التربية الجنسية/ آمنة خنفري
التربية الجنسية/آمنة خنفري (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرينِ )البقرة:آية 222
قاعدة الطهارة الجسمية و النفسية و الجنسية
” يقصد بالتَّربية الجنسيَّة: إمداد الفرْد بالمعلومات العلميَّة، والخبرات الصحيحة، والاتِّجاهات السليمة، إزاء المسائل الجنسيَّة، بقدر ما يسمح به النموّ الجسمي الفسيولوجي والعقْلي الانفِعالي والاجتِماعي، وفي إطار التَّعاليم الدينيَّة والمعايير الاجتِماعيَّة والقيم الأخلاقيَّة السَّائدة في المجتمع؛ ممَّا يؤدّي إلى حسن توافُقه في المواقف الجنسيَّة، ومواجهة مشكلاتِه الجنسيَّة مواجهةً واقعيَّة “
السيد أحمد المخزنجي، التَّأصيل التربوي للأبناء، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص: 123.
من خلال هذا التعريف يتبين لنا أن التربية الجنسية عملية تربوية فنية جد دقيقة و حساسة حيث تحتاج إلى الرصيد الديني و العلمي و الأخلاقي مع احترام المراحل العمرية للفرد و هي بمثابة الجدار الواقي من شتى الأمراض النفسية و الاجتماعية و الجنسية الناجمة عن التغيرات السريعة التي يعيشها المجتمع
فالثورات الصناعية التي عرفها الانسان على مر التاريخ أفضت إلى ثورات فكرية فلسفية ملحدة أخذت الطابع المادي كمنهاج تشريعي حياتي مما ادى الى الانحلال الخلقي المتفشي في المعمورة عندما ابتعد الانسان عن التشريع الالهي الذي يدعو إلى الوسطية و الاعتدال فهو يخاطب الإنسان مراعيا جانبه المادي و الروحي .
فالإسلام تطرق الى التربية الجنسية بوقار و احترام بحكم أن الإنسان (ذكر و أنثى) خليفة الله في أرضه مما يؤدي بنا الى اعتبار التربية الجنسية عملية علمية فنية حضارية يحتاجها المجتمع المتحضر للحفاظ على نسله.
فعلى المقبل على الزواج أن يلم بهذه التربية الواقية الحافظة للجنس وللعقل وللنفس و الاسرة بدورها تلتزم بما جاء في الهدي النبوي لوقاية الابناء من الوقوع في أسر التربية الجنسية الخاطئة التي قد تكلف الكثير من المعاناة النفسية للأطفال قد تنعكس سلبا على شخصياتهم مستقبلا .
عندما نخصص للتربية الجنسية الصحيحة مجالا و نضع لها ضوابط و قواعد سواء على مستوى الأسرة او المدرسة فنحن بذلك نقي أبناءنا من الوقوع في شباك التربية الجنسية الخاطئة عن طريق التلفاز و الانترنت وأصدقاء السوء و الاشرار و للأسف ،العالم اليوم يتخبط في هوس الجنس المسعور الذي يؤدي الى الأمرض الجنسية و النفسية مما يشكل خطرا على الفرد و المجتمع على حد سواء فالجرائم المتفشية اليوم ناجمة عن اختلالات عقلية و جنسية كالاختطاف و اللواط و الجريمة المنظمة و المخدرات و تجارة العبيد …الخ
الاسلام دين الفطرة السليمة الذي يواكب احتياجات الانسان العلوية و الغريزية بطريقة سوية و صحية لذا فقد اهتم بالانسان منذ ولادته حيث سن الختان كوسيلة للطهارة من شتى التعفنات و الامراض في الصَّحيحين عن أبي هُريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الفطرة خمس: الخِتان، والاستِحْداد، وقصّ الشَّارب وتقليم الأظافر، ونتْف الإبط))
و القرآن الكريم و السنة النبوية حوت الكثير من الدرر التربوية بشتى أنواعها . وهنا تتجلى لنا عظمة الإسلام في خوض القضايا المتعلقة بالإنسان للحفاظ على سلامة وجوده النفسية و الجنسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الحضارية .
تطبيق القاعدة
-*تربية الطفل على الطهارة الجسمية و النفسية و الجنسية :
فتعليم الطفل الصلاة منذ السابعة من عمره لخير دليل على التنشئة الدينية المتوازنة فهو يتعلم الطهارة الجسمية عن طريق الاغتسال و الوضوء و يتعلم الطهارة النفسية فالوقوف بين يدي الله للصلاة تعلمه الانقياد للأوامر الإلهية فينعكس ذلك على سلوكياته اليومية و يتعلم النظام الذي هو عصب الحضارة
(مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر…) [أبو داود]
فالتشديد على التربية منذ الصغر على الصلاة هي تربية روحية وجسمية و نفسية و جنسية لأن الصلاة تشترط الطهارة و الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و هي تلازم المؤمن مدى الحياة
*التفريق في المضاجع أسلوب حضاري يحفظ الابناء من النظر الى عورات الآخرين التي قد تثير غرائزهم لأن ديننا دين الحياء
قال الرَّسولُ
– صلَّى
الله عليْه وسلَّم -: ((وفرِّقوا
بيْنهم في المضاجِع))؛ رواه
أبو داود في سُنَنه.
من هنا يبدأ احترام الآخرين فلا يتطلع الى
عوراتهم مما يؤدي الى احترام نفسه بالحفاظ
على ستر عورته فيتعلم الحفاظ على جسمه
ودور الاولياء هو تربية الابناء على الحفاظ على عوراتهم و ذلك بعدم التكشف و عدم السماح لأي كان ان يلامس عوراتهم التي قد تهيجهم جنسيا فيكتشفوا اللذة الجنسية التي قد تحتاج الى الإشباع باستمرار مما يؤدي الى ممارسة الجنس مبكرا و قد ينجر الاطفال الى الرذيلة إذا لم يتلقوا التربية الكفيلة لحمايتهم من الشذوذ و من الشواذ
ودور الأسرة في هذه المرحلة هو التسامي بالغريزة الجنسية و ذلك بإشباع الطفل بالحب و الحنان و الاهتمام و تنمية الوازع الديني الذي يدعو الى التسامي بالغريزة و ليس الى الكبت .
*الاستئذان سلوك حضاري يدل على التربية الراقية و كيف لا و هي التربية الربانية التي تعلمنا منذ الصغر الأدب و الاحترام .و الاستئذان في هذا السياق هي تربية جنسية سامية للآباء و الأبناء على حد سواء.
لذا فعلى الاولياء تعليم أبنائهم الاستئذان عند دخول غرفة النوم لكي لا تقع أعينهم على ما يخدش حياءهم
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} النورآية 58
فالتربية الجنسية بإتباع الأوامر الالهية القائمة على الاحترام المتبادل الذي يتمثل في احترام الآباء للأبناء و احترام الأبناء للآباء تهدف الى التنشئة السليمة و الصحيحة و السوية .
*على الأولياء في هذه الفترة العمرية أن يراقبوا أبناءهم ذكورا و إناثا لتوجيههم التوجيه الصحيح لإبعادهم عن المثيرات الجنسية و ما أكثرها في هذا الزمان
-عدم السماح لهم بتمضية اوقاتهم أمام التلفاز لاسيما مع تعدد الفضائيات التي تغزونا و ما تحمل من افلام مثيرة للغرائز و أغاني خليعة و توجيههم الى حفظ القرآن الكريم ، إلى حفظ الأشعار الهادفة ، الى المطالعة ،إلى متابعة الاشرطة الوثائقية ،إلى البستنة المنزلية ، إلى المساعدة في الأشغال المنزلية المهم ابعادهم عن اي شيء يحرك غرائزهم و بذلك نكون قد وجهنا الغريزة نحو التسامي .
-عدم السماح لهم باستعمال الكمبيوتر إلا للضرورة القصوى مع وضع كلمة السر لاسيما إذا كانت فيه انترنت فهذا هو الآخر فضاء يعج بالمثيرات و المغريات و التشويهات لذا فدورك ايها المربي فعال و هام لكي يجتاز طفلك هذه المرحلة بسلام.
-عدم السماح لهم بمرافقة أصدقاء السوء و ما يترتب عن ذلك من تأثير على سلوكهم الأخلاقي و أخص بالذكر هنا السلوك الجنسي الشاذ فكم من أطفال ضاعوا في وحل الرذيلة بسبب رفقاء السوء
-عدم السماح لهم باللعب في الاماكن الغير الآمنة لأنهم قد يتعرضون إلى التحرش أو الاعتداء الجنسي لذا فدور الاولياء التفكير الجاد لإيجاد الفضاء المناسب للعب و توضيح لأبنائهم معنى التحرش الجنسي و الاعتداء الجنسي لأن أبناءنا ليسوا بمأمن من ذلك
تربية المراهق على الطهارة
الجسمية و النفسية و الجنسية :
المراهقة هذه الفترة العمرية الجد الصعبة و التي تقع بين الطفولة و الرشد و ما ينجم عنها من تغيرات فسيولوجية و عقلية تحتاج منا إلى تربية تتجاوب و هذه المتغيرات فالمراهق يعاني الكثير فهو تارة تراه طفلا و تارة أخرى تراه راشدا لهذا فهو في صراع دائم ، صراع العقل مع الغرائز ،صراع لإثبات الوجود
ودور الأولياء في هذه المرحلة الحرجة تحتاج الى مرافقة المراهق (ذكر و أنثى ) و تتبع تشكيل شخصيته فهو كالوردة تتفتح على الحياة و يحمل بين جنباته رصيدا طفوليا شكلته الأسرة و المدرسة و المجتمع .
فان نشأ المراهق في بيئة مؤمنة و تشبع بالقيم الاسلامية فانه يجتاز هذه المرحلة بسلام لأنه محصن فكريا بالمبادئ الدينية التي تبث الطمأنينة و السكينة في نفسه المضطربة و يحتكم في القضايا الجنسية الى القرآن الكريم و السنة النبوية .
*فهو وهي ينشآن على غض البصر لقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:
وغض البصر عن محارم الله يورث حلاوة من جهة فهي استجابة للأمر الإلهي الذي يؤجر لفعله و هي من جهة أخرى راحة نفسية يجنيها المراهق لان النظرة الشهوانية هي بداية للعملية الجنسية التي تدعو الى الاشباع و عدم إشباعها تفضي الى الشعور بالألم
*فهو لا يخلو بالمرأة الأجنبية اقتداء بالحبيب المصطفى حين قال ((لا يَخلونَّ أحدُكم بامرأةٍ، فإنَّ الشَّيطان ثالثهما))؛ رواه أحمد
فسلطان الهوى يبدأ (هاجسا) في النفس (فخاطرا) (فحديث نفس) (فهم) (فعزم)
*وهما لا
يقربان الزنا خوفا من الله العليم الحكيم {وَلاَ
تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} الاسراء/آية32
فالتحذير من ارتكاب فاحشة الزنا كما قال تعالى في محكم تنزيله يترتب
عنه أمراض جنسية مستعصية العلاج كالزهري و الهربس والسيلان و الإيدز مصداقاً لقول
المصطفى – صلى الله عليه وسلم – : ( لم
تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن
مضت في أسلافهم الذين مضوا ) رواه ابن
ماجه
*و هما يتصفان بالفطنة و الكياسة فهما لا يخالطان رفقاء السوء مخافة أن يجروهما إلى ارتكاب المعصية فالجليس كما قال الرسول عليه السلام نوعان (: (مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كمثل حامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك (يعطيك)، أو تشترى منه، أو تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه ريحًا خبيثة منتة) [البخاري].
*و هو يقتدي بيوسف عليه السلام في عفته و هي تقتدي بمريم عليها السلام في عفتها و بأمهات المؤمنين في أخلاقهن العالية و في ارتداء الحجاب الذي يصون كرامتها و يحفظها من التحرش و الاعتداء الجنسي
*و هو يستفيد و يعتبر بالقصص القرآني الذي هو وسيلة ناجعة للتهذيب و التأديب فقصة قوم لوط درسا أخلاقيا في التربية الجنسية حيث حرم الله اللواط لأنه يخالف الفطرة السوية من جهة و يدمر المجتمع من جهة أخرى
و ستبقى القصة القرآنية كما وردت في كتاب (القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته) للدكتور فضل حسن عباس ( ستبقى القصة القرآنية، إذن الشعلة تضيء لهذا الإنسان لتصل حاضره بماضيه، وستبقى النفحة الربانية التي تشرق بها النفس وتعمر القلب، وستبقى الوثيقة الوحيدة الصادقة الخالدة التي يطمئن الإنسان لمصداقيتها، وستبقى النمط السوي الذي إن ترسمناه حقا فسيقينا سلبيات التشويش، والتهويش والتشويه) (اجعل من التربية الجنسية جزء من منظومة قيم لعائلتك)