: 6)، أي بهاء وحُسْن. قال ابن سيدة: الجمال الحُسْن يكون في الفعل والخلق، وقد جَمُل الرجل بالضم جمالاً فهو جميل، والجُمَّال بالضم والتشديد أجمل من الجميل، وجَمَّله أي زينه، والتَجّمل: تكلف الجميل. قال ابن الأثير: والجمال يقع على الصور والمعاني؛ ومنه الحديث:”إنَّ اللهَ جميلٌ يحب الجمال” أي حَسَن الأفعال كامل الأوصاف. والمُجَاملة: المعاملة بالجميل ، ويتفق رأى مجد الدين الفيروز أبادي والخليل بن أحمد مع الرأي السابق في تعريف الجمال وأنَّه مصدر الجميل وهو عبارة عن البهاء والحُسْن.
وفى معجم مجمل اللغة والمصباح المنير وجمهرة اللغة: الجمال ضد القُبْح ، والجميل ضد القبيح ، وأجملتُ الشيء إذا حصلته ، ويقال: جمالك أي أجمل ولا تفعل ما يشينك ، قال أبو ذؤيب : جمالك أيها القلب القريح.. ستلقى من تحب فتستريح ، والجمالي: الرجل العظيم الخلق ، قال سيبويه: الجمال رقة الحسن والأصل جماله بالهاء لكنهم حذفوا الهاء تخفيفاً لكثرة الاستعمال ، وتجمل تجملاً: تزين وتحسن إذا اجتلب البهاء والإضاءة ، وأجملت الشيء إجمالاً: جمعته من غير تفصيل عن تفرقة وأكثر ما يُسْتعمل ذلك في الكلام الموجز.
أما في مختار الصحاح والمنجد: الجمال الحُسْن ، وجَمُلَ جَمَالاً: حَسُنَ خَلْقاً وخُلُقاً فهو جميل وهى جميلة ، وجَمَّل: صيره جميلاً ، وجامل: أحسن معاملته وعشرته أو عامله بالجميل ولم يصفه الإخاء ، وأجمل الشيء: حسَّنه وكثره وفى الكلام: تلطف ، وفى الطلب: اعتدل. والجميل: الإحسان والمعروف ، الجمال: الأجمل من الجميل ، المجاملة: المعاملة بالجميل.
وفى معجم ألفاظ القرآن الكريم وقاموس الألفاظ والأعلام القرآنية والموسوعة القرآنية: الجمال البهاء ورقة الحُسْن ، والصبر الجميل: الذي لا تبرم معه ، والصفح الجميل: الذي لا عتب فيه ، والسراح الجميل: ما كان مصحوباً بإحسان وهو كناية عن الطلاق ، والهجر الجميل: الذي لا أذى فيه.
أما في المعجم الوجيز: (جَمُل) جمالاً: حَسُن خلقه. (أجمل في الطلب): إتأد واعتدل وفى الحديث “أجملوا في طلب الرزق فإنَّ كلاً ميسر لما خُلِق له”، والشيء: جمعه عن تفرق، (تجمل): تكلف الحُسْن والجمال واتصف بما يجمل، (الجمال) في الفلسفة: صفة تُلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضا. و(علم الجمال): باب من أبواب الفلسفة يبحث في شروط الجمال ومقاييسه
يُلاحظ من التعريفات السابقة للجمال عند علماء اللغة أنَّ الجمال: مصدر الجميل وضده القُبْح، وهو يُعْنى: الرقة والحُسْن والبهاء، وهو أيضاً الذي يبعث في النفس البشرية السرور والارتياح والاطمئنان والرضا، ويتضح أنَّه لا خلاف بين الحُسْن والجمال في التعريفات السابقة.
الجمال ما يُدْرَك بالنظرة الأولى للشكل العام للشئ الجميل ، أما الحُسْن فهو ما يتناول الأجزاء بالتفصيل ويُعرف بالتأمل وإعادة النظر في الشيء ودقة الفحص ؛ كما أنَّه قد ترد ألفاظ في اللغة بمعنى الجمال كالملاحة والوسامة والوضاءة والنضرة والبهجة لكنها مترادفات لمعنى واحد هو الجمال والذي يصعب تعريفه تعريفاً محدداً لأنَّ مقاييسه تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأذواق.
أمَّا في الاصطلاح: الجمال يُعْنى شيئاً أشمل من الفن ، يُعْنى الحس والبهجة والمسرة التي يدركها الإنسان في كل ركن من أركان هذا الكون الذي سوَّاه الخالق الأعظم ، فالجمال يُرى في الأرض وفى السماء وفى البحار ، يُرى في الأشكال المتنوعة للبشر والحيوانات والأسماك والطيور والأزهار وشتى الثمار ، ويقابل الجمال (القُبْح) وهو يُعْني كل شئ يُثِير النفور والاشمئزاز والبغض والكراهية .
مفهوم الجمال الإسلامي
الجمال سر من أسرار القدرة الإلهية ودليل عليها ، وهو يُدْرَك بالحس والقلب ، وليس من السهل تعريفه أو حده بأوصاف أو رسوم أو عبارات ، وهو شعور داخلي قد يترجمه صاحبه في عبارات أو إشارات ، وقد يظهر في لغة الملامح والتقاسيم ، والإحساس بالجمال عجيب في كيان الإنسان حيث يحدث توافق بين الحس البشرى والجمال الخارجي من خلال المُدْرَكات الحسية التي وهبها الله للإنسان.
والجمال سمة بارزة من سمات هذا الكون ، فالخالق سبحانه وتعالى صنع الكون وأحسن صنعه ، وخلق فأبدع ، وأمرنا – سبحانه- بأنْ ننظر ونتبصر ونتدبر خلقه في السموات والأرض ، وفى عالم البحار والنبات ، وعالم الحيوان والطيور والحشرات ، وذلك لإدخال السرور والبهجة إلى النفس بجانب تقوية العقيدة في قدرة الخالق المبدع المتصف بالجمال المطلق.
وجمال الله تعالى عبارة عن أوصافه العليا وأسمائه الحسنى هذا على العموم؛ وأمَّا على الخصوص فهي أوصافه الرحمة والعلم واللطف والنعمة والجود والرزَّاقية والخلاقية والنفع وأمثال ذلك وكلها صفات جمال، ثم صفات مشتركة لها وجه إلى الجمال ووجه إلى الجلال كاسم الرب فإنَّه باعتبار التربية والإنشاء اسم جمال، وباعتبار الربوبية والقدرة اسم جلال .
إن الإسلام لا ينظر إلى الجمال المُدْرَك بالحواس فقط أو جمال الصور، وإنَّما ينظر للجمال على أنَّه شئ شامل متكامل، وأنَّ جمال الصور أو المحسوسات يراه الجميع، وهو عبارة عن مسائل مكتسبة، ولكن الجمال الحقيقي هو الجمال الإلهي خالق الجمال .
فالوجود بكماله وجماله صورة حسنه ومظهر جمال الخالق ، والإسلام من بين الأديان قد انفرد بقبول نعمة الحياة وتزكيتها والحض عليها، وحسبانها من نعمة الله التي يحرم على المسلم رفضها ويؤمر بشكرها، وغيره من الأديان بين اثنين: إمَّا السكوت عن التحريم والإيجاب معاً، أو التصريح القاطع بالتحريم والتأثيم، أمَّا الإسلام فإنَّه يحل الزينة ويزجر من يحرمها، ويصف الله بالجمال ويحسب الجمال من آيات قدرته، وسوابغ نعمته على عباده وكل من حرم هذه الزينة على الناس فهو آثم : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ) (الأعراف: 32)، والعبادة والزينة تتفقان ولا تفترقان، بل تجب الزينة في محراب العبادة كأنَّها قربان إلى الله في الإسلام .
و الجمال فطرة فطر الله الناس عليها و هي مرتبطة بمعرفة الله التي هي مفتاح الإبحار في عالم المثل و الجمال مقتبسا من جمال الكون النظام و التناسق و التناغم و الترابط و التوازن و الإتقان في العمل والدقة في الصنعة و الإبداع في الإنتاج.
والجمال بمعناه الشامل لا يقتصر على الفن كما يظن البعض، بل يتضمن كل شئ أوجده الخالق ، فالطبيعة بكل ما فيها من خضرة وأشجار وأنهار ووديان وجبال وسماء وأرض وحيوانات وطيور وفراشات وزواحف وأسماك وشتى المخلوقات كلها تتضمن مقومات جمالية ، ولكن إذا كان الفن يتضمن الجمال كما تتضمنه الطبيعة فما الفرق بين مفهوم الجمال في الحالتين ؟.
إنَّ الجمال الذي ينتجه الفن محاولة إنسانية متخصصة لكشف النقاب عن قوانين الجمال ذاتها من توافق وإيقاع ونسب وترديد يكشفها الفنان بتجاربه الناجحة التي توضح هذه القوانين الجمالية ، الجمال في الفن يصنعه إنسان –الفنان- أي لا يأتي صدفة وإنَّما يتم كهدف مقصود ، أما الجمال بمفهومه الثاني الذي له معنى الشمول يُدْرَك في الكون المحيط مثلما يُدْرَك في مجال الفن. فالجمال يُرى في كل شئ إذا كان متناسقاً سواء كان في وجه امرأة أو كيان حشرة أو حيوان أو زورق شراعي يدفعه الريح فوق بركة من الماء أو فكرة حية، والجمال يُدْرَك في المعنويات في صياغة الألفاظ والأنغام والأصوات والحركات.
يتضح من التعريف السابق أنَّ الجمال تعميم شامل يتحقق من خلاله إدراك العلاقات المريحة للبصر ، والسمع ، والنفس ، والقلب وسائر حواس الإنسان.
أما الجمال في الطبيعة فهو يمثل المادة الجمالية الخام التي يستطيع الفنان أنْ يصيغها في القالب الفني الذي يعبر عن إحساساته ومشاعره ، وانطباعاته الشخصية عن الأشكال التي يشاهدها في العالم الطبيعي.
فالجمال مظهر هام من مظاهر رقى الحضارة وتقدمها ، وعكسه القُبْح مظهر يدل على التخلف والانحطاط ، وتؤكد الملاحظة أنَّ الإنسان تواق إلى الجمال في أي زمان ومكان.
ويُلاحظ من خلال حديث الإمام الغزالي عن الجمال أنَّه يميز بين طائفتين من الظواهر الجمالية ؛ طائفة تُدْرَك بالحواس وهذه تتعلق بتناسق الصور الخارجية وانسجامها ، والطائفة الثانية تُدْرَك بالقلب وهى طائفة الجمال المعنوي التي تتصل بالصفات الباطنة ، فالمدركات إذن كما يراها الغزالي تنقسم إلى قسمين: مدركات بالحواس ، ومدركات بالقلب. والقلب أشد إدراكاً من العين ، وجمال المعاني المُدْرَكة بالقلب والعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة المَدْرَكة بالحواس.
ويقول ابن القيم: “اعلم أنَّ الجمال ينقسم إلى قسمين: ظاهر وباطن، فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمال العقل والعلم والجود والعفة والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته كما في الحديث الصحيح: “إنَّ اللهَ لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” (*)وهذا الجمال الباطن يزين الصورة الظاهرة وإنْ لم تكن ذات جمال، فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات. وهذا أمر مشهود بالعيان، فإنك ترى الرجل المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة وإنْ كان أسود. ومما يدل على أنَّ الجمال الباطن أحسن من الظاهر أنَّ القلوب لا تنفك عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه“
ثم يستطرد قائلاً وموضحاً النوع الثاني من أنواع الجمال: “وأمَّا الجمال الظاهر فزينة خص الله بها بعض الصور عن بعض، وهى من زيادة الخلق التي قال الله فيها:“يزيد في الخلق ما يشاء” قالوا: هو الصوت الحسن والصورة الحسنة. « يتضح من خلال النصين السابقين أنَّ الجمال عند ابن القيم ظاهر محسوس، وباطن معنوي وأنَّ الباطن هو الجمال المحبوب لذاته؛ وهو سبب نظر الله لعبده إذا تحلى به، وأنَّه أحسن وأشرف من الجمال الظاهر.
“وكما أنَّ الجمال الباطن من أعظم نعم الله على عبده، فالجمال الظاهر نعمة منه أيضاً على عبده يوجب شكراً، فإنْ شكره بتقواه وصيانته ازداد جمالاً على جماله، وإنْ استعمل جماله في معاصيه سبحانه قَلَبَهُ له شيئاً ظاهراً في الدنيا قبل الآخرة، فتعود تلك المحاسن وحشة وقبحاً وشيناً، وينفر عنه كل من رآه. فحُسْن الباطن يعلو قُبْح الظاهر ويستره، وقُبْح الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره“
فالجمال بنوعيه الظاهر والباطن ذا أهمية، وهو نعمة من الله تستوجب الثناء والشكر، وتؤدى بالإنسان إلى كمال الأوصاف ، فإنْ فَقَدَ الإنسان جمال الباطن قَبُحَ ظاهره ، وإنْ فَقَدَ جمال الظاهر فقط حَسَّنَهُ وجمله جمال الباطن.
والجمال بالنسبة للإنسان هو حُسْن الخَلْق أو الخُلُق أو الفعل أو جميع هذه الصفات ، فهو صفة تُلْحَظ في الناس والأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضا، وللجمال مقاييس في الخِلْقة والخُلُق والفعل ، وهذه المقاييس وإنْ اختلفت عند بعض الناس عن بعض ، أو بعض الأزمنة والأمكنة إلا أنَّ منها جانباً ثابتاً لا يتغير ولا يختلف عليه الناس أو الأزمنة أو الأمكنة وهو الجانب الذي يتصل بالأخلاق ؛ إذ أنَّ الأخلاق الفاضلة جميلة ومتفق عليها عند الجميع ، وكذلك الأخلاق السيئة ليست محل خلاف فهي قبيحة ، ويلي ذلك في ثبات المقاييس الأفعال لأنَّها في الأعم الأغلب تابعة للأخلاق ؛ أمَّا جمال الخِلْقة عند الناس وجمال الأشياء فيلحظ فيه اختلاف المقاييس بين الأفراد وفى الأزمنة والأمكنة.
في ضوء ما قيل في الجمال انطلاقا من رؤى متباينة يمكننا ان نصنف الجمال في ثلاثة أصناف
1 – الجمال المادي:
ويكون في الأمور المادية المحسوسة من سماء وأرض وحيوانات وأجساد وغير ذلك، وقد أشارت آيات القرآن في العديد من المواضع إلى هذا اللون، فالسماء مزينة جميلة ، والأرض مخضرة وفيها ما يسحر الألباب، والإنسان مخلوق في أبهى وأحسن صورة ، والأنعام والدواب فيها ما فيها من الجمال والروعة، وكثير من الآيات والأحاديث النبوية التي تُشير إلى هذا الصنف من أصناف الجمال والذي يعد من نعم الله على عباده، ويُدْرَك بالحواس.
2– الجمال المعنوي:
ويكون في المجردات، ويدركه العقل والقلب فالإيمان جعله الله زينة للقلوب، والهجر وهو المقاطعة والترك يكون جميلاً عندما يكون مقاطعة للسفهاء وعدم استفزازهم، واعتزالهم برفق ولين ، بل إنَّ فراق الزوجة يكون جميلاً عندما يتم بلا طرد أو حقد أو كراهية، والصبر يكون في قمة الجمال حينما يكون في مواطن الشدة والابتلاء، وهكذا ينتقل الجمال من المحسوسات الملموسة إلى المعنويات المجردة ليُضْفي على السلوك تميزاً وجمالاً ليُصْبح الإنسان في قمة الجمال.
3- الجمال المادي والمعنوي معاً :
وهو جمال يجمع بين الصنفين السابقين المحسوسات والمجردات، ويُدْرَك بالحواس والعقل معاً، وهو صفة من سار على منهج الله من الأنبياء والصالحين فهم أكمل الخلق خَلْقاً وخُلُقاً، وتضرب الدراسة لذلك مثلاً من سنة النبي r حينما قال: “حُبِب إلىَّ من الدنيا النساء والطيب وجُعِلتْ قرة عيني في الصلاة“فالطيب والنساء من الأمور الجميلة المحسوسة، والصلاة من الأمور الجميلة المعنوية، وقد جمع النبي صلى الله عليه و سلم بين الطيب والنساء والصلاة حتى لا يقف الإنسان عند حد جمال الماديات بل يتجاوزها ليجمع بين الجماليات المادية والمعنوية اقتداءً بسيد البشر الذي حوى الجمال كله.
خصائص الجمال وسماته :
الجمال حقيقة تأخذ أبعادها كعنصر له من الأصالة والأهمية والرعاية ما لغيره من الحقائق الأخرى، إنه عنصر قد روعي اعتباره ووجوده في أصل التصميم، ولهذا فهو ليس من باب النوافل والتحسينات التي يمكن الاستغناء عنها .
والإحساس بالجمال هو إحدى القيم الإنسانية الكبرى التي عمل دين الإسلام – قرآناً وسنة، شريعة وعقيدة، ومعاملات- على إحيائها وتزكيتها وتربيتها في نفس الفرد والمجتمع حتى يستقيم أمر الوجود الإنساني وحضارته، وحتى يستقيم الفكر الإنساني في نظرته إلى ماضيه، وتطلعه إلى مستقبله وتقديره لحاضره وواقعه .
وبدون الاهتمام بالجمال والسمو به تظل البيئة متخلفة، والعلاقات الإنسانية غير سوية، فيدفع أفراد المجتمع ثمناً باهظاً لعدم الاهتمام بالجمال أقل ما فيه عدم الأخذ على أيدي المخربين، وتشجيعهم على تشويه البيئة ونشر القُبْح؛ إذن الجمال من الغايات المقصودة في خلق الكون ، وله خصائص وسمات تميزه يوجزها الباحث فيما يلي:
1- الإتقان والسلامة من العيوب:
وهى سمة هامة ينبغي توافرها في الشيء حتى يكون جميلاً، والقرآن الكريم يلفت الأنظار للتأكد من هذه السمة – أي من وجودها- بعد أنْ يسجل وجود الظاهرة الجمالية، فكل شئ خلقه الله جاء في غاية الإتقان، والكون الهائل ليس فيه أي خلل أو نقص أو عيب، ولا يصلح مخلوق إلا كما خلقه الله فالأفعى لا تكون جميلة إلا بتجردها من الأيدي والأرجل وبجلدها المرقش، والفيل لا يكون جميلاً إلا بهذه الهيئة التي رُكِّب فيها من جسم ضخم وخرطوم طويل ونحو ذلك، فكل مخلوق وُجِد في أحسن صورة تناسب حاله.
ومن أمارات الإتقان التي تميز بها الجمال خلق الإنسان في أحسن صورة، بل إنَّ الخالق يطلب من عباده دائماً أنْ يتقنوا سلوكهم وأقوالهم لتكون حركتهم منسجمة مع مسار الكون المتقن، بل إنَّ الشارع الحكيم قد وعد أولئك المحسنين المتقنين سلوكهم وأقوالهم بالحسنى في الدار الآخرة لأنَّ الجزاء من جنس العمل.
2- الدقــــة :
فهذا الكون الذي يشتمل على بلايين البلايين من النجوم والأفلاك، كلها تتحرك ولا تفتر عن الحركة لحظة واحدة منذ الأزل الذي لا يُدْرِك عقل البشرية مداه، هذا الكون لا يصطدم فيه نجم واحد بنجم، ولا يحدث خطأ في مدار واحد من مداراته وتلك دقة جميلة معجزة لا يقدر عليها غير مبدع الكون وخالق الجمال، إنَّها دقة جميلة تجذب الحس، وتهزه من الأعماق، فالدقة تضفى على الشيء جماله المناسب
3-القصد
ويُقْصد بهذه السمة نفي العبث عن الموضوع الجمالي، ونفي العبث يعنى وجود باعث وغاية للموضوع الجمالي، والعبث يرفضه الجمال لأنَّ الجمال تناسق وتوازن وإحكام؛ وسمة القصد ظاهرة جلية في الكون يستطيع رؤيتها والإحساس بها ذوى الحس المرهف والرؤية الصادقة التي تتجاوز الأشياء إلى ما ورائها، والقصد يُعْني الإيجابية والعطاء الخَيِّر في كل ما يتجه إليه الإنسان .
إنَّ القصد سمة وخاصية ضرورية لتحقيق الجمال، وبهذا ينتفي العبث، ويسلم موضوع الجمال من العيوب لأنَّه من الغايات المقصودة في خلق الكون، فليست الضخامة أو الدقة وحدهما أساس قيامه بل الجمال المتناسق، والزينة المقصودة من المقاصد القائم عليها، فالقصد سمة ضرورية من سمات الجمال.
4- التنــــوع:
يُعْتبر التنوع من أهم العوامل المؤثرة في شعور المتذوق باللذة، والتنوع ضد المماثلة التي تُشْعِر بالملل، فاختلاف ألوان الأزهار والثمار يُدْخِل على النفس البهجة والسرور، ولكن هذا التنوع لا يعد نوعاً من الاختلاف العشوائي إلاَّ أنَّه يجب أنْ يخضع لتخطيط معين، والتنوع أثر من آثار الجمال والإبداع في الخلق فالأفراد ليسوا نسخة واحدة، بل هم مختلفون في أشكالهم وألوانهم ، والتنوع ليس مقصوراً على الإنسان بل يشمل الزروع ، ويتجاوز الإنسان والزروع إلى المخلوقات كافة.
5- التنظيــم:
يختص التنظيم بتناسق الأبعاد، ويُقْصَد بالأبعاد هنا أبعاد الشيء الواحد، أو المسافات بين الأشياء، وقد يكون المقصود ترتيب الأشياء على شكل هندسي من استقامة أو تطابق أو تناظر، إنَّه التناسق في الصورة الظاهرة؛ وقد اسْتُخْدِمت هذه السمة من سمات الجمال في بيان جمال الجنة ضمن التنسيق الجمالي العام فالسرر المعدة لأهل الجنة مصفوفة مرتبة ليأخذوا عليها كامل راحتهم في وضع جمالي قال تعالى:) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ( (الطور: 20).
وهكذا يتضح أنَّ صفة التنظيم من خصائص وسمات الجمال الواضحة في المجالات المتعددة والمتنوعة، وذلك لتؤدى دورها في إبراز ملامح الجمال المختلفة.
6- التناســق:
التناسق نظام يربط الأشياء بعضها ببعض فتبدو في وحدة متجانسة متكاملة، وهو ليس سمة للجمال فحسب، وإنَّما هو سمة واضحة في بناء الكون كله، إنَّه النظام الخفي الذي يربط بين أجزاء الشيء الواحد بحيث تبدو أجزاؤه متوازنة ولا يكتمل ما يوصف بالجمال إلا بتناسقه؛ فرغم أنَّ الورود والزهور جميلة بطبيعتها إلاَّ أنَّ تنسيقها في باقة متجانسة تُعْطِى معنى أكبر من جمالها الأساسي الفطري، والتناسق يقوم على الضبط والتقدير وتحقيق نسب الأشياء في الحجم والشكل واللون والحركة والصوت.
ويبدو التناسق في الكون بين حركة الليل والنهار والشمس والقمر ويبدو أيضاً في توزيع الألوان والظلال والأضواء والكائنات بصورة تلفت الحس وتستريح لها العين، وتهش لها النفس، وتهدأ لها الأعصاب .
إذن يُمْكِن القول أنَّ المقصود بالتناسق أحد سمات الجمال : الدقة التي تضفى الصبغة الجمالية على الأشياء من مخلوقات متعددة حول الإنسان، وفى هذا تأكيد على اهتمام الحق تبارك وتعالى بالجمال، وأنَّ التناسق يهز القلب ويوقظ المشاعر والحس، ويوقظ حاسة الذوق الجمالي التي تنظر إلى الجمال نظرة تجريدية تراه في الصخرة مثلما تراه في الثمرة على بُعد ما بين الطبيعتين، ولكن النظرة الجمالية المجردة ترى الجمال في التناسق الذي يجمع بين هذه وتلك.
7- الوحدة والتوافق والانسجام:
من الخصائص التي يتميز بها الجمال الوحدة لأنَّه من صفات وخلق الله وهو مصدر الخلق جميعاً، وما سواه من المخلوقات أو الآلهة المزيفة لم تخلق شئ، ووحدة الخالق توجب الوحدة في قوانين الخلق والمخلوقات، ثم يأتي التوافق والانسجام بين المخلوقات ويُقْصَد به إيجاد صلة أو علاقة تقارب أو تشابه أو تآلف الأشياء بعضها مع بعض، ويمكن أنْ يتحقق التوافق والانسجام بين مجموعة ألوان مختلفة ويسمى توافق لونى، أو يتحقق بين مجموعة أشكال ويسمى توافق شكلي، ويمكن أنْ يكون بين أشياء كثيرة في الحياة كالسلوك، والأصوات وغير ذلك.
8- الإبــــداع:
الله مبدع الأشياء وموجدها على غير مثال سبق، وقد أوجد خلقه على غاية الإتقان ولابد لمن أبدع هذا الوجود من أنْ يكون جميلاً، وأنْ يكون خلقه في غاية الجمال والحُسْن، الإبداع إذن من خصائص وسمات الجمال الهامة التي ينبغي توافرها في الشيء حتى يسمى جميلاً .
9- التــــوازن:
وتبدو هذه السمة في اتزان حركة الأرض وثباتها، وفى عدم طغيان ما عليها من خلائق بعضها على بعض كل له قدره الموزون الذي يكفيه لأداء دوره على الأرض كما أراده له الخالق ، فالتوازن سمة هامة تثير في النفس اليقظة، وإذا اتسم بها الشيء أصبح جميلاً.
10- التـــرابط:
وتبدو هذه السمة في اجتماع الخلائق على أصل واحد ومصدر واحد، واشتراكها في نشاط واحد يربط بينها جميعاً، وهذا يشير إلى ضرورة توافر الترابط في الشيء ليُصْبح جميلاً.
مفهوم التربية الجمالية:
تُعْنَى التربية في الوقت الحاضر بتنمية ذوق الإنسان وتنشئته على حب الجمال وتقديره في كل مظاهره، فالشعور بالجمال أكبر نعمة، وتربية الذوق خير ما يقدم إلى الناشئ حتى من ناحية تقويم أخلاقه، فإنَّ الذوق الجمالي إذا شاع في مكانٍ شاعت فيه السكينة والطمأنينة ونعومة المعاملة وجمال السلوك، وإنْ انعدم في مكان خشنت المعاملة وساء السلوك وكثر هياج الأعصاب واضطرابها.
واستعان الإسلام –كمنهج تربوي- في تهذيبه للنفس البشرية بألوان عدة من أنماط التربية؛ ويُعَد الجمال من أكثر أنماط التربية تأثيراً على النفس وإطراباً لها، تهش له بفطرتها وتلتقي روحها بروحه في ألفة ومحبة؛ لذا فإنَّ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يحثان على التمتع بجماليات الوجود، بل يشجعان على الإنشاء الجميل ما لم يتعارض مع مبدأ رئيس هو التوحيد الخالص، ومن ثم لفت الإسلام نظر المسلم إلى متاع الدنيا ليأخذ منها بما لا يتعارض مع حكم يقع في دائرة المعاملات والأخلاق مذكراً أنَّ الدين المعاملة .
أي أنَّ الإنسان السوي المتكامل الشخصية هو الذي يحرص على تناغم دائرة المتعة الفردية ودائرة الأخلاق مع الدائرة الكبرى وهى دائرة التوحيد، ولا يصدر منه قول أو فعل يجعل بين هذه الدوائر تعارض، ومن ثم كانت دعوة الإسلام إلى تنمية الذوق الجمالي من خلال منهج علمي تربوي يغذى الروح والعقل والحواس بكل ما يُعلى الذوق، ويرقق الحس، وتتناغم به المشاعر مع الوجدان وذلك من خلال التربية الجمالية.
وتجمع كثير من الدراسات العلمية على أهمية التربية الجمالية خاصة للطفل في الجوانب المختلفة، ففي الجانب الإبداعي تفتح له آفاقاً أوسع للتفكير والابتكار، كذلك تنمى لديه الإحساس الإنساني وقيم التحليل المنطقي لجميع ما يواجهه في حياته، والتربية الجمالية تكبح الجموح لاستخدام العنف اللفظي أو الجسدي لأنَّ الممارس للتربية الجمالية يُصْبح كائناً اجتماعياً متفاعلاً مع محيطه في حدود الحوار الهادئ ولذا يُمْكن القول بأنَّ تربية الطفل منذ صغره تربية جمالية شئ هام لتربيته تربية شاملة متكاملة الجوانب.
التربية الجمالية : تعبير يُقْصَد به الجانب التربوي الذي يرقق وجدان الفرد وشعوره، ويجعله مرهف الحس، ومدركاً للذوق والجمال فيبعث ذلك في نفسه السرور والارتياح، فيرتقى وجدانه وتتهذب انفعالاته، وكل هذا يساعد على قوة الإرادة وصدق العزيمة عنده، ومنذ عهود طويلة أحس الناس أهمية الجانب الوجداني الجمالي حتى أنَّ حكمة صينية قديمة قالت: إذا كان معك رغيفان من الخبز فبع أحدهما واشترِ به باقة من الزهر، ومعنى ذلك أنَّ الاستمتاع بجمال الطبيعة يسد حاجة نفسية عند الإنسان لا تقل أهمية عن الرغيف الذي يسد حاجة جسدية عنده.
أي أنَّ التربية الجمالية هي التي تجعل الإنسان ينعم بالحياة، لأنَّه من خلالها يُدْرِك أنَّ سر الحياة السعيدة والناجحة يكمن في حرصه على أنْ يرى ما فيها من مظاهر الجمال والذي ينعكس على سلوكه فيُصْبح مرهف الحس، رقيق الوجدان، مهذب الانفعالات.
وتُعْنِى التربية الجمالية: رعاية النشء منذ حداثة سنهم لتذوق الجمال والعيش في كنفه، وإيجاد ظروفه واستخدامه كأداة عدوى لسائر الأفراد ليشبوا في ألفة لا تنقطع بقيم الجمال في كل مرافق الحياة، ويرى أفلاطون أنَّ المجتمع يجب أنْ يزود بالموهوبين من الفنانين الذين يشكلون الحياة ويخلقون البيئة الجمالية التي يترعرع فيها الناشئ، فيتعود أنْ يشم النسمة الصافية والعطر مما حوله منذ نعومة أظافره حتى إذا شب ونسي المصدر فلابد له أنْ يتعرف على مسببات الجمال الذي آخاه حين كان صغيراً، ويُصْبح أحد رواده الذين يعيشون به في الكبر .
ويتضح من التعريف السابق: أنَّ الفرد – الناشئ- حينما يعتاد على رؤية الجمال والإحساس به صغيراً فإنَّه سيرفظ القبيح ويستهجنه، بل وسيثور عليه ويحاول أن يستبدله بكل ما هو جميل، ويكون ذلك في كل مناحي الحياة مادية كانت أم معنوية.
والتربية الجمالية لا تقل أهمية عن التربية الروحية أو التربية الخُلُقية أو التربية العقلية أو التربية الجسدية، لأنَّ كل أنواع التربية تهتم بالإنسان وهو روح وجسد، وخلق وعقل، وحس جمالي بنفسه وبما يحيط به.
التربية الجمالية في الإسلام
التربية الجمالية في الإسلام هي حصيلة لقاء بين التربية في مفهومها الإسلامي، وبين الجمال في مفهومه الإسلامي، والجمال في المفهوم الإسلامي يتجاوز الجمال الفني إلى الجمال الكوني والجمال الإنساني، وللتعرف على هذه التربية ينبغي التعرف على أهم خصائصها والتي تتمثل في ليس هناك تربية جمالية إسلامية منفصلة عن بناء التربية الإسلامية العامة، بل إنَّ التربية الجمالية داخلة في كيان التربية العامة، فهي سمة من سماتها وخاصة من خصائصها، فالجمال في الأصل لا يقوم بنفسه وإنَّما يقوم بغيره وعلى هذا فكل تربية إسلامية فهي تربية جمالية.
إنَّ التربية الجمالية تربى في الإنسان سمو الذوق يتجسد في أنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية كما يتجسد في الأشياء والموضوعات الحسية، وهى إلى جانب ذلك تفتح الأفق النفسي والعقلي والوجداني لدى الإنسان، وتشده إلى مبدع الخلائق والجمال في هذا الوجود وهو الله، فالجمال والتربية الجمالية طريق إلى معرفة الله، ودليل على عظمته والارتباط العقلي والوجداني به.
وإذا سادت التربية الجمالية في كل شئ، في الأقوال والأفعال فإنَّ النتيجة ستكون حياة جميلة، والحياة الجميلة تدفع إلى كل ما هو جميل، والمجتمع الذي يسود فيه الجمال يسود فيه الذوق الجميل، والفن الجميل، والفعل الجميل، والأدب الجميل، والسلوك الجميل.
وفي العبارة النبوية: “إنَّ اللهَ جميل يحب الجمال” بُعْداً تربوياً أحوج ما يكون إليه كل أب وأم ومرب؛ ففي فهم تلك العبارة فهماً صحيحاً ومحاولة ترجمتها إلى سلوك يُرى ويُلمس ويُتذوق تذليل للعديد من العقبات التي تقف أمام تكوين جملة عادات وتصرفات نبيلة، لأنَّ الفرد الذي يُصْبح عارفاً معرفة حقيقية بأنَّ خالقه عز وجل يعز ويقدر الجمال سوف يُصْبح بلاشك باحثاً عن الجمال ومتشوقاً إلى التربية الجمالية
وتتصل التربية الجمالية بالتربية الخُلقية، فالطفل الذي تبلورت في ذهنه العاطفة الجمالية وقدرها يتطلع إلى مثالية سامية مثالية (الحق والخير والجمال)، فيصور الفضيلة في شكل جذاب يناسب أنْ يصير خُلقاً فيه، كما يصور الرذيلة في شكل قبيح لا يستسيغ التخلق به؛ وللتربية الجمالية أيضاً صلة بالتربية الاجتماعية، حيث إنَّ الشعر والغناء يعبر عما يمس المجتمع والبيئة بما يساعد الفرد على الاندماج في بيئته الاجتماعية، كما يعد الطفل الإعداد الخاص الذي من شأنه أنْ يجعله أكثر تفاعلاً مع البيئة والمجتمع.
والتربية الجمالية تحرك المشاعر، وتهز الوجدان، وتوقظ الإحساس وتهذبه، ولها تأثير عظيم في النفوس السوية والطباع الرشيدة، فيحدث الوفاق والانسجام وينتج عن ذلك الإبداع والمعرفة، ومن ثم تؤدي التربية الجمالية إلى تنمية الذوق الجميل، والذوق الجميل ينطبع به فكر الفرد ويولد لدى الإنسان نزوعاً إلى الإحسان في العمل، ورغبة في الكريم من العادات ويؤدى به إلى تمييز الطعام، والألوان، والحركات، والأصوات، والتزين والتطيب والنظافة، وصبغ الحياة العامة بالجمال.
تطبيق القاعدة
الجمال الأخلاقي: تهذيب النفس و تنشأتها على الخصال الحميدة و الاخلاق الرفيعة من خلال روحانية القصص القرآني المتسمة بالجمال في أبهى صوره و أرقى معانيه .
*عبر القصة:فالقصة وسيلة من وسائل التربية الجمالية ونحن نحتاج نوع خاص من القصص والحكايات, ربانية الهدف.. ايمانية الايحاء .. قرآنية المفهوم.. ملائكية التأثير.. قصص يكون الى الله قربة , وعلى طريق التربية خطوة وهذا النوع من القصص لانجده إلا فى ( نحن نقص عليك احسن القصص ) فالقصص القرآنى يهذب النفوس ويجمل الطباع وينشر الحكمة والاداب … يحوى كثيرا من قصص الانبياء مع اقوامهم للعظة والتدبر .. فينشأ جيل ربانى المنهج..ملائكى الخلق..يعيش على الارض وقلبه فى السماء.. يرى بنور الله ويسير على هدى من الله
*سيرة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم :وغرس حبه فى قلوب اولادنا كما فعل الصحابة , فقد كانوا يغرسون حب النبى فى قلوب اولادهم عن طريق سيرته والغزوات التى قام بها,عن سيدنا سعد قال لقد كنا نعلم اولادنا مغازى رسول الله كما نعلمهم السورة من القرآن )
*أخبار الصحابة والسلف الصالح
بذكر مآثرهم والتأسى بأفعالهم والتحلى بأخلاقهم .. فيجب ان نربى ابنائنا على كريم افعالهم وحميد خصالهم بالسير على نهجهم وتتبع اخبارهم وبطولاتهم
*عظماؤنا فى التاريخ : يقول صل الله عليه وسلم ان الله تعالى يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها ) وأمتنا أعظم أمة فى التاريخ وأغنى الأمم بالعظماء فنحن أمة تستمد من رسولنا صل الله عليه وسلم كل نواحى العظمة والقدوة الكاملة لكل ما نهدف اليه من غاية ونتخلق به من خلق ونعمل له فى الحياة من خير وهدى.
تنمية قيم الجمال في شخصية الفرد
1- النمو المتكامل للشخصية بمختلف جوانبها: العقلية والنفسية والجسدية والانفعالية.
2- صقل التذوق الموجود أصلاً عند كل فرد والذي يملك القابلية للنمو من ناحية والتهذيب من ناحية أخرى.
3- التخطيط لتذوق الجمال أو العيش في كنفه وإيجاد ظروفه بالوسائل الجمالية الطبيعية والفنية، وتطوير قدرة الناشئين لتلقى كل ما هو رائع في الطبيعة والفن والبيئة.
4- إثارة خيال الطفل، وتحفيز ملكة التفكير لديه.
5- تطوير القدرة على التذوق،وتربية الموقف الجمالي تجاه الواقع، وكذلك إسقاط كل ما هو قبيح من السلوك.
6- السمو الروحي، واستيعاب القيم الإنسانية بالتدريج، وإكساب الفضائل وحب الخير.
7- تنمية الفرد المتمتع بقدرة خاصة علي تذوق القيم الكامنة في الحياة واكتشاف ألوان وأشكال الثراء الباطنة في أعماق الوجود.
8- إثراء قدرة الفرد علي التعبير عمَّا بداخله والتأثير علي الآخرين وتوجيههم.
9- تكوين وتنمية توجهات جمالية تشتمل علي قيم ومعتقدات واتجاهات وعواطف جمالية، مما يؤدي إلي أنْ يكون الفرد واعياً بالعمل الجمالي وتذوقه في كل فروع الخبرة الإنسانية باعتباره أحد معالمها حينما ينظر إليها بصورتها الكاملة.
10- تكوين أفراد لديهم القدرة علي الإبداع والابتكار، والقدرة على العمل المؤدي إلي التغيير نحو الأفضل.
11- منح الفرد القدرة علي التذوق وتربية الموقف الجمالي تجاه الواقع.
12- تنمية قدرات الفرد الكامنة.
13- إشباع حاسة الجمال في نفس الفرد فيتولد في أعماقه إيمان شديد بعظمة الخالق الذي خلق فأحسن الخلق، وصور فأحسن التصوير، فكان من الملائم أنْ يحافظ الإنسان علي ذلك الحُسْن والجمال، وأنْ يحرص على عدم تشويهه أو إفساده أو العبث به.
14- تعريف الطفل بقدراته ومواهبه مما يساعد في تنمية شخصيته.
15- تعليم الطفل الطاعة والالتزام وضبط النفس.
16- تزويد الطفل بالمعارف والمعلومات الجمالية وإشباع حب الاستطلاع.
17- إثراء اللغة الراقية عند الفرد من خلال مجالاتها المتنوعة.
18- تنمية التذوق الفني والحس الجمالي لدى الطفل.
19- اكتشاف الأطفال الموهوبين مع تبني مواهبهم وتنميتها وصقل تلك المواهب.
20- تنمية روح المشاركة والتعاون بين أفراد المجتمع.
21- علاج المشكلات النفسية والسلوكية المنتشرة بين أفراد المجتمع.
22- اكتشاف حقيقة التنوع الرائعة التي يعيشها الإنسان فرداً وجماعة، والتعامل مع حقيقة التنوع والتعدد المتوفرة في حياة الإنسان من منظور جمالي، بمعني لو غاب التنوع من الوجود الإنساني لأضحت حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق.
23- الارتقاء في مدارج الجمال للوصول إلي سره، لأنَّها نوافذ مفتوحة على المعرفة، معرفة بالله تزيد الارتباط به ومعرفة بالنفس تزيد في تهذيبها، ومعرفة بالناس تزيد في حبهم والتآزر معهم لإنشاء مجتمع أفضل.
24- الأَناشِيدُ الدينِيَّة و الوطنية وسيلة مؤثرة لتنمية الوازع الديني و الحب الوطني و ترقية الذوق الجمالي .
25- كما أنَّ الفرد مأموراً بأنْ يكون مهندماً وجميلاً في مظهره وملبسه ومسكنه بعيداً عن التبرج والكِبْر والخيلاء.
26 – على المربين والمختصين تلقين الطفل سمات الجمال .