حصريا

الاستخلاف وأمانة التدبير البيئي

البيئة في القرآن الكريم د مونيّة الطراز المغرب

0 1٬108

الاستخلاف وأمانة التدبير البيئي

الدكتورة مونية الطراز -المغرب

يقوم الخطاب القرآني بأوامره ونواهيه على جملة من التوجيهات والإرشادات التي يمكن التعبير عنها بالهدايات القرآنية، فالهدايات القرآنية دلائل عامة إلى الصلاح الإنساني، ترشد بطرق مختلفة إلى مقصد واحد عام هو الاستخلاف بمفهومه القرآني المتضمن في قوله تعالى:﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. فعن هذا العزم الإلهي ترتبت مفاهيم التكريم والإعمار والأمانة والتسخير، وغيرها من المفاهيم الأساسية والمركزية التي تربط الإنسان بالأرض وبمحيطه الكوني العام، وترفع اهتماماته من الضيق والانحصار إلى رحابة الآفاق.

ومن المعلوم أن الإنسان ظل طيلة تاريخه الطويل بعيدا عن إدراك حقيقة وجوده على الأرض، قاصرا عن فهم مقاصد خلقه، وحقيقة تكريمه، وجسامة مسؤولياته، ينظر حسير البصر والبصيرة إلى محيطه المحسوس، وبقي على حاله مترددا في التماس هدايات الرسالات، إلى أن تبدت في العصر الحديث بوادر الوعي الإنساني الجديد، حيث صار أكثر سعيا إلى التحرر من ضيق الأفق الفكري الذي حبس فيه نظره في الأزمان السابقة، وغدَا أكثر قربا من التصور القرآني الذي يكتنز ضمن طبيعته المستوعبة، رؤية دقيقة للكون والإنسان. وأصبح، تبعا لذلك، أكثر استعدادا لفهم خصوصيات الشمول في الوحي المنزل، وتصوراته المفصَّلة للوجود الإنساني، فالقرآن الكريم يمتلك بالفعل وسائل الإمداد المعرفي الذي يحتاجه الإنسان في العصر الراهن، خصوصا في سياق وعيه الجديد بضرورة تأسيس تصورات ملتحمة للمستقبل الإنساني، في إطار ما أصبح يعرف ب«رؤية العالم»[1].

من هذه الزاوية الشمولية والمستوعبة، أصبح نظر المعاصرين أكثر اتجاها إلى ربط الإنسان بمحيطه الكوني، بما يتضمنه من محيط بيئي، حيث أصبح مفهوم البيئة محكوما في عيون العلماء والباحثين، برؤية كونية شاملة[2] وهذا أمر جديد يسمح اليوم بتقريب الرؤى الإنسانية من معارف الوحي عبر بوابة الرؤية الشمولية للقرآن الكريم. فمفهوم البيئة في القرآن يتعلق بالمقاصد الوجودية الكبرى، كمفهوم الاستخلاف، ومفهوم الأمانة، ومفهوم الإعمار، وغيرها من المفاهيم التي شملها الأمر العام بالإصلاح وعدم الإفساد، على أساس أن البيئة في المنظور القرآني مفهوم واسع يتعلق بهذه القضايا الكبرى التي بُني عليها خطاب الوحي وكل الرسائل السماوية.

تطور الوعي البيئي في العصر الحديث:

التصور الإنساني لمفهوم البيئة على النحو الذي انتهى إليه في الوعي الحاضر لم يكن حاصلا في الأذهان بعناصره ومقوماته التي صار عليها اليوم، فهذا المفهوم هو نتاج فكر إنساني، ومُحصَّل نظر فلسفي، وتوجيهات إلهية تفاعلت طيلة تاريخ الإنسانية، قبل أن تتشكل فيما أصبحنا نسميه اليوم ب«الفلسفة البيئية»؛ فالإنسان في العصور السابقة لم تكن له اهتمامات بالبيئة تناسب واقع الحال في هذه العصور، مع أن الاستشعار الفطري بالمصلحة كان حاضرا في التعامل مع فضائه على الدوام. كما أن الرسالات السماوية كانت تُرشِّد سلوك الإنسان وتنير مسالكه لحسن التعامل مع المحيط، حتى مع ما كان من ضعف تجاوبه. وفي كل الأحوال وسواء وعى الإنسان ذلك أم لم يعه هو «كائن بيئي في خلقته وحاجاته المادية إلى الغذاء والتنفس وإلقاء الفضلات والموت وترك الجسد العضوي بعد حين من حياته»[3] كما أنه يهتدي بالفطرة إلى اختيار المأوى المناسب والملبس النقي، والمأكل والمشرب الطاهرين، وهذه المقومات في المجمل، تدفع إلى التصرف من منطلق بيئي فطري قبل أن ينصرف التفكير إلى تعقيدات القضايا البيئة التي أصبحنا ننظر من خلالها إلى الموضوع في العصور المتأخرة.

والقدماء تعاملوا فعلا مع محيطهم بطريقة فطرية لا تحتاج إلى التكلف والكثير من التفكير. فقد عرفت المجتمعات القديمة اهتمامات واضحة بالنبات والحيوان والماء، وكانت لها تصورات مختلفة حول الفضاء الطبيعي وما يتصل به، وحول الظواهر المناخية المتنوعة، والتي كان الاهتمام بها يتخذ في بعض الأحيان أشكالا قدسية، تبلغ حد التخصيص بالعبادة. وكذلك كانت التعاليم الدينية فاعلة بدورها في توجيه هذا الاهتمام، إلى جانب الفكر الفلسفي الذي كان متحركا في تحليل الظواهر الطبيعية وتفكيكها، نعرف هذا من خلال ما نقل عن الحضارات القديمة التي يصل عمر بعضها إلى ما قبل القرن العشرين (ق.م) كما هو الحال في الحضارة الكريتية[4]، حيث ثبت اهتمام المينوسيين بالحدائق والنباتات والمياه وعنايتهم بالمساكن وظروف العيش الصحي فيها، وتطورت هذه العناية إلى العناية الطبية بعد ذلك، ويذكر المؤرخون سبق أعمال الطبيب اليوناني أبقراط 377 (ق.م) في هذا المجال، إذ ألف كتابا بعنوان «الأهوية والمياه والأماكن»، وهو أول بحث في علم المناخ الطبي كما قيل؛ قدّم فيه بيانات عن أهمية المناخ وتأثيرِه في الطباع، وبيّن فيه أثر البيئات المختلفة على الإنسان والحيوان. وكذلك كان الأمر في أعمال أرسطو 322 (ق.م) وفي أعمال تلاميذه أيضا. فهؤلاء كانت لهم جهود ترتبط بالتاريخ الطبيعي، حيث وَصَفت الحيوانات وعاداتها ورَسَمت علاقاتها ببيئتها، وهذا معروف أيضا في كتاب الحيوان لأرسطو على وجه خاص[5]؛ ولكن ذلك كلّه لم يكن على نحو نسقي ينطلق من وعي بيئي خالص، وإنما كان يتأسس على ملاحظات وتجارب وتأملات تتطلع إلى فهم أسرار الطبيعة بشكل عام، ولم يعرف ما يسمى اليوم بعلم البيئة إلا في العصر الحديث.

مصطلح البيئة بدلالته الحديثة مفهوم فرضته المستجدات المعاصرة والانتهاكات الصارخة التي أصبح يتعرض لها المحيط الإنساني بعد النصف الثاني من القرن 19م[6]. فمنذ ذلك الحين تطور النظر إلى المحيط البيئي من نظرته القاصرة إلى نظر شامل يؤطره ما يسمى بعلم البيئة (Ecologie). ففي سنة 1886م تأسس هذا العلم الذي أصبح يشير إلى علم العلاقات بين الكائنات الحية والعالم الذي يحوطهم كما لفت إلى ذلك مؤسس هذا الفرع.[7]

يشير مصطلح (Ecologie) إلى علم دراسة أماكن معيشة الكائنات الحية وكل ما يحيط بها، وقد اشتق أصل الكلمة من المقطع اليوناني (Oikes) والتي تعني بيت وLogos)) وتعني علم. وبسبب الانزلاقات البيئية التي نجمت عن سوء التدبير الإنساني للموارد، وبسبب كوارث الغازات والانبعاثات الكيماوية التي تفاقمت في النصف الثاني من القرن العشرين، انعقد أول مؤتمر للأمم المتحـدة حول موضوع البيئة في استكهولم عام 1972م وتم بهذه المناسبة الإعلان عن تخصيص يوم عالمي للتحسيس بمخاطر تلويثها، وطيلة مدة من التراكم العلمي والبحثي ومن العناية الدولية[8] أصبح النظر للمحيط الإنساني، ينبني على ما يسمى بالفلسفة البيئية التي انصرفت أكثر إلى التفكير في كل الفضاء الإنساني بطريقة شمولية لا تجتزئ العناصر الحية فيه؛ فقد غدا واضحا أن الكائنات الحية وغير الحية لا يمكن أن ينظر إليها إلا بما هي وعاء للحياة.

وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح البيئة في اللغة العربية بهذا التركيب والوصف والدلالة كان حاضرا في مصنفات بعض العلماء المسلمين منذ أواخر القرن 13 م على الأقل كما نرى في آثار ابن عبد ربه ومَسْلمة بن أحمد المجريطي. فمنذ ذلك الحين بدأ الاهتمام بالمجال الذي يعيش فيه الإنسان والحيوان والمأوى الذي يأوي إليه الكائن باعتباره الأساس الذي ينظم حسن سير المجموع[9]. ولذلك لم يكن مستغربا أن يعبر عن المصطلح اللاتيني (Ecologie) بلفظ البيئة، وهو تعبير دقيق لاتساع دلالته العلمية الجديدة، بالنظر لما يحتمله اللفظ من دلالة على المأوى بشكل خاص، فالبيئة في اللغة العربية اسم لفعل باء يبوء، وتبوأ الإنسان يتبوأ، بمعنى اتخذ مقاما ومأوى مناسبا للعيش، يقال بوّأت له منزلا أي هيأته ومكّنت له فيه[10]. وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم بصيغ مختلفة منها قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا، فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ ووردت عبارة: “بوأكم في الأرض” هنا، بمعنى: أنـزلكم في الأرض. وأما كلمة البيوت أو القصور فهي إشارات تكميلية لمعنى المأوى الذي تدل عليه عبارة بوأكم. وبغض النظر عن المصطلح فإن الحديث عن البيئة في القرآن الكريم يكاد يكون هو جوهر الوحي، وهذا موضوع يصعب تفصيله في حيز ضيق، ولكننا نستطيع استظهار بعض ملامحه بشيء من البيان على قدر ما يسمح به المقام، وسأبدأ بمفهوم التسخير والاستخلاف ثم مفهوم الأمانة ثم مفهوم الإصلاح والإفساد وغيرها من المفاهيم التي تشكل كليات عامة تندرج ضمنها المسألة البيئية بتفصيلاتها.

مفهوم التسخير وعلاقته بالبيئة:

إن الحديث عن البيئة في القرآن الكريم يشمل المأوى والمقام الذي يفي بالحاجة في فضاء محصور كما يشمل التنعم في الفضاء اللامحدود، وهو الأرض الواسعة بزروعها وجبالها وسهولها ومياهها وأنهارها وهوائها والفضاءات المحيطة بها، فكل ذلك يدخل في مشمول البيئة التي جعلها الله تعالى مهادا ميسرا للإنسان، فالأرض بما فيها من موجودات، وما حولها من فضاءات هي بيئة طائعة مناسبة لعيش الإنسان، وهذا التهييء هو تدبير مقصود يُعرف في القرآن باسم التسخير؛ والتسخير في اللغة هو الإلزام بالعمل بلا أجر، يقال سخَّر الشَّيءَ: أي ذلّله وأخضعه ويسره، فالله تعالى سخَّر الموجودات جميعها لتكون بيئة صالحة لاستقبال الإنسان والوفاء بحاجاته، وعلى هذا الأساس أوجد الماء والشجر والبحار والأنهار والشمس والقمر والنجوم، فكل هذا المحيط من الموجودات الحية وغير الحية هي لخدمة الإنسان، يُبيّن تعالى علة وجودها لهذا الغرض في عدة مواضع من قبيل قوله عز وجل: ﴿اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ، وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا، إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ فكل هذه المسخرات لها وظائف معلومة يُسهم كل عنصر منها في إنجاز هذا الكمال البيئي الذي جعله الله تعالى في أحسن تقويم، ومن المسخرات الرياح ولها وظائف في توفير الغيث والإنبات وتوفير مياه المشرب للإنسان والحيوان؛ إذ لا يمكن تصور المطر من غير رياح، وذلك ما تشير إليه آيات مختلفة منها قوله تعالى:﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ، فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ وقد ذكرت الرياح في القرآن الكريم 28 مرة، وذكر الماء ووظائفه واختلافات أنواعه بحسب الآثار البيئية التي يحدثها في المحيط الإنساني في (23) موضعا من القرآن الكريم، فقد ذكر باسم الماء المغيض، وهو الذي ينزل الطبقات السفلية ويشكل مياها جوفية قال تعالى: ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْر﴾ وذكر الماء الغور، وهو الذي يتعدى هذه المستويات فيصير الحصول عليه متعذرا، ويُحدث اختلالا في الحاجات الأساسية من الشرب كما في قوله تعالى ﴿أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين﴾ الماء الأجــاج: مـاء الأرض: مـاء الشرب والماء الطهور، والماء المسكوب، والماء الآسن، وغير الآسن…الخ، كلها تسميات بدلالات بيئية مخصوصة، كما ذكر الصيب والوابل والطل والبرد والغيث والودق وغير ذلك من أنواع المطر بوظائفه الطبيعية المختلفة.

وقد ورد في القرآن الكريم الحديث عن المياه البحرية وعن الأنهار بغايات إفهامية توضح أسرارها، وذلك من أجل التعامل الحسن معها؛ فتحدث عن الأثر المتنوع والمباشر للبحار على الإنسان، كالأثر الغذائي وتيسير التنقل باستعمال السفن، والتجمّل من لؤلئه ومكنوزاته، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (النحل:14) كما تحدث عن الآثار البيئية غير الظاهرة، كالعوازل بين البحار والمحيطات من قبيل قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ، فَبِأَيِّ آلآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ فالبحران إذ يلتقيان يحفظ كل منهما خصائصه، ويمنع تسرب طبائعه في اتجاه الآخر، فلا يقع التجاوز والاختلاط لوجود حاجز مائي غير مرئي (البرزخ)، والذي ترجع إليه مسئولية عزل الأصناف الحية التي تعيش في بعض المواضع دون أخرى، وهذا مدوّن في كتب التفسير، وزادته العلوم المعاصرة بيانا وتأكيدا كما نعرف.

أما بالنسبة للأنهار فقد أوضح القرآن الكريم أهميتها في البيئة، وذلك في العديد من الآيات منها قوله تعالى: ﴿أَمَّنَ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أنهارًا﴾ (النحل:10)، فالأنهار مسخرات لها وظائف معلومة في تأثيث البيئة الإنسانية وتكميلها قال تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم الأَنهارَ﴾ (إبراهيم:32).

إن هذه المسخرات كلها هي مقدمات للحياة السليمة ومعطيات للعيش السلس، ولكنها جميعا في تكاملها وتعاضدها تشكل سلامة المحيط العام وهو الأرض وجالها؛ فكل العناصر البيئية بحسب الخطاب القرآني متكاملة في وظائفها وغاياتها. والآيات تأتي في غالب الأحيان لتذكّر بهذا التكامل والتداخل؛ فالماء مثلا بمسمياته المختلفة ووظائفه المتنوعة وأشكاله الطبيعية المتباينة هو سبب استمرار صلاحية الأرض للعيش، ووجود الإنسان والحيوان والنبات مرتبط بوجود الماء بطريقة مباشرة، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَآءِ مِنْ مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (البقرة:164) وقال: ﴿وجعلنا من الماء كل شيء حيّ﴾ وليس ذلك فقط، بل القرآن يؤكد على أن هذا النبات النافع للحياة لا ينفع إلا بوجود سبب آخر وهو وجود أصناف نباتية قابلة للتلاقح بينها Fécondation)) وهذا الإيجاد كفله الخالق في قوله: ﴿وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْـمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ (الحج:5)

حسن التقدير البيئي ونفي العبثية عن الخلق:

إن الله تعالى لا يتحدث عن البيئة الإنسانية بمقدار ما يبصره الإنسان فقط، بل يوسّع نظره للفضاء الكوني من نجوم وكواكب وعوالم غير منظورة، قال تعالى ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ بل إن التسخير له اتصال بالحركة الفلكية نفسِها وجريان الكواكب أيضا، فلكل ذلك أثر على المحيط البيئي للإنسان، ولم يخلق عبثا. وهذا ما يدل عليه قوله تعالى ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ أَيْ “يَجْرِيَانِ مُتَعَاقِبَيْنِ بِحِسَابٍ مُقَنَّنٍ لَا يَخْتَلِف وَلَا يَضْطَرِب[11]، وهذه الدقة تحكم نظام الليل والنهار ويترتب عليها انتظام الفصول، وكل خلل فيها ينعكس بشكل مباشر على البيئة الإنسانية، قال تعالى: ﴿لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾. فكل حركة الكون تجري بحساب (حُسبان)، قال تعالى: ﴿فَالِق الْإِصْبَاح وَجاعل اللَّيْل سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم﴾.

لقد تحدث الله تعالى عن الحسابات الدقيقة في الكون، وذلك في مواضع مختلفة، كما في حديثه عن السماوات المتراصة ودقة تكوينها ﴿خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت﴾، فخلقها مُحكَم نفعي تتصل فائدته بالحياة البيئية لتكون طوع مصلحة الإنسان ﴿وسخر لكم الشمس والقمر﴾ أَي ذللهما وألزمهما بالعمل لصالح الإنسان. بل حتى النفاذ لخارج الأرض ممكن، ولا يكون إلا اتساعا في الفضاء البيئي الذي قدره الله تقديرا، قال تعالى موجها خطابه للإنس والجن ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ (الرحمن:33). ومع أن الله تعالى يسّر سبل الانتفاع من البيئة المُعدة للعيش الكريم، إلا أن العطاء الإلهي ليس سائبا مطلقا، فهو نفسه مقدّر بقدر، ومشروط بكسب الإنسان في محيط بيئته وخيراتها، وهذا الكسب يبقى محدودا مهما بُذل فيه من جهد، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير﴾ (الشورى:27) ، فالبيئة التي يوجد فيها الإنسان هي خَلق فائق الدقة والتقدير وفضاء منزه عن العبث، أوجده الله تعالى لغاية محدّدة، وهي التمكين للإنسان وفق أمر الله ومنهجه، قال تعالى: ﴿وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين﴾ (الأنبياء 16)، وقال ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 29.) وهذا الخلق في القرآن هو أوسع مفهوم للبيئة يمكن أن نتوصل إليه بأفهامنا، وهو لا ينحصر في فضاءات محدودة كما نرى، وتعميره مرتبط بمفهوم قرآني كبير ودقيق هو مفهوم الاستخلاف.

مفهوم الاستخلاف وعلاقته بالبيئة:

الاستخلاف في القرآن الكريم يرتبط بعظَمة المهام الوجودية للإنسان، فسؤالنا؛ لماذا أوجد الله البشر؟ يحيل بشكل مباشر على هذا المصطلح الذي نجده في عدد من سياقات خلق الأرض، ومن أهمها قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة:30) هذه الآية تحيل على حوار الله مع ملائكته يخبرهم فيها العزم على جعل آدم خليفة له في هذا الموطن الجديد الذي أحسن بيئته وفضاءه بما يناسب خلق البشر واحتياجاتهم، وقد بيّن القرآن الكريم تعجّب الملائكة من هذا القرار الإلهي حين خاطبوا الله تعالى بالقول: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:31)

يكشف السياق الحواري لهذه الآيات عن ميزة لم يكن للملائكة علم بها، وهي ميزة العلم والمعرفة، قال تعالى:﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة:31)، وقد دلت الآيات التفصيلية أن ميزة المعرفة خاصية يمكن أن تجنّب الإنسان الفساد في هذه البيئة التي سيستوطنها والتي سيكون مسئولا عنها، مسئوليةً تناسب سمو خلقه وتكريمه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـاتِ وَفَضَّلْنَـاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء:70) فبمقتضى هذا التكريم يتأهل الإنسان لحسن تدبير البيئة التي استوطنها ويتصرف فيها بمنطق الإصلاح الذي أمر الله به الإنسان كل الإنسان، وهنا تبرز قيمة مهمة في الإنسان وهي قيمة الإرادة والحرية والقدرة على الفعل، وكلها مقومات تناسب الاستخلاف، وهنا لا بد أن نقف عند أمر مهم، وهو أن آدم حين كُرّم في السماء وعُرِّف مسئولياته، وحين تبينت إمكانياته ومؤهلاته العقلية والحسية لم يُترك ليواجه مسئوليته في الاستخلاف على الأرض دون امتحان، فمن لطائف الإشارات الربانية بهذا الصدد، أن آدم خضع لاختبار قدراته حين وُضع أمام المسئولية وفي حالة اختبار في مجال يتعلق برمز بيئي، حيث أمره الله تعالى أن يتمتع في الجنة بما شاء وكيف شاء إلا أن يقترب من شجرة معلومة، وهذا اختبار لم يكن يترتب على التزام أمره أو اجتناب نهيه إصلاح ولا إفساد، بل كان المقصد محددا في لفت انتباه الإنسان لأهمية الامتثال الواعي والذي يستوي فيه الذكر والأنثى، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:35)، وحين تقرّر هبوطهما قال تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (البقرة:38). والمقصود هنا أيضا أن الإنسان لابد أن يلتزم الأمر الإلهي حتى لا يفسد في الأرض ويعبث بموجوداتها، فيفقد بذلك صفة المستخلَف، يقول تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ (الأنعام: 133)

إن مفهوم الاستخلاف هو أول ما يطالعنا عند الحديث عن علاقة الإنسان بالبيئة، شجرها وحجرها وهوائها ومائها وحيوانها وحشراتها وبَرها وبحرها وأرضها وسمائها، وكل ما يندرج تحت مسمى البيئة، فالبيئة بمفهومها العام أمانة وضعها الله تعالى تحت تدبير الإنسان المستخلف، وهي كأي أمانة قلّ شأنها أو عظُم يفترض فيها حسن التدبير، إلا أن دلالتها المرتبطة بالاستخلاف ذات مضمون كلي، ذلك أن أمانة حفظ المحيط الإنساني الذي يسمى الأرض هو رأس سنام الأمانات طبقا لقوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (الأحزاب: 72).

أمانة التدبير البيئي والإعمار:

إن حسن تدبير الموارد الحيوانية وتحقيق توازنها البيولوجي أمانة، والطاقة أمانة، والحفاظ عليها واجب للأجيال اللاحقة، وصون المياه أمانة، وهذه الأمانات تدل عليها جملة من التوجيهات القرآنية.

وحفاظا على الأمانة التي استُخلف عليها الإنسان دعا القرآن الكريم إلى عدم الإسراف والتبذير في الثروات الطبيعية التي يزخر بها المحيط الإنساني، بل إن واجب الحفظ يرتبط بمفهوم قرآني آخر وهو مفهوم الإعمار، إذ لا يطلب فقط أن يحفظ الإنسان هذه الموجودات التي أودعها الله في الأرض، ولكنه مطالب بضمان استمراريتها من خلال فهم أساليب اشتغالها والتدبّر في أسرارها، يقول تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت﴾ (الغاشية:17-18) ويقول عز وجل: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت:20) ومن وسائل الإعمار التشجير وإحياء الأراضي الموات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كانت بيده فسيلة واستطاع أن يغرسها قبل أن تقوم الساعة فليفعل”.

وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: ” من أحيا أرضاً ميتة فهي له” وقال: “من عمّر أرضاً ليست لأحد، فهو أحق بها” لأن الأرض وظيفتُها الإنبات وإخراج الخيرات التي تزخر بها للناس، ولا يحق حجب منافعها عنهم حتى مع امتلاكها، لأن ملك الإنسان هو ملك استخلاف. وتختلف وجوه الإعمار وإغناء الثروات الطبيعية، ولكن القاعدة في التعامل معها تتمثل في حسن التدبير وعدم الإسراف.

ويتحتم على الإنسان إلى جانب حفظ توازن البيئة النباتية أن يكون مسهما في حفظ البيئة الحيوانية، ولا يعني امتلاكه لهذه الثروات إطلاق يده فيها، فهو مسئول عن ضمان حياتها للمستقبل كما هو مطالب بالرفق بها، لأن الكائنات الحيوانية كما قال الله تعالى أمم أمثالنا: ﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم﴾ (الأنعام:38). الحيوانات لها عوالمها ووجودها المستقل ولها أيضا أحاسيس يجب مراعاتها والتصرف في الانتفاع بها وفق ضوابط الإحسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قتل عصْفوراً عبثاً عجَّ إلى الله عز وجل يوم القيامة، يقول يا رب: إنَّ فلاناً قتلني عبثاً، ولم يقتلني لمنفعة”. وفي حديث يرويه ابن مسعود رضي الله عنه قال: “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حُمّره (أي طائر) معها فرخان.. فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمّرة تعُرّش.. فجاء النبي صلي الله عليه وسلم فقال: “من فجع هذه بولدها؟؟ ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه قلنا نحن قال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار”.

«وقد نذهب في توضيح هذه الرابطة العضوية بين الإنسان وما تحت مسئوليته من الحيوان إلى اعتبار سفينة نوح وما حمل عليها من الأنواع، أول إشارة لواجب حماية النوع الحيواني من الانقراض عند حصول الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والأعاصير، كما يحمي الإنسان أقرب الأقربين إليه ويرغب في حمله ويتضرع إلى الله أن يكون من المحمولين: ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (هود:40-46). لقد كان التنوع البيئي المحمول في السفينة الناجية يضم الإنسان المؤمن والحيوان المرتبط به في حاجاته وليس كل الأنواع الحيوانية الموجودة في الأرض».

وهناك إشارات لطيفة في القرآن الكريم فيها دعوة صريحة للإحجام عن استهلاك الثروة الحيوانية إذا تبيّن أن استهلاكها سيؤدي إلى ضرر في التوازن الطبيعي وخلل في هذا المُكوّن البيئي، ومثاله النهي عن صيد البر أثناء الحج، بسبب الأعداد الهائلة للحجاج يقول تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (المائدة: 96)

«إن تحريم صيد البر على الحجيج لدليل على المعاني البيئية التي تحكم التشريعات الإسلامية حتى لا يتم إرهاق الوسط الطبيعي بما لا طاقة له به أمام الأعداد الهائلة للوافدين على الأماكن المقدسة».

ومن حسن تدبير البيئة أيضا الاقتصاد في استهلاك الثروات، وهذا باب من أبواب حفظ البيئة في القرآن الكريم، فهو يكتنز توجيهات غاية في الدقة والصرامة، ومن ذلك قوله عز وجل: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ (الإسراء: 26-27) وهذا لا ينافي الدعوة إلى التنعم، إذ التنعم أمر محمود ويذم منه التنعم الفاحش كونه سبب لإبادة المنافع المرصودة لسعادة العموم. والثروة أمانة لا تُطلق يد الإنسان فيها، حتى لا يقع مستقبله في مأزق الاختلال، يقول تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ (الإسراء:29) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مر بسعد بن أبي وقاص، وهو يتوضأ فقال: “ما هذا السرف فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار”. والرسول صلى الله عليه وسلم حين أمر بضرورة الاقتصاد في استعمال الماء حتى لو كان الاستعمال على نهر جار لم يكن قصده ما يُحدثه الغسل أو ما شابه ذلك من نقص في الماء، وإنما كان القصد أن يتربى حسّ الاقتصاد في استثمار البيئة، وقال عليه السلام أيضا: “كُل واشرب والبس وتصدق في غير سرفٍ ولا مخيلة”.

ومن المهم أن نؤكد بمناسبة الحديث عن المنهج القرآني في التعامل مع الثروات الطبيعية أن الأمر بحسن التدبير ينضبط بمفهوم الإصلاح وينخرم بمفهوم الفساد، فثنائية الصلاح والفساد في الوحي المنَزَّل كلية من الكليات العامة للشريعة أيضا وهي تحكم كل فروع التشريع، وتتعلق بكلية الأمانة على الأرض، يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ (الأعراف:56) ويقول أيضا تثمينا للعمل الإصلاحي وتشجيعا عليه: ﴿ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ﴾ (الأعراف:170)، فالأمر بالإصلاح عام في كل ما يستدعي العناية والحفظ كما تؤكد ذلك الآيات القرآنية المختلفة. وكذلك النهي عن الفساد عام ممقوت يقول تعالى: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص:77). وهناك إشارة دقيقة في القرآن الكريم حول هذا الموضوع وتتعلق بالحرص على الإنسان باعتباره مكونا بيئيا رئيسيا، ولا يمكن أن يودي بحياته لسبب من الأسباب، وهو مسؤول عن حفظ دينه الذي يرشده لأقوم السبل، وعن عقله الذي يدله على التمييز، ومسئول عن نفسه التي هي أساس الوجود، وعن نسله الذي يضمن استمرار الحياة بعده، وعن مالِه الذي هو قوام تدبير وجوده في بيئته، وهذه الأساسيات أطلق عليها علماء الشريعة اسم المصالح الخمسة، ويكفينا من هذه الكليات للمثال قوله تعالى: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ (البقرة: 194). والهلاك قد يكون بسبب الانتحار أو بسبب التدخين أو أي شكل من أشكال الضرر الذي يؤثر على صحة الإنسان أو عقله أو يودي بحياته، فالبيئة التي يعيش فيها الإنسان تستدعي السلامة في مكوناتها بما في ذلك المكوّن البشري.

وقبل أن نختم الحديث عن الفساد والإصلاح باعتبارهما كليتين عامتين من المهم أن نلفت النظر إلى آية تبين خطورة فعل الإفساد، وأنه قد يستشري أمره ويكون موجبا للهلاك الإنساني وهي قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم: 41) وهذه الآية تستوقفنا كثيرا في هذا العصر، وتدعونا للتأمل العميق في هذا الكم من مظاهر الفساد الذي عم البر والبحر والفضاء.

إننا بموجب الوعي الإنساني وبموجب الأمر الإلهي مطالبون بإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الأمور إلى نصابها قبل أن يستعصي التصحيح، وضابطنا في ذلك تقوى الله في ما نحوزه من خيرات بيئتنا، وحتى في حياتنا التي نحياها، قال الله تعالى: ﴿إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها﴾ (الإسراء 7).

الحفاظ على البيئة عبادة:

إن الفرق في التعامل مع البيئة بين المنطلق الديني والمنطلق المادي أن الباعث الديني يكون أقوى وأقدر على التصويب وكبح نزوات النفوس وميولاتها المنحرفة، فبدافع الدين –أي دين- نتجنب الفساد طاعة لله وتعبدا، ورجاءَ المحبة والأجر أيضا، وبدافع الدين نترك الفساد من باب المحبة والطاعة ومخافة سخط الله؛ فالأعمال في منظور الدين إنما يؤطرها مفهوم العبادة، وهذه قاعدة يبنيها القرآن في الأمر بالإصلاح والنهي عن الفساد، سواء تعلقت بالقضايا الكبرى ذات الشأن العظيم أو بالقضايا التي تبدو تافهة، وعلى هذا الأساس أكدت السنة على الانتباه لدقائق الأعمال وعدم احتقارها خيرا أو شرا، فحتى إزالة الأذى عن الطريق صدقة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان مفهوم الإيمان حيث قال: “الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ” ومن المهم أن نشير إلى أن هذا المنهج في التربية على الثقافة البيئية أمر مطلوب لتقويم السلوكات، ولقطع جذوة الفساد، ذلك أن الإنسان إذا كان حريصا على رفع أذى عن غيره ولو كان قشر موز على الطريق، كيف يمكن أن يكون هو نفسه سببا في أذى بيئته؟ ومن تربى على هذا الحرص وأصبح ملازما له كيف يؤذي غيره بأي طريقة أو أسلوب؟ وهل مثل هذا يستطيع أن يقطع الشجر ويفسد بين البشر؟ كيف يفعل ذلك وهو يعلم أن الله تعالى قال: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾  (الزلزلة: 7) والذرة الجزء الدقيق من الأجسام والذي لا يكاد يرى.

وكيف يؤذي محيطه وبيئته التي يعيش فيها وهو يتلو قول الله تعالى: ﴿إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ (البقرة: 205).”

إن استشعار رقابة الله تدفع إلى التنعم في إطار الوعي والمسؤولية والالتزام، يقول تعالى:﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف:31) ، كما تدفع إلى تقويم التصرفات بشكل دائم؛ ويسعى الإنسان ليكون على أحسن حاله مع الخالق الذي يعده بالحساب يوم القيامة على كل تصرفاته تجاه النعيم الذي حباه به، يقول عز وجل: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ (التكاثر:8).

إن التقوى التي هي أعلى مراتب الالتزام الديني تجعل صاحبها ورعا من الوقوع في الإفساد، حذِرا أن يكون سببا في الاختلال البيئي وهو يعلم أن الله يراقب أعماله، وبدافع ورعه يكون مُسهما في مصلحة البيئة وهو يعلم أن الله يحب عمله ويأجره عليه؛ فإطعامه الحيوان تقرب إلى الله، وسقي نبات ذي أكل مأجور، وغير ذي أكل فيه أجر كذلك، فهو سبب للظل وللتدفئة، ولتحقيق الكثير من أنواع المصالح للإنسان، وحتى الطائر الذي لا يُدرَك في الجو يؤجر على إطعامه وسقيه، قال صلى الله عليه وسلم: ” في كل كبد رطبة أجر” أي أن الإحسان إلى كل حيوان كيفما كان هو عمل مأجور مهما كان وجه الإحسان من إطعام أو كسوة أو سقي من عطش، وسمي الحي ذا كبد رطبة، لأن الميت يجف جسمه وكبده. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: “ما مِن مُسلم يَغرِسُ غَرْسًا أو يَزرَعُ زَرْعًا فيأكُلُ مِنه طَيرٌ أو إنسَانٌ أو بهيْمَةٌ إلا كان لهُ بهِ صَدقَةٌ”

بقي أمر مهم، لا يستقل بالأهمية عن غيره، أن الجزاء الذي يناله الإنسان من الله نتيجة العمل الصالح، لا يقتصر فقط على ثواب الآخرة، بل ينعكس أثره على حياة الإنسان، وفي هذا قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 97) ومن طبيعة الإنسان أنه يحب أن يُشكر على ما فعل من خير وعمل تطوعي، وأن يُظهر أثر فعله الحسن فيلمسه الناس، ولذلك رفع الله تعالى من شأن هذا التطلع فقال: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105) .

وهناك تجليات للبعد البيئي في العبادات نلمسها في أبواب الطهارة من وضوء وغسل، فالنظافة جزء من نقاء البيئة وهي في الإنسان أولى، وكذلك إدراج ثقافة الحفاظ على الثروة الحيوانية والرفق بالحيوان ضمن شعائر الحج وفي اعتبار الأرض فضاء طهورا للصلاة، وكذلك في التيمم الذي يعوّض الوضوء عند ندرة الماء، أو الوضوء بماء البحر تجنبا لهدر الماء العذب. وفي الصدقات والزكاة والوقف، وغير ذلك من أبواب التعبد، اعتبارات بيئية توجه التشريع والأحكام. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العمل التطوعي لمصلحة الناس لا ينقطع أثره حتى بعد الوفاة، وقد سمى استمرار الأجر بعد الوفاة بالصدقة الجارية أي العمل الذي لا ينقطع أجره.

إن حفظ البيئة في القرآن الكريم أمر يقع في صلب المقاصد الكلية للشريعة، وهو واجب لا يمكن حصره في الجوانب غير المحسوسة في كل الأحوال؛ فالفضاء البيئي ليس نباتا وشجرا وحيوانا وبشرا فقط، فللهواء حرمة لا يجب خرقها بالروائح الفاسدة وبالمواد الغازية المضرة، وهذا مجال بيئي يتعلق بحاسة الشم، وقد يحصل من خلاله الضرر، وأقل الضرر فيه الانزعاج والضيق، والمجال السمعي بدوره مجال بيئي، والطمأنينة والهدوء حق بيئي يجب احترامه أيضا، ولا يمكن هتكه بالأصوات المزعجة، والليل سكن ﴿وجعلنا الليل سكنا﴾ فلا يمكن كسر السكن بالأصوات المرتفعة، بل حتى الحديث ينبغي أن يكون لطيفا وبأصوات هادئة، فالله تعالى أمر بخفض الأصوات في الأوساط الاجتماعية قال: ﴿واغضض من صوتك﴾ ونهى عن رفع الأصوات عند مناداة الناس على بعضهم فقال ﴿إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم﴾ وهذا النهي نفهمه في إطار الحرص على المشترك البيئي وقد نسميه بالتلوث الصوتي.

ومن الإشارات القرآنية ذات الصلة بقضية البيئة، التنبيه إلى أن المجال البصري هو مكمل للبيئة بدوره، فالحيوانات عناصر أساسية في البيئة، وقلما يُلتفت إلى عنصر الجمال في بعضها، ولذلك نبه الله تعالى إلى المكون البيئي البصري في الحيوانات وليس فقط في الأزهار والأنهار ولذلك ذكَّر بوظائفها في القرآن، وركز على هذا الجانب المنسي فقال تعالى: ﴿والخيل والحمير والبغال لتركبوها وزينة ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون﴾

خاتمة:

إن قضايا البيئة في القرآن الكريم لمن تأملها تنطوي على دقائق غاية في الأهمية، ولا يمكن استنباط توجيهاتها انطلاقا من الآيات التي تتحدث عن الوسط الطبيعي والكائنات الحية وغير الحية فحسب، فالدرس البيئي يُستشف من كل سياقات الخطاب، ويحيل على جملة من الإيحاءات التي تحتاج إلى التفكيك من أجل تركيب جديد يناسب الوقت، فجوهر القرآن الكريم أنه كتاب مقاصدي يتطلع إلى تحقيق السعادة للناس كل الناس، وتشريعاته لا تحفظ مصالح المؤمنين به فقط، بل يستوي في المصلحة التي يطلبها كل البشر، فرسالة القرآن تنزّلت رحمة للناس كما قال تعالى مخاطبا نبيّه: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ بل رحمة الله وسعت كل شيء شجرا وحجرا وحيوانا وبشرا. قال تعالى يخبرنا عن مشمولات رحمته: ﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾ ومن مقتضى الشمول فيها، أنه أودع أسباب الرحمة في الأرض ومحيطها، فلا يجوز حجب رحمة الله، والبيئة من هذه الأسباب، تختزن صنوف الرحمة الإلهية بالإنسان والحيوان وغيرهما، وهي فرع من أصل الرحمة الواجبة في الكائنات جميعا.

إن الوضع البيئي الذي أصبح يعاني منه الكون، يستدعي تضافر كل الجهود، والاستمداد من كل المقاربات، ولكنه يستدعي بشكل خاص، استحضار المكوّن الروحي، والقيم الأخلاقية، فالكثير من الفلسفات الحديثة التي جعلت من الإنسان محور المصالح في الوجود، غيّبت فيه هذا البعد الروحي، ونفخت في أنانيته حدّ التأليه، وما فطِن أصحاب هذه الفلسفات أن مقارباتهم ستنعكس سلبا على مستقبل هذا الإنسان ومستقبل البيئة التي يعيش فيها، والتي كان من الممكن أن تُحفظ  لو لم يبلغ الجشع الإنساني مبالغه القاتلة.

إن القرآن الكريم مع أنه يزخر بهدايات بليغة في هذا الموضوع، إلا أن المسلمين أهملوه مع الأسف، ومع أن خطابه كان للناس كافة، إلا أن بعض المسلمين أصروا أن يجعلوه تعويذة في أعناقهم، غلّبوا فيه الشكل على الجوهر، وحصروا العبادة في ظواهر كلماته وأغفلوا القيم الحضارية التي فيه. ولو أن المسلمين أبصروا هدايات القرآن بمنظار عمراني واسع ومستوعب لجعلوها أساسا لحفظ الحياة حفظا راشدا يستمد من القرآن أصول التعامل مع الفضاء البيئي بمفهومه الكبير، ولخولهم ذلك الصلاحية لقيادة العالم إلى السعادة، فالله تعالى الذي خلق الإنسان وجعل الأرض مأواه، أوجد لهذا الغرض مسالك تبلغ إليه، ومن أقرب المسالك إلى حفظ مصالح الإنسان وتبصيره بوظائفه الوجودية، الوعي البيئي بمقوماته وخصائصه التي بين القرآن الكريم ملامحها، والتي يستوي فيها البشر بإنسانيتهم قبل أن تميزهم الأعراق والأديان.

 

[1]  رؤية العالم مركب لفظي ظهر في متون الفلسفة الألمانية وانتشر بأمريكا أواسط القرن العشرين و«تعني الرؤية هنا الإطار المعرفي الأعم الذي تتحرك داخله الأمة وتَعِي حركتها ومعنى وجودها في الحياة، والرؤية هي ما يوحد أمة ما، وما ينعكس في كل نواحي عمرانها وحياتها، وما يهدي سيرها المشترك نحو قبلتها التي تشكل غاية سيرها». انظر: ملامح رؤية القرآن الكونية في أول ما نزل من الذكر الحكيم، الدكتور ناجي بن الحاج الطاهر، ص39 ضمن كتاب: القرآن الكريم ورؤية العالم مسارات التفكير والتدبير، أعمال الندوة الدولية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء يومي 3 و4 يونيو 2014

[2]  ص 7 المخاطر الطبيعية في العالم

 

[3]منظور الإسلام إلى المحافظة على البيئة، عبد المجيد الطريبق، ص 49-50.

[4]  انظر تاريخ العالم الإغريقي وحضارته فوزي مكاوي، من الصفحة 28 إلى ص 40

[5]  انظر “منظور الإسلام إلى المحافظة على البيئة”، عبد المجيد الطريبق ص 50.

[6]  في هذه الفترة، وبالضبط سنة 1869م، اقترح عالم الحيوان الألماني أرنست هيجل Ernest Haeckel إطلاق مصطلح Ecology، على المجال الذي يبحث في إبراز علاقة الحيوان مع المكونات العضوية واللاعضوية في البيئة، وهو المصطلح الذي ترجم إلى الللغة العربية تحت اسم علم البيئة.

[7]  انظر كتاب المخاطر الطبيعية في العالم، لويك شوفو، ص 100، وهذا لا ينفي سبق أرنست هيجلErnst Haeckel) ) صاحب الفضل في اكتشاف الآلاف من الكائنات الحية، كما لا ينفي أن فضل التكميل ينسب إلى علماء آخرين أمثال الألماني لاو ليبيج (Law Liebig) والمعروف بقانونه: «قانون ليبج» الذي بين أن العوامل البيئية تتحكم في أنماط توزيع الحيوان وغيره من الكائنات الحية، وأن القدرة على تحمل الظروف البيئية تختلف في كل نوع من هذه الأنواع، فبجهود حثيثة ساعد عليها تطور العلم الحديث صرنا ننظر إلى علم البيئة باعتباره «الدراسة العلمية لتوزع وتلاؤم الكائنات الحية مع بيئاتها المحيطة وكيف تتأثر هذه الكائنات بالعلاقات المتبادلة بين الأحياء كافة وبين بيئاتها المحيطة» وطبعا إذا كانت تصح هذه النسبة على المستوى العلمي المؤسَّس، فإن ذلك لا يعني أن هذا العلم كان اختراعا من غير مثال ولا اكتشافا من عدم، وقد أشار الدكتور الطريبق إلى نضج الوعي البيئي في مصنفات علماء مسلمين سابقين، انظر كتابه منظور الإسلام إلى المحافظة على البيئة ص 51.

[8]  كان البحث المعاصر في المجال البيئي، مستصحبا دائما باهتمام دولي يواكب التطورات، وذلك على الأقل منذ تقرير نادي روما سنة 1972م، وهو المؤتمر الذي تلته محطات تاريخية ذكرها أحمد الحطاب في كتابه: القرآن الكريم وأزمة البيئة والتنمية، ص: 7 و8

[9]  منظور الإسلام إلى المحافظة على البيئة، عبد المجيد الطريبق ص: 51

[10]  انظر العباب الزاخر للحسن الصغاني، ولسان العرب لابن منظور، مادة «ب و أ»

[11]  انظر شرح الآية في تفسير ابن كثير.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.